تربية الدجاج البلدي... مهنة للنازحات في إدلب

ـ سوء أحوال معظم النازحات بمخيمات إدلب دفعتهنَّ لتربية الدجاج البلدي التي باتت مهنة ومصدر رزق لهن بعد يأسهن من تحسين ظروفهن عبر وسائل أخرى

سهير الإدلبي
إدلب ـ سوء أحوال معظم النازحات بمخيمات إدلب دفعتهنَّ لتربية الدجاج البلدي التي باتت مهنة ومصدر رزق لهن بعد يأسهن من تحسين ظروفهن عبر وسائل أخرى. 
قالت الأربعينية صفية الجواد بينما تهم لإطعام دجاجاتها وتجمع الأخيرات حولها بانتظار ما سوف تضعه لهن من طعام، إن "العناية بالدجاج البلدي وتربيته تعتبر تسلية قبل كل شيء ووجوده يقتل أوقات الفراغ الذي نعيشه داخل مخيمات سرمدا الحدودية". 
وتضيف إنها استفادت جداً من تربية الدجاج البلدي في تأمين البيض لعائلتها المؤلفة من زوجها المريض بالسكري وأبنائها الستة، عدا عن أنها تؤمن لهم اللحم أيضاً حيث تحضير مختلف الأطعمة من الدجاج الذي لا يمكن الاستفادة منه في تأمين البيض. 
"فقر حالنا يمنعنا من جلب الكثير من الحاجيات وعلى رأسها البيض ولحم الدجاج الذي ارتفعت أسعاره بشكل خيالي مؤخراً وبات من الصعب على الفقراء وممن ضاقت بهم السبل تأمينه بعد أن بات من الرفاهيات بالنسبة للكثيرين العاجزين حتى عن تأمين الاحتياجات الأساسية والأشد إلحاحاً".
تستيقظ صفية الجواد منذ الصباح الباكر لتبدأ يومها بإطعام دجاجاتها اللواتي بلغ عددهن خمس وعشرون دجاجة بين صغيرة وكبيرة، وبنت لهن قناً بالقرب من خيمتها وسقفته بألواح خشبية وجعلت له باباً محكم الإغلاق لمنع الكلاب الضالة أو الثعالب أو غيرها من مهاجمته ليلاً. 
من جهتها لا تربي علياء القدور (٣٠) عاماً الدجاج البلدي بغية الاستفادة من بيضه ولحمه وحسب وإنما اعتمدته أيضاً مصدر رزق لها في ظل ما تعيشه من ظروف إنسانية صعبة وسط الفقر والغلاء.  
فقدت علياء زوجها أثناء القصف الذي طال مدينتها إدلب منذ أواخر عام ٢٠١٩ وغدت المعيلة لأطفالها الأربعة فلم يعد أمامها من سبيل بعد يأسها من إيجاد عمل مناسب إلا أن تربي الدجاج البلدي في منزلها الواقع على أطراف إدلب المدينة والمحاط بأشجار الزيتون والكروم والبساتين ما شكل بيئة مناسبة تربية الدجاج البلدي الذي يقتات على الحشائش المتواجدة في معظم الأحيان. 
وتشير علياء القدور إلى أنها تلجأ لبيع البيض البلدي بشكل يومي لمحلات المدينة الذين يشترون البيضة الواحدة بثلاث ليرات تركية، لتستطيع من خلال ما تبيعه يومياً تلبية بعض احتياجات أبنائها الضرورية.
وترى أن تربية الدجاج البلدي يحمل في ثناياه الكثير من المتعة والتسلية والفائدة، وخاصة أنها تأنس وحدتها لابتعاد منزلها عن المدينة بعض الشيء، وغدت تعرف التعامل مع متطلبات المهنة وكيفية تكاثر الدجاج بشكل مستمر.
بدأت مشروعها بعشرين فرخ من الدجاج البلدي ليتكاثر عددها وتصبح بعد سنة خمسون فرخاً ودجاجة منتجة للبيض، تعطي بمعدل عشرين بيضة في اليوم الواحد، فتدع علياء القدور قسماً يأكله أطفالها وتبيع ما تبقى، وتعتمد في إطعام الدجاج على بقايا الطعام وبعض الشعير والحشائش.  
لم تتوقف تربية الدجاج البلدي على الاستفادة من لحمه وبيضه وحسب وإنما تم تربية أنواع أخرى من الدجاج كالفرعوني والبري والبراهما والرومي، وهي ذات أسعار مرتفعة، إذ يصل سعر الدجاجة الواحدة منها لأكثر من ٢٠٠ ليرة تركية، كما أن سعر بيضها أيضاً مرتفع ويصل إلى عشر ليرات تركية للبيضة الواحدة. 
ما يميز تربية الدجاج البلدي عدم حاجته لأعلاف مخصصة أو لقاحات أو أي نفقات إضافية، فهو كثيراً ما يعيش على بقايا الخبز اليابس أو ما يزيد عن حاجة الأسرة من الطعام أو الحبوب. 
الخبير البيطري عماد جنيد (٣٣) عاماً يشجع على تربية الدجاج البلدي في الأرياف والمخيمات حيث يمكن أن يعتمد عليها الأهالي بتأمين مصدر جيد للبروتين الحيواني، كما وتعتمد عليه بعض الأسر كمصدر دخل إضافي من خلال المتاجرة بالبيض الناتج ببيعه بأسعار جيدة مقارنة بالبيض الناتج عن الدجاج المربى تربية مكثفة ضمن المزارع.
ويتابع أن الدجاج البلدي هو أكثر مقاومة للأمراض مقارنة مع الدجاج الزراعي الذي يكون عادة أقل مقاومة للأمراض والأكثر نفقات ومرضاً ونفوقاً. 
وتشهد تربية الدجاج البلدي إقبالاً لافتاً في مخيمات إدلب بعد أن أصبحت مصدر دخل للكثيرين، لتحقق لهم اكتفاءً ذاتياً على الأقل في ظل ارتفاع أسعار البيض واللحوم مؤخراً.