تأثير النفايات البحرية على البيئة والكائنات

المخلفات والنفايات البحرية تعد من القضايا البيئية الهامة والحرجة التي تواجهها الدول في كافة أنحاء العالم، والتي لم يتم التوصل لحلٍ جذرياً لها، بما يتماشى مع أهداف التنمية العالمية بشأن حماية المحيطات والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام.

مركز الأخبار ـ
 
النفايات... أنواعها وأسباب تشكلها
النفايات هي مجمل مخلفات الأنشطة البشرية المنزلية والزراعية والصناعية، المتروكة في مكان ما، وتقسم لعدة أنواع بحسب طبيعتها كالمواد العضوية الناتجة عن مخلفات المطابخ والمحاصيل الزراعية، والمركبات المعدنية أو الشعاعية التي تؤدي لمشاكل بيئية خطيرة، وهي ناتجة عن مخلفات المصانع، أما النفايات الصلبة فهي مكونة من مواد معدنية أو زجاجية، وتحتاج إلى مئات السنين لتتحلل، ويشكل تواجدها خطراً بيئياً على المدى الطويل.
المواد السائلة أيضاً تدخل ضمن إطار النفايات، مثل مياه الصرف الصحي التي تصب في الأنهار أو البحار، وكذلك الغازات أو الأبخرة الناتجة عن حلقات التصنيع، أو الناجمة عن حرق مكبات النفايات بقصد التخلص منها. 
تعد الزيادة المطردة للسكان والأنشطة المرتبطة بها من أهم الأسباب المؤدية لانتشار النفايات، نظراً لزيادة الاستهلاك البشري للغذاء، بالإضافة للتقدم الصناعي الهائل الذي لم يُرفق معه طرق لمعالجة تراكم النفايات الناتجة، أو إعادة استخدامها، والاعتماد على المصادر الصناعية دون الطبيعية منها، وعدم تطوير الأنظمة الهادفة للاستفادة من النفايات، وتقاعس القوانين والأنظمة التي تمنع الأفراد من رميها بصورة عشوائية.
تطاير غاز الميثان الناجم عن تحلل النفايات اللاهوائية يسبب تلوث الهواء الجوي، وهطول الأمطار الحامضية، واحتباساً حرارياً، وقد تدمر طبقة الأوزون الموجود في الغلاف الجوي بسبب المواد الكيماوية المستخدمة.
كما تسبب النفايات تسمم الكائنات المائية، فقد أثبتت دراسة مسحية أجرتها جامعة بليموث البريطانية، أن جزيئات البلاستيك وُجِدت في أنسجة السمك الذي تم صيده في بريطانيا، وبعض الدول تعمد إلى التخلص من النفايات عن طريق دفنها في التربة، فتسبب تلوثاً للمياه الجوفية، وتغدو التربة غير صالحة للزراعة. 
 
النفايات البحرية وأضرارها
النفايات البلاستيكية هي إحدى أكبر التهديدات التي تواجه المحيطات في العالم، فقد بلغ الإنتاج العالمي من البلاستيك أكثر من 300 مليون طن عام 2014، وقد انتهى المطاف بكميات كبيرة من هذه المادة في المحيطات، حيث الحقت الضرر بالحياة والنظم الأيكولوجية البحرية.
أن تحلل النفايات البحرية الكبيرة إلى ملايين الجزيئات الدقيقة، سيجعل منها غذاء في متناول مجموعة واسعة من الكائنات البحرية، والتهديد الأكبر أن هذه النفايات مقاومة للمعالجات الضوئية والحرارية، والبيولوجية، وبمجرد التخلص منها على اليابسة سوف تشق طريقها إلى البحيرات والبحار والمحيطات.
تشمل النفايات البحرية معدات الصيد سواء المتروكة أو المفقودة، التي تعد من أكثر النفايات البحرية المتسببة في الضرر، حيث يمكن أن تبقى الكائنات البحرية مقيدة داخل شباك الصيد فتموت جوعاً، إضافةً للأكياس والزجاجات ومواد التعبئة والتغليف البلاستيكية، فقد شاع استهلاك السلاحف البحرية لأكياس البلاستيك، كما تم تسجيل الكثير من حالات الضرر الناجمة عن الزجاجات البلاستيكية التي تتسبب بحبس وتشويه الكثير من الكائنات البحرية.
وتعد السلاحف أحد ضحايا المخلفات البحرية الملقاة على الشواطئ أو العائمة على سطح الماء، فعند شعورها بالجوع تقوم بالتهام الأكياس والزجاجات وخلطها مع طعامها، فتؤدي هذه المخلفات لسد قنواتها الهضمية وبالتالي موتها جوعاً، كذلك هو الحال بالنسبة للفقمة والحيتان وبعض الكائنات البحرية الأخرى.
كما يؤدي تلوث البحار والمحيطات بمادة النفط لمجموعة من الأضرار، منها ما يمكن ملاحظته والسيطرة عليه منذ بداية التلوث، ومنها ما لا يمكن حصره والسيطرة عليه لأن أثاره الضارة لا تظهر إلا بعد عدة سنوات. 
فالتلوث بالنفط يؤدي إلى موت وانقراض الملايين من الكائنات البحرية ومن كافة الأجناس والأنواع والأحجام، بالإضافة لتدمير السياحة من خلال تلويثه المياه و الشواطئ، كما يمكن أن تصل المواد الكيميائية التي يتكون منها النفط إلى مياه الشرب التي تمر خلال محطات التحلية البحرية، وإلى تعطل خدمات الملاحة البحرية وبالتالي انخفاض كبير في إنتاجية صيد الأسماك، ويلحق الضرر أيضاً بألاف الأنواع من الطيور حيث يؤدي إلى موتها من خلال أثره السمي على الأحياء البحرية كاليرقات التي تعتمد عليها في غذائه، أو تلوث هذه الطيور بالنفط عند قيامها بصيد تلك اليرقات.
وانتشار النفط على سطح الماء سيشكل طبقة تمنع التبادل الغازي كما تمنع وصول الضوء الكافي إلى النباتات المائية، وبالتالي موتها، فيسبب ذلك خللاً في السلسلة الغذائية للكائنات التي تعتمد على هذه النباتات في غذائها.
كما يمكن للمركبات النفطية أن تنتقل إلى الإنسان عن طريق السلسلة الغذائية، فالكائنات البحرية تشكل إحدى أغذيته الرئيسية، حيث يمكن لهذه المركبات أن تختزن في أنسجتها، ولا تظهر أثارها الضارة على الجسم البشري إلا بعد عدة سنوات.
أما النفايات الكيميائية سواء الصلبة أو السائلة أو الغازية، فقد تم تصنيفها على أنها من أخطر النفايات البحرية التي تسبب السمية للإنسان والكائنات الحية سواءً البرية أو البحرية، نظراً لتمتعها بقابلية الاشتعال والانفجار، مما يجعل منها مواد من الصعبة التعامل معها أو تفادي أضرارها كمبيدات الآفات ومخلفات مصانع صنع المعادن.
أجريت دراسة في عام 1994 في قاع البحار باستخدام شباك الصيد في شمال غرب البحر المتوسط على سواحل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، أظهرت ارتفاع متوسط كثافة النفايات إلى 1935 مادة لكل كيلومتر مربع، وكانت نسبة المخلفات البلاستيكية 77%، منها 93% أكياس التسوق البلاستيكية.
وفي تقرير أصدره البنك الدولي عام 2018، تبين أن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي مسؤولة عن خلق ما يقارب 23% من جميع نفايات العالم.
وجاء تقريرها تأكيداً للدراسة المسحية التي نشرت في مجلة ساينس الأمريكية عام 2015، والتي خلصت إلى أن 192 بلداً ساحلياً يساهم في انتشار النفايات البلاستيكية في المحيطات، ووجدت أن البلدان الآسيوية شكلت 13 بلداً من مجموع 20 بلداً يساهم بقوة في انتشار النفايات البلاستيكية في المحيطات، وتأتي الصين في صدارة الـ 13 بلد، أما الولايات المتحدة فتأتي على رأس الـ 20 بلد.
 
الجهود المبذولة في مواجهة المشكلة
من الطرق الشائعة في مكافحة النفايات البحرية عملية التدوير أو إعادة الاستخدام لإنتاج مواد جديدة، وتتميز هذه الطريقة بأنها تقلل الحاجة لصنع مواد جديدة، كما أن الطاقة اللازمة لإعادة تدوير المواد تكون أقل، والأهم أن إعادة التدوير تقلل من كمية النفايات التي تتطلب التخلص منها بالحرق أو الدفن.
كما تعد عملية تحويل النفايات العضوية إلى غاز حيوي أو أسمدة زراعية، من الطرق الشائعة في التخلص من النفايات، بتأثير البكتيريا اللاهوائية، فأنها تنتج الغاز الحيوي المؤلف من غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون، ويمكن تحويل النفايات إلى أسمدة عضوية، وذلك بتجميع نفايات المطابخ، وتركها تحت تأثير البكتيريا الهوائية والفطريات، لتحليل المواد العضوية فيها.
قامت إندونيسيا بوضع خطة لخفض كمية النفايات البحرية بنسبة 70% بحلول عام 2025، بمساهمة البنك الدولي الداعم لمشاريع مكافحة النفايات في العالم، تقوم خطتها على استثمار النفايات من خلال جمعها ومعالجتها للحد من تسربها إلى البحار.
وقد استضافت الأمم المتحدة الإدارة الوطنية لدراسات المحيطات والغلاف الجوي في المؤتمر الدولي السادس عام 2018، المنعقد في كاليفورنيا، لمعالجة النفايات البحرية والتقليل من آثارها على الموارد الطبيعية، وفي أمريكا الشمالية عملت الأمم المتحدة للبيئة على معالجة النفايات البحرية عن طريق زيادة الوعي بالمشكلة وتطوير الأنشطة المتعلقة بها.
وفي السياق ذاته دعمت الأمم المتحدة مشروع "GloLitter"، الذي أطلقته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بالتعاون مع المنظمة البحرية الدولية، يوم الخميس 8 نيسان/أبريل 2021، لمساعدة 30 دولة نامية في تقليل النفايات البحرية من قطاعي النقل البحري ومصائد الأسماك.
يهدف المشروع للتخلص من النفايات البحرية، وذلك عن طريق وضع علامات على معدات الصيد بحيث يسهل تتبعها في حال فقدانها أو تم التخلص منها في البحر، بما يتوافق مع أهداف مركز التنمية العالمية الذي تأسس عام 2001 في كولومبيا، بشأن حماية النظام البيئي للمحيطات والبحار، والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام.
تتوزع الدول المشاركة في المشروع على قارة أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، ومنطقة البحر الكاريبي، والمحيط الهادي، وستتلقى هذه الدول مساعدات فنية وتدريب، بالإضافة لوثائق إرشادية وأدوات أخرى.