عقود تاريخية حافلة بنضال النساء (4)
يزخر التاريخ بنضال وكفاح الكثير من النساء في العالم، كما أن للمرأة الكردية دور أيضاً في هذا النضال
المرأة الكردية أيقونة الديمقراطية والمساواة
مركز الأخبارـ يزخر التاريخ بنضال وكفاح الكثير من النساء في العالم، كما أن للمرأة الكردية دور أيضاً في هذا النضال، فقد استطاعت عبر التاريخ أن تكون صرحاً ومنارة تنير للنساء طريقاً يهتدين به، إلا أن رؤيتهن كانت أعمق وأوسع في إحداث تغيير على كافة الأصعدة، وبعضهن أصبحن نماذج يحتذى بها، وتحولن إلى مصدر للإلهام في يومنا هذا.
سنسلط في هذا الجزء من ملفنا الضوء على بعض النساء الكرديات اللواتي سطرن بطولات، وأعلن عن الكفاح بكافة أوجهه حتى العسكرية منها، ليتركن بصمات محال محوها، كما أنهن تحدين أشد العقبات والضغوطات، فكن المناضلات والمحاربات وأيضاً شاعرات وكاتبات التحمت أقلامهن مع نضالهن.
ليلى قاسم
ليلى قاسم اسمٌ لمع في سبعينات القرن التاسع عشر من خلال تضحياتها وصمودها حتى الموت، كما أنها نموذج للمرأة الكردية القوية التي تحملت طاغوت وعنف السجن، وقدمت أثمن ما تملكه في سبيل عزة شعبها الكردي وتحرره من نير الاستعباد والاضطهاد الذي يتعرض له باستمرار.
اهتمت بالجانب السياسي والاجتماعي والثقافي الذي أهلها للدخول في صفوف اتحاد طلبة كردستان، والعمل الحزبي لاحقاً. دخلت معترك النضال القومي، حاملة معها قضية شعبها الكردي، فانغمست في النضال ورأت في الحزب الديمقراطي الكردستاني درب حياتها لذا نشطت في صفوفه عام 1973.
نتيجة للأحداث السياسية التي جرت في مناطق إقليم كردستان عام 1974، واشتداد وتيرة الملاحقة الأمنية للكوادر وأنصار الحزب في مختلف المدن العراقية، اقتحمت الأجهزة الأمنية والحزبية ضمن سلسلة الاعتقالات المنظمة منزل ليلى قاسم الكائن في مدينة بغداد بعد منتصف ليل 24 نيسان/أبريل 1974، وأُلقي القبض عليها بشكل تعسفي.
وُضعت ليلى قاسم في زنزانة انفرادية ومُنعت عنها الزيارة، وتم إطعامها بوحشية من قبل سلطات الأمن العراقية، ومارسوا بحقها كافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وفقأوا عينها اليمنى، كما شوهوا جسدها بصورة فظّة أيام الاعتقال، لكنها صمدت أمام أدوات الإجرام البشعة وحتى أمام حبل المشنقة.
ساكينة جانسيز
إحدى النساء اللواتي وضعن الحجر الأساس لتأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978، لتكون واحدة من أوائل النساء اللواتي خلعن ستار العادات والتقاليد وكسرن حواجز الصمت، ودفعت بالمرأة لمعرفة حقوقها والمشاركة في كافة مجالات الحياة.
ساكينة جانسيز الاسم الحركي "سارة" من مواليد 1957، اكتسبت خصائص المقاومة والروح الثورية من موطنها ديرسم إلى أن سطرت تاريخاً عظيماً بمقاومتها، بعد انخراطها في صفوف الحزب، بدأت بتسيير الأنشطة التنظيمية، إلى أن اعتقلت إثر انقلاب 12 أيلول/سبتمبر عام 1980. تعرضت خلال سنوات اعتقالها العشر لكافة أشكال التعذيب لرفضها الإدلاء بمعلومات عن رفاقها.
بعد الإفراج عنها عام 1991، ذهبت إلى أوروبا بعد تلقّي التدريب في سهل البقاع في لبنان؛ لتشرف هناك على تنظيم الأنشطة النسائية، وفي آذار/مارس عام 2007، وبناءً على طلب من تركيا أدرجها الإنتربول الدولي على اللائحة الحمراء ليتم اعتقالها حوالي شهر ونصف في سجن دامتور.
تعد ساكينة جانسيز أول امرأة قامت بتقديم دفاع سياسي في المحكمة، وكانت شخصية قيادية بين السجناء، وطوال 12 عاماً في السجون التركية حافظت على روح المقاومة، وجعلت من هذه السجون ساحة أخرى للنضال، لم تؤثر طرق التعذيب والسجن على تمسكها بمبادئها وتحقيق أهدافها، فقد كانت واحدة من الذين تبنوا حملة الإضراب عن الطعام حتى الموت، كطريقة للاستنكار.
وفي 9كانون الثاني/يناير2013، اغتيلت المناضلة ساكينة جانسيز بالقرب من المعهد الكردي في العاصمة الفرنسية باريس، من قبل الاستخبارات التركية مع رفيقتيها المناضلتين ممثلة المؤتمر الوطني الكردستاني KNK فيدان دوغان والتي كانت تعرف بالاسم الحركي "روجبين" والناشطة في مجال العلاقات الدبلوماسية وممثلة حركة الشبيبة الكردية في أوروبا ليلى شايلمز التي أطلقت على نفسها اسم "روناهي"، رمياً بالرصاص.
هفرين خلف
هفرين خلف سياسية وناشطة كردية أثار استشهادها الرأي العام المحلي والعالمي لبشاعة الجريمة التي أقدم عليها مرتزقة تركيا بدم بارد لا لشيء إلا لكونها تحمل فكراً متنوراً يسعى إلى بناء سوريا ديمقراطية تعددية تعيش شعوبها في أمن وسلام.
آمنت الأمين العامة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف بقضيتها منذ الصغر، التحقت بالعمل السياسي وسعت من خلال عملها في الحزب إلى توحيد التراب السوري بمختلف مكوناته، وكان لها دور فعّال في إدارة مكاتبه في مختلف مناطق شمال وشرق سوريا.
ساهمت هفرين خلف في تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا عام 2014 من خلال انخراطها في العمل المجتمعي والسياسي في المنطقة، حيث نشطت في مؤسسات الإدارة وقامت بدور فعّال، وعملت على تأسيس مؤسسة العلم والفكر الحر عام 2012، كما كانت من مؤسسي مكتب التدريب الاجتماعي والأكاديمي، بالإضافة إلى أنها شغلت منصب نائبة رئيس هيئة الطاقة في إقليم الجزيرة عام 2015، ثم شغلت منصب الرئاسة المشتركة لهيئة الطاقة 2016.
ومع بدء الهجمات التي شنها الاحتلال التركي ومرتزقته على عموم مناطق شمال وشرق سوريا في 9 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019، بدأ مرتزقة الاحتلال التركي بالتحرك من أجل ضرب استقرار المنطقة، وأثناء توجهها في مهمة عمل سياسي، تم استهدافها بوحشية من قبل مرتزقة الاحتلال التركي وارتقت إلى مرتبة الشهادة في الـ 12 من تشرين الأول/أكتوبر.
حبسة خان نقيب
حبسة خان نقيب امرأة كردية لها شأنها العالي في المجتمع الكردي، حولت بيتها إلى ملجاً للنساء اللواتي يتعرضن للظلم والقسوة في مدينة السليمانية وضواحيها، وقدمت لهن الحلول لمشاكلهن وحسم قضاياهن وتأمين حقوقهن وتقديم بعض المساعدات المالية لهن لتنال مكانة اجتماعية بارزة من بين نساء عصرها.
بذلت حبسة نقيب جهوداً كبيرة في مجال التعليم وتثقيف نساء عصرها، فساهمت بإرساء دعائم أول مدرسة كردية خاصة بتعليم المرأة، فحولت بيتها إلى مركز كردي اجتماعي للقضاء على الجهل والتخلف، تعلم فيها النساء الخلق الرفيع في المجتمع، وأحياء المشاعر الوطنية، وانسبتها فيما بعد إلى وزارة التربية.
تمحورت أحاديث حبسة نقيب مع النساء حول الحقوق الوطنية للكرد وتحقيق الحرية للشعب الكردي، فأسست أول جمعية نسوية في عام 1930 تحت اشرافها، فهي أول جمعية تدافع عن حقوق المرأة في البدايات الأولى من القرن التاسع عشر على مستوى الشرق الأوسط بأكمله.
شاركت أيضاً في قضايا النضال الوطني والقومي وشغلت اهتماماً كبيراً، فوقفت موقفاً نضالياً مشرفاً من انتفاضات ابن عمها الشيخ محمود الحفيد، وتعرضت هي وزوجها وأقاربها إلى الكثير من المعاناة والمصاعب جراء الاخفاقات التي تعرض لها الشيخ محمود ولاسيما في أعقاب انتكاسة الانتفاضة الأولى واسره ثم نفيه إلى الهند، فعانت حبسة نقيب من ظروف التشرد وقسوة العيش داخل الحدود الإيرانية رغم الاهتمام الكبير التي خصها بهم زعماء العشائر الكردية الإيرانية.
شيلان باقي
تمردت ضد النظام السوري واختارت مسيرة الحرية لتصبح فنانة وثورية ومقاتلة وقائدة وشاعرة لترسم مسيرة حياتها بنضالها وعصيانها إلى أن أصبحت شعلة تنير دروب جميع النساء.
ولدت ميساء باقي (شيلان) في كوباني عام ۱۹۷۱في قرية كور علي الواقعة 25 كم غرب مقاطعة كوباني بشمال وشرق سوريا، بعد أن أكملت شيلان المرحلة الإعدادية من دراستها، انضمت في شهر آب/أغسطس عام 1988 إلى نضال حركة حرية كردستان في مدينة حلب السورية. كانت المعلمة الأولى في تدريس اللغة الكردية في حلب، إلى جانب عملها التنظيمي والسياسي بين الشعب، وأول فتاة تقوم بتأسيس الفلكلور الكردي في حلب تحت اسم فرقة أكري "koma Agirî" وكانت مغنية فيها.
التحقت شيلان بأكاديمية معصوم قوقماز في لبنان. أخذت ميساء التي حملت اسم سعادت في الأكاديمية وفيما بعد اسم شيلان، مكانها ضمن ثلاثين فتاة متواجدة في القسم الكردي من التدريب.
ومع انعقاد مؤتمر اتحاد حرية المرأة الكردستانية في منطقة متينا بجبال كردستان في عام 1995، لعبت دورها الطليعي في المؤتمر بمشاركتها في النقاشات والأطروحات الجديدة، والتوصل إلى الحلول وأملها في التطور.
وفي نهاية المؤتمر انتخبت كعضوة في اللجنة المركزية لحركة المرأة التي اتخذت اسم؛ اتحاد حرية المرأة الكردستانية (YAJK). نالت عضوية اللجنة المركزية عن جدارة. منحتها الحركة ثقتها في أن تكون ممثلة لإرادتهن. ومع انعقاد مؤتمر حزب الاتحاد الديمقراطي في عام 2003 في جبال كردستان انتخبت كعضوة في اللجنة المركزية للحزب بأغلبية الأصوات.
بعدها توجهت إلى روج آفا للمشاركة في النشاطات والفعاليات التنظيمية، وبقيت لفترة في العديد من مناطق روج آفا وسوريا، خطت خطوات عديدة على الصعيد التنظيمي والعملي بين الشعب ونالت ثقتهم، إلا إنه وخلال فترة قصيرة وصلت المعلومات للسلطات والاستخبارات السورية بوجودها في روج آفا.
وبعدها توجهت شيلان إلى مدينة الموصل العراقية بهدف تنظيم الفعاليات الحزبية لحزب الاتحاد الديمقراطي هناك، سيرت النشاطات والفعاليات التنظيمية خلال فترة في مدينة الموصل، وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر 2004 أثناء قيامها بمهمة على الحدود العراقية ـ السورية، تم قتلها بأيد الغدر والخيانة مع 4 من رفاقها في مدينة الموصل.
آفيستا خابور
آفيستا خابور ابنة مقاطعة عفرين الاسم الحقيقي زلوح حمو، مواليد 1998 مدينة حلب، من أهالي قرية بيليه في ناحية بلبلة بمقاطعة عفرين في شمال وشرق سوريا، تغلغلت الروح الثورية لديها وسارعت للانضمام لصفوف وحدات حماية المرأة في عام 2014، كون نظرتها للحياة كانت مختلفة عن باقي الشابات اللواتي في مثل سنها، وقررت أن تعيش حياة حرة بمعناها الحقيقي بعيداً عن التقليد.
وجدت آفيستا خابور في صفوف وحدات حماية المرأة كل ما كان يدور في عقلها من أفكار وإجابات لتناقضاتها، وسعت لإثبات ذاتها من خلال تلقي تدريبات فكرية وعسكرية وأصبحت مقاتلة في قوات مكافحة الإرهاب وانخرطت في صفوف الثورة ووسعت معرفتها بالاستفادة من تجاربها في الحياة الثورية.
وأثناء مشاركة آفيستا خابور في مقاومة العصر بمقاطعة عفرين وبقرية حمام الشاهدة على أعنف الهجمات وأروع البطولات قامت بعملية فدائية بتاريخ 27كانون الثاني/يناير 2018 أثناء الاشتباكات القوية التي دارت بين وحدات حماية الشعب وجيش الاحتلال التركي ومرتزقته، فجرت آفيستا خابور قنبلة يدوية تحملها ودمرت دبابة كان فيها عناصر الاحتلال التركي، رافضة أن يدنس أرض أجدادها قدم محتل فاشي، وهذا ما بدى واضحاً في قولها عندما اتجهت إلى العملية الفدائية "سنحقق ما نطمح إليه، فإما الحياة الحرة على أرض حرة، أو الموت بشرف، ولن نستسلم لأي محتل أو عدو، والدفاع المشروع هو نهجنا".
الريادية بيريتان التي برهنت للعالم برمته كيف تكون النساء الكرديات
القيادية بريتان اسمها الحقيقي (كلناز قره تاش) كانت مؤمنة بقضية المرأة، ذات شخصية محاربة طامحة للحياة السامية والعشق النبيل، قائدة حقة، روح الرفاقية لديها تتصدر قائمة المبادئ المقدسة.
برهن نضالها على تشبث وعزم المرأة على التحرر إلى جانب تحديها اللامتناهي لكل العقبات والعراقيل التي كانت تعترض طريق تحررها، فكانت الثقافة العسكرية والإيديولوجية والسياسية والتنظيمية من أبرز الخصال التي تمتعت بها شخصية كلناز قره تاش، متيقنة بأن تجيش المرأة يعني تقوية إرادتها، بالإضافة إلى وعيها وإدراكها التام بأن تاريخ الهيمنة الذكورية قد توسع نتيجة غياب تنظيم المرأة.
فالمقاومة التي أبدتها كلناز قدره تاش في الـ 25 من أيلول/سبتمبر 1992 عندما ألقت بنفسها من قمة جبل "ليلكان" تعد مؤشراً واضحاً على بلوغ المرأة المستوى الذي يمكنها من إبراز قوتها القيادية والعسكرية، وإحدى مقولاتها "لا توجد امرأة ضعيفة، هناك امرأة تم سلب قوتها".
آرين ميركان
ولدت آرين ميركان، الاسم الحقيقي (دلارا كينج) في قرية ميركان أو قرية حسي التابعة لناحية موباتا في مقاطعة عفرين عام 1992، التحقت بصفوف حركة حرية كردستان في مطلع عام 2007، ومع اندلاع الثورة في روج آفا، شاركت في العديد من الفعاليات الوطنية، ومن ثم انضمت إلى صفوف وحدات حماية المرأة لتدافع عن تراب وطنها وتحقق الحرية لشعبها.
في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر عام 2014 وقع اشتباك بين وحدات حماية الشعب ومرتزقة داعش على تلّة مشته نور في كوباني، حيث استغلت المقاتلة العفرينية ذلك وتقدّمت نحو نقطة تجمّع المرتزقة، وعند وصولها فجّرت نفسها بقنبلة يدوية أدت إلى انفجار عدّة قنابل أخرى كانت تضعها في جعبتها، ممّا أدّى إلى سقوط عددٍ كبير من القتلى من مرتزقة داعش، هكذا ضحت آرين ميركان بروحها فداءً لوطنها وشعبها، وفضّلت الشهادة بدلًا من العيش في الذل والخنوع، فبعمليتها هذه رسمت نهجاً للحرية سارت عليه الكثيرات.
أثبتت آرين ميركان للعالم أجمع إرادة وقوّة المرأة الكردية عندما يتعلق الأمر بحريتها وقضيتها، وقد سار على نهجها المئات من المناضلات اللواتي تحولن إلى رمز لجميع نساء العالم.