منى عزت: العمل على مأسسة النوع الاجتماعي والتمكين الاقتصادي بوابة الخروج من الفقر

التمكين الاقتصادي للنساء الأداة الأكثر فاعلية في الدفع بهم للتماسك والقدرة على اتخاذ القرار بحسب الكثير من الدراسات

أسماء فتحي

القاهرة ـ التمكين الاقتصادي للنساء الأداة الأكثر فاعلية في الدفع بهم للتماسك والقدرة على اتخاذ القرار بحسب الكثير من الدراسات، وهذا البعد يتكاتف المجتمع الدولي على إرساء قواعده وهو واحد من أهداف التنمية المستدامة التي تتبناها العديد من الدول ومنها مصر.

للتعرف أكثر على أبعاد التمكين الاقتصادي ودور المؤسسات والمهتمين بقضايا المرأة إجمالاً في المشاريع الخاصة به كان لنا حوار مع الصحفية منى عزت التي بدأت في العمل على قضايا النوع الاجتماعي والتعرف على المنظمات النسوية منذ عام 2003 وبداية من عام 2015 عملت استشاري لمنظمة العمل الدولية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة مكتب مصر بجانب مجموعة من هيئات أخرى.

 

يحتفي العالم بالمرأة خلال شهر آذار، إلى أي مدى ترين تأثير الاحتفال بيوم المرأة العالمي وغيره على قضايا النساء؟

هذا الاحتفال جاء نتاج نضال نساء عاملات في مصانع خرجوا في احتجاجات واعتصامات ومن خلال اليوم العالمي للمرأة يتم العمل على التذكير بقضايا النساء ونضالهن والحديث عن المكاسب التي تحققت والنضال المرتقب.

وهو أقرب لعيد الميلاد الذي يتم فيه تقييم ما تم فعله طوال سنوات وما سيحدث مستقبلاً وله أثر في إحداث الحراك والزخم حول أزمات النساء وكأنه جرس يذكر الجميع بقضاياهم، ومن خلال هذا الحدث تعلن مختلف الجهات على مستوى العالم موقفها وتخلق حالة من الفرز وتقييم للعمل على هذا الملف سواء على مستوى المنجز منه أو المستهدف.

 

واحد من أدوات مساعدة النساء في اتخاذ القرار تمكينهن اقتصادياً، ما هي المشاريع المرتبطة بهذا الدور؟

الاهتمام بالتمكين الاقتصادي في الوقت الحالي لا تتبناه فقط المنظمات بل المجتمع الدولي بشكل عام فهو واحد من أهداف التنمية 2030، لأن الدراسات أثبتت أن الخروج من الفقر بوابته الأولى هو تحسين الوضع الاقتصادي للنساء والرجال.

وللوصول بمؤشرات التنمية لمعدلات إيجابية يجب العمل في المقام الأول على التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي للنساء والرجال.

ومصر من الدول التي تهتم بأهداف تنمية 2030 وواحدة ممن أصدروا استراتيجية لتمكين المرأة سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً وكذلك الحماية من العنف، كما أن لدينا مجتمع مدني وبخاصة المنظمات النسوية من منتصف التسعينات تعمل على ذلك الأمر.

وتعمل الدولة الآن على مأسسة النوع الاجتماعي داخل المؤسسات والوزارات فنجد على سبيل المثال أن وزارة القوى العاملة في نهاية 2019 قد أسست لجنة للمساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي، ووزارة الشباب والرياضة لديها سياسة لمناهضة العنف، ووزارة التضامن الاجتماعي تعمل على التمكين الاقتصادي من خلال التعاون مع الجمعيات الأهلية والعديد من المشروعات المباشرة التي تقوم بها كما أنها بصدد مراجعة مشروعاتها وبرامجها لتضمن الدمج وتتضمن منظور النوع الاجتماعي وأنا أقوم مع فريق عمل بهذا الدور الآن.

 

مجموعة من التحديات تواجه النساء وتحول دون تمكينهن اقتصادياً، برأيك ما أبرز تلك التحديات وطرق مواجهتها؟

هناك العديد من التحديات التي تواجه النساء ومنها أن المجتمع لا يعترف بحقهن في العمل رغم أن مساهمتهن الاقتصادية تسجل نحو 23 لـ 24% بحسب احصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، والدولة تستهدف في 2030 أن تصل قوة عمل النساء لـ 35%.

وهناك أيضاً تحدي كبير يرتبط بثقافة المجتمع حول الدور الذي تقوم به النساء باعتباره قاصر على ما يمارس من مهام داخل المنزل، وأن الخروج عن هذا الإطار استثنائي، وهو ما ينعكس في حركة النساء وعدم قدرتهن على التنقل والعمل في أماكن مختلفة.

ونظرة أصحاب الأعمال واحدة من معوقات تمكين النساء فبعضهم لا يفضلون تشغيل النساء حتى لا يلتزموا بمواد القانون المرتبطة بحقوقهم الخاصة بإجازة وضع وغيرها، كما أن النساء ما زلن يتعرضن للعنف إلى حد كبير في أماكن العمل.

والتحديات التي تواجه النساء ليست قاصرة على القطاع المنظم بل أنها أكثر تعقيداً في العمل الغير نظامي لتعرضهن لعنف أكبر فأغلبهن في مجتمعات ريفية وفقيرة وبالتالي الفكر المحافظ والتقليدي تأثيره كبير، فمجرد أنها تعمل حتى وإن كان ذلك من خلال مشروع بسيط تتعرض للاتهامات والتشكيك في سلوكها بل والتدخل في حياتها اليومية.

كما أن الكثير من النساء تعملن ولكنهن لا يتحكمن في إدارة دخلهن حتى وإن كن مصدره لأن قرار إدارة الموارد المالية هو حق مسلم به للرجل سواء كان زوج أو أخ أو أب وهو ممارسة واضحة للعنف الاقتصادي عليهن، وتعاني الكثير من النساء من تفضيل الذكور عليهن لمجرد النوع رغم أنها قد لا تقل عنه في المؤهل أو شروط العمل وربما أفضل منه ولكن التمييز يلاحقها مهما حاولت إثبات كفاءتها للحصول على الوظيفة المعروضة.

وتقع أيضاً الكثير من النساء تحت طائلة التنميط داخل أماكن العمل، فقد ارتبطت بالأذهان أنواع محددة لأعمال المرأة تقترب إلى حد كبير من دورها داخل المنزل لنجدها بكثافة في الوظائف ذات البعد الاجتماعي من تمريض أو تعليم.

وهناك نساء سعين لكسر ذلك الطابع وتمكن من أن يصبحن مهندسات وطبيبات وسائقات، وهو ما أعطي عدد من المؤشرات أهمها أن المرأة قادرة على العمل مهما كانت الصعوبات التي توجهها كما أن هذا يعد رد عملي في مواجهة النمط الشائع عن العمل الذي تستطيع النساء القيام به وضرورة خلوه من الجهد البدني، ولم يتبقى إلا أن يرى المجتمع نضالات النساء والتعامل الجدي مع جهودهن وتغيير النظرة التي يتعامل بها معهن، حتى لا يستمر وقوعهم أسيرات تصور المجتمع عن قدرتهم على التحمل.

 

 حالة من الزخم أثيرت تحت شعار "نحو بيئة عمل آمنة للنساء" ولكنها هدأت مؤخراً، فما أسباب ذلك؟

 العمل على إيجاد بيئة عمل آمنة للنساء لازال موجود ولم تهدأ وتيرته، فهناك عدد من الجمعيات الأهلية تعمل على هذا الأمر، وأنا كنت أعمل مع 13 مؤسسة أهلية في عدد من المحافظات منها أسوان والاسكندرية ودمياط على وضع سياسات لمناهضة العنف في تلك المناطق، كما عملنا مع القطاع الخاص واتحاد الصناعات ومنظمة العمل الدولية.

وعملت لعامين على المسؤولية المجتمعية للشركات من منظور النوع الاجتماعي وواحد من جوانبه كان بيئة العمل الآمنة، كما وضعت وزارة الشباب سياسة لمناهضة العنف وأصدرت وزارة القوى العاملة تعميم للمصانع بوضع سياسات من خلال اللجنة المقامة للمساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي، وهناك جهود تبذل حقيقية ولكنها غير كافية وتحتاج لاستمرارية على الأرض، فما زلنا نحتاج إلى تعميم سياسات العنف في مختلف أماكن العمل ولا تكون قاصرة على نماذج للاستشهاد بها.

كما نحتاج لمزيد من الجهد لتصبح جميع أماكن العمل آمنة ومحفزة للنساء والرجال معاً، وهي قضية أهتم بها وأعمل عليها مع أطراف العمل الثلاثة من حكومة ونقابات وقطاع خاص كاستشاري في عدد من المشاريع.

 

"ست الدار" أحد النماذج ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي الهام... كيف ساهمت هذه التجربة في تمكين النساء؟

"ست الدار" هي أحد المشاريع التي سعيت بالعمل عليها وتأتي في إطار مشروع كبير تقوم به الأمم المتحدة في أماكن مختلفة ومنها مصر يسمى بالمدن الآمنة وتم من خلاله إنشاء منطقة آمنة في دمياط.

وعملت مع 26 امرأة لديها مشروعات بسيطة كل منهن تعمل منفرداً وتمكنا من عمل تدريبات وتدخلات وخطط متابعة وزيارات ميدانية على مدى عامين من العمل المتواصل حتى نجحنا في جعل النساء يقمن بعمل مجموعات متكاملة مع بعضهم البعض في وحدات يديرونها بشكل جماعي وهذا ساهم في خلق مزيد من الفرص لهن.

وتمكنا من توفير تمويل ذاتي لهم برأس مال في صندوق ادخار تديره زميلة لهم وله عدد من القواعد واستطاعت النساء العاملات بشكل منفرد برأس مال صغير أن يتكاملوا في مجموعات ساعدتهم إلى حد كبير في التسويق وتطوير المنتج.

وتم من خلال هذا المشروع العمل على تحويل النساء برأس مالهم الصغير الفردي للعمل في مجموعات تعاونية برأس مال أكبر يديرونه بشكل تكاملي مما ساهم في تطوير مهاراتهم وتبادل الخبرات والوصول لأفكار ابتكارية مما يحدث الاستدامة.

والمجموعة الآن بدأت تتطلع للخروج من دائرتها الضيقة والمحدودة في "عزبة البرج" للتوسع في العمل بدمياط المدينة نفسها وهي سياسة يجب أن تنتهجها الدولة خلال الفترة المقبلة فلابد من تحسين الدخول بعمل صناديق ادخارية ونظام تعاوني وعمل جماعي.

 

عدد من القضايا أثيرت مؤخراً كان من الصعب الحديث عنها ومنها التحرش... إلى أي مدى ترين تأثير المجتمع النسوي والمهتمين بقضايا النساء بهذا الموضوع؟

جميع قضايا العنف من اللفظي والبدني والنفسي والجنسي جاءت ثمرة نضال المؤسسات النسوية فلم يعد لدينا حاجز صمت، فبالعودة للتسعينات سنجد أن المنظمات تهاجم إذا تحدثت عن وجود عنف أما الآن فالدولة باتت تعترف بوجوده وبالتالي تقوم بإجراءات وتصدر قوانين وسياسات لمواجهته.

والمجتمع المدني أصبح يتدخل من خلال أدوات التقاضي ويستصدر أحكام لناجيات، وهناك تدريب وتأهيل يتم ومراكز تنشأ في المحافظات لتقديم الدعم والمساندة النفسية والقانونية والدولة باتت تتجه لمأسسة قضايا العنف والتمييز في مؤسساتها.

ونتاج لجميع آليات النضال التي طالت لنساء نحتن في الصخور لنيل حقوقهم والقضاء على التمييز الواقع عليهم أصبحنا نرى النساء في مجلس الدولة وفي القضاء كواحد من الثمار المحفزة على العمل والتي تستحق الاحتفال.

وعلينا إدراك أن المؤسسات تناضل للحصول على مكتسبات وعلاج لأزمات موجودة داخل مجتمع بأكمله حاضن لتلك الأفكار خاصة زواج القاصرات والختان بداية من رجل الدين للقيادة المجتمعية لعادات وتقاليد المجتمع، فنحن أمام بيئة حاضنة واختراقها يحتاج لوقت طويل.

وهناك جهد ودور للمؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر الذي أصدر مجموعة من التصريحات ساعدت إلى حد كبير في مجابهة الأئمة القابعين في بعض الزوايا والاستناد إليها في مجابهة دعاة الجهل في بعض القرى البعيدة، فالأمر يحتاج لتكاتف ووعي وتطوير سواء من خلال المناهج التعليمية أو تنمية دور المؤسسات الثقافية المختلفة.

والمجتمع المدني يلعب دور أساسي في هذا الأمر ومؤسسات الدولة تستجيب بدرجة أو أخرى لكن مازلنا في احتياج للمزيد لأن تغيير الثقافات ليس سهلا خصوصا التي تتعلق بأوضاع النساء لأنهن في مجتمعنا محاصرات بقيد كبير من الأنماط والأطر الاجتماعية والثقافية المقيدة والمنتهكة للحقوق.