يوم في قرية المرأة (Jinwar) – (2)

الحياة متدفقة في قرية المرأة، هناك توازن عجيب بين الوقت والسرعة، ذلك التوازن صنعته النساء. هن من يحدد بداية وقتهن ويتحكمن بكل شيء

الدرباسية -. يتحركن وفق تخطيط وتنظيم محدد واتخذن هذا الأمر مبدأ لهن لذلك لا يستطيع الوقت أن يسبقهن أبداً. الحياة التشاركية والكومينالية هي اللبنة الأساسية في قرية المرأة، لا أحد يتحكم بأحد ولا أحد يعلو على أحد. كل شيء يتم بالتناوب. التشاركية، احتضان وتفهم بعضهن يشفي كل الجروح التي خلفها النظام الأبوي السلطوي في فكر النساء. مع بداية كل يوم جديد تستيقظ الحياة بمعنى مختلف في قرية المرأة. وكان لنا يوم في هذه القرية لنكون شهوداً على مجريات الحياة فيها. 
مع ساعات الفجر تبدأ الحياة في القرية مع الاستعداد للبدء بأول عمل فيها وهو الذهاب إلى الفرن. ينشغل كل فرد في القرية بعمله ويكملون بعضهم بعضاً كحلقات ضمن سلسلة. نزلنا في بداية هذا الصباح إلى القرية لمتابعة حياتهم المتدفقة.
إنها السادسة صباحاً، تقوم 4 نساء، اثنتان من المكون العربي واثنتان من المكون الكردي، بتحضير أنفسهن للذهاب إلى العمل في فرن القرية. كن قد حضّرن الدقيق مسبقاً. تقوم النساء الأربعة بخبز الخبز لقرية المرأة كلها بشكل يومي. المكان نظيف جداً، في مكان نظيف كهذا من غير الممكن أن تعيش الجراثيم والبكتيريا. في البداية تقوم النساء بعجن الدقيق وترك العجين مدة 45 دقيقة ليختمر. بعد أن يختمر العجين يبدأن بعملية الخبز التي تستمر حتى الساعة العاشرة حيث يكون قد تم الانتهاء من تحضير الخبز للقرية كلها. 
أدت النساء عملهن باحترافية ويبدو بأنهن عملن في فترة سابقة أيضاً في الفرن لأن أيديهن تتحرك بخفة وسرعة ويؤدين عملهن بإتقان. حوالي الساعة العاشرة ومع اقترابهن من إنهاء عملهن وصل خبر من القرية المجاورة بأنهم يحتاجون الخبز أيضاً وفي الوقت نفسه دخلت مجموعة كبيرة من الزوّار القرية وبدأت بالتجول فيها والزوّار بدورهم طلبوا الخبز ليأخذوه معهم لدى مغادرة القرية. بذلك ازداد العمل الملقى على عاتق النساء الأربعة اللواتي بدأن بعجن الدفعة الثانية من العجين لتأمين طلبات القرية المجاورة والزوّار. 
 
موسيقا الصباح تتشكل من أصوات أطفال القرية 
الأطفال هم لون الحياة وجمالها، المكان الذي يخلو من أصوات الأطفال مكان جاف وقاس كجدار من الإسمنت يكتم على أنفاس الإنسان فالأطفال زينة الحياة وأملها. وأطفال قرية المرأة أمل الحياة الحرة والآمنة والعادلة، تلك الحياة التي يتوق إليها كل إنسان وخاصة النساء.
أطفال القرية يقصدون مدرسة الأم عويش الابتدائية الموجودة في القرية للدراسة فيها ما عدا ابنتا فاطمة اللتان تدرسان المرحلة الإعدادية في ناحية الدرباسية. أصوات الأطفال قادتنا باتجاه المدرسة. أصوات الأطفال في المدرسة تكسر سكون الصباح وتشبه تغريد الطيور لتكسر صمت القرية وتطرب الآذان. مع صوت جرس المدرسة دخل الأطفال إلى قاعات الدراسة ليسود الهدوء مرة أخرى. كل شخص منهمك في عمله.
 
تحضير طعام الغداء في مطعم القرية
توجهنا من المدرسة باتجاه مطعم القرية. تقوم الطاهيات بتحضير وجبة الغداء فقط ويتناول الجميع الغداء معاً في مكان مخصص أمام باب المطعم. أما بالنسبة لوجبتي الفطور والعشاء فتقوم كل عائلة بتحضير طعامها وتناوله في المنزل. تقوم الطاهيتان بتقشير البطاطا لصنع يخنة البطاطا إلى جانب الأرز. بعد قضاء بعض الوقت معهما خرجنا لنكمل جولتنا في القرية.
 
نساء عامودا قدمن لزيارة القرية
يقصد قرية المرأة الكثير من الزوّار من سكان المنطقة ومن الخارج. كل من يزور قرية المرأة يتصرف وكأنه في مكان مقدس لأنها مكان للولادة الجديدة، نموذج للحياة الحرة والمساواة، إذا عم هذا النموذج العالم حينها نستطيع القول إن الحياة ستتزين بلون المرأة ويحل فيها الأمان والهدوء. التمييز والظلم اللذان مزقا وجدان العالم لآلاف السنين سينتهيان لتسود العدالة والمساواة مرة أخرى.
زوّار هذا الحرم المقدس هذه المرة هن نساء مجلس عامودا، النساء الزائرات يتجولن في القرية ويفتحن مثلنا أبواب كافة المنازل ويلقين التحية على كافة النساء. تجولنا معهن لبعض الوقت. لنتجه بصحبتهن إلى بستان صوت المرأة dengê jinan الذي نمت نباتاته بطريقة طبيعية للغاية.
يقع البستان خلف صيدلية Şifa Jin ولأنه قريب تعمل نساء القرية، ما عدا الراعية والطاهية والخبّازات، في البستان خلال النهار. وتُزرع فيه أنواع مختلفة من الخضار كالبندورة والفليفلة والباذنجان والبصل والقثاء وغيرها بالإضافة لأنواع عديدة من الأشجار كأشجار المشمش والزيتون. الأشجار نمت بشكل جيد وكبرت. وعلى الرغم من الحرارة المرتفعة نمت الخضار والأشجار بشكل جيد لأنها تحظى باهتمام كبير من ناحية الحراثة والسقاية. سيحصلون على نتاج وفير من عملهم الجماعي، والناتج يوزع على منازل القرية.
 
منتجات المواشي والدجاج توزع على الجميع أيضاً
يوجد عدد من الماعز في القرية إلى جانب طيور الدجاج. مكان تربية المواشي والدجاج بعيد عن مركز القرية ويتم الاهتمام بها وتربيتها بالتناوب أيضاً. منتجات المواشي وبيض الدجاج توزع على منازل القرية وكل منزل يحصل على حصته منها مثل الخضار تماماً. 
مع حلول ساعات المساء يكون كل شخص قد أنهى عمله، بعد الانتهاء من العمل تذهب كل امرأة إلى منزلها وتستبدل ملابسها لترتدي ملابس البيت ويجلسن في مجموعات أمام أبواب المنازل لشرب الشاي وتبادل أطراف الحديث حتى يحل الظلام ليحملن أباريق الشاي ويدخلن منازلهن.
 
لا تخلو السهرات من العمل والفنون اليدوية
تجتمع النساء ليلاً ويقضين وقتهن في الاشتغال بصنع فنون يدوية. من نساء القرية تحدثت لنا زينب وأوضحت أن كل امرأة تصل إلى القرية تطلع الأخريات على أعمالها اليدوية وقالت "مع الدخول إلى القرية تزداد الرغبة في الاشتراك في الأعمال اليدوية. كل واحدة تعلم الأخريات نوع الفن الذي تجيده وبذلك يتطور العمل اليدوي وينتشر. أكثر ما يتم صنعه هو رمز القرية وشاه ماران". 
عندما تجتمع النساء يتذكرن الأعمال التي كن يتقنها في السابق ويتعلمن أشياء جديدة من بعضهن ويقمن بصنعها. بعضهن يقمن بتجديل أطراف الأوشحة والبعض الآخر ينقش رمز القرية وشاه ماران على السيراميك، وأكثر ما يتم إتقانه هو صنع الأساور من الخيوط الملونة. الأطفال ينظرون إليهن ويحاولون تقليدهن ولكن أعمالهم لا تصل إلى درجة جمال أعمال أمهاتهم فيفككونها ويعيدون صنعها من جديد. هذه الأعمال اليدوية تعرض في محل الأخوات ليشتريها الزوّار. في المحل هناك صف من الأساور تجدون بينها أي لون أو نقوش تريدونها.
يحين وقت النوم بعد الساعة العاشرة، بعد تمني ليلة سعيدة لبعضهن تتجه كل واحدة إلى منزلها. الذهاب إلى السهرة الجماعية والمشاركة في العمل ليس إلزامياً فمن تريد تستطيع قضاء الليل في بيتها ولكن السهرة الجماعية أصبحت كثقافة لا يستطعن الاستغناء عنها. في تلك السهرات كل من تحتاج المساعدة في صنع شيء ما تتلقى المساعدة من الحاضرات مع تبادل أطراف الحديث وبعدها تذهب كل واحدة إلى منزلها. 
قضينا يوماً وليلة في قرية المرأة، مر الوقت جميلاً وسريعاً. انتهى عملنا في متابعة مجريات يوم في القرية بإلقاء تحية المساء على النساء. كان يوماً ممتعاً لم نشعر إلا وأنه قد انتهى... نأمل أن يحظى قُرّاؤنا ومتابعونا بقضاء يوم في قرية المرأة.