الأعاصير... من الظواهر المناخية الأكثر تدميراً

يشهد العالم أعاصير كارثية أصبحت أكثر تدميراً، على مدى العقود الثلاث الأخيرة، فالأعاصير تعد من الظواهر الطبيعية الأكثر عنفاً وقوة

مركز الأخبار ـ ، حيث يخلق الهواء الغير مستقر لمسارات الرياح عندما تنصدم كتل الهواء الدافئة والرطبة بالكتل الباردة ذات الضغط المرتفع، لتخرج بعد ذلك العاصفة من الماء إلى اليابسة لتقوم بتدمير كل شيء في طريقها.
تتكون الأعاصير فوق المحيطات الدافئة وعند المناطق الاستوائية، حيث تتبخر مياه المحيط الدافئة عندما تصل درجة حرارتها إلى (‏3 ـ 27‏) درجة مئوية، وينخفض الضغط وتبدأ الرياح بالدوران محدثة جدار ضخم من الغيوم والأمطار وتستمر تغذية هذا الهواء الدافئ الرطب للعاصفة وتنمو وتزداد شدته. 
 
تعرض المناطق لفيضانات وأضرار هائلة
يحدث الإعصار نتيجة وقوع رياح شديدة في المناطق الاستوائية ذات الضغط الجوي المنخفض ويتكون بالقرب من المياه الحارة أو المحيطات، ويعود حدوثه عندما يرتفع سطح البحر عن مستواه الطبيعي بمقدار خمسة أمتار، إضافة إلى زيادة سرعة الرياح بمقدار 300 كم في الساعة، وعندما تمر الأعاصير فوق مياه المحيطات فإن سرعة دوران أمواج الإعصار تزداد إلى ضعف سرعة دوران الرياح؛ مسببة حدوث أمواج عالية، وقد يصل قطر الإعصار إلى 35 كم مربع بالقرب من السواحل، ومن أسبابها أيضاً الحرارة والرطوبة الناتجة عن مياه المحيط الدافئة، والتي تكون مصدر الطاقة الأساسي للأعاصير، كما أن الرياح الواصلة إلى الشواطئ والسواحل تخلق موجات عالية في البحر يصل ارتفاعها إلى (15 متر)، فتتعرض المنطقة لفيضان وأضرار هائلة.
  
قوة الأعاصير بدرجات متفاوتة
يتم تصنيف أنواع الأعاصير تبعاً لسرعتها وقوة دمارها، باستخدام مقياس يسمى "مقياس فوجيتا" الذي قدمه العالم الأمريكي تيتسويا فوجيتا وزميله ألان بيرسون من جامعة شيكاغو عام 1971، ولايزال هذا المقياس مستخدماً حتى الآن.
من أولى أنواعها "الإعصار الخفيف" وتبلغ سرعة الرياح فيه ما بين (113ـ 118) كم في الساعة، يؤدي إلى إحداث بعض الدمار في المزروعات، وتدمير بعض المعدات الموجودة فوق أسطح المنازل. 
ومن الدرجة الثانية يصنف "الإعصار المتوسط"، الذي تبلغ سرعة الرياح فيه ما بين (118 ـ 180) كم في الساعة، وتكون أضراره بدرجة متوسطة، حيث تتصدع الأشجار الكبيرة وتقتلع الأشجار الخفيفة، ويؤدي كذلك إلى تحطيم نوافذ المنازل، ويمكن أن يتسبب بانقلاب السيارات.
أما "الإعصار القوي" الذي يأتي من الدرجة الثالثة، وتبلغ سرعة الرياح فيه ما بين (181 ـ 210) كم في الساعة، يؤدي إلى انكسار الأشجار الضخمة واقتلاعها من مكانها، كما وتنهار واجهات المنازل وتطير أسقفها.
والإعصار الذي تبلغ سرعة الرياح فيه ما بين (210 ـ 250) كم في الساعة يأتي من الدرجة الرابعة ويسمى "إعصار قوي جداً" والذي يحدث دمار كامل للمنازل، ويتم قطع خطوط الكهرباء، وتغلق الطرق، وتقتلع الأشجار.
ومن الأعاصير التي لم تسبب دمار في المنازل وتسويتها بالأرض فقط بل وتحمل القطع الكبيرة المدمرة إلى مسافات طويلة بفعل الرياح التي تبلغ سرعتها ما بين (330 ـ 251) كم، يدعى بـ "الإعصار العنيف" الذي صنف من الدرجة الخامسة.
والإعصار الذي تم وضعه افتراضياً على الحاسوب سمي "إعصار فائق القوة" وصنف من الدرجة السادسة، وتبلغ سرعة الرياح فيه حال حدوثه أكثر من 4200 كم في الساعة، ولم يسبق له أن ظهر على الأرض، ولكن العلماء قدروا احتمال حدوثه.
 
عاصفة كبيرة يمكن أن تغرق عشرات الأمتار من اليابسة 
تتسبب الأعاصير بأثار ومخاطر عديدة كإنتاج كميات غزيرة من الأمطار، ويمكن لعاصفة كبيرة أن تغرق عشرات الأمتار من اليابسة في يوم أو يومين بأمطارها، كما يمكن لهذا الكم من الأمطار أن يخلق فيضانات تدمر مناطق كبيرة، وتتسبب أيضاً بأضرار كبيرة على الدول تقدر بخسائر فادحة في الماديات وتدمير البيئة الطبيعية، كما تؤدي إلى وفاة الألاف من الأشخاص كل عام.
وتتسبب حركة العواصف المرافقة للأعاصير ارتفاع عالٍ في مستويات مياه المحيطات، حيث تندفع تلك المياه إلى اليابسة بفعل الرياح القوية، ويؤدي هذا الفيضان إلى إلحاق الضرر بالبنية التحتية كالطرق والأرصفة، وخطر هدم المنازل والشركات، ومن الممكن أن تدمر الجسور وتقلب القطارات، وتجعل السيارات تطير في الهواء، وتقتلع الأشجار من جذورها، ومن الممكن أن تمتص المياه من الجداول ويقتل العديد من الأشخاص إما عن طريق وقوعه من منحدرات عالية أو بسبب إصابتهم بالحطام المتطاير من زجاج مكسور أو قضبان معدنية، وتؤثر كذلك على البيئة الطبيعية الموجودة في السواحل.
 
أسوء الأعاصير وأشدّها ضرراً
وقعت العديد من الأعاصير في العديد من الدول، وكانت أعنف تلك الأعاصير التي شهدها التاريخ، ذلك الذي وقع في نيسان/أبريل عام 1989، في منطقة مانيكانج في بنغلاديش، مما تسبب في وفاة نحو 1300 شخص وجرح أكثر من 12000 آخرين، ودمّر مدينتين وخلّف حوالي 80 ألف شخص بلا مأوى.
وكان "إعصار آندروا" والذي أصاب جزر ألباهاما أكثر الأعاصير دماراً، وأصاب ولايتي فلوريدا ولويزانا الأمريكيتين عام 1992، قدرت خسائره بـ 26.5 بليون دولار أمريكي.
وضرب "إعصار نرجس" في أيار/مايو عام 2008، جمهورية ميانمار وخلّف 140.000 قتيل ومفقود وتسبب بتدمير البنية التحتية والممتلكات وسبل العيش في منطقتي إيراوادي ويانغون، وقد ألحق الإعصار أضراراً بأكثر من 2.4 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. 
وضرب "إعصار ساندي" السواحل الشمالية الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2012، وأوقع مئتي قتيل، وصنف ضمن الفئة الأولى من الأعاصير، كما أنه وصل إلى الساحل الشرقي وكندا.
"إعصار أوكلاهوما" الذي ضرب مدينة مور في ضاحية أوكلاهوما سيتي في أيار/مايو عام 2013، وأدى إلى اقتلاع أعمدة الهواتف والكهرباء. كما أن "إعصار هايان" الذي أصاب الفلبين وميكرونيزيا والصين وفيتنام عام 2013، كان الأكثر تدميراً وبلغت سرعته نحو 314 كيلو متر في الساعة، وتسبب بمقتل نحو 12 ألف شخص وخسائر مالية قدرت بـ 686 مليون دولار، كما ألحق أضراراً بـ 11 مليون شخص إذ أصبح معظمهم بدون مأوى.
وفي آب/أغسطس عام 2017 أجتاح "إعصار هارفي" سواحل تكساس، وصنّف ضمن الفئة الرابعة على مقياس فوجيتا من خمس درجات، وأدى إلى انهيار المنازل، واقتلاع خطوط الكهرباء، وأحدث عواصف وفيضانات، وأدت شدة وسرعة الرياح أيضاً إلى توقف إنتاج النفط في خليج المكسيك.
ومن أخطر الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2017 "إعصار إيرما" حيث زادت سرعة الرياح فيه لأكثر من 295 كم في الساعة، واستمر لمدة 37 ساعة وتبين لاحقاً أن سببه يعود لظاهرة الاحتباس الحراري مما سلط الضوء على خطورتها من جديد.
والإعصار المدمر في عام 2018 "فلورنس" الذي وقع في السواحل الشرقية في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب ارتفاع في منسوب المياه على السواحل وحدوث سيول واسعة مع هطول الأمطار، ما أدى إلى تدمير الآلاف من المنازل ووقوع ضحايا بشرية.
وفي عام 2019 كان "إعصار هاجيبس" أعنف إعصار يضرب اليابان، ووقع في منطقة الكانتة، وتسبب بأضرار واسعة من فيضانات وانهيارات طينية وتسبب بـ لجوء نحو 230.000 شخص.
و"إعصار مولاف" والمعروف باسم إعصار كوينتا، الذي ضرب الفلبين عام 2020، سبب كذلك أضراراً في الطرق وانهيارات الجسور، وغمر العديد من القرى والأراضي الزراعية بالمياه وتسبب بتهجير مئات الآلاف من السكان.
ومن الأعاصير التي وقعت في عام 2021، "إعصار سيروجا" الذي ضرب أندونيسيا وتيمور الشرقية وأدى إلى كارثة حولت البلدات الصغيرة إلى أراضي خالية، وقتل العديد من الأشخاص، وأجبر الآلاف للجوء إلى الملاجئ.
وفي هذا العام (2021) ضرب "إعصار تاوكتاي" مناطق غربي الهند وسواحل ولاية غوجارات في أيار/مايو، وهي أحد الأعاصير القوية التي يتزايد عددها في بحر العرب والتي نسبت إلى التغير المناخي، وارتفاع نسبة الرياح التي وصلت سرعتها إلى 185 كم في الساعة، مما تسبب بقطع الكهرباء واقتلاع أبراج الهواتف المحمولة، وسقوط ضحايا وعشرات المفقودين. 
 
آسيا الأكثر عرضة لخطر الكوارث
تعتبر قارة آسيا الأكثر عرضة لخطر الكوارث والأكثر ضعفاً تجاه الأعاصير والسبب بذلك هو الاكتظاظ السكاني في المناطق الساحلية والدلتا مقروناً بتدني مستويات التنمية البشرية فيها.
كما تتوزع الأعاصير في مناطق عديدة ومختلفة في العالم، وتؤثر على المناطق التي تقع بالقرب من المحيطات وبالقرب من خطوط العرض المنخفضة وشبه الاستوائية، وتضرب الأعاصير أيضاً فوق المياه الدافئة التي تزيد درجة حرارتها عن 26 مئوية فما فوق، وربما تصل إلى المناطق البعيدة عن خط الاستواء، ومن أهم هذه المناطق شمال المحيط الأطلسي وشمال وشرقي المحيط الهادي وبحر الكاريبي، والفلبين والسايلكون في المحيط الهندي وجنوبي المحيط الهادي هي مناطق محددة من البحار المدارية التي تزيد درجة حرارة مياهها السطحية على 27 درجة مئوية بين خطي عرض 5 ـ 20 درجة شمال خط الاستواء وجنوبه.
وفي أستراليا، المكسيك، وفيتنام، ودول الهندوراس ونيكاراغوا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أكثر البلاد تعرضاً للأعاصير، والدول الخمس التي تعتبر سكانها الأكثر تعرضاً للخطر فهي الصين والهند واليابان والفلبين وبنجلادش وجميعها تقع في قارة آسيا.
 
مخاطر الأعاصير على البيئة
تتسبب الأعاصير بسلسلة من التغيرات البيئية المباشرة والغير مباشرة تتراوح بين قصيرة وطويلة الأمد، كما تتسبب بإضرار عديدة على الحيوانات من خلال تغيير مسكنهم وعدم توافر الغذاء، بالإضافة إلى قتلهم أحياناً.
ويمكن أن تتأثر الأنواع المهددة بالانقراض بشكل كبير، كما تمدد تأثيراتها على أنواع كثيرة من الطيور المهاجرة، وتولد الأعاصير رياحاً قوية تؤثر على الغابات وتسبب في تغيرات هيكلية كبيرة في النظم البيئية المشجرة، وتؤثر على الزراعة ويمكن أن تكون الخسائر كبيرة بسبب التدمير المباشر للنباتات والمحاصيل والبساتين وخسائر في خصوبة التربة بشكل غير مباشر فتعد أشجار الفاكهة الاستوائية من بين المحاصيل الأكثر تعرضاً للتلف.
بالإضافة للمخاطر البيئية أثناء عمليات التنظيف بعد تلك الكوارث، عن طريق الابتلاع العرضي للتربة الملوثة، وكذلك تنفس الغبار والأبخرة الملوثة من البلاستيك المحترق، ويمكن للحرائق التي تسببها أنابيب الغاز المكسورة أن توّلد دخاناً يحتوي على جسميات تحتوي على مواد كيميائية سامة، وغيرها من المواد المحمولة بالهواء، وقد ينسكب الزيت من المحولات الكهربائية التي انهارت والذي يحتوي على مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور السامة.
وللأعاصير أيضاً تأثير عميق على البيئة، وخاصة على مصبات الأنهار، ويهدد الممتلكات الساحلية حيث يمكن أن يسبب في تآكل الشواطئ وذلك من خلال نقل كميات كبيرة من الرمال الشاطئية إلى مكان أخر، ولديه تأثير كبير على هيكل ووظيفة النظم الإيكولوجية للغابات الساحلية والأراضي الرطبة، مما يحدث أضرار جسيمة للشعاب المرجانية، والأعشاب البحرية، وله تأثير هام على الاقتصاد فالدولة والحكومات تنفق كميات هائلة من الموارد لإعادة بناء البنية التحتية.
 
يمكن التقليل من الأضرار
بحسب الأرصاد الجوية سيكون تأثير الأعاصير متفاوت من منطقة وأخرى، وهناك تعليمات عامة تفيد في حالات كثيرة وهي للوقاية والتقليل من الأضرار، فسكان المناطق الساحلية والصحراوية المتوقع مرور الإعصار خلالها عليهم الاحتماء في الجبال أو المناطق المرتفعة والابتعاد عن طرق السيول.
فينصح بالابتعاد عن البحر وتجنب الوقوف أمام أعمدة الكهرباء أو تحت الأشجار، وأما سكان المدن الذين لم يتمكنوا من اللجوء إلى الجبال والمناطق المرتفعة فعليهم اختيار الأماكن الأكثر أماناً من حيث تحصينها وقدرتها على المقاومة، وتدعيم الأبواب والشبابيك بحيث تقاوم الرياح الشديدة وتمنع دخولها، والطوابق الأرضية هي من الأماكن الأكثر أماناً مع التأكد من قدرتها على صد المياه ومنعها من التسرب، على الذين يعيشون في مناطق تكثر فيها الأعاصير متابعة نشرات الأرصاد الجوية، وتجهيز الممكن من المواد الغذائية الجافة والمياه الصالحة للشرب والتي تكفي لعدة أيام.