مسيرة النشاط النسوي في السعودية (3)

كنا قد ذكرنا في الجزئيين الأول والثاني أن الأرضية العشائرية والقبلية في السعودية إضافة إلى توظيف الدين لخدمة الدولة ساهما في معاناة النساء وتدني قيمتهن الإنسانية واستبعادهن المتعمد عن الحياة الاجتماعية والسياسية.

بداية النشاط النسوي... مطالب محقة

مركز الاخبار ـ  
عززت السلطة النظام الأبوي الذي يبيح للرجل التحكم بأدق تفاصيل حياة المرأة، وليس معروف كون القوانين هي السبب في تعزيز الأعراف وإجازتها أم أن الأعراف أدت إلى صدور مثل هذه القوانين وشرعتها.  
ولا يمكن الحديث عن قوانين الأسرة والمرأة في السعودية بشكل حيادي؛ لأنها مجحفة ولو نظر إليها من كافة الزوايا، فحتى وقت قريب لم يكن مسموح للمرأة قيادة سيارتها بنفسها وهذا القانون ليس موجوداً في أكثر دول العالم تخلفاً، ومهما كان عمرها كانت تعامل كقاصر لا تستطيع الخروج من المنزل أو السفر أو الزواج وحتى الطلاق وجميع تفاصيل الحياة الصغيرة منها والكبيرة دون أذن من رجل المنزل "الولي"، تحت اسم نظام الولاية أو الوصاية المعمول به منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
في 26 أيلول/سبتمبر 2017 أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز بياناً برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، على أن يكون تنفيذ القرار ابتداءً من 24 حزيران/يونيو 2018. وفي 4 حزيران/يونيو 2018، تسلمت الفتاة السعودية أحلام آل ثنيان، أول رخصة قيادة لامرأة سعودية، وقامت بنشر الصورة عبر حسابها في مواقع التواصل الاجتماعي.
حصلت المرأة السعودية على حق قيادة السيارة بفضل النساء الشجاعات اللواتي تعرضن للاعتقال أكثر من مرة لكنهن لم ييئسن، منهن من يقبعن حتى اليوم في السجون ويتعرضن للتعذيب.
 
أكثر من ربع قرن على بداية النشاط والاعتقالات 
ركزت الناشطات على حق المرأة في قيادة السيارة الخاصة وكسر الحظر المفروض منذ عام 1957، وعلى هذا نظمن أربع حملات بدأت منذ عام 1990 وازدادت كثافة منذ بدأ الحراك العربي عام 2011 وكان آخرها عام 2014. 
وكان رد السلطات عنيفاً تجاه أي تحرك حقوقي فمنذ بدأ الحراك النسوي عام 1990، فُصلت أكثر من 47 امرأة من عملهن ومنعن من السفر بعد قيامهن بقيادة 13 سيارة في العاصمة الرياض. 
في عام 2009، رفعت الكاتبة والناشطة الحقوقية وجيهة الحويدر والصحفية ابتهال المبارك عريضة للملك، للمطالبة برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، حملت العريضة توقيع 1100 رجل وامرأة، وكانت وجيهة ممنوعة من الكتابة في الصحف منذ عام 2003، كما وأنها اعتقلت في صيف عام 2006، بعد رفعها لافتة تطالب فيها بمنح المرأة السعودية حقوقها، واجبرتها السلطات في ذلك الوقت على توقيع تعهد بعدم القيام بأي نشاطات ميدانية أو الكترونية. 
وكثفت النسويات من نشاطهن مع بدأ الحراك العربي وأطلقن الحملة الثانية لقيادة المرأة في تاريخ السعودية والأولى في القرن الواحد والعشرين، فاعتقلت الناشطة منال الشريف في 21 أيار/مايو 2011، بعد قيادتها السيارة في محافظة الخبر شرقي المملكة بتهمة الاخلال بالنظام، وأفرج عنها بعد دفع كفالة والتعهد بعدم تكرار قيادة سيارتها ضمن الأراضي السعودية.
لا يوجد في السعودية قانون أو تشريع مكتوب يمنع النساء من القيادة، لكن القانون يطالب المواطنين باستخدام رخصة قيادة محلية ولا يقبل برخص قيادة من دول أخرى، ولأنه لا يمنح رخص القيادة للنساء فهن ممنوعات من القيادة داخل الأراضي السعودية.
في تاريخ 17 حزيران/يونيو 2011 عادت منال الشريف لتطلق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم "سأقود سيارتي بنفسي"، تفاعلت معها عشر نساء وقمن بقيادة سياراتهن في المدن السعودية الرئيسية، وبعد يوم من ذلك القت "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" القبض عليهن، من بينهن منال الشريف التي اتهمت بإخلال النظام، ولقيت تعاطفاً من منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان وطالبت بالإفراج عنها وبالفعل أطلق سراحها بعد دفع كفالة مالية وتوقيعها على تعهد بعدم تكرار قيادة سيارتها.
وبعد شهرين اعتقلت الناشطة نجلاء الحريري بعد قيادتها في شارع التحلية بمدينة جدة، خلال مشاركتها في حملة على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "Women 2 Drive"، قيادة المرأة، ضمت المئات من الرجال والنساء، لم تقبل نجلاء الحريري التوقيع على إقرار بعدم قيادة السيارة، وعادت لقيادة سيارتها في شوارع جدة بعد أقل من شهر على تلك الحادثة. 
في أيلول/سبتمبر 2011 حكم على فتاة تدعى شيماء جستنية بعشر جلدات بعد قيادتها السيارة في شوارع جدة وبعد استياء شعبي واسع أجبر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزير على إصدار عفو عنها، قالت شيماء وقتها أنها كانت مجبرة على الذهاب إلى المشفى ولم يكن لديها أحد ليوصلها فاستقلت سيارتها، تم العفو عن شيماء لكن بالمقابل تم استدعاء صحفيتين إلى المحكمة بسبب كتابتهما عن عقوبة الجلد وهما نسرين نجم الدين وسامية العيسى.
وفي عام 2013 انطلقت الحملة الثانية وتم تحديد تاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر، لكنها فشلت نتيجة تشدد وزارة الداخلية والحرص الذي أبدته لمنع الحملة من الانتشار، وأكدت أن المنع ما يزال سارياً، رد الناشطون على هذا الفشل الغير متوقع بأن أطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي قالوا فيها أن على المرأة أن تقود في يوم غير موجود في السنة وأطلقوا على الحملة أسم "قيادة 31 تشرين الثاني/نوفمبر".  
وفي هذه الحملة اعتقلت الناشطة عزيزة يوسف في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد قيادتها السيارة في شوارع العاصمة ثم أطلق سراحها بعد توقيعها على تعهد خطي بعدم تكرار ذلك.
اختلفت حملة عام 2014 الرابعة والأخيرة عن سابقاتها، حيث شهدت حملة مضادة على موقع التدوين تويتر باسم "نظام وليس إرغام"، انحاز فيه المغردون إلى السلطات "ولاة الأمر"، وانتقدوا الحملة المطالبة بالقيادة للمرأة، واصفين حملات القيادة بالإرغام وخارجة عن رغبة المجتمع السعودي، ولكن رغم ذلك أطلقت الحملة بهاشتاغ #قيادة29مارس لتقود النساء السعوديات سياراتهن في هذا التاريخ.
وجازفت عدد من الناشطات وقدن سياراتهن وصورن مقاطع فيديو ونشرنها عبر تطبيقات تويتر وفيس بوك، ومنهن لجين الهذلول التي تضامنت مع حملات قيادة المرأة للسيارة منذ عام 2011، وخلال زيارتها للسعودية التي تزامنت مع انطلاق الحملة الثالثة عام 2013، قادت سيارة والدها من المطار وحتى منزلها وبثت المقطع على موقع "كيك" الإلكتروني، تم استدعاء والدها إلى قسم الشرطة وأجبر على توقيع تعهد بعدم السماح لابنته بالقيادة داخل الأراضي السعودية.
أعيد اعتقالها عام 2015، بعد قيادة سيارتها من الإمارات إلى السعودية مستغلة قوانين السعودية التي تسمح بسريان رخص القيادة الصادرة من دول الخليج، وأفرج عنها بعد احتجازها 37 يوماً، ومنعت من دخول الإمارات.
اعتقلت للمرة الثالثة في حملة اعتقالات طالت ناشطين ورجال دين في 18 أيار/مايو 2018، ونشرت وسائل إعلام تابعة للنظام أن سبب الاعتقال هو التجاوز على الثوابت الدينية والوطنية والتواصل مع جهات وسفارات أجنبية مشبوهة دون ذكر تفاصيل أخرى، وضمت قائمة المعتقلات كلاً من عزيزة اليوسف وإيمان النفجان وهاتان الناشطتان تم الإفراج عنهما بشكل مؤقت.
عملت السلطات على تشويه سمعة الناشطات بأن نشرت صورهن على الصحف المحلية السعودية وحليفتها الإمارات ونعتتهن بالخائنات وعميلات السفارات، تمهيداً لإعدامهن تعزيراً، وتم نقلهن إلى السجن الانفرادي.
ضمت حملة اعتقالات 15 أيار/مايو 2018، عائشة المانع، ولاء آل شبر، وحصة آل شيخ ومديحة العجروش، هؤلاء لم توجه لهن أي اتهامات وتم الإفراج عنهن.
بينما يستمر اعتقال إسراء الغمام حيث وجهت لها اتهامات بدعم المظاهرات ونشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لتحريض الرأي العام، واجهت عقوبة الإعدام بسبب نشاطها الحقوقي لكن الادعاء العام تراجع عن القرار. 
واعتقلت سمر بدوي الناشطة في مجال حقوق المرأة وخاصة إنهاء نظام الولاية ومنح المرأة حق التصويت، وهي حائزة على الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة، شاركت في حملة قيادة المرأة للسيارة 2011 و2012، وجاء خبر اعتقالها في بيان صحفي لمنظمة العفو الدولية في بداية عام 2016، وما تزال معتقلة حتى اليوم وتم احالة قضيتها إلى المحكمة الجنائية الخاصة بقضايا الإرهاب.
واعتقلت نسيمة السادة مع سمر بدوي في 30 تموز/يوليو 2018 بحسب ما أعلن عنه حساب ناشطات معتقلات وحساب معتقلي الرأي المهتم بشؤون المعتقلين في السعودية، وهي من ضمن الناشطات اللواتي اتهمن بعمالتهن للسفارات الأجنبية، ويستمر اعتقالها رغم أن والديها بأمس الحاجة لها كونهما من ذوي الاحتياجات الخاصة. 
في نفس العام اعتقلت هتون الفاسي أبرز الداعمين لحق المرأة في قيادة سيارتها ومنحها حق الانتخاب في الانتخابات البلدية عام 2011، و2015، وهي أكاديمية ومختصة في تاريخ المرأة، تم الافراج عنها بشكل مؤقت لكنها لا تستطيع السفر أو العمل وتمنع من الظهور الإعلامي وتحت تهديد الاعتقال مجدداً، وكانت قد اعتقلت معها الناشطة والمدونة والإعلامية نوف عبد العزيز التي أطلقت حملات للإفراج عن المعتقلين ولم تعلق السلطات على أسباب اعتقالها وما تزال معتقلة حتى الآن. واعتقلت الصحفية والناشطة مياء الزهراني بعد نشرها مقال عن الناشطة نوف عبد العزيز وهي الأخرى لم يتم إطلاق سراحها حتى اليوم.     
في حملة الاعتقالات الثانية (5 نيسان/أبريل 2019)، اعتقلت مجموعة جديدة من الناشطين بينهم خديجة الحربي، وهي حامل، ووضعت مولودها داخل السجن وما تزال معتقلة. 
 
 
سناء العلي