تخيط النساء في شمال وشرق سوريا تراثهنَّ بأيديهنَّ

للملابس الكردية الفلكلورية تصاميم وألوان براقة، وإبداع يحاكي سحر المنطقة وهوية الشعب، وتسحر الناظر إليها، وللحفاظ عليها من الضياع تسعى النساء في شمال وشرق سوريا إلى خياطتها بأناملهنَّ

نورشان عبدي
كوباني ـ ، ويعطينها لمسات جذابة بالتنسيق بين الألوان واختيار الأقمشة. 
تسعى عدلة محمد (44) عاماً، وهي أم لثمانية أولاد، من خلال خياطة الزي الفلكلوري الحفاظ على التراث الكردي من الاندثار، ونشر ثقافة ارتدائه بين النساء، تقول "كنتُ أسكن مع عائلتي في مدينة منبج، لكن بعد هجمات مرتزقة داعش، وارتكابها العديد من الانتهاكات، واختطافها عدد من أهالي المدينة ومن بينهم زوجي في 2014، لأنه كردي، الذي لم نتمكن معرفة أي معلومات عنه منذ سبعة أعوام، توجهتُ مع أبنائي إلى مدينة كوباني". 
وتتابع "تعلمتُ مهنة الخياطة من والدتي منذ كنتُ في الثالثة عشرة من عمري، ورغبتي المُلحة في التعلم دفعتني للاحتفاظ بجميع المعلومات والتفاصيل التي كانت أمي تعلمها لأختي الكبرى، ومن خلال ممارسة مهنة الخياطة أؤمن احتياجات المنزل وأربي أطفالي، وأؤسس اقتصادي الخاص". 
أما عن الصعوبات التي واجهتها، فتقول "عانيتُ صعوبات كثيرة في مراحل تعلم الخياطة خاصة قص القماش، لأنه يتطلب الدقة والاحترافية، إضافة إلى إعطاء تصميم مُتقن للقطعة، لكنني تجاوزتُها بممارستها بشكل يومي".
وامتهنت عدلة محمد خياطة الملابس بتصاميم مختلفة لأفراد عائلتها وشقيقاتها، ثم انتقلت إلى مرحلة العمل لتلبية طلبات الزبائن "بدأتُ الخياطة على ماكينة الفراشة التي تعمل بطريقتين يدوية وكهربائية، وبعد مجيئي إلى كوباني سجلت في دورة تدريبية مدتها ثلاثة أشهر، للعمل على الماكينة الكهربائية ضمن فرق منظمة كونسير، وفي نهاية التدريب قدمت ماكينات للنساء اللواتي تعلمنَّ الخياطة".
والملابس الكردية لم تختلف من ناحية الموديلات والتصاميم إلا أن الاختلاف هو الألوان ونوعية القماش، "الزي الكردي الفلكلوري له أنواع عديدة، فالنساء المتقدمات في السن يفضلنَّ الفساتين الفضفاضة والتراثية التي تتميز بقصة في الصدر وكسرات، أما الفتيات يطلبنَّ وضع لمسات عصرية في الخياطة، على الرغم من توفر الألبسة الجاهزة في الأسواق". 
وتفضل عدلة محمد استخدام أفضل أنواع الأقمشة للزي الكردي، "بعد خياطته أضيف الاكسسوار الذهبي أو الفضي اللون، لأن هذه الملابس ألوانها صارخة وتطريزها يكون بالزهور والخيوط اللامعة التي تلفتُ انتباه الناظر، وهنالك تمايز في التصاميم بين منطقة وأخرى، واختلاف في طريقة الخياطة".
وعن الجهد والوقت الذي يستلزم لخياطة الفستان، تقول "أعمل بشكل يومي دون انقطاع، وأستطيع خياطة أكثر من فستان في اليوم، إذ استغرق ساعة أو ساعتين لإنهاء الفستان بشكل كامل، وهنالك بعض الفساتين تحتاج وقتاً أطول حسب التصميم الذي تطلبه الزبونة"، ولتلبية جميع الأذواق ولاستقطاب انتباه النساء تعطي عملها الدقة واللمسات الفريدة. 
وفي يومنا الحالي هناك إقبال على خياطة الزي الفلكلوري الذي يُمثل التراث الكردي الرصين، وللزي الكردي الفلكلوري في كوباني نوعان، منه ما ترتديه النساء في المنازل، والآخر تلبسه في المناسبات والأعياد القومية، "الزي الخاص بالأعياد يتكون من فستان ذو أكمام طويلة تُسمى "الخلجك" والقفطان، ويُحاك بعدة طرق على الماكينات والإبر اليدوية، ومنها تُطرز بخيط التطريز، وتُزين بالخرز وغيرها من الكلف بالإبرة". 
وعن ضرورة الحفاظ على التراث وتناقله بين الأجيال، تشير إلى أن "الزي الكردي تراثٌ عريق، وبدورنا نعمل على نشر ثقافة ارتداء الملابس التراثية، وحمايتها من الزوال والاندثار، لأن الحفاظ عليها هو بمثابة الحفاظ على الهوية والأصالة في المجتمع". 
وتسعى عدلة محمد إلى تطوير نفسها ومهاراتها ضمن العمل، وتوسيع نطاق عملها من المنزل نحو افتتاح مشغل خاص، "أحاول تعليم أولادي على هذه المهنة، وإن سنحت لي الفرصة سأعلم عدد من الفتيات أيضاً، فهي مهنة أحببتها منذ الصغر".