رحلة امرأة من كرماشان... من القيود التبعية إلى استقلال الاقتصادي

تجربة إلهام أحمدي تكسر قيود التبعية الزوجية وتثبت أن استقلال المرأة الاقتصادي ليس مجرد خيار شخصي، بل ضرورة اجتماعية. تكشف قصتها أن الحرية الحقيقية بالقدرة على تقرير المصير ومواجهة النظام الأبوي.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ بأناملها تنحت تماثيل صغيرة، وكأنها تحاول أن تنفخ في الطين روحاً تعيد إليها وجودها الممزق. هي امرأة من كرماشان، تعرض منحوتاتها الفخارية على أرصفة الشوارع، حيث تستوقف تماثيل النساء أنظار المارة، وكأنها انعكاس لذاتها المرسومة في كل قطعة.

إلهام أحمدي تروي بدايتها قائلة "بدأت هذا العمل قبل عامين، حيث اضطررت بسبب الظروف المالية أن أبحث عن مصدر رزق خاص بي. منذ طفولتي كنت مولعة بالفنون، ولم يكن أمامي سوى أن أتابع نشاطاً فنياً يمنحني استقلالاً. اخترت النحت لأنه عمل يمكنني ممارسته في البيت حين لا تكون ابنتي بجانبي، وفي الوقت نفسه يمنحها وجودي الطمأنينة. النحت ليس صعباً، بل يحتاج إلى شغف، ورغم أنه لا يدر دخلاً كافياً، إلا أنه كان وسيلتي للاستمرار. لست راضية عن مردوده المادي، لكن لا خيار أمامي سوى التعايش مع الواقع".

وبالنسبة لكثير من النساء اللواتي قضين سنوات طويلة في ظل هيمنة الزوج وفي فضاء مغلق، يُعد قرار الطلاق أو تأسيس مشروع خاص خطوة محفوفة بالمحرمات الاجتماعية التي نادراً ما يُقبلن عليها. فالاعتماد الاقتصادي على الرجل يجبر العديد منهن على البقاء في حياة زوجية غير مرغوبة، لأن المجتمع لا يزال عاجزاً عن تصور المرأة مستقلة بذاتها بعيداً عن الرجل. هذه التبعية المالية، إلى جانب الضغوط الثقافية، تُبقي النساء في دائرة من الصمت والجمود، حيث يُنظر إلى استقلال المرأة باعتباره تهديدًا للنظام الأبوي السائد.

 

 

ورغم كل القيود، استطاعت إلهام أحمدي أن تكسر هذه القناعة التقليدية وتعيد رسم حياتها برؤية جديدة. مشيرةً أنه "على المرأة أن تدرك أن الزواج لا ينبغي أن يكون وسيلة للهروب من العجز أو غياب الدعم المالي، بل يجب أن تختار الاستقلال الحقيقي في المجتمع. من الضروري أن تمتلك مصدر دخل أو عمل خاص بها، ليكون سنداً في مستقبلها وضماناً لحياتها".

 

استقلال المرأة الاقتصادي… شرط أساسي للتحرر

قالت إلهام أحمدي إن "التجارب الصعبة التي مررت بها بعد الزواج جعلتني أؤمن بأن استقلال المرأة المالي أمر لا غنى عنه، وأنها لا يجب أن تكون رهينة اعتمادها على الرجل. فقد تواجه الحياة لاحقاً خلافات أو غياباً للتفاهم، وعندها إذا لم تكن المرأة مستقلة مالياً ستُجبر على الاستمرار في علاقة لا ترغب بها. وهذا في جوهره معضلة حقيقية، لذلك أرى أن على كل امرأة في مجتمعنا أن تحقق استقلالاً مالياً يحميها من التبعية ويمنحها القدرة على تقرير مصيرها".

 

 

وتطرقت إلهام أحمدي للعقبات التي واجهتها لنيل الطلاق "عندما قررت الانفصال عن زوجي السابق وذهبت إلى جلسة الاستشارة قبل الطلاق، قالت لي الأخصائية النفسية "سيدتي، ماذا ستفعلين بعد الانفصال؟ لا تملكين تعليماً ولا مالاً ولا وضعاً مالياً مستقراً". فأجبتها "لا يمكنني أن أعيش تحت سقف واحد مع إنسان فقط من أجل لقمة العيش، بينما أُحرم من الاحترام". هذه التجربة جعلتني أؤمن أن على المرأة أن تضع إنسانيتها أولاً، ثم تفكر في حياتها ومستقبلها".

ولفتت إلى أنه "من أبرز مشكلات عملي، حيث أعرض منتجاتي على جانب الطريق، أن بعض الباعة الرجال لا يرغبون بوجود امرأة تعمل بجوارهم. لذلك اضطررت إلى اختيار زاوية منعزلة، لكن مبيعاتي هناك ضعيفة." هذه الضغوط جعلت دخلها أقل، مضيفةً "أسعار منتجاتي تبدأ بسعر زهيد وتزيد قليلاً، لكن المبيعات محدودة؛ فقد أبيع بضع قطع فقط يومياً. وبسبب عدم قدرتي على استئجار محل، أضطر إلى وضع طاولة وكرسي على جانب الطريق والعمل كبائعة متجولة".

 

 

تجربة إلهام أحمدي تكشف أن استقلال المرأة الاقتصادي ليس مجرد خيار شخصي، بل ضرورة اجتماعية ملحّة. فرغم ما واجهته من ضغوط أسرية وثقافية، وحتى منافسة ذكورية في بيئة العمل، استطاعت أن تشق طريقها الخاص. ورغم العقبات العديدة التي ما زالت تواجهها، فإنها تمضي نحو بناء مستقبل مختلف.