تعليم النساء أعمال السباكة والكهرباء والنجارة في بنغازي
في بادرة هي الأولى من نوعها على مستوى ليبيا، أطلقت المدربة نسرين البشاري عبر مركزها "أويا لتطوير وتدريب المرأة"، الدورة التدريبية الأولى لتعليم المرأة أعمال النجارة والسباكة والكهرباء والطلاء بمدينة بنغازي
ابتسام اغفير
بنغازي ـ .
لمعرفة الأسباب التي دفع بالأكاديمية إلى إطلاق دورة تعليم النساء النجارة والسباكة والكهرباء والطلاء، والتي تعد الأولى من نوعها في ليبيا، التقت وكالتنا مع المدربة نسرين البشاري وهي إحدى مؤسسات أكاديمية "أويا لتطوير وتدريب المرأة".
"ما دفعنا أن نفتح مثل هذه الدورات هو أنه هناك نساء أردنَّ دخول سوق العمل من خلال تعلم هذه الحرف، فهذه الحرف ليست حكراً على الرجال" هكذا تقول نسرين البشاري.
وأشارت نسرين البشاري إلى أنه "هناك عدد كبير من النساء في ليبيا فقدن المعيل الوحيد لهن لذلك هن بحاجة لفرص عمل جديدة، إضافةً إلى أن بعض النساء لا يردنَّ إدخال رجال غرباء إلى منازلهن من أجل القيام بهذه الأعمال، فهناك الأرملة والمطلقة والتي ليس لديها أخ أو أب في البيت، لذلك فكرت فيها من أجل دعم النساء لقضاء حوائجهن بأنفسهن".
وعن استطاعة النساء الدخول إلى منازل الغرباء والقيام بهذه الأعمال دون خوف تقول "النساء الآن يدخلن منازل الغرباء من أجل العمل في مهن النجارة والسباكة والكهرباء والطلاء، فهن يذهبن إلى منازل الغرباء من أجل وضع الحناء للنساء وتزيينهن عوضاً عن ذهابهن إلى "المزين"، وبالتالي فإن دخولها المنازل من أجل القيام بأعمال السباكة أو أعمال الكهرباء، لن يكون بشيء غريب".
وحول ردة فعل الرجال المحيطين بها والمجتمع حول فكرة إقامة هذه الدورة، تقول نسرين البشاري "العديد من الرجال قالوا من ترغب في تعلم أشياء كهذه؟ فهذه الأعمال ليست للنساء، ولن تشترك واحدة منهن فيها، ولكن كان عدد المسجلات في الدورات كبير، ولازلنا نستقبل متدربات إلى الآن، هناك من لديهن رغبة شديدة مثلاً في تنمية موهبتهن في مجال العمل على الخشب، وهناك من تريد القيام بهذا العمل بمفردها تجنباً لإدخال رجل غريب لبيتها، الوضع الاقتصادي الصعب فرض على النساء في ليبيا العمل في كل شيء تقريباً، من أجل أن تكسب قوتها بالحلال، ونحن شعب متعطش للتعلم والتدريب في مختلف المجالات".
"عمل المرأة بيديها أفضل من تسولها أو تعرضها للاستغلال"
وتؤكد نسرين البشاري على أن "عمل المرأة بيديها أفضل من تسولها أو تعرضها للاستغلال، واكتساب حرفة يعطي المرأة القوة، فهناك مثل قديم دائماً ما أحب أن أردده "صنعة اليدين ولا ملك الجدين"، وهذا المثل يعني أن يكون للإنسان عمل يقوم به بيديه، أفضل من ورث ورثه عن جديه سرعان ما يزول، فالمهم في هذا الوقت أن تمتلك المرأة أكثر من حرفة من أجل أن توفر لقمة عيشها".
وعن إقبال النساء للمشاركة في هذه الدورة تقول "الإقبال كبير بالنسبة لدورة مثل هذه، وأنا سعيدة جداً، لذلك ستنطلق الدورة قريباً".
دخلت إلى عالم تدريب النساء نهاية التسعينيات
نسرين البشاري مهندسة كمبيوتر دخلت إلى عالم تدريب النساء منذ نهاية التسعينيات، حيث كانت أولى الدورات التي تقوم بإعطائها في مجال تخصصها هي تعليم أساسيات الحاسوب والإنترنت، وكانت الدورة مخصصة للنساء.
بعد ذلك توجهت إلى التدريب في مجال صنع الحلويات، وتقول عن فكرة انطلاقها "بدأت الدخول إلى عالم صنع الحلويات وقوالب الكيك، منذ سن الطفولة حيث كنت أقوم بعمل أشياء بسيطة وبالإمكانيات المتاحة، ففي نهاية الثمانينات كانت ليبيا في فترة الحصار، ولم تكن المواد الخام الأولية لصنع الحلويات موجودة، لذلك كنت أقوم بصنع كيكات بسيطة تارة تنجح وتارة أخرى أقوم برميها في القمامة، بعد الحصار أردت أن أطور نفسي في هذا المجال، فانضممت لمجموعة من الدورات التدريبية خارج ليبيا، وبدأت اتفنن في صنع الكيك وأقوم بإهدائه لصديقاتي وقريباتي، ومن ثم قررت بيعه لكسب بعض المال، ونظراً للتساؤلات التي كنت اتلقاها من هؤلاء النسوة بخصوص طريقة الصنع والتزيين قررت فتح مركز تدريب لهن، وكان ذلك منذ ثمانية أعوام".
وتقول نسرين البشاري بأنها دربت الآلاف من الفتيات والنساء على صنع الكيك والحلويات وتحضير الموالح أيضاً، وأغلبهن الآن يعملن باستقلالية، فقد فتحنَّ مراكز تدريب، وهناك من افتتحت محال لبيع الحلويات، وهناك من تعمل من بيتها، وتؤكد نسرين بأن هؤلاء النسوة لا يعتبرن منافسات لها بل هي سعيدة لأنها دربتهن، وفخورة بهن.
حالة من الحزن منعتها من الاستمرار لسنوات
مرت نسرين البشاري بحالة من الحزن بسبب فقدانها ابنتها المريضة عام 2016، فتوقفت عن العمل لسنوات، ولكنها الآن تعود من جديد بإنشاء مركز تدريب للنساء، يختص بتدريبهن في مختلف المجالات، حيث توضح بأن المركز لن يقتصر تدريبه على صنع الحلويات والكيك أو الحياكة، وإنما سيهتم بإدخال المرأة في كافة المجالات، وكل ما ترغب في تعلمه سواء لتنمية موهبتها وصقلها، أو لغرض الحصول على عمل، وكانت أولى التدريبات الجديدة في غير تخصص النساء هي أعمال النجارة والسباكة والكهرباء والطلاء.
أتمنى أن يكون وطني دائما بخير
تعاونت نسرين البشاري مع منظمات محلية ودولية من أجل تدريب النساء النازحات إلى مدينة بنغازي، وتدريب من فقدن المعيل في الحرب، وتوضح "إن العمل الذي أقوم به ليس دائماً من أجل الكسب المادي، ولكن أنا أعيش في مجتمع ووطن، وأريد أن أقدم لهم شيء يستفيدون منه، وأتمنى أن يكون وطني بخير".
وأكدت نسرين البشاري أن طموحها لن يتوقف عند طرح مثل هذه الأفكار بل سيمتد إلى مشاريع جديدة، وتنصح النساء بأن يقتحمن جميع مجالات سوق العمل فالحرف مثل النجارة والسباكة لا تنقص من أنوثتها، بل الأنوثة شعور وتعامل ولن تنقص هذه المهن من قدرها "إن العمر ليس مانع للتعلم مهما تقدم بك السن، فاقبلي على الحياة وتعلمي، ففي كل مرة هناك شيء جديد نستحق أن نتعلمه".