الزراعة في غزة ما بين التغير المناخي والهجوم

قطاع غزة يعاني من صعوبات عديدة، منها تضيق القوات الإسرائيلية على المناطق الحدودية، وسيطرتها على المجاري الأساسية للمياه التي تغذي الخزان الجوفي الفلسطيني، وأيضاً استيراد البذور المهجنة وزادت الحرب الطين بلة.

رفيف اسليم

غزة ـ يشهد القطاع الزراعي صعوبات في العالم أجمع بسبب التغير المناخي، وارتفاع البصمة الكربونية، لكن الوضع في قطاع غزة بات أكثر سوءاً بسبب التلوث الكبير الذي حدث بالمدينة نتيجة قصفها بأطنان من الصواريخ مما أثر على مناخ المنطقة، وتربتها، ومياهها، محدثاً تخوف لدى المختصين في المجال من تداعيات كارثية قادمة على صحة السكان.

تقول المهندسة الزراعية والباحثة في مجال البيئة وعلوم الأرض سمر أبو صفية، أن قطاع الزراعة ما قبل الهجوم كان مميز فما يقارب نصف الأراضي بغزة كانت مزروعة بالفعل بمعدل 170 كيلو متر متربع، كما أنه كان هناك وفرة بالإنتاج الزراعي والحيواني، والزراعة المغطاة أو المكشوفة لتمنح السكان اكتفاء ذاتي بنسبة 100% خاصة بمحاصيل الخضروات التي كان يتم التصدير منها للخارج، بينما بلغ الاكتفاء الذاتي في محاصيل الفاكهة ما نسبته 70% وكذلك الأمر في قطاع الإنتاج الحيواني والألبان خاصة ببعض أنواع الدواجن والطيور، مشيرة إلى أن القطاع كان يعاني من صعوبات معينة، منها تضيق القوات الإسرائيلية على المناطق الحدودية، وسيطرتها على المجاري الأساسية للمياه التي تغذي الخزان الجوفي الفلسطيني، وأيضاً استيراد البذور المهجنة التي لا تسمح "إسرائيل" بدخول سواها والتي لا يمكنها إنتاج المحصول سوى مرة واحدة فقط.

 

الهجوم أثر على كافة مناحي الحياة

وأوضحت أنه كان هناك ما قبل الهجوم على قطاع غزة توجه كبير للمشاريع الزراعية مثل الزراعة المائية، وزراعة الأسطح، والزراعة المنزلية، والإنتاج الحيواني، وزراعة الأعلاف البديلة كالطحالب التي تهدف لتغذية القطاع الحيواني بشكل أساسي، لكن توقفت الأبحاث المطورة لتلك المشاريع بسبب الهجوم الذي أثر على كافة مناحي الحياة وبالأخص الزراعة.

ونتيجة لتلك التغيرات، أصبح واقع القطاع الزراعي مختلف بحسب سمر أبو صفية، فباتت الزراعة المنزلية حاجة أساسية للنساء كي تطعمن أطفالهن، خاصة بعد أن أصبحت أسعار الخضروات تفوق قدرتهن على شرائها، إثر تقلص المساحات الزراعية مع بداية اجتياح شمال قطاع غزة، التي تعتبر المحافظة رقم 2 في اعتماد المواطنين على انتاج الخضار والفاكهة، وفصل الشمال عن الجنوب، بالتالي لم تستطع سلة الجنوب تغذية أهل الشمال.

وأكدت أنه "بات الأمر كارثي بعد اجتياح رفح والسيطرة على الأراضي هناك فما قبل الاجتياح كان سعر كيلو البندورة ما يعادل دولار أو نصف الدولار واليوم يبلغ سعره ما بين 25 لـ30 دولار"، لافتة أنه "حتى أخر سلال قطاع غزة للخضروات في منطقة خانيونس باتت تسيطر عليها القوات الإسرائيلية شيئاً فشيء مما سيحرم الأهالي من المزروعات بالكامل".

وأشارت إلى أن "إمطار غزة بـ 80 ألف طن من الصواريخ كان له آثار كارثية على أراضي قطاع غزة الزراعية، ويتطلب من الجهات المعينة ما قبل زراعة تلك الأراضي إجراء معالجات بسيطة للأراضي، مع فحص الخزان الجوفي الذي تعرض لتلوث طويل المدى من الصعب معالجته كونه تسرب لباطن الأرض"، ناصحة المواطنين بعدم الشرب من مياه الآبار وضرورة جلب المياه من محطات التحلية لتنقيتها من الملوثات العضوية والكيماوية معاً وليس الأملاح فحسب.

 

الحل يكمن بزيادة مساحات الغطاء الأخضر

وأكدت سمر أبو صفية، على ضرورة إيقاف الدول الكبرى للحروب، للتخلص من الانبعاث الكربوني والتقليل من الاحترار المناخي والتغيرات المناخية التي تحدث "من الحلول التي يمكن اللجوء لها زيادة مساحة الغطاء الأخضر سواء على الأسطح أو الأراضي، مع العلم أنه لكل نوع زراعة ولكل محصول قواعد معينة كي تنمو النباتات دون أمراض أو مشكلات يجب اتباعها بشكل دقيق من قبل سواء المزارعين أو ربات البيوت".

وعن احتراق الشتلات الزراعية توضح أنه تحدث في الوقت الحالي عملية إزاحة زمنية تأخر الموسم 15 يوم عن مدته الطبيعية المتفق عليها عالمياً بسبب تلك التغيرات التي سبق الحديث عنها للمواسم الزراعية، كون زراعة الشتلة في درجات الحرارة المرتفعة تحرقها لأنها في طور النمو الأول لا تستطيع تحمل درجة حرارة 35 درجة مئوية، بالتالي يتحول لون الأوراق للأصفر ويحدث التيبس الذي نراه.

 

"من يزرع بيده لن يجوع"

وقد كشفت الحرب الحالية بحسب وصف سمر أبو صفية، عن عجز القطاع الزراعي في غزة حيث لا سيادة على الموارد، ولا على الغذاء، فلا وجود لبنك بذور بلدية مقاومة لتسد العجز في تلك المرحلة، أو مصادر مياه أساسية سواء في التحلية أو غيرها، ناصحة بضرورة وجود سيادة على المواد وإيجاد حل لمشكلات التلوث سواء الأراضي أو الخزان الجوفي.

واختتمت المهندسة الزراعية والباحثة في مجال البيئة وعلوم الأرض سمر أبو صفية حديثها بالقول أنه "الهجوم أقنع المواطنين خاصة النساء بأهمية الزراعة والامتناع عن فكرة أن كل شيء موجود بالسوق رخيص الثمن ويمكن شرائه، فبنيت لديهن فكرة أن من يزرع بيده لن يجوع، بل وأصبحت أسلوب حياة، وكذلك الحفاظ على مصار المياه فاليوم لا تجد مزارعة تهدر المياه بل يبتدعن أساليبهن الخاصة في إعادة تدوير تلك المياه والري بها".