تربية الدواجن مشروع ذكرى السعيداني لتحقيق الاكتفاء الذاتي
باتت تربية الدواجن نشاطاً منتشراً في الأرياف التونسية وهي مهمة غالباً ما تديرها نساء ليس لديهن مهنة ويتحملن في الوقت ذاته مسؤوليات عائلية. ذكرى السعيداني واحدة من النساء اللواتي تمكن من إدارة مشاريعهن الخاصة لتحقيق استقلالهن المادي ومكافحة الفقر والخصاصة
زهور المشرقي
تونس ـ .
رغم أن ذكرى السعيداني تنتمي لمنطقة ريفية إلا أنها تحدت الظروف الصعبة واستطاعت مواصلة الدراسة حتى مرحلة الثالث الثانوي، إلا أن زواجها مبكراً جعلها تتوقف عن الدراسة، لتدخل في تجربة أخرى غيرت حلمها الطفولي بإتمام دراستها وحصولها على شهادات عليا ومن ثمة ممارسة مهنة تتوافق مع طموحاتها وتمكنها من تحسين مستواها المادي كأي فتاة تونسية من الريف استطاعت تحدي كافة الظروف والأعراف المجتمعية، التي ترى أن مكان الفتاة المنزل وانتظار الزواج.
تقول ذكرى السعيداني البالغة من العمر 36 عاماً، وهي أم لطفلين، "لقد تزوجت في الوقت الذي كنت أمني نفسي باستكمال دراستي والاستقرار بالعاصمة تونس والعمل هناك، لتتبدل الخطط، اتفقت مع زوجي الذي يعمل فلاحاً في أرضه على إقامة مشروع خاص لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، وتوفير الأساسيات لأطفالنا، فما كان منه إلا أن شجعني واقترح علي تربية الدواجن".
لم تكن فكرة المشروع جديدة أو صعبة على ذكرى السعيداني لأنها فتاة ريفية كما تقول "ما جعلني أتخوف هو كيفية إنجاح المشروع، وكيف سأفرض نفسي في السوق وطريقة التوزيع، ولكن لم ننسى أن كل شيء ينجح بالتجربة".
وعن بداية مشروع تربية الدواجن تقول "التحقت في البداية بدورة تدريبية حول كيفية تربية دواجن اللحم في مؤسسة مختصة لمدة شهرين متتالين في محافظة بنزرت بشمال البلاد عام 2016، وحصلت على شهادة بملاحظة ممتازة، ثم انطلقت بثبات في أولى خطوات ولادة مشروعي الخاص الذي بدأ صغيراً وأخذ يكبر مع الوقت".
وحول كيفية حصولها على التمويل تقول "كنت متخوفة من البداية، كنا نحتفظ بمبلغ لا بأس به فاستخدمناه لإطلاق المشروع الذي بدأ في عام 2019 بـ 500 دجاجة إلى أن وصلت إلى 3000 دجاجة في أشهر قليلة، سعدت جداً أنني بدأت أتلمس نتائج مشروعي الخاص".
وهو ما دفعها إلى التفكير في حلول تضمن استدامة واستقرار المشروع، إلا أن لتداعيات جائحة كورونا الاقتصادية أثر بالغ على مشروعها كما تقول "أحيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فتداعيات جائحة كورونا الاقتصادية، أثرت على مدخول الأسر التونسية خاصة في الأرياف، ما أدى إلى تراجع الإقبال على اقتناء الدجاج، وهو ما أثر على بعض خطوات المشروع، لكن رغم ذلك كلي أمل في زوال الجائحة لاستئناف وعودة الحياة والدورة الاقتصادية لطبيعتها".
وعن الصعوبات التي تواجهها أوضحت "الأمر يتطلب تنقلاً يومياً وتواجداً في الأسواق بصفة دورية، بالإضافة إلى التوزيع في المناطق المجاورة لبلدتي، هذا الأمر يتطلب مني مجهوداً كبيراً، أستيقظ في الساعات الأولى من النهار، أشد الرحال إلى السوق المركزي من أجل عرض الدجاج وبيعه للمحلات التي أتعامل معها"، إلا أن عمل ذكرى السعيداني لا يتوقف هنا وتضيف "ما أن أنهي عملي حتى أعود أدراجي إلى البيت ليكون بانتظاري كافة الأعمال المنزلية، فزوجي منهمك في الفلاحة وأطفالي ما زالوا صغاراً، وبمجرد عودتي ورغم تعبي أجدني مضطرة لترتيب البيت وطهو الطعام والاهتمام بأطفالي، والاعتناء بالدجاج وغيرها".
وبالرغم من كل ذلك التعب والشقاء الذي تتكبده ذكرى السعيداني تقول "رغم كل هذا التعب تتملكني فرحة كبيرة لأني أساهم في إعالة أفراد الأسرة، وأشعر بأني قادرة على المنافسة والمساهمة في الدورة الاقتصادية للبلاد رغم الظروف التي تمر بها معظم الدول خلال هذه الجائحة".
كما أنها تجد صعوبة في الحصول على علف الدجاج، أولاً لاعتبارها تقطن في منطقة ريفية نائية تتطلّب التنقّل لساعات ومسافة طويلة للوصول إلى السوق، بالإضافة إلى ارتفاع ثمن العلف في ظل الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا التي أرغمت العديد من التجار بعدم التعامل مع مربي الدجاج بدفع القسوط الشهرية كما كان سابقاً على حد قولها.
وعن الطريقة التي تعتمدها ذكرى السعيداني للترويج لمشروعها تقول "عندما بدأت مشروعي كان الأمر سهلاً، حيث لم يكن هناك من منافسين، واستطعت بفعل سمعتي وجديتي ومعارفي في المنطقة أن أفرض نفسي في هذا المجال، فكلما تعامل معي زبون ووجد أن الدجاج الذي أزوده به يحمل صفات الجودة، كان يزكيني عند الآخرين حتى بات الطلب يتزايد".
وتقول بنبرة فيها أسف "اليوم بات هناك منافسين كثر وأضحى البعض يعتمد على سيارات رباعية الدفع وبرادات أكبر وأيضاً يعتمدون على التكنولوجيا الحديثة للترويج والتعريف بمشاريعهم، لذا بات الإقبال ضعيفاً".
وبالطبع مثلها مثل العديد من النساء لم تسلم من رفض المجتمع كما تقول "واجهت رفضاً شديداً من قبل والد زوجي السبعيني، حيث رفض أن أطلق المشروع، كما لاقيت رفضاً من قبل العديد من الرجال لولوجي السوق المركزي لتوزيع الدجاج على المحال"، مؤكدةً أن "ذلك الرفض لم يؤثر علي ولم ينقص من عزيمتي، وتحديت العقلية الذكورية السائدة التي تعتقد أن عملية توزيع الدواجن على المحلات حكراً على الرجال، وأسعى لتحقيق النجاح في وقت قصير وبمفردي".
وتحدثت ذكرى السعيداني عن مشروعها بشغف مؤكدةً عزمها على زيادة رأس ماله "لقد تقدمت مؤخراً بطلب للحصول على قرض من البنك، ولا زلت أنتظر الرد، كلي أمل أن تسير الأمور بشكل إيجابي... أطمح لتطوير المشروع وتشغيل عدد من نساء المنطقة معي لمساعدتي ولضمان عمل لهن في قريتهن".
وعن معاناة المرأة الريفية تقول "هناك غياب في الدعم سواءً من قبل المسؤولين المحليين بالجهة أو من جانب الدولة التي لم تسعَ إلى توفير عمل"، مشيرةً إلى أن بعض النساء لديهن طموحات يسعين إلى تحقيقها لكن غياب السياسة التنموية وواقع التهميش يحول دون تحقيق الأهداف.
وأكدت على أن "المرأة الريفية في تونس لا تجد أي تشجيع لا من قبل الزوج أو الأخ أو الأب حيث تجد نفسها أحياناً في مواجهة قبيلة كاملة لتحقيق حلمها. نادراً ما تبرز امرأة في الريف".
وتابعت " ظلت الأبواب مغلقة أمام النساء هنا في القرية، كم هو صعب أن تلتمس المرأة طريقها نحو تحقيق حلمها وبناء ذاتها لكن دون جدوى... تصوري أنها تطرق أبواب أصغر إدارة لدعمها مراراً فتجد الرفض واللامبالاة... تخيّلي أن يستمع إليك المسؤول ولا يسعى إلى مساعدتك فقط لكونك امرأة مكانتك الطبيعية وفق تفكيرهم الذكوري البيت وتربية الأطفال".
وأوضحت "نحن هنا في منطقة ريفية جبلية وقد طلبت العديد من النساء قروض لتمويل مشاريعهن إلا أن مساعيهن قُوبلت بالرفض أو التجاهل، بينما تسند الرخص والقروض في المقابل بسرعة للرجال... إنها لمفارقة عجيبة وهي طريقة مهينة للريفيات اللواتي يعاملن بتجاهل مستمر، أغلب نساء هذه المنطقة يعملن في أرضهن في الزراعة والحصاد وهي مهن فلاحية يرفض الرجال القيام بها لصعوبتها. لا تستغربوا إنه التمييز في مناطقنا".
وأكدت أن بعض المسؤولين يرفضون مقابلة بعض النساء اللواتي يأتين من مناطق ريفية نائية لعرض مشاريعهن والمطالبة بعمل يضمن كرامتهن، داعيةً إلى إيلاء الاهتمام بأوضاع النساء في الريف باعتبارهن جزءاً مهمّاً في ضمان دوران العجلة الاقتصادية والتنمية المحلية وهن يمثلن في الواقع أكثر من 32 بالمائة من نساء تونس.
وتنصح ذكرى السعيداني النساء الريفيات بالاعتماد على أنفسهن بطريقة تشاركية لتحسين وضعهن والتوسع في مشاريعهن، وعدم التعويل فقط على الدولة لتوفير العمل.
ووفق إحصائيات وزارة الزراعة التونسية تمثّل النساء 70% من القوى العاملة في قطاع الفلاحة، تتمتع عدد قليل منهن للغاية بالحماية الاجتماعية، إذ أنّ 33% فقط من النساء العاملات في المجال الزراعيّ لديهنّ ضمان اجتماعيّ.
ولا تزال المرأة التونسيّة في المناطق الريفيّة تتعرّض للإقصاء والاستغلال برغم دورها المهم في الحفاظ على الأمن الغذائي، ولا تزال المرأة الريفية تعمل في ظروف شاقّة فاقمتها الأزمة الصحية التي عاشتها تونس جراء جائحة كورونا إلى جانب انعكاس الأوضاع الاقتصادية الصعبة على الحياة اليومية.