تعليم اللغة الأم يضمن وجود المجتمعات وبقائها (1)
تركز وتهتم المجتمعات التي تفكر في مستقبلها في البداية على تعليم الناس وتوعيتهم بالحياة واللغة والعمل. فالتعليم يثري عقول الناس ويحسن ويصحح أسلوب حياتهم
التعليم في شمال وشرق سوريا في طور التعلم والتدريس
الأم هي المدرسة الأولى للتعليم. الهدف من التعليم هو الوصول إلى المعلومات وحقيقة وواقع الحياة. حدثت تغييرات جوهرية في نظام التعليم في شمال وشرق سوريا، ويتم تدريس اللغة الأم بشكل رسمي في جميع المدارس والفصول الدراسية على أساس أمة ديمقراطية تحمي حقوق جميع الأمم.
روج هوزان
قامشلو ـ . والمجتمعات المتعلمة والقائمة على المعرفة ذات أساس قوي، وهذه المعرفة توسع فروعها من خلال التعليم وتخدم المجتمع. والأشخاص غير المتعلمين تتعرض أدمغتهم لجميع أنواع التأثيرات، لذا فإن التعليم هو أساس المجتمع الصحي. أما الأشخاص الذين لا يفكرون في المستقبل يرون في التعليم عبئاً ولا يمكنهم حل مشاكلهم بأنفسهم. يمنح التعليم للشخص هدفاً في الحياة ويحدد اختلافه عن باقي الأشخاص. كما أنه يغير ويضيف الكثير من القضايا، ويؤثر على نظرة الناس إلى الحياة، فضلاً عن تغيير شروط وأحكام ذلك المجتمع أو العائلة. في شمال وشرق سوريا، يتم تطبيق العملية التعليمية في المدارس والأكاديميات والجامعات على أساس نظام الأمة الديمقراطية.
الحادي والعشرون من شباط اليوم العالمي للغة الأم
اللغة هي إحدى وسائل التواصل بين الناس، وقد تم الإعلان عن الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1999 في المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) ولكن في 21 من شباط/فبراير عام 2000 تم الاحتفال به رسمياً في جميع أنحاء العالم. يتم الاحتفال بهذا اليوم لتعزيز وتطوير التنوع اللغوي والثقافي. ويعود اختيار هذا اليوم إلى اليوم الذي أطلقت فيه الشرطة في دكا عاصمة بنغلادش النار على الطلاب المحتجين للمطالبة بجعل البنغالية لغتهم الأم واحدة من اللغتين الرسميتين. في تلك الأيام كانت الأنظمة الحاكمة في بنغلاديش لا تزال تفرض لغة الأوردي على المجتمع، لكن رد الفعل الكبير جاء حقاً من أفراد ذلك المجتمع. اليوم يعيد التاريخ نفسه ليس فقط في بنغلاديش ولكن في جميع البلدان التي تعيش فيها الأقليات حيث ظهرت فيها حالات لحظر اللغة الأم.
حظر اللغة الأم للشعوب في سوريا
في ظل حكم النظام السوري، حُرمت جميع الشعوب والقوميات التي تعيش في المنطقة من حقها في التعليم بلغتها الأم. كانت اللغة العربية فقط هي اللغة السائدة في المدارس، وإذا تحدث الأطفال لغة مختلفة بينهم وبين أصدقائهم في المدرسة كان يتم معاقبتهم. كانت الأساليب التي استخدمها النظام البعثي لتدمير وصهر هويات الأمم الأخرى خارج نطاق القانون. تم تدريس المناهج والثقافة واللغة العربية في المدارس، وفقد الطلاب من القوميات المختلفة هويتهم وانغمسوا في الثقافة العربية. تم فرض نظام قاس وعنيف وغير عادل على القوميات الأخرى. إذا كان الشخص يعيش في بلد وليس له الحق في التحدث بلغته الأم، فإن حياته تصبح بلا معنى لأنه يعيش في واقع بعيد عن حقيقته. وقد كان الشعب الكردي أكثر من عانى من هذا الظلم والقمع، لأن التحدث بلغته الأم كان يعتبر جريمة ويعاقب المرء عليها. قبل الثورة في روج آفا، كان الأشخاص الذين يحبون لغتهم الأم يتعلمون سراً حروف لغتهم الخاصة وتعرضوا للعديد من الصعوبات والعقبات من قبل النظام السوري. بالطبع، لم يتمكن الأطفال الكرد من تعلم اللغة العربية بسرعة كبيرة عندما ذهبوا إلى المدرسة لأنهم تعلموا التحدث بلغتهم الأم في أسرهم، لكن لم يكن لديهم معرفة بتاريخ اللغة وهويتها وثقافتها. مع انطلاق الثورة في روج آفا، كان المجتمع الكردي بشكلٍ خاص قد انغمس في اللغة العربية، وكان من الضروري لهذا المجتمع أن يجتمع ويتحد من جديد ويتلقى التعليم بلغته الأم.
مرحلة التعليم باللغة الأم في روج آفا
بعد سنوات عديدة من حظر اللغة، أعادت عملية تعليم اللغة الأم في روج آفا إرساء قواعدها وأسسها. وتوجه المعلمون المتخصصون من مخمور إلى روج آفا وبدأوا بتعليم اللغة الأم. في ذلك الوقت رحب الناس بهذا التعليم بحماس كبير وكان معظم الناس قد عانوا من آلام القهر والإجبار على التحدث بلغة مختلفة عن لغتهم الأم. تأسس معهد اللغة الكردية (SZK) في عام 2013 لكن المجتمع تلقى تعليمه بأعداد قليلة. لقد تحدثوا بلغتهم الحقيقية لأول مرة، لكن كانت هناك العديد من الكلمات والجمل التي ظلت تهجئتها عربية. مع تغير الزمن، تجذرت اللغة الكردية تدريجياً وتم تدريب وتهيئة كوادر تدريسية من أجل مرحلة التعلم باللغة الأم. على هذا الأساس في عام 2014 تم فتح المعاهد في جميع أنحاء المنطقة. وفي تلك المعاهد تم تدريب المعلمين الذين سيتابعون العملية التعليمية في المدارس ويقومون بتعليم الطلاب. دخل المعلمون إلى المدارس وبدأوا من المرحلة الابتدائية وإلى اليوم وصلوا إلى المراحل الإعدادية والثانوية والجامعات. بالطبع تم إجراء تغييرات أساسية في نظام التعليم في شمال وشرق سوريا، والآن يتم تدريس اللغة الأم رسمياً في جميع مناهج وفصول الطلاب على مبادئ ديمقراطية يتم فيها حماية حقوق جميع القوميات.
أهمية التعليم باللغة الأم
المجتمع الذي حافظ على لغته وقام بحمايتها هو مجتمع تجاوز كل مراحل وعمليات الصهر. فعندما تريد القوى الحاكمة توجيه ضربة إلى المجتمع، فإنها تقوم في البداية بصهر والخلط بين أسلوب تعليم اللغة الأم واللغات الأخرى، وبالتالي تنمي جيلاً بلا لغة ولا هوية ولا وجود. في هذا الصدد، فإن أهمية التعليم باللغة الأم مهمة للغاية وتقع المسؤولية الأكبر على عاتق الأسر. فعندما يتكلم الطفل في مرحلة طفولته فإنه يتحدث باللغة التي سمع بها ويكبر على هذا النحو، ونحن نعلم أنه يتم استهداف معظم الأطفال في المدارس ليتحدثوا بلغات مختلفة. لذلك يعتبر تعليم الأطفال من ناحية اللغة أمراً مهماً للغاية. عندما يتحد تعليم اللغة مع آمال وأحلام الأطفال يمكن للمرء أن يخلق مستقبلاً ومفهوماً أفضل للأطفال. ومن المهم في هذا الصدد أن يتم التواصل مع الأطفال باللغة الأم وهذا يلعب دوراً رئيسياً. في كردستان بشكل عام وفي روج آفا بشكل خاص، ولأن لغة المدارس كانت العربية، حاولت العائلات الحفاظ على لغتهم الأم من خلال التعليم المنزلي حتى لا يفقد الأطفال لغتهم. يتعلق تعليم اللغة بالوضع السياسي ووعي المجتمع، لأن السياسات الحالية تمارس الكثير من الضغط على التعليم باللغة الأم. ومن هنا فإن أهم نقطة في تعزيز أسس التعليم هي لغة الأطفال. فعندما يتم تعليم الأطفال بلغتهم، فإن ذلك يعطي قوة كبيرة لوجود ذاك المجتمع، في نفس الوقت يتم الحفاظ على الإرث الثقافي والفني والتاريخي.
أهمية التعليم في الحياة
قبل أن ندخل في عمق هذا الموضوع، نحتاج أولاً أن نتذكر معلمات حياتنا وهن الأمهات، وفي كل مرة نقول إن المدرسة الأولى للتعليم هي الأم. في الماضي ربما لم يكن لدى الأمهات مثل هذه الإمكانيات الواسعة والفرص للالتحاق بالمدرسة ولكنهن خبيرات في تجارب الحياة وتمكن من الحفاظ على ثقافتهن ولغتهن وهويتهن ولهجتهن حتى يومنا هذا وتعليمها لأجيال المستقبل. فعندما يولد الأطفال يبدؤون تعلم الحياة أولاً، حيث يتعلم هؤلاء الأطفال تكوين الشخصية والأسلوب والدفاع عن النفس. بالطبع كل هذا يتم تعليمه داخل المنزل، فكيفما يتم تعليم المرء فإنه يظهر على هذا الشكل خارج المنزل أيضاً، ويعكس كل أساليب وطرق التعليم التي نشأ عليها. الغرض من التعليم هو الوصول إلى المعلومات وحقيقة الحياة. ويمكن الوصول إلى التعليم في جميع مناحي الحياة وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان. لا يستطيع الأشخاص غير المتعلمين إدارة حياتهم لذا فإن المعرفة والفهم ضروريان للإنسان ليشارك في الحياة الاجتماعية ويستمر في حياته، وهذا يتحقق من خلال التعليم. والتعليم ليس مجرد وقت أو فترة مستقلة، أنها عملية تعلم وتعليم. ويجب أن يكون هناك رغبة في مرحلة التعليم لأن التعليم يؤثر أيضاً على بنية الإنسان.
أهمية التعليم في مجال العمل والتوظيف
قبل أن يبدأ الإنسان بدء العمل، من الضروري التعرف أولاً على محتواه من أجل إنجاز ذلك العمل. غالباً ما يقال في مجال العمل أن الأشخاص يكونون خبراء في ذلك العمل بحسب مستوى التعليم الذي أنهوه. لكن هذا منظور خاطئ، فغالباً لا يرتبط مفهوم العمل بمستوى التعليم فقط ولكن يرتبط بالتدريب والخبرة أيضاً. على سبيل المثال، عندما نقول إن أمهاتنا كانوا يزرعون الأرض أو يربون المواشي، فهل كانوا قد تلقوا تعليماً في ذلك؟ لا ولكن مع أساليب التدريب على هذا العمل تعلموها. في جميع مؤسساتنا وهيئاتنا، تقوم النساء بجميع الأعمال وقد تم تطوير كل هذا من خلال التعليم، حيث يعرفن كيفية حل المواقف بالطرق الصحيحة. لذلك فالتعليم ضروري جداً للناس مثل الخبز والماء. من ناحية أخرى، يؤثر التعليم على شخصية المرء وتواصله وعلاقاته واختلافه. ونستطيع التمييز بين الأشخاص المتعلمين وغير المتعلمين. لسنوات، ومن خلال أفكارها حافظت الأنظمة الاستبدادية على سلطتها على إرادة الشعب، لكن عندما يتعلم الناس ويدركون خطر ذلك، فإنهم بالتأكيد سيخلقون لأنفسهم حلولاً للحرية والاستقلال الذاتي. فكلما خلق المرء المزيد من الفرص الجديدة من ناحية التعليم، حصل على المزيد من النجاح. فالتعليم مدرسة مليئة بالعلوم والفكر والأخلاق والخبرة، وقد تحققت نتائجها اليوم في شمال وشرق سوريا. وكانت نتيجة تعليمنا أفكاراً حرة وتماسكاً اجتماعياً، وكان مجتمعنا أيضاً على دراية بهذه التغييرات، لذا اغتنم هذه الفرصة بنظرة إيجابية. علاوة على ذلك، تم تحويل نظام التعليم من مجموعات صغيرة قبل الثورة إلى نظام واسع على أساسه تم إنشاء الاستقلالية الديمقراطية والأكاديميات والمدارس والجامعات، وأصبح التعليم فيها رسمياً الآن.