الطائفية والأزمة تحول دون تحقيق التفريغ للمتعاقدات في لبنان

تشكل قضية المتعاقدات في الجامعة اللبنانية أزمة متشعبة، فاقمت من معاناتهن في ظل الأزمة الاقتصادية وغياب الحلول المناسبة وسيطرة الحزبية والطائفية.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ أكدت المتعاقدات في الجامعة اللبنانية أن أوضاعهن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها لبنان تزداد سوءاً، حيث أن قيمة المخصصات لهذه الفئة لا تتناسب مع قيمة العمل ولا سنوات الخدمة.

اسدلت الأزمة الاقتصادية بظلالها على الجامعة اللبنانية منذ عام 2019، حيث أثرت على جودة ونوعية التعليم وقيمة المخصصات التي يحصل عليها الكادر التعليمي خصوصاً المتعاقد/ة منهم، وعلى الرغم من الإضرابات التي قاموا بها إلا أنهم يتخوفون من حرمانهم من التفرغ الموعود حيث تم تهديدهم في العديد من المرات، كما أن التبعية الحزبية مكنت البعض من الحصول على التفرغ على حساب غيرهم، إلى جانب أن البعض تمكن من الاحتفاظ بوظائفهم الرسمية بالإضافة لانضمامهم ليس إلى التفرغ فحسب بل إلى ملاك الجامعة، على الرغم من أنه قانونياً لا يجوز لأي عامل أن يجمع بين وظيفتين في المؤسسات التابعة للدولة أو المؤسسات العامة.

وحول ملف المتعاقدات، قالت الدكتورة علوم عودة "سأتحدث عن تجربتي ليس كدكتورة جامعية متعاقدة في الجامعة اللبنانية فحسب، بل كامرأة في هذا المجتمع، فأنا متعاقدة مع الجامعة منذ ستة عشر عاماً، وفي عام 2014 استوفيت كافة المعايير والشروط، ورغم ذلك ألغي اسمي لأسباب تتعلق بالطائفة والتوجه السياسي، حيث أن البعض لا ينتمون للكادر التدريسي إلا أنه تم منحهم التفرغ، هذا الأمر أثَّر كثيراً على استقراري الوظيفي والاقتصادي كوني لا أملك دخل شهري ثابت أو ضمان صحي واجتماعي، وجاءت الأزمة الاقتصادية لتزيد الطين بِلة، حيث اضطررت للعمل في مجال آخر وأصبح الحمل مضاعفاً".

وأضافت "هناك ظروف صعبة نعيشها جراء هذا الواقع الغير عادل، فبعض الزملاء واجهوا ظروفاً مأساوية وبعضهم وصل إلى حد الفقر، ولا أبالغ إن قلت إن هناك زملاء وزميلات وصلوا إلى ما تحت خط الفقر، إحدى الزميلات من البقاع معيلة لعائلتها لم يكن بمقدورها إشعال الموقد بسبب قلة إمكانياتها المادية، والكل يعلم أن البقاع منطقة تتسم بالبرودة الشديدة في فصل الشتاء، وأيضاً غير قادرة على شراء احتياجات عائلتها الأساسية، وهذا أمر لا يجوز بحق دكتورة كرست حياتها في خدمة التعليم".

ولفتت إلى أنه "كمتعاقدين نشكل النسبة الأكبر من الكادر التعليمي في الجامعة، والأجور التي نحصل عليها قليلة مقارنة بالمتفرغين والملاك، إلى جانب حرماننا من أي ضمان صحي واجتماعي، علماً أنه قبل الأزمة الاقتصادية كانت الأجور بالكاد تغطي احتياجاتنا، وكنت اخصص كامل وقتي للجامعة، ومن المفترض بعد ست عشرة عام خدمة فيها أن أكون ضمن الكادر التعليمي الثابت، لذلك الوضع أصبح أكثر تعقيداً، ويجب في ملف التفرغ الجديد أن ينصفوا المتعاقدين/ات بغض النظر عن طوائفهم وانتماءاتهم السياسية، لأن الكفاءة يجب أن تكون المعيار الوحيد للتفرغ".

وعن تأثير الأزمة الاقتصادية على التعليم الجامعي قالت علوم عودة "جاءت الأزمة الاقتصادية وزادت الأمور تعقيداً، فأنا مثلاً مجبرة على العمل في وظيفة ثانية لأتمكن من تغطية مصاريف احتياجات أسرتي، فضلاً عن أمور أخرى يجب أن أتحمل أعباءها حتى أتمكن من الوصول إلى الجامعة منها مادة البنزين وصيانة السيارة، ولم أتقاضى مخصصاتي للعام الدراسي 2021-2022، وفي العام الدراسي 2022-2023 ضاعفوا كلفة الساعة ثلاث مرات، إلا أن هذا المبلغ لا يكفي حتى لإصلاح السيارة، ولذلك كنت مضطرة للعمل في مجال آخر لأغطي تكاليف الوصول إلى الجامعة".

 

 

وعن مستقبل الجامعة الوطنية وسط التحديات الكثيرة تقول الدكتورة المختصة بالأحياء الفرع الأول في كلية العلوم سلام نصرالدين "ثمة خوف من إمكانية أن يتناقص عدد طلبة الجامعة اللبنانية، بالرغم من أنه عرف عنها جودة تعليمها، وفعلياً تراجع عدد الطلبة، فقد كان العدد الإجمالي بحدود 80 ألف طالب/ـة قبل الأزمة ليتراجع إلى 60 ألفاً بعد وقوعها، بسبب توجههم إلى جامعات أخرى توفر لهم التمويل على نحو أكبر، وأيضاً جراء الإضرابات التي قام بها الكادر التعليمي، إلى جانب التأخر في منحهم الشهادات، وبالنسبة إلينا بدلاً من استقطاب الطلبة ندفعهم إلى ترك الجامعة اللبنانية والتوجه للخاصة بسبب ما ذكره سابقاً بعد أن كانت الجامعة اللبنانية تشتهر بمستوى تعليمها الرفيع".

ولفتت إلى أن "الأزمة تؤثر على جودة التعليم فهناك الكثير من الزملاء يضطرون للعمل في جامعات خاصة حيث يقدمون أفضل ما لديهم هناك ثم بعد أن ينتهوا يلتحقوا بالجامعة اللبنانية بعد أن انهكهم التعب، ومثل هذا الأمر يمكن أن يؤثر على المستوى التعليمي بشكل سلبي، إلى جانب قلة الإمكانيات العينية في الجامعة فعلى سبيل المثال في قسم العلوم نعتمد على المختبرات التي لم يعد بمقدور الطلبة شراء مستلزماتها، فنضطر إلى إلغاء المحاضرات التي تعتمد على المختبرات، أو نضطر إلى تقديم المحاضرات العملية بشكل نظري، وهذا يؤثر على المستوى التعليمي لهم".

وحول سعيها للحصول على التفرغ قالت سلام نصرالدين "أعمل منذ 12 سنة، وآخر تفرغ كان عام 2014، ولم يقبل اسمي في المرة الأولى لأنني لا أتبع لحزب معين، كون الأحزاب تلعب دوراً في التفريغ أي أن الأمر لا يخضع لمعايير أكاديمية، كما أن حقوق المتعاقد/ة بسيطة في الجامعة تقتصر على انتخاب رؤساء الأقسام والفروع، ونأمل دوماً بانتخاب رئيس قسم تتوفر فيه المعايير المناسبة، يساعدنا في قضية التعليم بالساعات، ولكن أصواتنا لا تغير من الأمر كثيراً، كون الأمر يعود للجهات الحزبية المسيطرة، ويختلف وضعنا كمتعاقدين/ات عن المتفرغين/ات، فإن الأخيرين يحصلان على مردود أكبر في الساعة وعلى حقوق الطبابة والنقل ونهاية الخدمة كتعاقد والمنح المدرسية على عكسنا، وفي كل عام نوقع على عقود كالمتفرغين لتطالنا الكثير من التهديدات خصوصاً خلال الإضرابات وترفض هذه العقود أو التهديد برفضها".

وأوضحت "قبل الأزمة كنت أدرس في أربعة فروع في الجامعة، أحدها في بنت جبيل والتي تبعد ساعتين ونصف الساعة بالسيارة ذهابا وإيابا، فضلاً عن الوقت في أزمة السير، ولكن كنا في السابق نحصل على حوالي 13 ألف دولار عن عام دراسي لكن نحصل عليها فعلياً كل سنتين ونصف، وكان الوضع لا بأس به إلى جانب التدريس في جامعات خاصة أخرى، ومنذ أسبوعين تم إرسال مخصصات العامين 2021 و2022، وتم تخفيض مخصصاتي كوني شاركت بالإضراب، لقد كان بإمكاني العمل بعدد أكبر من الساعات، ولكن لم استطع مواجهة طلابي دون تحقيق أي إنجاز للإضرابات التي استمرت أكثر من 3 أشهر".

وعن أهمية وجود وحدة كلمة ومواقف للمتعاقدين/ات، قالت "الأحزاب تلعب دوراً واضحاً في مسألة التغيير، وبالمقارنة فإن المتعاقدين/ات بالثانويات ونتيجة مواقفهم الصامدة تمكنوا من الحصول على جزء من معاشاتهم، خلاصة الحديث أنه لا يؤخذ أي قرار في الجامعة إلا ويخضع للتقسيم الطائفي، وحتى لجنة المتعاقدين، فيها تبعية طائفية ولها مواقف مخالفة وتعتبر فضيحة، فعندما اجمعنا على استمرار الإضراب بنسبة 81%، اللجنة قررت توقيفه، ما دفع الكثير منا لبدء بحملة لمواجهة هذه اللجنة التي عينت نفسها بنفسها، والتي نجد بياناتها ومواقفها مخالفة لمبدأ الإجماع، وهذا أثر على الكثير منا وبصورة كبيرة".

وعن تأثير ما أدلت به على عملها الجامعي، قالت سلام نصرالدين "ليس لدي ما أخسره، فقد تم نقل الأموال إلى المصرف وليس لدي أي دافعاً لسحبها، فقدت استقلالي المادي وأصبحت اعتمد على عمل زوجي، ولا نملك أي فكرة عن الخطوات المقبلة للجنة أو حتى الجامعة ورئيسها، أي أننا فقدنا الحافز لتحقيق أي مكاسب مالية، ويبقى دافعنا الاستمرارية في هذه الجامعة وواجبنا نحو طلابنا فقط".