قوانين الأحوال الشخصية ومعضلة ترسيخ الذهنية الذكورية بالقوانين (1)

تعد التشريعات والقوانين التي تطبقها الحكومات وعدم التزامها بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية من أبرز التحديات التي تعيق طريق النساء نحو التحرر، فهذه الممارسات محاولة لثنيهن عن النضال من أجل تحقيق المساواة.

سناء العلي

مركز الأخبار ـ التشريعات هي أهم ضمان لحقوق أفراد المجتمع لكن في الشرق الأوسط يأخذ العنف أبعاداً عديدة، ويتم تطبيقه بمختلف الأشكال ويعد العنف القانوني من أقسى أشكال العنف الممارس ضد المرأة، فبدل أن يكون القانون النجاة والأمل يصبح سيفاً مسلطاً في يد الرجل لإذلال المرأة والاستيلاء على حقوقها.

الشرق الأوسط ودساتير بلدانه هي الأكثر تزمتاً تجاه حقوق المرأة، وهذه نتيجة طبيعية للفهم الخاطئ للدين وتشريعاته التي تجعل من الرجل رأس المنزل، والقائم بكل شيء، والمرأة ليست أكثر من منتفعة عليها الطاعة، وأي رفض يندرج فوراً في باب امتناعها عن أداء حق الزوج أو عصيانه أو إساءة العشرة معه، ما يعرف بـ "النشوز" الذي تمت دسترته، وغيره العديد من القضايا التي لا تجد فيها المرأة إنصافاً.

عودة إلى الوراء

في العراق هناك تهديد جديد لحقوق المرأة من أجل تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يعود إلى ثورة 14تموز/يوليو 1958، وقد صدر هذا القانون الذي أشرفت عليه محاكم شرعية قبل أن يتغير اسمها لمحاكم الأحوال الشخصية، واعتمدت تلك القوانين على التشريعات الإسلامية منقسمة إلى سُنية وجعفرية، ولكن بمساهمة من رابطة المرأة العراقية تم تعديل هذا القانون بعد عام وحمل رقم 188.

وعلى عيوبه يعد من أكثر الدساتير العراقية إنصافاً للمرأة، لكن وبدلاً من التغيير نحو المساواة بين الجنسين اقترح البرلمان العراقي في 24تموز/يوليو 2024، تعديله مما أثار تساؤلات جدية حول فعاليته ومحتواه خاصة البنود التي تتعلق بسن الزواج، والحضانة، والنفقة، والميراث.

ويستند اقتراح التعديل على المادة 41 من الدستور العراقي التي تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب ديانتهم أو مذهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم"، ولكن المحكمة الاتحادية أوقفت هذه المادة باعتبارها من المواد الخلافية التي لا يمكن الاستناد إليها في التشريع. 

ولقد أشعلت السلبيات التي يحتويها هذا المشروع، ردود فعل قوية من قبل الحركة النسوية العراقية، ومختلف شرائح المجتمع، وتحرك الناس لرفض مشروع القانون الجديد الذي يقوض حقوق النساء والفتيات، ما يعزز التمييز الجنسي ويفاقم الأزمات الأسرية ويرسخ الهيمنة الذكورية، وهذا يتنافى مع بنود الاتفاقية الدولية "سيداو" والتي صادق عليها العراق بتاريخ 16 آب/أغسطس 1986. 

كما يمثل تخفيض سن الزواج تهديداً خطيراً على مستقبل الفتيات والذي ينتج عنه عنف جسدي ونفسي وجنسي، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات عند الولادة، والحرمان من التعليم، بالإضافة إلى تعزيز قضايا الاستغلال والضغط الاجتماعي، مما يشكل انتهاكاً واضحاً لاتفاقية حقوق الطفل.

وتضفي التعديلات على تسجيل عقود الزواج خارج المحاكم من قبل شخصيات دينية، الشرعية على زواج المتعة والمسيار، مما يؤدي إلى ترك الزوجات بدون حقوق في حال الطلاق ولا يتم الاعتراف بنسب الأطفال مما يخلق أزمة أخلاقية أيضاً.

كما تفقد المطلقة معظم حقوقها في حال تم تطبيق هذا التعديل المقترح، فبموجب القانون الحالي إذا طلب الزوج الطلاق يحق للزوجة البقاء في منزل الزوجية لمدة ثلاث سنوات على نفقة الزوج، بالإضافة إلى حصولها على نفقة لمدة عامين والقيمة الحالية لمهرها، لكن بعد التعديل الذي أضيف على القانون لا يحق للمطلقة البقاء في منزل الزوجية أو الحصول على نفقة أو مهرها، كما أن الأطفال سيبقون معها لمدة عامين فقط بشرط عدم زواجها مرة أخرى.

 

لكل طائفة أزمتها

أما في لبنان فالأزمة الحقوقية مستمرة رغم كل الثورات والمطالب التي قادتها المرأة لسن قوانين مدنية تساوي بين الجنسين فلكل مذهب محاكمه وقضاته، ويعود قانون الأحوال الشخصية إلى الاحتلال العثماني إذ أن صك الانتداب لسوريا ولبنان نص على أن النظام القضائي الذي تنشئه الدولة المنتدبة "يضمن للأهالي، على اختلاف مللهم، احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية" هذه العبارة انتقلت إلى الدستور اللبناني حيث تنص إحدى مواده على أن "الدولة تضمن للبنانيين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية".

وبهذه التقسيمات الطائفية صدر قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية عام 1948، وقانون "تحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية والإسرائيلية" عام 1951، وبهذا التمييز بين الإنسان على أساس دينه ومذهبه تعاني النساء في كل ما يخص الزواج وتبعاته.

وحتى اليوم في البلاد 15 قانون منفصل للأحوال الشخصية، كلها تقيد حق المرأة في الطلاق، حتى وإن توفرت الأسباب الموجبة لذلك، هناك أربع طرق فقط لتحصل المرأة على هذا الحق فلدى السنة والشيعة عليها وضع العصمة في يدها أو صدور أمر قضائي بذلك، هذا الأمر يفيد الدرزيات أيضاً، وتستفيد نساء السنة من الخلع لكن عليهن التنازل عن كامل حقوقهن، أما الشيعية فعليها الاستعانة بمرجع ديني، فيما لا يمكن للمسيحيات الحصول على الطلاق إن لم يبلغ العنف حد الشروع بالقتل.

ولدى السُنة يستطيع الزوج تطليق زوجته غيابياً وإعادتها إلى ذمته غيابياً أيضاً، أما في حال تجرأت امرأة ورفعت قضية طلاق فإنها تعاني من المماطلة، وطول أمد المحاكمات وخسارة حقوقها المادية، فمتوسط فترة الدعاوى في لبنان يصل إلى أكثر من 8 أشهر، أما إذا أقدم الرجال على الطلاق فإنه لا يستغرق أكثر من10 أيام.

وفيما يخص قوانين الحضانة فلدى السنة يحق للمرأة حضانة أطفالها حتى يبلغوا الـ 12 عاماً للذكر والأنثى، وتفقدها إذا تزوجت، ولدى الشيعة سنتان للذكر و7 للأنثى، وتفقدها إن كانت من غير دين، ولدى الدروز حضانة الذكر 12 عاماً والأنثى 14 عاماً، وتفقد حضانة طفلها إذا تزوجت.  

إن أحد أهم الإنجازات التي حققتها الحركة النسوية اللبنانية إلغاء المادة 562 المتعلقة بجرائم الشرف في العام 2011، والمادة 522 التي تنص على تبرئة المغتصب في حال تزوج من الضحية، كذلك سن قانون العنف الأسري في العام 2014 رغم عيوبه.

 

من يحمي الأردنيات من القانون؟

في حين قانون الأحوال الـشخصـية الأردني رقم (15) لسنة 2019 والذي يتضمن تفاصيل أحكام الزواج والطلاق والخلع والنفقة والإرث والحضانة والأهلية والولاية والوصاية وكل ما يخص تنظيم المجتمع والأسرة، تتداخل فيه الموروثات المجتمعية المنقسمة بين تقاليد دينية وأخرى عشائرية محافظة.

إن بنود قانون الأحوال الشخصية الأردني لا تنص بأي شكل من الأشكال على المساواة بين الجنسين ففي الزواج تُرى العلاقة بين الزوجين تكميلية وتفرض على الزوجة طاعة الزوج مقابل القوامة المالية، وتفقد المرأة الحق في النفقة إذا كانت تعيش أو تعمل خارج المنزل من دون موافقة الزوج، كما ترث النساء نصف ما يرثه الذكور، وتطلق المرأة من طرف واحد دون سبب حتى، أما خيارها بالانفصال فيأخذ إجراءات طويلة ومكلفة، وتسحب الحضانة من الأم المطلقة إذا تزوجت.

ولم يمنع القانون رغم تعديلاته التي صدرت في السنوات الأخيرة والتي رفعت سن الزواج إلى 18 عاماً زواج القاصرات نتيجة للاستثناءات، وما تزال المتزوجات من غير أردنيين تناضلن من أجل منحهن حقهن في إعطاء الجنسية لأبنائهن لكن لا حياة لمن تنادي.

 

تعديلات سطحية ومعاناة مستمرة 

أما في سوريا فيعود أول قانون للأحوال الشخصية للعام 1953 ورغم عدة تعديلات طرأت عليه قال مؤيدوها أنها جاءت لصالح المرأة عام 2019 شملت سن الزواج والحضانة والنفقة، إلا أن التطبيق والثغرات يتركان آلاف النساء عالقات في المحاكم بانتظار الانتصار لهن، أو في المنازل لا تجرؤن على طلب حقوقهن لطول أمد البت في القضايا.

وعدلت عدة مواد القانون، فالمادة 16 المتعلقة بسن الزواج اشترطت إكمال الشاب والفتاة 18 عاماً، في حين تضمن تعديل المادة 73 المتعلقة بالنفقة سقوطها في إحدى الحالتين، الأولى إذا امتنعت الزوجة عن الإقامة في مسكن الزوجية، والثانية إذا عملت خارج مسكن الزوجية دون إذن زوجها، كما عدلت المادة 137 المتعلقة بشروط الحضانة، فأسقطتها عن الأم إذا تزوجت، وتسقط حضانة غير الأم إن كانت على غير دين والد المحضون بإتمامه الخامسة من العمر، وفترة الحضانة تمت معالجتها في المادة 146 حيث تنتهي بإتمام المحضون (ذكراً كان أم أنثى) الخامسة عشر، ويخيّر بعدها في الإقامة عند أحد أبويه، وتم تقييد تعدد الزوجات ليصبح بموافقة الزوجة، وإعطاء المرأة الحق في الزواج دون اشتراط موافقة الأب.

 

بين شيعية وسنية لا قانون يوحد الحقوق

ومنذ تسعينيات القرن الماضي اهتمت دول الخليج بقانون الأسرة، وصدرت وثيقة مسقط لقانون موحد للأحوال الشخصية في مجلس التعاون الخليجي، وتم إقرارها عام 1996 وبعد هذه الوثيقة تتالت قوانين الأحوال الشخصية أو قوانين الأسرة في دول الخليج في أكثر من دولة حيث صدر في الإمارات عام 2005، وقطر 2006، والبحرين في شقه السنة 2009.

في البحرين القانون الذي تم إصداره عام 2017 منقسم بين الطائفتين السنية والشيعية، والذكورية واضحة في عدة مواد منها اشتراط أن يكون الولي والشاهد "ذكر مسلم"، كما تسمح المادة 20 بتزويج من بلغت 16 عاماً، والمادة 40 تلزم المرأة بطاعة زوجها، وعدم امتناعها عن الإنجاب، وهذا ما يحرمها من حقها في الإجهاض، أو تحديد عدد أفراد أسرتها، كما لا يُسمح لها بترك منزل الزوجية إلا "بعذر شرعي"، لتكمل المادة 54 هذا بالتأكيد على سقوط النفقة عنها إن لم تفعل ذلك. 

كما يشترط قبول الزوج بعملها خارج المنزل ويعتبر عملها دون موافقته "نشوزاً مسقطاً لنفقة الزوجية"، وهناك أيضاً الطلاق بالإرادة المفردة حيث تنص المادة 81 على أنه تقع الفرقة بين الزوجين "‌بإرادة الزوج، وتسمى طلاقاً"، أو "‌بطلب من الزوجة وموافقة من الزوج مع بذل العوض، وتسمى مخالعة".

ولكن من الإيجابيات في قانون الأسرة هو تأمين مسكن للمرأة بعد الطلاق مع أطفالها طوال مدة الحضانة، وأنه لا يجوز أن يكون بدل الخلع التخلي عن حضانة الأولاد، أو نفقتهم، ولكن تسقط الحضانة عنها إذا تزوجت، والمساواة كانت في الفقرة المتعلقة بسفر الحاضن فلا يجوز للأب أو الأم بالسفر دون إذن الآخر.

ولكن أين كرامتها مما ورد في المادة 93 التي تنص على أنه "للزوج أن يرجع مطلقته من طلاق رجعي مادامت في العدة، ولا يسقط هذا الحق بالتنازل عنه، وتوثق الرجعة من المحكمة، ولا يشترط إذن الزوجة، ويتم إعلامها بذلك".

 

السيطرة دائماً للرجل

واختار المشرع القطري أقسى المذاهب وهو الحنبلي، ففي عام 2021 نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً كشف الحيف والظلم الذي تتعرض له المرأة القطرية طيلة حياتها، فالقوانين القطرية تشترط نيل المرأة إذن ولي أمرها للزواج، بغض النظر عن عمرها أو وضعها العائلي، ويمكن للرجال الزواج من أربع نساء في وقت واحد، دون الحاجة إلى إذن الزوجة أو الزوجات.

وعندما تتزوج المرأة، تنتقل الولاية من والدها إلى زوجها، وعليها الحصول على إذنه قبل العمل أو السفر، ولا يمكنها أيضاً رفض ممارسة العلاقة الحميمية فكل ذلك يجعلها ناشزاً يسقط عنها حقوقها، والطلاق حق للرجل، ويمكنه اتخاذ هذه الخطوة دون إخبار الزوجة، إما إن فضلت الخلع فإنها تتنازل عن كل شيء، وعليها إعادة مهرها.

ولا يمكن للمرأة أن تكون ولية أولادها، حتى لو كانت مطلقة وأطفالها ضمن حضانتها أو أرملة، فهي محرومة من القدرة على اتخاذ القرارات فيما يتعلق بوثائقهم وأموالهم وسفرهم وتعليمهم وحتى علاجهم.

 

يُباح زواج القُصر فتيات وشباناً

أما الكويت فقد سنت قانون الأسرة منذ وقت ليس ببعيد أيضاً وهو في عام 2015، وتم تعديله عام 2018، وكحال جميع قوانين الأحوال الشخصية في المنطقة حمل تمييزاً واضحاً ضد المرأة، وأنصفها في أماكن قليلة، فالمادة 8 سلبت المرأة حقها في قبول الزواج أو رفضه، إذ نصت على أنه "ينعقد الزواج بإيجاب من ولي الزوجة وقبول من الزوج"، وعلى الشهود أن يكونوا ذكوراً، وفي حين يمنع الزواج المدني، يباح زواج القاصرات اللواتي بلغن 15 عاماً، والفتية بعمر الـ 17 عاماً، وتعامل المرأة كقاصر من خلال مادة تسمح للأب ثم للجد بقبض مهر البكر حتى الخامسة والعشرين من عمرها. 

ورغم أن القانون منح المرأة حق الطلاق في حال الضرر وسفر الزوج لمدة طويلة، إلا أنه في الحالة العامة هو حق للرجل فقط، إلا إذا أرادت الخُلع فعليها التنازل عن كافة حقوقها، أما المادة الأقسى هي التي حملت الرقم 119 ونصت على أنه "يصح خلع المريضة مرض الموت ويعتبر العوض من ثلث مالها"، ليبقى السؤال أين كرامة المرأة ومشاعرها من هكذا تشريع؟

وحمل القانون بعض الإيجابيات منها منع إسكان أي أحد مع الزوجة بغير رضاها، وعدم تنفيذ حكم الطاعة جبراً، كما أنه لا يعتبر عملها خارج المنزل نشوزاً على عكس العديد من قوانين البلدان المجاورة.

 

تُسلب منها الحضانة إذا كانت غير مسلمة

ومنذ عام 2005 يعمل بقانون الأحوال الشخصية في الإمارات العربية المتحدة وتم تحديد سن الزواج بـ 18 عاماً، وتم حماية عدة حقوق للمرأة منها عدم منعها من إكمال تعليمها، وعدم التعرض لأموالها الخاصة، لكنه أباح تعدد الزوجات، وأسقط نفقتها في عدة حالات منها رفضها إقامة علاقة حميمة مع الزوج، كما تفقد حضانة أطفالها إذا تزوجت، وإذا كانت على غير دين المحضون.

كما أن هناك تمييز آخر يلحق هذه المرة ليس بالمرأة وإنما بالأطفال ففي حين نص القانون على انهاء الحضانة ببلوغ الذكر إحدى عشرة سنة والأنثى ثلاث عشرة سنة إلا أن الحضانة تستمر إذا كان المحضون مريضاً أو معاقاً، ولا ننسى التمييز في الميراث بين الجنسين.

 

يديم نظام وصاية الرجل

وقبل اعتماد نظام الأحوال الشخصية في السعودية كانت المسائل المتعلقة بالحياة الأسرية تخضع لتطبيق القضاة لأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن القانون الذي اعتُمد حديثاً في 8 آذار/مارس 2022 يديم نظام وصاية الرجل، ويجعل من التمييز ضد المرأة في معظم جوانب الحياة الأسرية قانوني، فعلى الرغم من الإيجابيات التي تضمنها ومنها تحديد سن للزواج بـ 18 عاماً، بعد أن كان مسموح للعائلات تزويج الفتيات بسن صغيرة جداً، يُرسّخ نظاماً للتمييز القائم على النوع الاجتماعي في أمور الزواج، والطلاق، والحضانة، والميراث، كما أن القانون يترك حيزاً واسعاً للقضاة لممارسة سلطتهم التقديرية "الذكورية".

ولا يوفر القانون الحماية الكافية للنساء من العنف الأسري إذ ينص على "الطاعة" للزوج، ويشترط بالإنفاق العلاقة الحميمية، وبذلك يحول المرأة إلى أداة جنسية ويبيح الاغتصاب الزوجي، ولا يتم عقد الزواج إلا بموافقة "ولي" المرأة مما يعد استمرار لنظام الولاية.

هذا عدا عن إعطاء حق الطلاق للرجل وحده، ويتم التصدق عليها بمبلغ من المال إذا لم تكن تعرف أن من كانت زوجته أنهى ما يربطهما دون الرجوع إليها، وهناك حالتان فقط لإنهاء الزواج من قبل المرأة الأولى بالخُلع والثانية بالفسخ الذي يكون عن طريق المحكمة وكلاهما مشروطان بدفع الزوجة لمهرها والتنازل عن جميع حقوقها، وإن نجحت في الحصول على الطلاق فإنها لن تحصل مهما فعلت على الوصاية على أطفالها رغم حضانتها لهم.

 

ليست أزمة وطن فقط

ولا يتم لفت الانتباه إلى ما تعانيه نساء فلسطين من قوانين تمييزية لأن قضية الوطن أخذت جميع الاهتمام، ولا يعرف الكثيرون أزمة قوانين الأحوال الشخصية فقد فشلت محاولة السلطة الفلسطينية التي تتمتع بحكم ذاتي محدود على بعض المناطق وفق اتفاق أوسلو في توحيد القوانين، ففي الضفة الغربية ما يزال يطبق القانون الأردني للأحوال الشخصية وتعديلاته لسنة 1976، أما في قطاع غزة فيطبق قانون حقوق العائلة لسنة 1954 والذي يستند إلى قانون الأحوال الشخصية العثماني لعام 1919.

عموماً تسمح القوانين بتعدد الزوجات والآباء فقط هم أصحاب الولاية على أطفالهم، السن القانوني لزواج الفتيات في الضفة الغربية 18 سنة، بينما 17 سنة في قطاع غزة، ويمكن أن ينخفض السن إذا سمح القاضي بذلك، وتشريعات الميراث، لا تكفل نفس الحقوق للنساء والرجال.

 

على المرأة تقديم الطاعة

وفي اليمن الوضع معقد بشكل كبير فالبلاد مقسمة ما بين عدة أطراف وكل منها يفرض قوانينه ولا يتم العمل بقانون الأحوال الشخصية للعام 1992، وحتى التوقيع على اتفاقية سيداو في العام 1984 ليس له أي معنى مع هذه الحرب.

في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية (المعترف بها دولياً) يتم تطبيق قانون الأحوال الشخصية لعام 1992 وأساسه ولاية الرجل على المرأة في أمور الزواج ومنها اشتراط شاهدين رجلين لتمام عقده أو رجل وامرأتين، لتأتي المادة 12 وترجح الكفة لصالح الرجل وبقوة عندما سمحت بتعدد الزوجات، ولتزيد المادة 15 الطين بلة بسماحها بتزويج من بلغوا 15 عاماً سواء كانوا فتيان وفتيات، ولأن التشريعات دينية وليست مدنية "يحرم على المسلمة الزواج بغير مسلم"، وعلى المرأة الطاعة كيلا توصف بـ "الناشز" فتفقد حقوقها، فلا "نفقة للزوجة إذا عملت خارج البيت دون موافقة زوجها، وإذا أمتنعت من السفر مع زوجها"، فمن حقوق الزوج كما جاء في المادة 40 "امتثال أمره، وعدم الخروج من منزل الزوجية إلا بإذنه"، ولا يمكنها الاحتفاظ بأطفالها إلا سنوات قليلة لأن مدة الحضانة لا تتجاوز الـ 9 سنوات إلا قرر القاضي غير ذلك.

أما النقاط الإيجابية في قانون الأحوال الشخصية هو اشتراط عدم إكراه المرأة على الزواج وهذه نقطة تحسب لصالح القانون، وكذلك لا يمكن للرجل إنهاء الزواج بالإرادة المنفردة بحسب المادة 45 التي نصت على أنه "لا يفسخ الزواج إلا بحكم المحكمة".

 

الرجل هو رب الأسر وعلى المرأة الاعتناء به

لأن المنبع واحد فالتشريعات في عُمان مشابهة لكل البلدان العربية مع اختلافات طفيفة، فرغم عدم سماح التشريعات بزواج القاصرات إلا أنها نظمته عبر السماح للقاضي بتزويج من هم أقل من 18 عاماً، ولا ينبغي أن تشهد امرأة على عقود الزواج، ولا أن تتزوج بغير مسلم، كما لا يحق لها رفض تعدد الزوجات، وعليها دائماً أن تقوم بـ "العناية به باعتباره رب الأسرة"، وتُحرم من النفقة إذا "منعت نفسها" عنه أو تركت المنزل، وعليها أن تسافر معه أينما ذهب حتى لو كان ذلك ضد رغبتها.

والعقبات متعددة أمام الطلاق فلا "تطلق الزوجة الموسرة من زوجها المعسر"، وتفقد حضانة أطفالها إذا كانت من غير دين، أو تزوجت، وإن لم تكن من ضمن هذه الحالات فالحضانة لسنوات قليلة، لا تشبعه من حنانها ولا تنقل له معرفتها، فأقصى حد للذكر سبع سنوات، أما الفتاة فعند البلوغ تجبر على العودة إلى الأب عندما تحيض.

أما الميراث فهو دوامة بحد ذاته ففي حالات تحصل المرأة على النصف، وفي حالات أخرى تحصل على الثلثين، وفي الغالب تحصل على نصف ما يحصل عليه الذكر وربما أقل في حالات أخرى.

يستكمل ملف "قوانين الأحوال الشخصية ومعضلة ترسيخ الذهنية الذكورية بالقوانين"، في جزئه الثاني والأخير ولكن تجدر الإشارة هنا إلى الحاجة الملحة للاطلاع على الدراسات المقدمة من مركز الجنولوجيا فيما يتعلق بالمظالم التي لحقت بالمرأة من خلال العودة إلى التاريخ الحقيقي للنساء، كما تجدر الإشارة إلى أن الحروب التي هي من أكثر الانتهاكات خطورة على المجتمعات تسببت بتشتت المجتمع فبدلاً من أن تقوي النساء جهودهن لإصلاح القوانين وتحقيق المساواة بين الجنسين تفقدن الكثير من طاقتهن من أجل مواجهة التحديات المرتبطة بالحرب من موت ومجاعة وانعدام الأمن والأمان وذلك ما نراه كل يوم في فلسطين وسوريا واليمن وليبيا و السودان وفي لبنان.