سابين معلوف: نحن أشلاء دولة ولا أفق لسعر صرف الدولار

في بلد تعثرت فيه سبل الحياة وصنّف البنك الدولي أزمته بواحدة من أسوأ الأزمات منذ 150 عاماً، إذ يعيش اللبنانيون اليوم كارثة استثنائية، بدأت بنهب أموالهم في المصارف ولم تنته بفقدان المواد الغذائية وارتفاع أسعارها

كارولين بزي
لبنان ـ ، بل في غياب الدواء، وحرمان الأطفال من الحليب، وأخيراً أزمة محروقات باتت فيها الاتوسترادات عبارة عن مواقف لطوابير السيارات التي تقف بالساعات لكي تحصل على ليترات قليلة من البنزين لا تكفيها الساعات التي قضتها تنتظر دورها.
طوابير البنزين لا تقتصر على ذل المواطن فقط، بل تخللها أحداث أمنية منها إطلاق نار وجرحى وقتلى، وصولاً إلى عائلات قضت بأكملها، إذ أودى حادث سير عند إحدى محطات المحروقات بحياة ستة أشخاص بينهم أم وبناتها الأربعة. 
 
"القرارات المتجزئة لا يمكن أن تحد من تداعيات الأزمة اللبنانية" 
في ظل سوداوية المشهد اللبناني الذي لم يحرّك ضمائر الزعماء ولا واجباتهم باستثناء إصدار بعض القرارات السطحية أو الغير قابلة للتنفيذ، تتحدث الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المالية والمصرفية الدكتورة سابين معلوف عن الوضع الاقتصادي لوكالتنا وتقول "يزداد الوضع الاقتصادي في لبنان تأزّماً في ظل غياب أي اجراءات فعّالة، باستثناء بعض القرارات المصرفية منها أو الصادرة عن مجلس النواب إلا أنّها لا تجد سبيلها للتنفيذ"، وتشير إلى أن الخطط والاجراءات المتجزئة التي تتخذها السلطة لا تستطيع أن تحد من تداعيات الأزمة التي تمر بها البلاد.
على الرغم من أنّ ملامح الأزمة بدأت تلوح في الأفق منذ سنة ونصف السنة، إلا أنّ للواقع الاقتصادي الحالي علاقة بالنظام اللبناني، توضح سابين معلوف "الأزمة كانت واضحة المعالم منذ فترة طويلة، إذ حذّر المجتمع الدولي بما فيه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مراراً وتكراراً بأننا سنصل إلى هذا الواقع، ولكن السلطة كانت تتنكّر لذلك مثلما هي اليوم تعيش حالة نكران، ولو تمّ اتخاذ الاجراءات اللازمة حينها لما وصلنا إلى هذا الوضع". 
تتابع "كان يمكن للسلطة أن تعتمد اجراءات وقائية لكيلا نصل إلى الانهيار، ولكنهم تعاملوا مع تقارير البنك الدولي وصندوق النقد بلا مبالاة تماماً كما يفعلون اليوم، لم يتغير شيء بأداء الطبقة السياسية لا قبل ولا الآن ولا أعتقد أن مستقبلاً سيتغير شيء إذا بقيت الطبقة نفسها، وإذا استمرينا على هذا المنوال سنصل إلى الانهيار الشامل".
 
"البطاقة التمويلية غير قابلة للتنفيذ"
صرّح وزير الطاقة والمياه ريمون غجر الأسبوع الماضي معلناً أنّه ما أن يتم إصدار البطاقة التمويلية في لبنان، سيتم رفع الدعم عن المحروقات وسيبلغ سعر صفيحة البنزين 200 ألف ليرة لبنانية في بلد يعيش أزمات متشعبة ويبلغ فيه الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة أي 45 دولاراً. 
تعلّق الدكتورة سابين معلوف على ذلك وتقول بأنّ "رفع الدعم أصبح أمر واقع وهو يتم بشكل تدريجي، فيما يتعلق بالبطاقة التمويلية فهي ليست حلاً ولن تكون قابلة للتنفيذ ككل الاجراءات الأخرى، لأن البطاقة التموينية التي موّلها البنك الدولي بـ 246 مليون دولار، لم يتم تنفيذها وصرّح البنك الدولي أنّ سبب التأخير هي الدولة اللبنانية وتقاعسها عن الاتفاقية".
وتضيف "هنا نتحدث عن بطاقة تمّ تأمين تمويلها فكيف لبطاقة لم يتم تأمين تمويلها بعد، كما أنّ البيانات غير متوفرة بعد، وفق ما صرح وزير المال، وفي حال تنفيذها فهي فارغة من أي مضمون إلى حين تمويلها وتوزيعها، يكون الوضع الاقتصادي في مكان آخر وأكثر تأزماً، ففي الأزمات الوقت قاتل، والأثمان التي ندفعها اليوم هي أغلى ثمناً غداً وأرخص بالأمس، وهذا ما نقوله للسلطة منذ العام 2019، مثلاً الاجراءات التقشفية التي كان يمكن أن يتم تطبيقها منذ سنتين أصبحت أصعب اليوم. كما أن البنى التحتية تنهار وهناك دولة أصبحت أشلاء، نحن أشلاء دولة وهذه الأشلاء تموت، حتى أنّ الجيش اللبناني لم يسلم من تداعيات الأزمة".
وتسأل "ما الفائدة من البطاقة في ظل عدم توفر الدواء ولا النفط ولا المحروقات؟، كما أن سبل الحماية الاجتماعية مفقودة". 
 
"الكابيتال كونترول وسيلة استثنائية لا وسيلة إنقاذ"
عن قانون الكابيتال كونترول، تقول "الكابيتال كونترول ليس وسيلة إنقاذ بل هو وسيلة استثنائية لمنع خروج الرساميل من لبنان، وهو ليس حل قائم بحد ذاته ولكنه يأتي ضمن سلسلة خطط انقاذية واقتصادية، مالية وضرائبية حتى أنّ صندوق النقد لم يعتبر هذا القرار حلاً أو أولوية في الوقت الحالي".
وتلفت إلى أنّ "عدم تشكيل الحكومة اليوم هو خوف من مواجهة الواقع الاقتصادي" وتعتبر أنّه لا يمكن لسلطة ساهمت بالانهيار أن تواجه الأزمة التي تسببت بها. 
أعلن البنك الدولي في بداية حزيران/يونيو الجاري أنّ "الأزمة الاقتصادية والمالية الشديدة التي يعاني منها لبنان من المرجّح أن تصنّف كواحدة من أسوأ الأزمات التي شهدها العالم منذ أكثر من 150 عاماً". 
مع عمق الأزمة اللبنانية هل يمكن لصندوق النقد أن يكون الحل؟، تقول الدكتورة سابين معلوف "بعدما تخلفنا عن سداد الديون بالعملة الأجنبية في أيار/مايو 2020، كدولة لم يعد أمامنا خيارات سوى صندوق النقد، في أزمة قاسية مثلما وصفها البنك الدولي، هي لا تشبه أزمات أخرى بل نحن أسوأ من أسوأ أزمة وخاصة أن هذه الأزمة لم يكن سببها حرب مباشرة أو كارثة طبيعية".
 
"صورة لبنان سوداوية وقاتمة"
وتتابع "صندوق النقد ليس كمية أموال يتم ضخها في ميزان العجز للدول، هو ضمانة للتعامل مع هذه الدولة مجدداً، خاصةً وأن الموضوع بالنسبة للمجتمع الدولي وللمستثمرين فيما يتعلق بلبنان بأنّه لم يعد فقط دولة متخلفة عن سداد ديونها، بل هناك انفجار المرفأ في 4 آب /أغسطس2020، الذي تحدث عنه العالم بأكمله والذي يعتبر الفساد هو السبب الأساسي لوقوعه، وبالتالي صورة لبنان بالنسبة للمجتمع الدولي هي صورة سوداوية وقاتمة".
وتضيف بأنّ "التدرج الاجتماعي في لبنان اختلف، مثلاً الطبقة الوسطى العليا أصبحت طبقة وسطى منخفضة، والطبقة الوسطى المنخفضة اختفت، ومن المتعارف عليه أنه عندما تختفي الطبقة الوسطى وتزول، تتراجع الحركة الاستهلاكية والاقتصادية".
وتشير إلى "أننا نعيش أسوأ أزمة في لبنان، فحتى الخدمات أيام الحروب كانت ذات جودة عالية، بينما اليوم بتنا نفتقدها". 
وتلفت إلى أنّ "الأزمة اليوم ليست أزمة اقتصادية فيها ركود واستهلاك، نحن دولة فاسدة لم تؤسس لبنى تحتية منذ ثلاثين عاماً، قطاع الكهرباء لم يتحسن منذ ثلاثين عاماً، فقدنا أبسط متطلبات الحياة، وبالتالي حتى الطبقة القادرة على الاستهلاك فإنها لن تحصل على نوعية خدمات ذات جودة عالية"، وتشير إلى كارثة من نوع آخر سيشهدها لبنان مع هجرة أصحاب الكفاءات العالية، وهذه مشكلة ستنعكس على معدل العمر في لبنان، هناك بنيان كامل يتغير، بنيان اجتماعي سكاني، اقتصادي ومالي، الانهيار يطال كل شيء. 
وتضيف "يشجّع صندوق النقد على الاستثمار لإدخال عملات أجنبية إلى البلاد، ولكن من سيستثمر في بلد لا يوجد فيها كهرباء ولا ماء ولا محروقات ولا معاملات إدارية؟"، وتتابع "اعتبر البنك الدولي في تقريره بأنّ تقاعس الدولة عن ايجاد حلول في لبنان هو متعمّد عن سابق تصور وتصميم".
 
"لا نية لدى الدولة إدخال تحسينات على النظام القائم"
وعن فقدان المحروقات والأدوية وغيرها من المواد الأساسية إن كانت مقدمة من قبل الدولة لرفع الدعم بطلب من الشعب، تقول "لم يعد لدى الدولة القدرة على الدعم ولا نية لديهم لإدخال تحسينات أو إصلاحات على النظام القائم، وهم غير مستعدين للمصارحة، ويكتفون بالخطابات والقرارات الشعبوية من قبل مجلس النواب مجتمعاً، وجلّ اهتماماتهم في الوقت الحالي هو إجراء إحصاءات من أجل الانتخابات النيابية".
 
"الأجهزة المصرفية وجه آخر للفساد في لبنان"
فيما يتعلّق بتعميم مصرف لبنان 158 الذي ينص على أنّه يستفيد المودّع بمبلغ 400 $ فريش من حسابه و400 $ بالليرة اللبنانية وفق سعر منصة صيرفة أي بحدود 12 ألف ليرة (بينما دولار السوق السوداء تجاوز الـ 15ألف ليرة).
تقول "الأجهزة المصرفية، كهيئة منظمة ولجنة رقابة وكقطاع مصرفي هم الوجه الآخر للفساد في الدولة، هم يتحكمون ويتطاولون على المنظومة التشريعية ويغيرون فيها، علماً أنّ القوانين هي الأكثر صلابة عادة في الدول، لكنهم تحولوا إلى أجهزة ومؤسسات يحلون مكان المؤسسات الديمقراطية".  
وتتابع "أتفهم تحميل الشعب اللبناني مسؤولية اختياره هذه السلطة السياسية ولكن لا أتفهم أن يتحمل اللبنانيون أجهزة مصرفية تبغي الربح ومهمتها أن تحقق منفعة شخصية وتتحكم بنا وبحياتنا وتنظّم لنا أمورنا".
 
"تعاميم مصرف لبنان"
وتوضّح "بالعودة إلى التعميم الصادر عن مصرف لبنان هذا لا يسمى تعميم بل هرطقة، من غير المقبول أن يصدر عن أي مصرف مركزي في العالم هذا النوع من التعاميم، جميع المصارف أقرّت بأنّها ستطبّق هذا التعميم ولكن ما الفائدة؟ هناك قطاع فقد الثقة من كل المودعين كما أنّ هناك تناقضات بالتعميم، بعض المودعين سيُطبق عليهم التعميم 151 (دولار يساوي 3900 ليرة لبنانية)، آخرون سيتقاضون على أساس التعميم 158، ومنهم من ستتم معاقبته ويتقاضى الدولار على أساس 1500 ليرة"، وتسأل "هل هذا مصرف مركزي؟ هل هذا مصرف يواجه مؤسسات مالية دولية بهذا المستوى من التعاميم؟ هناك حالة إلهاء للرأي العام لتشتيته، وأنا عاتبة على الناس التي تطل عبر الشاشات وتتحدث بلغة السلطة والمصارف ويتم التسويق لثقافة مجتمعية معينة وألفاظ وتعابير يتم التداول بها، حتى أن بعض المواطنين وصلوا إلى مرحلة يشكروا فيها السلطة في حال حصلوا على فتات أموالهم أو جزء بسيط من حقوقهم".    
وتعليقاً على سعر صرف الدولار تقول "مثلما لا أفق للأزمة ولا نرى نهاية النفق، الدولار لا سقف له ولا نعرف إلى أين سيصل لكن يمكن أن يتم لجمه في حال وصلنا إلى حلول".
وتوضّح "العملة في أي دولة هي الثقة، الثقة الاستثمارية، الاقتصادية والادخارية والثقة بالتداول، ونحن دولة عندما كان لبنان بأفضل مراحله كنا نتعامل بعملة أجنبية لأننا لا نثق بالليرة، فكيف اليوم؟ الدولار في بلد كلبنان أصلاً مدولر، وودائعه مدولرة والدين العام فيه مدولر يعني أن سقف سعر صرف الدولار مفتوح".
 
"الاستسلام في الأزمات ليس حلاً"
وتعتبر سابين معلوف بأنّ "الخسائر تزيد مع الوقت، ويجب أن نكون جميعاً أمام مسؤولياتنا، فالاستسلام في الأزمات ليس حلاً، إذ يجب أن يكون هناك تحركات وضغوط على كل المنظومة لكي نصل إلى حلول".
لا تعتقد سابين معلوف أنّ الذهاب إلى صندوق النقد سيكون أصعب من الواقع، وتقول "لا أعتقد أنّ حلول صندوق النقد ستكون أصعب، كان من الممكن أن يكون صندوق النقد من ضمن الخطة الحكومية التي أعدتها شركة لازار وكان الحديث حينها عن سعر صرف يصل إلى 4500 ليرة، وأن يتم رفع الدعم تدريجياً بظل خطة إنقاذيه موازية، تحفيز للاقتصاد، حل مشكلة الدين العام، وضع اليد على مكامن الهدر والفساد والتهريب والكهرباء، وبالتالي كنا استطعنا أن نلجم سعر الدولار ولكن هذا لا يعني أنّه لا وجود للحلول الآن، دائماً هناك خطط ولكن ما الوقت الذي يتطلبه تحضير الخطة وتنفيذها، وذلك في حال تمّ الاتفاق وتشكيل حكومة قادرة على كل المستويات بعيداً عن الغايات السياسية، ولا يكفي أن تكون الحكومة حكومة اختصاصيين، بل اختصاصيون يملكون جرأة اتخاذ قرارات حاسمة".
وتختم "المطلب اليوم أن تُشكل حكومة منسجمة وتُمنح فرصة ولا تعرقل عملها المطبات السياسية في مجلس النواب، إن كان بصلاحيات استثنائية أو غير ذلك، ومن سيأتي في هذه الحكومة سيكون فدائي".