عقود تاريخية حافلة بنضال النساء (3)
حملت النساء الثوريات مهام كبيرة وعظيمة على عاتقهن، وكان لهن تأثير إيجابي كبير على الثورات. الطريق الذي اختارته النساء ساهم في تغيير القيم والأعراف الاجتماعية بشكل كبير
نساء ثوريات سطرن أروع البطولات في التاريخ
غدير العباس
مركز الأخبار ـ حملت النساء الثوريات مهام كبيرة وعظيمة على عاتقهن، وكان لهن تأثير إيجابي كبير على الثورات. الطريق الذي اختارته النساء ساهم في تغيير القيم والأعراف الاجتماعية بشكل كبير. انتصرن في نضالهن، وبشكل خاص فيما يتعلق بالنظرة إلى المرأة، فتمكن من إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع. شاركت النساء في ميادين الحماية الاجتماعية، والنشاطات الاجتماعية والسياسية، كما عملن في مختلف المهن والأعمال. نضال المرأة لم يؤثر إيجابياً على المجتمع فقط، بل أصبحن نموذجاً يحتذى به لنساء العالم.
فخلال الثورات كانت مكانة النساء قوية جداً، وقدمن تضحيات كبيرة، ولكن مع الأسف لم يتم التطرق إليهن أو ذكر أسمائهن بما فيه الكفاية في التاريخ.
هايدي سانتاماريا كوادرادو
ولدت هايدي سانتاماريا كوادرادو في الـ 30 من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1922، في مدينة بيلا كلارا الكوبية، تمكنت برفقة شقيقها من إيصال صوت الثورة إلى شريحة واسعة من الناس. وفي تلك الفترة تحول منزلهم إلى محطة للثوار. وشاركت في العملية العسكرية التي قادها فيدل كاسترو في 26 تموز/يوليو عام 1953 وحقق الثوار في تلك العملية العسكرية نصراً كبيراً. ورغم أن معظمهم تعرض للاعتقال، إلا أن العملية لاقت صداً واسعاً لدى الرأي العام وحققت تأثيراً كبيراً.
وبعد قضاء سبعة أشهر في السجن، تم إخلاء سبيل هايدي سانتاماريا من السجن، وتمكنت من إخراج نص المرافعة التي كتبها فيدل كاسترو في السجن تحت عنوان "التاريخ سوف ينصفني". وبعد أن خرجت من السجن واصلت نضالها المسلح بشكل سري. توجهت هايدي إلى النضال في الجبال لتنضم إلى صفوف وحدات الكريلا في جبال (سييرا مايسترا) التي أسسها كل من فيدل كاسترو وتشي غيفارا. وهناك انضمت إلى كتيبة نساء سييرا مايسترا.
لقبت هايدي سانتاماريا بـ (يه يه)، عملت يه يه خلال مسيرة الثورة الكوبية على تأمين المصادر المادية لجيش انتفاضة كوبا، وفي نفس الوقت كانت تنجز مهام نقل الأسلحة. وكانت تؤدي دوراً مهماً ومؤثراً في التواصل والتنسيق بين الكريلا والقوات الشعبية (الميليشيا).
في الذكرى السنوية الـ 27 للهجوم على قاعدة مونوكادا العسكرية، وبعد مرور يومين على الذكرى، أقدمت هايدي سانتاماريا على الانتحار. وتم دفنها دون إقامة المراسم في ميدان الثورة الكوبية. ولا أحد يعلم سبب إقدامها على الانتحار.
المقاتلة هايدي تامارا بونك بيدر "تانيا"
ولدت المقاتلة الثورية هايدي تامارا بونك بيدر والتي كانت تعرف أيضاً باسم تانيا، في الأرجنتين، وعاشت في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. انتقلت إلى كوبا من أجل تأسيس حياة جديدة، وسارت خلف أحلامها حتى وصلت إلى جبال بوليفيا.
عملت تانيا في وزارة التربية الكوبية، وفي معهد صداقة الشعب الكوبي وكذلك في اتحاد النساء الكوبيات. وأنجزت أعمالاً مهمة أثناء نضالها في صفوف اتحاد النساء الكوبيات، وأدت كافة المهام الموكلة إليها بنجاح.
في عام 1994 وبهدف تعزيز نضال جبهة المقاتلين، تواصلت مع الطبقة الحاكمة ومع ممثلي الجيش البوليفي، ونظراً لنضالها الناجح تم قبولها كعضوة في الحزب الشيوعي الكوبي في عام 1966. وخلال عملها بين صفوف المقاتلين، تولت مهمة التوجيه السياسي وكذلك التدريب على التمركز وإنشاء التحصينات للمقاتلين الجدد.
تانيا أصبحت مثالاً للمرأة المناضلة والثورية التي يحتذى بها لدى جميع نساء العالم. في أمريكا اللاتينية حيث يتم التعامل مع المرأة وفق الأطر والمواقف الاقطاعية، تمكنت تانيا من تجاوز تلك الأطر وفتحت آفاقاً واسعة أمام النساء. لقد ضحت بحياتها بشكل بطولي من أجل حرية أمريكا اللاتينية.
لقد كتبت في إحدى قصائدها هذه الأبيات "يا ترى هل حان وقت رحيلي، كأزهار الاستراحة؟ لن يبقى شيء مني على وجه البسيطة، هل يا ترى سيأتي يوم ويصبح اسمي منسياً؟".
فيلما إسبين غيلويس
فتحت عينيها على الحياة في السابع من شهر نيسان/أبريل عام 1930 في مدينة سانتياغو ثاني أكبر المدن الكوبية، قررت الانضمام إلى الثورة الكوبية. ومع مرور الوقت أصبحت المسؤولة عن النشاطات السياسية في ولاية أورينت.
في عام 1958 شاركت في القتال ضمن صفوف جيش الانتفاضة الكوبية في الجبهة الثانية. وبعد الثورة انتخبت لعضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، كما انتخبت في نفس الوقت لعضوية المكتب السياسي للحزب. وبذلت جهوداً حثيثة من أجل تمكين المرأة للمشاركة في العمل السياسي. أصبحت عضوة في لجنة حماية الثورة، كما نشطت ضمن اتحاد النساء في كوبا، وساهمت بشكل فعال في صياغة وإعداد قانون العائلة.
وبنفس الحماسة أيضاً ناضلت ضد العنف المنزلي، وفي عام 1976 كان العمل جارياً على إعداد دستور عام للبلاد، وفي تلك الفترة اقترحت إدراج قانون الزواج وفق شروط الثورة، وتقول "يجب ألا يتم ذكر الجنس في معاملات الزواج، يجب ألا يكون الزواج عبارة عن علاقة جنسية، يجب أن يتم تعريف الزواج كعلاقة حياة مشتركة بين شخصين".
سيليا سانشيز ماندويلي
فتحت سيليا سانشيز ماندويلي عينيها على الحياة في التاسع من أيار/مايو عام 1920 في مدينة ميديا لونا في منطقة شرق كوبا، انضمت إلى حركة 26 تموز التي انطلقت في ذلك الوقت بقيادة فيدل كاسترو وتشي غيفارا. كانت أول امرأة كوبية مقاتلة، وتمكنت من تحطيم الخوف الكامن في أعمال التاريخ، ووضعت خدمة الثورة في أولى أولوياتها الحياتية، سيليا وضعت المبادئ الأساسية للنظام الجديد ولعبت فيه دوراً ريادياً بارزاً.
بعد انضمامها إلى الثورة كتبت رسالة إلى والدها قالت له فيها "في كل يوم أرى بشكل أفضل كيف أن كوبا بحاجة إلى ثورة. لقد أسسنا حالة ثورية ونحقق النصر فيها. كل الخوف اختفى في صفحات التاريخ، أصبح الناس يملكون الآن قصتهم الحقيقية، الثورة الآن هي قبل كل شيء".
أسست سيليا سانشيز أولى لبنات كتيبة النساء المعروفة باسم كتيبة ماريانا غراجاليس. وكانت كتيبتهم الخاصة بالنساء تضم 13 مقاتلة.
بعد الثورة تولت مهمة الأمين العام للمجلس الرئاسي في كوبا حتى آخر أيام حياتها. كما انتخبت لعضوية البرلمان، وعضوية لجنة المركز للحزب الشيوعي الكوبي، كما تولت منصب المديرة الوطنية لاتحاد النساء في كوبا.
ناضلت بتفاني بعد الثورة، وأنجزت العديد من المشاريع من أجل مواطني كوبا. لم ينحصر نضالها في ميدان معين، بدءاً من أرشفة الوثائق الرسمية للثورة الكوبية، مروراً بتطوير قطاع التعليم ومحو الأمية في المناطق الريفية وغيرها العديد من قطاعات النضال. أسست حديقة لينين في هافانا، كما كانت لسيليا سانشيز مكانة خاصة في قلوب الناس خارج كوبا، حيث توجد مدرسة باسمها في الزمبابوي.
جميلة بوحيرد "الشّهيدة الحيّة"
جميلة بوحيرد مناضلة جزائريّة ناضلت وحاربت الاستعمار الفرنسي في الجزائر حتّى أصبحت المطلوبة رقم واحد لدى الفرنسيين ولُقّبت بـ "الشّهيدة الحيّة". انضمّت وهي في العشرين من العمر إلى "جبهة التّحرير الوطني" الجزائريّة عند اندلاع الثّورة الجزائريّة ضد الاستعمار في عام 1954 وكانت أوّل المتطوّعات لزرع القنابل في أماكن تجمّع الفرنسيين في الجزائر.
في عام 1957 ألقي القبض عليها بعد إصابتها برصاصةٍ في الكتف وفي عام 1958 تقرّرت محاكمتها صوريّاً وحكم عليها بالإعدام ونُقلت بعدها إلى سجن باربادوس أحد أشهر مؤسّسات التّعذيب في العصر الحديث. وحينما تلقّت لجنة حقوق الإنسان الملايين من رسائل الاستنكار حول العالم تأجّل تنفيذ الحكم ومن ثمّ خُفّف إلى السّجن مدى الحياة. وبعد إعلان استقلال الجزائر في عام 1962 أُطلق سراحها وتولّت بعدها رئاسة اتّحاد المرأة الجزائري.
توكل كرمان "أكثر نساء التّاريخ ثوريّةً"
ناشطة حقوقية وصحفية يمنية، عرفت في ساحات الثورة اليمنية والربيع العربي، كما عُرفت بمناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري في اليمن ومطالبتها الصارمة بالإصلاحات السياسية.
ولدت توكل عبد السلام كرمان 7شباط/فبراير 1979 في محافظة تعز، عضو فاعل في الكثير من النقابات والمنظمات الحقوقية والصحفية داخل اليمن وخارجه، وهي عضو مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح وعضو ائتلاف الثورة اليمنية، وهي إحدى أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في اليمن.
عرفت توكل كرمان بشجاعتها وجرأتها ومطالبتها الصارمة بالإصلاحات السياسية في البلد، وكذلك بعملية الإصلاح والتجديد الديني، وقادت أكثر من ثمانين اعتصاماً في 2009 و2010، كما قادت خمسة اعتصامات عام 2008، و26 اعتصاماً عام 2007.
اعتبرت مجلّة التّايم الأمريكيّة النّاشطة والكاتبة الصّحفيّة اليمنيّة توكّل كرمان "أكثر نساء التّاريخ ثوريّةً"، كما تمّ اختيارها كإحدى سبع نساء أحدثن تغيراً في العالم من قبل منظّمة "مراسلون بلا حدود". وهي أول سيّدة عربيّة تفوز بجائزة نوبل للسلام حيث تقاسمت في عام 2011 الجائزة مع الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غوبوي. كما أنها رئيسة منظّمة صحفيّات بلا قيود، وإحدى أهمّ الشّخصيّات المدافعة عن حريّة الصّحافة في العالم العربي.
الإيرانية صديقة دولت آباي
يظهر تاريخ الأنشطة الاجتماعية للمرأة الإيرانية أن هناك شخصيات بارزة بين المناضلات والمقاتلات من أجل الحرية منذ العصر الدستوري. واحدة منهم هي صديقة دولت أبادي.
صديقة دولت آباي تخلت عن اللباس التقليدي والإسلامي في عام 1305، أي قبل حوالي عقد من تفكير حكومة رضا شاه في إجبار النساء على ارتداء الحجاب، ونصف قرن قبل أن تبدأ الجمهورية الإسلامية في محاولة خلع النساء من الحجاب.
نشرت صديقة أبادي أول مجلة نسائية في أصفهان في وقت لم يكن هناك أكثر من مجلتين في طهران. كما أسست مدرسة للبنات في أصفهان عام 1296، ولم تكن قد تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها، وفي العام التالي أسست جمعية نسائية.
لم يكن إصدار مجلة "لغة المرأة" وإنشاء مدرسة وجمعية للنساء في الأيام التي اعتبر فيها علماء المدينة المؤثرون الدراسة مصدر فساد مهمة صغيرة. وتسببت الأنشطة الاجتماعية والمقالات المنشورة في مجلة "لغة المرأة" في بعض الأحيان في مشاكل لصديقة دولت أبادي، وتم اعتقالها عدة مرات.
في بداية إقامتها في فرنسا عام 1302، شاركت دولت أبادي في المؤتمر الدولي العاشر للمرأة، والذي كان يهدف إلى النضال من أجل "حق المرأة في التصويت". خلال ثمانية عقود من حياتها، قامت صديقة دولت أبادي بالعديد من الأنشطة لتحسين وضع المرأة وكانت فعالة في تأسيس العديد من المنظمات. لم تقتصر أنشطة صديقة أبادي على قضايا المرأة، بل شملت أيضاً مجالات اجتماعية أخرى. كانت رئيسة جمعية المرأة الإيرانية حتى نهاية حياتها.
لم تكن صديقة دولت أبادي، بسبب نشاطها وشخصيتها، من الشخصيات المفضلة في حكومة الجمهورية الإسلامية. لكن الحركة النسائية الإيرانية تعتبرها إحدى قدوتها وقادتها.
وفي عام 2004 أنشأ بعض الناشطين في الحركة النسائية مكتبة وجائزة اسمها صديقة دولت أبادي. تُمنح الفائزات بجائزة الكتب النسائية في مجال الأدب الروائي ودراسات المرأة (جنباً إلى جنب مع التمثال البرونزي لصديقة دولت أبادي) كل عام في اليوم العالمي للمرأة 8 آذار/مارس.
هدى شعراوي
اقترن النضال النسائي في مصر دائماً باسم هدى شعراوي، إلا أن أكثر المواقف التي يتذكرها الناس لها كانت عقب عودتها من مؤتمر نسائي في أوروبا عام 1923 عندما نزلت هي وزميلاتها نبوية موسى وسيزا نبراوي من القطار في محطة مصر وخلعن حجابهن فتملكت حشود النساء اللاتي كن في انتظارهن الدهشة، ليسود بعدها الصمت للحظات قبل أن يدوى الجميع بالتصفيق، وأقدمت بعض السيدات على خلع حجابهن أيضاً.
ولم يكن خلع الحجاب هو القضية التي شغلت هدى شعراوي، فكرست مجهودها في الدفاع عن حقوق المرأة خاصة الحقوق السياسية والتعليم.
هدى شعراوي ناضلت من أجل قضايا المرأة كثيراً قبل واقعة خلع الحجاب ففي عام 1914 أسست الجمعية الفكرية للمرأة المصرية، وفي ثورة 1919 تقدمت صفوف النساء في المظاهرات التي تطالب بالاستقلال جنباً إلى جنب مع الرجال لأول مرة.
وعقب عودتها، في عام 1923، من المؤتمر الدولي لحقوق المرأة الذي عقد في روما أسست الاتحاد النسائي المصري، وأصبحت أول رئيسة له، وكان أهم أهدافه التأكيد على حق المرأة في التعليم والدعوة لتغيير بعض قوانين الأحوال الشخصية، وفي عام 1924 قادت وقفة نسائية اثناء انعقاد جلسة افتتاح البرلمان وقدمت عريضة تحوي بعض المطالب التي تجاهلها حزب الوفد مما دفعها للاستقالة من لجنته النسائية.
وفي عام 1938 نظمت هدى شعراوي مؤتمر نسائي للدفاع عن فلسطين، كما دعت إلى تنظيم الجهود النسوية من جمع للمواد واللباس والتطوع في التمريض والإسعاف، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، صدر قرار التقسيم في فلسطين من قبل الأمم المتحدة، أرسلت خطاباً شديد اللهجة للاحتجاج إلى الأمم المتحدة، توفيت بعد ذلك بحوالي أسبوعين في 12 كانون الأول/ديسمبر 1947.