تساعد في تمكين النساء في حي شعبي... فهدة جوهر تزين "شارع الورد" بالزهور

حولت الخمسينية فهدة جوهر حيها الصغير إلى صديق للبيئة ومتعة للناظرين من خلال زراعة الأزهار والنباتات.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ ثمة نساء كثيرات في الظل لا نعرفهن برغم ما حققنَ من مبادرات وإنجازات، دأبهنَّ العمل بصمت لتحقيق ذواتهن في مجالات عدة من الفن والجمال إلى رفد مجتمعاتهن بمقومات العيش الكريم، ليؤكدن أن المرأة مفطورة على عمل الخير، بالحب تعمل وبالحب تجتهد، وبالحب تحلِّق عالياً في فضاء عطائها.

وهذا حال فهدة جوهر البالغة من العمر 52 عاماً، التي تمكنت من تحقيق مشروع جمالي في منطقة ضهر المغر، وهي من أحياء القبة، المنطقة الشعبية في طرابلس (شمالي لبنان)، حيث حوّلت حيها المتواضع الذي تقيم فيه متعة للناظرين، وسط حديقة ملوّنة ومساحة جميلة لا تشبه الأحياء المحيطة، واستمرت ولا تزال تعتني بهذه الحديقة التي بدأتها بمبادرة فردية منذ عام 2014، ما شجع أحياء أخرى مجاورة على تبني هذه المبادرة.

"نزرع الأشجار ليصبح حينا أجمل"

بفلسفة بسيطة وبفخر أخذتنا فهدة جوهر بجولة في حيها الشعبي، تشرح عن كل نبتة زرعتها ومن أين أتت بها وعن الأواني والبراميل وغيرها من الأدوات التي اقتنتها عبر السنين، وبدأت بأول شجرة زرعتها فقالت "هذه الشجرة الأولى التي زرعتها في عام 2014، وهي شجرة زنزلخت، وهي طاردة للحشرات أيضاً، ومن يومها ونحن نزرع ليصبح حينا هو الأجمل".

وتابعت "في البداية جاءت مجموعة من طلاب الجامعة وكان لديهم مشروع حول البيئة والحضارة وإعادة استعمال المواد وأحضروا معهم إطارات كبيرة، وقاموا بتعليمنا أساليب إعادة الاستعمال والزراعة، وفكرت بعدها أننا نشاهد عبر التلفزيون أحياء شعبية ضيقة وصغيرة في إسبانيا وإيطاليا وتشبه أحياء بلادنا، وقام أهلها بزراعة الأزهار والنباتات، فلماذا لا نقوم نحن أيضاً بتجميل حينا وتحسينه وتنظيفه؟"، لافتةً إلى أنها "جمعت النساء والأطفال، وبدأت شيئاً فشيئاً بالعناية بالحي ليصبح الأجمل".

من مبدأ نظافة الشارع انعكاس لنظافة المنزل، وأن كل شخص مسؤول عن نفسه ومحيطه وجدت فهدة جوهر أنه "لا يجب أن ننتظر أحداً لنقوم بما يتوجب علينا عمله، فلماذا ننتظر الدولة أو البلدية؟"، وقالت "من شيء بسيط يمكننا فعل الكثير، وليبدأ كل منا بنفسه، وبالمثابرة يمكننا إنجاز الكثير، المهم أن نقرر ونصمم فعل أمر ما، وبعدها يمكننا التغيير، ولم أكتف بما قمت به، بل أحاول تشجيع الأطفال وتحفيزهم على المشاركة والمساهمة في نظافة الحي والزراعة، ما يزرع فيهم القيم الجميلة من حب الأرض والبيئة والنظافة والمشاركة المجتمعية".

وأشارت إلى أنه لم "يساعدني أحد مادياً، بل اكتفيت بما أجنيه من عمل يدوي وصناعات غذائية من مؤن وغيرها كماء الورد والزهر ودبس الرمان أعيل من خلالها أسرتي المكونة من خمس فتيات وشاب، وأعاون زوجي الذي أصيب خلال الحرب، وساهمت معه أيضاً في فتح محل لبيع الفحم، وأشتري بما تبقى كل ما أستطيعه لتجميل الحي".

شارع الورد

ولفتت إلى أنها سابقاً كانت تشتري الأصص الملونة وتزرع فيها زهوراً مختلفة قبل ارتفاع سعر صرف الدولار، ولكن الآن "كلما وجدت آنية تصلح للزراعة، اقتنيها أو أجمعها من محلات النجارة مثل براميل الغراء التي أعطاني إياها النجار مجاناً، أو هذا (القازان) القديم الذي قطعته نصفين لدى الحداد واستخدمه لزراعة الشتول التي اشتريها، أو آخذ قطعة من النبات أعجبتني من بستان أو من عند معارفي، وحتى الإطارات القديمة التي قام البعض باستخدامها في أعمال الشغب بحرقها، ما يؤثر على الناس وعلى الأجهزة التنفسية من ربو وغيره، قمت بجمعها وتحضيرها لتعليقها واستخدمها في زراعة أنواع النباتات المختلفة، فضلاً عن أنني أعمل على طلائها بألوان مختلفة لتعطي مظهراً رائعاً".

وترى أنه "مع الأزهار تعطي الإطارات المستعملة منظراً جميلاً، بدلاً من تأثيرها السيء على البيئة، وخصوصاً أن العلاج والأدوية والمستشفيات أصبحت غير متاحة للكثيرين وسط الوضع الاقتصادي المتردي"، وتعلق قائلة وهي ترينا زهرة "هل هناك أجمل من هذا المنظر؟، وهو ما دعا زوار هذا الشارع لتسميته بشارع الورد".

 

عائلة واحدة

ولم تكتفِ فهدة جوهر بتشجيع جاراتها على معاونتها في تنظيف الشارع وجمع النفايات إثر إشارة منها باستخدام جرس ليخرجوا نفاياتهم في وقت معين مع قدوم عامل النظافة، وعدم رميه في الشارع، بل حثتهن على مساعدتها في تنظيف الشارع، كما أشركت الأطفال في الحي في عملية الزراعة والري والتنظيف.

وأشارت إلى عدة علب بلاستيكية ربطتها بحبل، وقالت "هذه علب تنظيف بلاستيكية يرمونها في الشارع، جمعتها وخصصت كل منها لأحد أولاد الحي، ليستخدموها بتعبئة المياه من السبيل لري المزروعات، وإذا لم نعلم أولادنا على هذا الأمر، فلن يثابروا على تجميل محيطهم والمحافظة عليه".

 

تخليد ضحايا انفجار بيروت

وتزرع فهدة جوهر بالإضافة إلى الأزهار ونباتات الزينة والياسمين والورود على أنواعها، بعض النباتات الطبية والعطرية والتي تؤكل مثل البصل والثوم والفلفل والنعناع والعطرة والمردقوش والقصعين وغيرها، وتقول "استخدمها تلك النباتات العطرية في الطعام وفي صناعة الكبة، وتعطير المشروبات كالشاي وغيرها، وهي جميعاً من قطعة من النبات، ازرعها ونستفيد منها".

وخلدت ذكرى ضحايا وجرحى انفجار مرفأ بيروت بزرعها شجرة بتاريخ الرابع من آب/أغسطس 2020، وقد زرعتها قرب سبيل المياه لتعطي الفيء بما يمكن لأهل الحي للجلوس تحتها.

 

تصنيع المواد الغذائية

وقد أثرت فهدة جوهر على محيطها والأحياء القريبة، إذ بادرت نساء إلى القيام بمبادرات مشابهة، وزرعن الأزهار والنباتات الطبية، كما وتأثيرها يمتد إلى أبعد من ذلك، فقد ساهمت بتمكين العديد من النساء في مجتمعها، حيث تساهم بتدبير أعمال للبعض في المنازل أو في أعمال يدوية، وتصنيع المواد الغذائية للمناسبات، حيث استأثرت بثقة مجتمعها، حتى بات يقصدها الكثيرون لتؤمن لهم نساء متمرسات في تحضير المأكولات البيتية لتحضيرها للمنازل والمناسبات.

وأضافت "أصبح الأهالي يقصدونني لاحتفالاتهم ومناسباتهم وتحضير المأكولات المختلفة، خصوصاً وأن كثير من النساء ليس لديهن وقت بسبب العمل، وبسبب معرفتي بالكثير من النساء وأحوالهن، أقوم بتوزيع العمل على من يتقنه، للحصول على النتائج الأفضل، وقد ساعد هذا الأمر مئات النساء مادياً ومعنويا، وبدأت الدائرة تتسع لتشمل عددا أكبر منهن، ما يعطي النساء فرصاً جديدة تمكنهن من مساعدة عائلاتهن وأطفالهن، وقد نلت ثقة الزبائن، ما فسح مجالاً للعلم لدى كثيرات".