الزراعات الشتوية... مصدر رزق لا يخلو من المشقة
مع بداية التحضيرات لموسم المحاصيل الشتوية في إدلب التي تعد من أهم المناطق الزراعية في سوريا، وتشكل الزراعة مصدر رزق لغالبية الأهالي، تجد النازحات والمعيلات فيها فرصة عمل تغنيهم الحاجة والسؤال.
هديل العمر
إدلب ـ دفعت الظروف الصعبة في مخيمات الشمال السوري والفقر والغلاء وقلة مصادر الدخل بالكثير من المعيلات للبحث عن فرصة عمل تساعدهن في تحسين واقعهن المعيشي، فاتجهن نحو الزراعة الشتوية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاستفادة من الموسم والانطلاق للعمل به لإعالة أنفسهن وأطفالهن.
بمحاذاة الحدود التركية السورية تعمل جهيدة الباكير (36) عاماً مع نساء أخريات في زراعة محصول البطاطا والفجل والفول السوداني، ورغم صعوبة العمل إلا أنها تجد الغلاء المعيشي في ظل ظروف النزوح الصعبة، أكثر صعوبة.
وقالت أنها تستفاد من موسم الزراعات الشتوية للعمل به كل موسم وخاصة وأن الشتاء بأمطاره وعواصفه تقل معه فرص العمل، وهو ما دفعها للعمل بزراعة كافة أنواع الخضار الشتوية من "بقدونس- رشاد- سبانخ- نعناع" وغيرها.
جهيدة الباكير نازحة تقيم في مخيمات دير حسان شمال إدلب، تفتقر المعيل بعد وفاة زوجها الذي قضى في سجون حكومة دمشق وتعمل بشتى الأعمال لإعالة نفسها وأبنائها الستة، حيث يعود عليها عملها في الزراعة الشتوية بأجرة يومية تبلغ 60 ليرة تركية تمكنها رغم قلتها من شراء الخبز ووجبة طعام تقتات بها مع عائلتها.
جهيدة الباكير ليست الوحيدة بل اتجهت كثيرات للعمل في الزراعة الشتوية التي شكلت عصب حياة لهن مدفوعات بالفقر والحاجة إلى عمل ما، كما سعاد البحوش (41) عاماً التي طوعت خبرتها السابقة في الزراعة من أجل العمل في هذا المجال والانفاق على نفسها وأبنائها الأربعة وإضافة لأحفادها الأيتام الثلاثة.
وقالت سعاد البحوش أنها تحب العمل في مجال الزراعة منذ كانت في قريتها حيش جنوب إدلب قبل أن تنزح منها بسبب العمليات العسكرية، واستفادت من مهارتها تلك لجعلها فرصة عمل تحقق من خلالها مردود مادي وسط ما تعانيه من صعوبات وأحوال مادية متدهورة.
تقيم سعاد البحوش مع زوجها المريض بالسكري وأبنائها وأحفادها في مخيمات قاح الحدودية، وعن أحوالها المعيشية تقول إنهم يواجهون نقصاً حاداً في المواد الأساسية والخدمية وقلة المشاريع التنموية التي من شأنها مساعدة أصحاب الدخل المحدود، وخاصة النساء المعيلات.
يبدأ عمل سعاد البحوش منذ ساعات الصباح الأولى وينتهي عصراً وقد نال منها التعب والإرهاق، ويتركز عملها ذاك حول الزراعة وتنظيف التربة واقتلاع الأعشاب الضارة وجني المحاصيل.
ليس كل من تعملن في الزراعة الشتوية من معيلات تمتلكن خبرة سابقة بها، وإنما انخرطت الكثير منهن بالمهنة بعد أن فقدن أي فرصة بعمل آخر، كما حنان الفهد (35) عاماً التي اتجهت للعمل في الزراعة بعد أن عجزت عن تأمين فرصة عمل في ظل حاجتها البالغة للعمل وإعالة أبنائها الأربعة بعد وفاة زوجها بقصف على المخيم الذي كانوا يقيمون فيه في بلدة كفرجالس قبل أن ينتقلوا إلى مخيم آخر.
ولأنها لا تملك أي شهادة أو خبرات وبدأت الاستدانة من أجل تأمين متطلبات الحياة بعد أن نفذ كل ما بحوزتها من مال، خطر في بالها العمل في الزراعة الشتوية، ما أشعرها بالاستقلالية والاعتماد على الذات رغم قلة الأجور وطول ساعات العمل.
وقالت "أي عمل مهما كان شاقاً يبقى فرصة تشعر المرء بالكرامة وتغنيه الحاجة والسؤال وخاصة بعد العجز عن إيجاد عمل وسط الأوضاع المعيشية المعقدة التي نعيشها في مخيمات الدانا شمال إدلب".
وأشارت إلى أن العمل في الزراعة رغم مشقته يبقى مريح للنفس ويهدئ الأعصاب، فهي تجد في الطبيعة والزراعة والاتحاد مع الأرض والتربة العلاج من الضغوطات النفسية التي تعاني منها، وخاصة بعد أن رمت بها الحياة وبأبنائها في غياهب المخيمات.