من رحم ثورة روج آفا ولدت ثورة المرأة (2)

إن ثورة 19 تموز التي أصبحت رمزاً للحياة الحرة والمتساوية لجميع شعوب العالم، تنظم وتدير نفسها منذ 10 سنوات على أساس نظام الأمة الديمقراطية، وتدافع عن نفسها بكل مكوناتها، وتتصدى لجميع الهجمات والتهديدات المعادية للثورة وتحمي وجودها.

ثورة روج آفا قائمة على 9 من مبادئ وركائز الأمة الديمقراطية منذ عشر سنوات

بيريتان زنار

مركز الأخبار ـ في كل عصر يعيد التاريخ خلق الحداثة مرة أخرى وينير الأرض، ليصبح هذا النور نوراً لطريق السعادة، ونهاية للظلمة والحزن. ولتنمو وتحيا بذور القمح التي نثرت وتجمعت حولها البشرية. وليتجدد عرش الآلهة.

نعم، لقد انتشرت بذور وشرارة شعلة النور مرة أخرى وازدهرت في الشرق الأوسط، وسلطت الضوء على موطن المقاومة والشجاعة والبطولة كوباني. وقد كان أولئك الذين احتضنوا تيار الثورة وشرعوا في ثورة الأمل والإنسانية جمعاء هم أصحاب الأمل والإيمان بشعاع النور الأول. لقد أصبحت كوباني مصدر شعلة النور التي انتشرت فيما بعد باتجاه عفرين وحلب والجزيرة واحدة تلو الأخرى، تلك المدن احتضنت تيار هذه الثورة وأطاحت بغطاء الظلام، كما احتضنت منبج والرقة والطبقة ودير الزور معاً ربيع الشعوب.

السنوات العشر التي مرت على هذه الثورة كانت مثل أم تلد الأمل للإنسانية، واحتضنت كل الثقافات والأديان والقوميات. فقد توافد كل محبي الحرية في العالم نحو هذه الثورة أفواجاً بعد أن أدركوا حقيقة أن هذه الثورة هي مصدر الأمل والخلاص للبشرية. وقد تمت حماية هذه الثورة بفضل الآلاف من الأبطال، والآن هؤلاء الأبطال المضحين من أجل قضية الحرية على استعداد لحماية كل شبر من الأرض التي سقيت بالدماء. لقد بنوا الثورة ودافعوا عنها بقيادة الكرد ومشاركة كل الأمم والقوميات جنباً إلى جنب.

وبتفاني النساء خطوة بخطوة، أستطعن ترك بصمتهن في هذه الثورة دون أن يأبهن بالعقبات الموجودة أمامهن، ووجدن بأن حريتهن تكمن في تطور الثورة، لذا كانت النساء أكثر من دافع عن الثورة. ففي كوباني مهدت آرين ميركان ورفيقاتها الطريق للنصر والنجاح، وفي منبج ودير الزور قامت المرأة بخلع وتمزيق الثوب الأسود الذي كان يفرض الظلام على أفكارها وآمالها، وبالشجاعة التي استمدتها النساء من هفرين خلف أثبتن وجودهن وكتبن بدمائهن كل لحظات الثورة بأحرف ذهبية.

كانت ثورة المرأة التي انتشرت في 19 تموز/يوليو عام 2012 في كوباني بمثابة شرارة صغيرة، تحولت فيما بعد إلى موجة كبيرة من نار ثورية قائمة على أساس نظام الأمة الديمقراطية منذ عشر سنوات وأنارت الشرق الأوسط كله والعالم بأفكار الحرية. لقد تمكنت المرأة في كل خطوة ولحظة من الثورة أن تحمي نفسها من عمر السبع السنوات حتى السبعين سنة من خلال نظامها الدفاعي على الرغم من كل هجمات وتهديدات الفاشيين وأن تهزم أعداء البشرية.

 

يعتمد نظام الدولة على استغلال عمل المرأة

لكل أمة الحق في تقرير مصيرها. وعبر التاريخ كانت هناك مساع بشرية من أجل الحكم والإدارة. وقد تم تشكيل أسلوب الإدارة بطرق مختلفة تماشياً مع التنمية البشرية. لكن في آلاف السنوات الماضية على وجه الخصوص، أصبح بحث الناس عن إدارة المجتمع هو الفاعل أي الأداة الأساسية لتسيير هيمنة شخص أو جماعة. لذلك فإن نظام الدولة والدولة القومية يمثلان ذلك بعمق. وإذا انتبهنا فإننا سنلاحظ حقيقة أن جميع المجتمعات أي الدول تفكر في البداية في أنه "يجب أن تكون لدينا نحن أيضاً دولة". بالطبع بالنسبة لشعب مثل الشعب الكردي خاصة في المائتي عام الماضية، حيث فُرضت عليه كافة أشكال الهيمنة والاستعمار، وصهر وجوده وهويته وقبع تحت قبضة الإبادة، فإن هذه المقولة تردد وتستخدم في الكثير من الأحيان. لكن لا يتم التفكير فيما تعنيه الدولة فعلياً وكيف تستغل الهويات وتستغل في البداية عمل المرأة قبل كل شيء.

وبشكل واضح جداً يعتمد نظام الدولة القومية في وجوده على نظام ووعي الرأسمالية. وهذا يعني أن الطريقة الأكثر تفضيلاً من أجل تحقيق أقصى قدر من العمل (بالطبع، من أجل البدء بهذا فإن الطريقة المستخدمة هي استغلال العمل) هي تنظيم أكثر الأنظمة فعالية. وقد أظهرت تطبيقات وممارسات الدولة والدولة القومية عبر التاريخ سبب تشكيل الدولة القومية تهديداً كبيراً للبشرية. لذلك فإن أفضل شيء هو تحديد الإجابة على هذا من خلال الأحداث التي نعيشها في يومنا هذا. ففي القرن الذي نعيش فيه، سبب كل المشاكل الاجتماعية والحروب التي تحدث وسياسات الذبح والإبادة الجماعية وتغير المناخ والجفاف الذي تعرضنا له وانتشار الأمراض المتنوعة، كلها أمراض ومخاطر يسببها نظام الدولة القومية الذي يعتمد على وعي وإيديولوجية الرأسمالية. وعلى وجه الخصوص، فإن سياسات الإبادة والقتل المفروضة على المرأة، والهيمنة على قرارات النساء وأجسادهن هي بالتأكيد ظاهرة تستمد مصدرها من هذا النظام. وبشكل عام، يقوم نظام الدولة وأيديولوجيته على القمع واستغلال العمل ويمثل الاعتداء على وجود وهوية المرأة.

 

نظام الأمة الديمقراطية الذي برز في ثورة روج آفا هو السبيل للخلاص من النظام القمعي المستعمر

في مواجهة هذه الأمراض التي نعيشها بشكل عام في هذا القرن، بالتأكيد فإن السبيل الوحيد للخلاص هو نظام الأمة الديمقراطية الذي برز لأول مرة في ثورة روج آفا، واستندت عشر سنوات من الإدارة وتنظيم الحياة على هذا النظام. إن ثورة 19 تموز/يوليو التي أصبحت رمزاً للحياة الحرة والمتساوية لجميع شعوب العالم، تنظم وتدير نفسها منذ 10 سنوات على أساس نظام الأمة الديمقراطية، وتدافع عن نفسها بكل مكوناتها، وتتصدى لجميع الهجمات والتهديدات المعادية للثورة وتحمي وجودها.

ولمواجهة جميع أنواع الحرب الخاصة التي تشن ضد النساء، وسياسات نهب وقتل وإبادة النساء، يقدم نظام الأمة الديمقراطية حياة مشتركة وحرة ومتساوية لجميع مكونات المجتمع وخاصة النساء. ومن أجل معرفة هذه الحقيقة، بالطبع يجب مراقبة ودراسة ظروف الحياة التي كانت تعيش فيها المرأة قبل الثورة في روج آفا والتطورات الاجتماعية والسياسية والدفاعية للمرأة التي حدثت في السنوات العشر للثورة. لذلك سواء كان ذلك في مجال السياسة والأيديولوجيا أو الثقافة والدفاع والدبلوماسية، فإن تطورات المرأة في ثورة روج آفا على أساس نظام الأمة الديمقراطية، وأسلوب الحياة المشترك بين جميع مكونات المجتمع، يظهر حقيقة أن نظام الأمة الديمقراطية الذي برز في ثورة روج آفا يكتمل منذ عشر سنوات وهو السبيل الوحيد لحماية حقوق المرأة في الحياة ووجودها وكذلك لحماية القيم الإنسانية. أصبحت هذه الحقيقة اليوم مصدر آمال الإنسان في حياة حرة ومتساوية في العالم كله.

 

تنظم ثورة روج آفا نفسها على هذه المبادئ التسعة:

الشخصية الحرة والمواطنة الحرة والحياة الاشتراكية الديمقراطية

مما لا شك فيه إن المواطنة الحرة والحياة الاشتراكية الديمقراطية أحد أهم النقاط من أجل إقامة نظام الأمة الديمقراطية. لذا وعلى عكس النظام الرأسمالي الذي يربط كل الأشياء بالفردانية، وينشر ويجسد فكرة الطبقات؛ يعتمد نظام الأمة الديمقراطية على مبدئ حرية الفرد والحياة المجتمعية الديمقراطية وعلى الحياة المتساوية والمشتركة حيث يمكن لكل فرد من المجتمع أن يأخذ مكانه في التنمية والنظام الاجتماعي.

 

الحياة السياسية والإدارة الذاتية الديمقراطية

يمكن لمجتمع لا يحتاج إلى دولة أو سلطة أو طبقة أن يكون موجوداً، ولكن بالتأكيد الشيء الذي يبقي هذا المجتمع على قدميه ويعزز وجوده دائماً هو السياسة. لذلك وكما يقول القائد عبد الله أوجلان الذي يقود نظام الأمة الديمقراطية "مجتمع أخلاقي وسياسي هو مجتمع ديمقراطي". هذا يعني أنه بدون الأخلاق والسياسة، فإن وجود المجتمع أمر لا يمكن تصوره.

ومع ثورة روج آفا أو ثورة المرأة، تم إنشاء الكومينات في القرى لأول مرة في تشرين الأول/أكتوبر من 2010، أي قبل الثورة. وتأسست حركة المجتمع الديمقراطي في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2011. بعد ذلك، تم إنشاء مجلس الشعب في روج آفا بمشاركة 354 عضواً، وشكلت النساء نسبة 40% من أعضاء المجلس. في 21 كانون الثاني/يناير عام 2014 تم إنشاء نظام المقاطعة من ثلاثة أجزاء: مقاطعة الجزيرة ومقاطعة كوباني ومقاطعة عفرين.

بعد بداية الثورة، أي في 19 تموز/يوليو عام 2012، عندما انتشر تيارها الأول في كوباني، ازدادت المناطق التي تلونت بلون الثورة تدريجياً مع النجاحات التي تحققت في المجال العسكري. وفي عام 2016، تم الإعلان عن بناء وحدة شمال وشرق سوريا. وجنباً إلى جنب التطورات التي حدثت في المجال العام، أنشأت النساء أنظمتهن ومجالسهن الخاصة تحت مظلة مؤتمر ستار وجمعياته.

 

الحياة الاجتماعية

تتمثل إحدى الأساليب التي يهاجم بها نظام ووعي الرأسمالية المجتمع في إدارته بسياسات التقسيم. لذلك في نظام الأمة الديمقراطية، فإن أحد العناصر والمبادئ التي يكون وجودها مهماً لبناء المجتمع على أساس الحياة المتساوية والحرة بين جميع عناصر ومكونات المجتمع هو مبدأ الحياة الاجتماعية. لقد تسببت السياسات العنصرية التي تمارس ضد شعوب الشرق الأوسط في العداء بين الأمم والأعراق والأديان والمكونات. لذا ينظم نظام الأمة الديمقراطية نفسه على أساس كسر هذه العقلية العنصرية. وقد برز هذا بشكل أكبر في ثورة روج آفا، التي بلغت ذروتها من خلال أنشطة الاتحاد الاجتماعي، فالمجتمع بكل الهياكل والأديان والمعتقدات المختلفة يدير تنظيمه المستقل على أساس الحياة الحرة والمتساوية.

 

التعايش الحر

في التاريخ، عندما همش الوعي الذكوري المهيمن النساء، وسرق وجودهن وهويتهن وعملهن؛ كان ذلك بداية لاضطهاد الشعب الخاضع لسيطرة دولة الرجل. لذلك في نظام الأمة الديمقراطية الذي أعيد إحياؤه مع ثورة روج آفا، فإن التعايش الحر بين الجنسين هو أساس الحرية والمساواة. ومع تطور الثورة استمرت الجهود المبذولة للتغلب على مفهوم الهيمنة الرجعية والسلطة الأبوية من خلال الأنشطة التعليمية بكل قوتها خلال عشر سنوات. وأثناء الثورة أظهرت تطورات مثل النظام الرئاسي المشترك.

 

الاستقلال الاقتصادي

لا شك أن الاقتصاد هو أحد النقاط التي يهاجم النظام الرأسمالي المجتمع من خلالها، ذلك النظام الذي يعتمد أيضاً في وجوده على قمع واستغلال عمل المرأة والمجتمع. لذلك فإن الحياة الديمقراطية ممكنة مع وجود اقتصاد مستقل بعيد عن النظام والوعي الرأسمالي. إن ثورة روج آفا التي بدأت في عام 2012 وقادتها النساء، تدير نفسها على أساس نظام الأمة الديمقراطية. والركيزة الرئيسية في هذه الثورة هي الاقتصاد المشترك.

 

الهيكل القانوني

لقد أكد التاريخ وخاصة المرحلة التي نعيشها مرات عديدة أن القوانين التي وضعها وعي وذهنية دولة الرجل لا تكفي لحل مشاكل المجتمع، بل على العكس من ذلك، فهي تعمق الأزمة والتوترات الموجودة في المجتمع. لذا يبني نظام الأمة الديمقراطية هيكله القانوني على أساس المعايير الأخلاقية والسياسية للمجتمع ويستجيب للمشاكل الاجتماعية. وقد تم إنشاء الهيكل القانوني والعدالة في شمال وشرق سوريا على أساس القانون الديمقراطي. ويستخدم سكان شمال وشرق سوريا نظامهم القانوني كبديل لقانون الدولة القومية.

 

الثقافة

الثقافة في الأساس تمثل كل الأشياء التي تم إنشاؤها بواسطة الأيدي البشرية ومع تطور البشرية. لذلك فإن هجمات النظام والوعي الرأسمالي تتطور ضد الثقافة بطرق مختلفة، وبالنسبة لكل أمة ومكون يعيش في نظام الأمة الديمقراطية، فإن حماية الثقافة التي تمثل الوجود والهوية، هو الضمان الوحيد للوجود.

 

نظام الدفاع

بدون شك، بالنسبة لوجود المجتمع فإن نظام الدفاع هو ظاهرة حتمية. ولا تقتصر استراتيجية دفاع الأمة الديمقراطية على الدفاع المسلح فقط. لذلك كل الأشياء التي تصنع المجتمع، تحتوي على قسم الدفاع والحماية. فحماية الثقافة، وحماية القانون، ومعايير المجتمع الأخلاقي والسياسي كلها تقع ضمن دائرة الحماية والدفاع. ومع ثورة 19 تموز/يوليو وعلى الرغم من أن الدفاع المسلح كان في بدايتها الخيار الأول، إلا أن جوانب حماية قيم المجتمع الأخلاقي والسياسي تماشت أيضاً مع هذا الدفاع المسلح. بعبارة أخرى، بقدر ما تم تحقيق انجازات وانتصارات في المجال العسكري، أنشأ الناس في شمال وشرق سوريا إلى جانب هذه النجاحات مجالسهم ومؤسساتهم المستقلة. لذلك فإن الشيء الوحيد الذي يمكن القيام به من أجل الحفاظ على هذه النجاحات التي تحققت في عشر سنوات هو الحماية والدفاع. وبقدر تطور نظام الأمة الديمقراطية في روج آفا وكامل شمال وشرق سوريا، لم تتوقف هجمات الدول التي تعتمد على وعي دولة الرجل أيضاً. لذلك ولمواجهة هذه الهجمات، فإن الثورة التي تقدمت بقيادة المرأة وجهود ومقاومة جميع مكونات المجتمع تخوض مقاومة فريدة من نوعها ضد هجمات وتهديدات الاحتلال منذ 10 سنوات.

 

الدبلوماسية

وبنفس الطريقة يشمل مبدأ الدبلوماسية حماية المجتمع على أساس قيم المجتمع الأخلاقية والسياسية وتنمية العلاقات بين المجتمعات على أساس احتياجات المجتمع والكفاح ضد سياسات الدولة القومية في التقسيم والتجزئة وإدارة المجتمعات.