تأثير الأزمات العالمية وتداعياتها الكبرى على النساء (1)

شهد العقدين الأخيرين تطوراً متزايداً بخصوص تمكين النساء وتعزيز قدراتهن التنافسية في القيادة وصناعة القرار

دراسة إقليمية: الانتشار الواسع للعنف ضد المرأة يشكل عقبة أمام تحقيق المساواة 

 
أسماء فتحي
القاهرة ـ ، لكن ظل العائق الرئيسي لتسريع وتيرة التمكين يتمثل في الصور التقليدية للأدوار الاجتماعية.
أربعة محاور إقليمية عربية بلورتها نساء مختصات في مجال معالجة الأزمات الكبرى، لفهم الكوارث الطبيعية والأزمة المالية والنزاعات المسلحة والحروب، وتداعياتها على النساء في العالم العربي، في دراسة إقليمية صدرت عن منظمة المرأة العربية بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة تحت عنوان "الأزمات العالمية الكبرى وتداعياتها على النساء والفتيات في الدول العربية".
تكشف تلك المحاور أن البحث في الأزمات العالمية بعدسة النساء يوضح التداعيات الكبرى التي تقع عليهن جراء تلك الأزمات، وأن النساء لديهن القدرة على المساهمة في زيادة المعرفة العلمية وتوجيه التدخلات الاجتماعية لتستند على رؤية علمية تساعد على تحقيق تلك السياسات لأهداف التنمية المستدامة.
واحتفل العالم عام 2020 بمرور 25 عاماً على "منهاج عمل بكين" والذي كان من المتوقع أن يشهد تحقيق أهدافه بالمساواة بين الجنسين، إلا أن انتشار جائحة كورونا أصبحت حتى المكتسبات التي تحققت خلال تلك الفترة مهددة بخطر الانتكاس.
 
الكوارث الطبيعية
بحسب الدراسة الإقليمية واجهت البشرية الكثير من الكوارث خلال مسيرتها الممتدة لآلاف السنين، تركت آثارها المدمرة على السكان والممتلكات، وتفشل الكثير من الدول في مواجهتها لقلة الإمكانيات، وتشمل القائمة الفيضانات والحرائق والزلازل والبراكين والانزلاقات الأرضية والعواصف والأعاصير، إضافةً إلى الأمراض والأوبئة والتي كان آخرها جائحة كورونا والتي شملت العالم كله.
وتعتمد قدرة المجتمعات في مواجهة الكوارث الطبيعية على حالة الوعي المجتمعي والقدرات التنظيمية وقوة الاقتصاد وسياسات المواجهة التي تأخذ في الاعتبار التدابير اللازمة للتصدي لها.
 
الحروب
تختلف معاناة النساء خلال الحروب عن الرجال بسبب اختلاف دورهن ومسؤولياتهن، بحسب ثقافة المجتمع ونظرته للمرأة، تتعرض النساء خلال الحروب للقتل والاعتقال والاغتصاب والتهجير، فضلاً عن معاناتهن من تدهور مرافق الحياة المصاحب دائماً للحروب والنزاعات، مثل انهيار المؤسسات الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وتجبر الآلاف على مغادرة منازلهن قسراً.
وتتأثر النساء في تلك الظروف أكثر من الجميع، وتسود سطوة المجتمع الأبوي والقيم والعادات الاجتماعية الرجعية تجاه المرأة خلال النزاعات المسلحة أو في المناطق الواقعة تحت الاحتلال كبديل عن مؤسسات السلطة المنهارة، كما تقعن ضحية للعنف من قبل الرجال بإفراغ غضبهم على النساء بذريعة غضبهم من عجزهم عن تأمين الحاجات الأساسية لأنفسهم وأسرهم. 
وتتفاقم أوضاع النساء في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة مثل السودان وسوريا والعراق وليبيا واليمن، وتتراجع مطالبهن تحت دعوى أولوية مصير البلدان، ويتم إهمال احتياجاتهن النوعية في المساعدات سواء الدولية أو التي توفرها الحكومات.
 
العنف ضد النساء في النزاعات 
إن العنف الذي تتعرض له النساء في النزاعات غير ناتج بالضرورة عن مشاركتهن المباشرة في المعارك، بل لمجرد أنهن نساء، وتشمل أنواع العنف القتل والعنف الجسدي والتحرش والاغتصاب والخطف والتعذيب والاستغلال والحمل القسري والتشوية الجنسي، وهو ما ينتج عنه الكثير من التدهور في وضع المرأة في المجتمع وتأثيرات صحية ونفسية عميقة تستمر لفترات طويلة.
وتزايد العنف الأسري في ظل النزاعات المسلحة، بسبب التهجير واللجوء داخل البلدان أو خارجها وتفكك العائلات وانهيار شبكات الأمان، والعجز عن حماية الأسرة أو توفير احتياجاتها الأساسية، وأظهرت الدراسة أن العنف ضد المرأة واسع الانتشار ويشكل عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية وتعرض حياة النساء للخطر وتعوق تنمية قدراتها وممارسة حقوقها الأساسية كمواطنة في مجتمعاتها.
وتحدد جذور العنف بالخلل في ميزان القوى بين الجنسين عبر التاريخ، والتمييز المنهجي ضد المرأة، ويتضمن النزعة الأبوية والقواعد الاجتماعية والثقافية السائدة وانعدام المساواة الاقتصادية والتمييز على أساس الجنس.
ورغم ذلك تنوه الدراسة إلى التقدم خلال العقدين الأخيرين في اتجاه وضع معايير وقواعد دولية صارمة لمعالجة ظاهرة العنف ضد النساء، وتشدد على ضرورة اعتبارها خط أساس ملزم لكل البلدان وأصحاب المصالح الآخرين من منظمات دولية، لحماية النساء في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة فضلاً عن الأوقات العادية، والتحقيق في أعمال العنف ضدهن ومحاكمة مرتكبيها.
 
الأزمة الاقتصادية العالمية
أصبحت العولمة الاقتصادية ظاهرة متجذرة في الواقع الاقتصادي، ولم يعد بإمكان دولة مهما توفر لها من موارد طبيعية وبشرية أن تستقل باقتصادها بمعزل عن باقي العالم، ولكن تأثير الأزمات أيضاً أصبح لا يمكن تجنبه لدولة بمفردها، ويشهد النظام الاقتصادي العالمي سلسلة من الأزمات المتواصلة أدت إلى انخفاض معدلات النمو وتعطل سلاسل التوريد، واختلال الميزانيات للدول، وهو ما انعكس في ارتفاع مستويات البطالة وتوسع الفقر وتراجع المكتسبات الاجتماعية، وتأثرت النساء بالتداعيات بدرجة أكبر من باقي الشرائح الاجتماعية.
وتحتاج المجتمعات العربية للمزيد من البحث المتعمق لتأثير الأزمات على النساء، وكيفية تقليص آثارها ودعم قدرة المرأة على مجابهة الأزمة والإسهام الفاعل في تحقيق الانتعاش الاقتصادي وتكريس النمو المستدام والشامل، فالمساواة بين الجنسين يمكن أن تصبح المحرك الأساسي للوصول لمجتمعات أكثر إنصافاً وتماسكاً.
وبحسب الدراسة فقد واجه العالم العربي بعض الأزمات الاقتصادية مطلع الألفية الثالثة، أثرت على مستويات معيشة الأفراد والمجتمعات وانعكست بشكل أكبر على النساء اللواتي تعتبرن الفئة الأضعف، وتختلف آثار الأزمة باختلاف وضع المرأة في المجتمع سواء كانت ربة منزل أو مهنية حرة أو تعمل بالزراعة أو الصناعة كعاملة، لكن يشترك الجميع في كونهن الأكثر هشاشة في سوق العمل.
ويشير مفهوم "تأنيث الفقر" إلى ما تواجهه النساء من عدم عدالة اقتصادية واجتماعية، والمرأة المسؤولة عن الأسرة أو العائلة، هي الأكثر من تعاني في أوقات الأزمات الاقتصادية، ويتم تهميشها في سوق العمل بل وفي كافة المجالات.
وتكشف الدراسة عن عدد من المظاهر الإيجابية في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة ومنها، زيادة نسبة النساء العاملات في الأنشطة الغير زراعية، مع تركز ثلث النساء العاملات في مهن مرتفعة في السلم الوظيفي مثل الطب والهندسة والإدارات العليا والوظائف الفنية بسبب انتشار التعليم الجامعي العام، وزيادة نسب عمل النساء في مجالات صناعية متطورة مثل صناعة الإلكترونيات والملابس والكيماويات، وارتفاع نسبة المشروعات الصغيرة الخاصة التي تملكها أو تديرها النساء.
وتظل كثير من المؤشرات السلبية قائمة ومنها انخفاض نسب التحاق الإناث بسوق العمل وتفضيل أصحاب الأعمال للذكور عليهن، بالإضافة إلى تركز ثلث قوة العمل النسائية في المهن الدنيا اجتماعياً واستمرار عمل الكثيرات في الزراعة بدون أجر.
وتتركز قوة العمل النسائية في القطاع الحكومي والعام، مع عزوف القطاع الخاص عن توظيف النساء بحجة عدم الملائمة بسبب مسؤولياتها تجاه الأسرة وتدني مهاراتها في سوق يسعى للتماشي مع متطلبات العولمة، فضلاً عن وجود نسبة كبيرة من قوة عمل المرأة في القطاع غير الرسمي حيث انعدام الحقوق الوظيفية وعدم وجود تأمين اجتماعي أو صحي.