التنوع البيولوجي يوم للتذكير بالخطر الذي يهدد مستقبل البشرية

إضافة إلى البشر يعيش على كوكبنا نحو 8 آلاف نوع من النباتات والحيوانات، يشكل هؤلاء ما يعرف بالتنوع البيولوجي أو التنوع الحيوي

مركز الأخبار ـ ، الذي يعد شبكة معقدة لا يمكن تعريفها بدقة بسطر أو اثنين، لكن المعروف والذي من الممكن التأكيد عليه أن كل ما يعيش على هذا الكوكب وإن كان مؤذياً أو بلا فائدة كما نعتقد يساهم بشكل أو بآخر في تحقيق التوازن البيئي، وهو ما علينا معرفته لحماية هذه الكائنات والنباتات، والحفاظ على التنوع البيولوجي. 
ما تزال معظم الأنشطة البشرية تتسبب بشكل كبير في تقليل عدد أنواع الحيوانات والنباتات. فكان لزاماً تثقيف الجمهور وتوعيته بشأن هذه القضية، وعلى ذلك قررت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم الدولي للتنوع البيولوجي سنوياً.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993 تاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر من كل عام كيوم دولي للتنوع البيولوجي، واستمر الاحتفال بهذا التاريخ حتى تم تغييره عام 2000 حيث تم تحديد 22 أيار/مايو بدلاً منه، وذلك احتفاءً بذكرى قمة الأرض.
 
التنوع البيولوجي يدعم جميع أشكال الحياة
يدعم التنوع البيولوجي جميع أشكال الحياة على كوكبنا فكوكب الأرض يتميز عن باقي الكواكب بأنه يمنح كل ما تنتجه الطبيعة من هواء وماء ومأكل للأحياء، ولاستمرار توفير هذه الأغذية وحفاظها على مزاياها الصحية بالدرجة الأولى يكون علينا حماية التنوع البيولوجي.
فالكائنات الحية التي تعيش على الأرض وتحتها وفي أعماق المحيطات وفي الجو، وفي البراري وفي الأماكن السكنية، تجعل حياة الإنسان في مأمن وتمنحه مصادر الحياة. 
إن هواء وماء نقيان، وغذاء صحي تساهم في مقاومة الأمراض، والتخفيف من وطأة تغيير المناخ والاحتباس الحراري، ولكن ما يزال الربط بين هذا وبين تنوع الكائنات الحية على الأرض غير واضح، لذلك لابد من فهم هذه الشبكة المعقدة. 
إن إزالة أي عنصر حتى وإن كان لا يمكن رؤيته إلا عن طريق المجهر، يؤثر على نظام الحياة بأكمله ويؤدي إلى عواقب وخيمة فنحن اليوم نعاني من انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ أي المنقولة عن طريق الحيوانات (أنفلونزا الطيور والخنازير، كورونا وغيرها) وجميعها بسبب فقدان التنوع البيولوجي كما تؤكد العديد من الدراسات.  
هناك مفهوم آخر وهو "التنوع البيولوجي المرتبط" ويعني ترابط جميع النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة؛ لاستمرار الحياة وذلك من خلال الحفاظ على خصوبة التربة، وتلقيح النباتات وتنقية المياه والهواء.
الحضارات التي بنيت على مر العصور كانت ترتكز بشكل رئيسي على التنوع البيولوجي، حيث أنه ساهم بشكل أساسي مثلاً في تطوير الطب، حيث اعتمد سابقاً وحتى اليوم على الأدوية النباتية أو تلك المستخرجة من الكائنات الحية كـ سم الأفاعي، وهناك أمراض لا تعالج إلا عن طريق الطبيعة، ومن هذا المنطلق فإن التنوع البيولوجي يتيح للإنسان أدوات مهمة لمكافحة الأوبئة كتلك التي تسببها الفيروسات التاجية.
إن الأنشطة البشرية أثرت بشكل كبير وسلبي على سطح الأرض منذ الثورة الصناعية التي بدأت منذ عام 1760، وبدأت آثارها تتضح بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة، فقد بينت العديد من الدراسات أنه ما بين عامي (2010ـ 2015) اختفى 32 مليون هكتار من الغابات. الغطاء النباتي كان أكثر المتأثرين وبطبيعة الحال الكائنات التي تعيش عليه، كما أن النباتات البحرية لم تكن بمعزل عن هذا التأثير فخلال القرن والنصف الماضيين انخفض غطاء الشعب المرجانية بمقدار النصف، كما أن الجليد يذوب بمعدلات كبيرة، وكان آخر الدراسات حول ذلك ما طرحه علماء أمريكيون في أيار/مايو الجاري من تخوف حول فيضانات ستغرق مدناً بأكملها في غضون الـ 80 عاماً القادمة نتيجة لارتفاع مستوى المحيطات، وقال العلماء حرفياً أن المناطق الساحلية البريطانية ستكون مغمورة بالماء بشكل كامل.
الحيوانات ستكون متأثرة بشكل كبير حيث ستنقرض أنواعاً منها نتيجة التغيرات المناخية وهو ما شهدناه عند احتراق غابات أستراليا التي دمرت الحياة البرية، من نباتات وحيوانات. فأغلب الحيوانات هناك باتت مهددة بالانقراض، حيث نفق نحو مليار حيوان خلال الحرائق التي ضربت البلاد أعوام 2019 و2020. فالبلاد تسجل أعلى معدل لانقراض الثدييات في العالم.
 
التنمية المستدامة وارتباطها بالتنوع البيولوجي
ترتبط التنمية المستدامة بالتنوع البيولوجي بشكل وثيق، فهي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات، ومختلف الأعمال التجارية التي تلبي حاجة أجيال اليوم دون المساس بأمان الأجيال القادمة، ليكون باستطاعتها تلبية حاجاتها. وهذا الهدف منوط بالتصدي لكافة أشكال استغلال الطبيعة وتدميرها بأيدي بشرية لتحقيق مصالح آنية تشكل خطراً على مستقبل الأجيال القادمة، فالعالم يواجه خطر التدهور البيئي والاحتباس الحراري، والذي بدأت تظهر نتائجه الكارثية بالفيضانات والحرائق والأمراض التي انتقلت من الحيوانات إلى البشر بكل سهولة.
وتتطلب التنمية المستدامة تحسين ظروف الحياة والمعيشة للجميع، دون زيادة استخدام الموارد عن الحد الذي تمنحه الطبيعة، أي ضمان استخدام مستدام ومثالي للأراضي، والغابات، والطاقة، والموارد المعدنية، ومثال على ذلك المياه فالتنمية المستدامة تهدف إلى ضمان الحماية الكافية للموارد المائية، وأنظمتها الإيكولوجية. وكذلك ضمان الاستدامة الاقتصادية من خلال رفع الإنتاجية الزراعية، من أجل تحقيق الأمن الغذائي مع الحفاظ على الأراضي والغابات والحياة البرية والحيوانات.
 
مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة 
يعد مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في العاصمة السويدية ستوكهولم في عام 1972، أول تناول لقضية مشاكل البيئة العالمية، فخلال المؤتمر الذي عقد تحت شعار "التنمية المستدامة"، تم اعتماد معاهدة منع الاحترار العالمي، وتوقيع اتفاقية التنوع البيولوجي، وإعلان ريو دي جانيرو، وبيان المبدأ بشأن الغابات.
 
اتفاقية التنوع البيولوجي
افتتح باب التوقيع على اتفاقية التنوع البيولوجي في مؤتمر قمة الأرض في العاصمة الأرجنتينية ريو دي جانيرو عام 1992، ودخلت حيز التنفيذ بعد ذلك بعام. حتى عام 2020 صادقت عليها 196 دولة وهي تهدف إلى الحفاظ على هذا التنوع وضمان الاستخدام المستدام لمكوناته، وكذلك التقاسم العادل والمنصف لمنافعه. 
تؤكد الاتفاقية على أهمية التنوع البيولوجي لحياة سليمة على كوكب الأرض، وعلى هذا المبدأ يساعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي تأسس عام 1972 في العاصمة الكينية نيروبي، وشركاؤه في مختلف الدول على تطوير برامج وخطط للعمل على استراتيجية وطنية خاصة بالتنوع البيولوجي، إضافة إلى ذلك يدعم البرنامج منصات المعرفة بشأن النظم الإيكولوجية، والتنوع البيولوجي كالرصد العالمي للغابات، ومبادرة أراضي الخث العالمية التي تشكلت في عام 2016 من أجل النباتات المتفحمة في المناطق المعتدلة والتي تشكل الفحم، إضافة لمبادرة الغابات المطيرة بين الأديان عام 2017. 
 
قمة الأرض
قمة الأرض هو الاسم الغير رسمي للقمة التي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو في الأرجنتين عام 1992 والتي شهدت مشاركة كبيرة من الدول، ونقلت بشكل كبير على وسائل الإعلام، كما أنها وإلى اليوم ورغم التراجع في حماية البيئة، أسست لمفهوم الاهتمام الدولي بالبيئة، حيث نتج عنها اتفاقية التنوع البيولوجي، وبيان عن مبادئ الغابات، والإطار العام للأمم المتحدة لتغير المناخ.
ونقلت القمة رسالة مفادها أنه لا شيء أهم من تغيير وتعديل سلوكيات البشر وتصرفاتهم من أجل بيئة سليمة، وسلمت الحكومات بالحاجة الملحة من أجل توجه الخطط الاقتصادية لتراعي الآثار البيئية، وهو ما جعل المسائل البيئية مسؤولية حكومية، وليست فقط من اختصاص النشطاء البيئيين أو المنظمات المعنية بذلك. ونجد من الأمثلة على ذلك توجه عدد من البلدان نحو الطاقة البديلة كالشمس، والاعتماد على وسائل النقل العامة، أو الدراجات الهوائية الصديقة للبيئة. والأهم من ذلك الوعي لأهمية بيئة صحية تحافظ على التنوع البيولوجي.