خبز التنور... تراث شعبي يشكل مصدر رزق نساء إدلب

اشتهرت قرى إدلب الجنوبية بصناعة خبز التنور التراث الأحب والأكثر انتشاراً، إذ لا يخلو بيت في الريف الإدلبي من وجود التنور الذي توقده النساء، غير أن هذا التقليد تراجع بعد نزوح أهالي ريف إدلب الجنوبي باتجاه المخيمات الشمالية، لتستثمر عدد من النساء خبرتهن في صناعة خبز التنور كمصدر رزق لهن يغنيهن عن الحاجة والسؤال

سهير الإدلبي
إدلب ـ .
بينما تحضر مريم الحمود (٣٥) عاماً العجين مع ساعات الصباح الأولى تقول إنها تبدأ عملها في صناعة خبز التنور مع بداية اليوم حتى غروب الشمس في الأوقات التي يكثر فيها الطلب على شراء الخبز، وأحياناً يكون الطلب على الخبز أقل فلا يستغرق منها العمل إلا بضع ساعات في اليوم.
وتضيف أن الفكرة خطرت لها بعد أن لامست حنين الأهالي في مخيم الدانا شمال إدلب حيث تقيم بعد نزوحها من كفرنبل مع زوجها وأولادها الأربعة، لخبز التنور وطعمه المحبب، ولأن أوضاعها المادية ضعيفة وتعاني الفقر الشديد وجدت في اتخاذ مهنة خبز التنور مصدر رزق لها وبدأت بتنفيذ مشروعها.
اشترت مريم الحمود تنور الفخار من بلدة أرمناز التي اشتهرت بصناعة وبيع شتى الأدوات الفخارية، وعمدت لتركيبه أمام خيمتها وسقفته بأعواد القصب وراحت تعمل وفق الطلب.
تبدأ مريم الحمود عملية العجن بعد نخل الطحين وتخليصه مما علق به من شوائب ثم تضيف إليه الملح والخميرة الفورية والماء الدافئ، وتبدأ بعجنه ليستغرق الأمر وقتاً ليس بالقصير ريثما تتجانس العجينة وتصبح جاهزة، وهنا تدعها لتختمر بعد وضع قطعة قماش عليها لمدة لا تقل عن ساعة لتبدأ عملية الخبز.
يقطع العجين ويشعل التنور وتبدأ عملية الخبز بمهارة وعناية وإتقان بعد تهيئة التنور وفق درجة حرارة مناسبة، وتتطلب صناعة الخبز الكثير من التعب والجهد والحرفية فهي ليست عملية سهلة بل صعبة ولكنها ممتعة بحسب مريم الحمود.
رائحة الخبز المنتشرة في أرجاء المخيم تدفع الكثيرين لطلب شرائه، ويجتمع الأطفال حول مريم الحمود طالبين منها بيعهم رغيف من خبز التنور الذي سعرته بليرة أو ليرتين أو ثلاث ليرات حسب حجم الرغيف الذي يقسم إلى ثلاث أحجام صغير ووسط وكبير.
وهناك عدة أنواع من خبز التنور ومنها السادة، المحمر، المسمسم وفطائر الجبن والزعتر، وخبز التنور لا يعتبر خبزاً فقط لدى الكثيرين وإنما ذكريات وتراث وعبق تاريخ ما يزال عالقاً في الأذهان.
ومن جانبها لم تتردد الأربعينية بدرية العلوش من التوجه لشراء خبز التنور لأبنائها ما إن بدأت عملية صناعة الخبز وبدأت تفوح رائحته الذكية في أرجاء مخيم الكرامة الواقع في بلدة كللي غرب إدلب والذي تقطنه بعد نزوحها من بلدة حاس جنوب إدلب، وتقول بعد تنهيدةً طويلة حملت معها ذكرياتها في بلدتها حين كانت تجتمع النسوة حول التنور ويساعدن في تحضيره بكثير من الألفة وروح التعاون "خبز التنور يعتبر أكثر الأطعمة شعبية وتفضيلاً بالنسبة للكبار والصغار، وحتى سعره يبدو مناسباً ويتلاءم مع الفقراء والأغنياء".
تتوق بدرية العلوش لصناعة خبز التنور كما كانت تفعل في السابق حين كانت تملك تنور بالقرب من حديقة بيتها الذي هجرت منه، ويصعب عليها وضع تنور أمام خيمتها التي تضيق حتى بساكنيها.
وتنتشر صناعة خبز التنور في المخيمات وعلى أطراف الطرقات وتمتهنها نساء ماهرات يتنافسن في صناعة الأفضل والألذ، في الوقت الذي تطغى فيه الطرق الكلاسيكية على الطرق الحديثة في صناعة خبز التنور الذي يتمتع بفوائد غذائية وصحية عالية.
وعن تلك الفوائد تقول الخبيرة الغذائية أسماء الحسين (29) عاماً، بأن خبز التنور يمثل غذاء متكامل يحتوي القمح وقشوره ونخالته ويضم العديد من المواد المعدنية والفيتامينات التي يحتاجها الجسم لزيادة نشاطه وقوته، عدا عن فوائده للمعدة والأمعاء والجهاز العصبي ولمرضى السكري.
وتشير إلى أنه يساعد على هضم المواد الغذائية وامتصاصها بشكل جيد ويسهم في طرح السموم خارج الجسم، وهو مفيد لمرضى الكولون باعتبار أنه لا تدخل أي مواد كيميائية في صناعته.
بعد غيابه أكثر من عامين إثر عمليات النزوح الأخيرة عاد خبز التنور لمخيمات شمال إدلب مجدداً ليشكل مصدر رزق لمن ضاقت بهم الحياة وانعدمت أمامهم الفرص، وليعيد معه أجواء البساطة والألفة الاجتماعية ممزوجة بحنين النازحين وأملهم بالعودة إلى ديارهم ذات يوم.