من رحم ثورة روج آفا ولدت ثورة المرأة (1)
ثورة داخل ثورة هكذا يمكن وصف ما حدث في مدينة كوباني بشمال وشرق سوريا عندما اندلعت ثورة روج آفا، فنظمت النساء أنفسهن لتضعن حداً للقوانين المجحفة بحقهن ولكيلا تتركن الرجال يسيطرون على الثورة كما سيطروا على حياتهن.
النساء شكلن ركيزة أساسية في التحضير لثورة روج آفا
نورشان عبدي
كوباني ـ معظم الثورات في العالم كانت عفوية فجرها عدم الرضا عن الواقع أو التطلع إلى مستقبل أفضل أو حتى الغضب، لكن ثورة روج آفا التي انطلقت مما سبق كانت منظمة، وكذلك تميزت بمشاركة النساء بالتنظيم وفي المسيرات المطالبة بالحرية والمساواة.
تراكمات عديدة دفعت السوريين لإطلاق ثورتهم التي واجهتها العديد من العراقيل والتي سرقت في نهاية المطاف لتصبح بعد أن كانت أملاً لشعوب سوريا وبالاً عليهم، الثورة التي انطلقت من مطالب السوريين المحقة فقدت البوصلة نتيجة سوء التنظيم وإقصاء النساء واستيلاء قيادات رهينة لأجندات خارجية عليها، أما في كوباني كانت الثورة مختلفة انطلقت من الإرادة الشعبية وأكملت طريقها في هذا الاتجاه لتصبح بعد نحو 10 سنوات مشروعاً ديمقراطياً يسعى السوريين وخاصةً النساء للاقتداء به.
حضور قوي للنساء في حركة المجتمع المدني
الغضب الشعبي موجود وعدم الرضا عن الواقع موجود أيضاً، لكن شعوب شمال وشرق سوريا كانت تترقب الوضع بحذر في وقت كانت فيه العديد من المدن السورية تتجه للهاوية نتيجة سيطرة جماعات أسلاموية عليها وهو ما ظهر في خطاب المعارضة في وقت مبكر من الثورة.
مع العلم أن اللبنة الأولى لحركة المجتمع الديمقراطي وضعت في عام 2006 بشكل سري تحت اسم "منظومة المجتمع الكردي في روج آفاي كردستان"، إلا أنها أعادت ترتيب نفسها وفقاً لمتطلبات المرحلة لتكون حاضنة لجميع الشعوب وليس الكرد فقط، وعقدت مؤتمرها التأسيسي في الأول من حزيران/يونيو 2011، وتمكنت إلى حد كبير من توحيد الخطاب المجتمعي مع كافة المكونات في المنطقة، عبر العملية التنظيمية التي اتبعتها من خلال تشكيل الكومينات والمجالس العامة في المدن والمناطق، وتنظيم القوى السياسية لتمثيل الشعب في المحافل الدولية والإقليمية، وكل ذلك بمشاركة رئيسية وفعالة من النساء، فكان من اللافت عند إجراء انتخابات لأعضاء المجالس المحلية حضورهن القوي حيث فازت العديد منهن في عدد من مجالس المدن.
مطالب الثورة تلبي طموحات النساء
الحرية والعدالة والديمقراطية والتعددية جميعها جوانب مهمة في حياة أي إنسان لكنها تمس وبشكل أكبر النساء اللواتي تعانين من تمييز مزدوج بسبب انتماءاتهن السياسية والقومية والأثنية حيث تصبح الانتهاكات مضاعفة لكونهن نساء، فالعديد من النساء السوريات أقصين من العمل السياسي أو الثقافي ومنهن من رزحن في سجون النظام وعانين من انتهاكات مضاعفة، كما أن القوانين تميز بين الجنسين بشكل صارخ بل إن لا قوانين تحميهن في ظل مجتمع أبوي وقانون أحوال شخصية تمييزي.
قبل اندلاع الثورة نظم الشعب نفسه بشكل سري بما عرف وقتها بالمجالس الشعبية والمؤسسات المدنية التنظيمية إضافةً لدار المرأة ودار الشعب وبعض المجالس في الأحياء وعملت هذه المؤسسات على الاهتمام بقضايا الأهالي وحل عراقيلهم، لكن العديد منهم لم يسلم من الاعتقال، فما بين أعوام 2006 و2011 اعتقل العشرات من أعضاء حركة المجتمع المدني، ومنهم نازلية كجل التي لا يزال مصيرها مجهولاً.
وانطلقت ثورة 19 تموز/يوليو 2012 من مدينة كوباني لتأسيس نظام بديل لمؤسسة الدولة التي لم تعد تلبي طموحات الشعوب والمرأة، كما أن القوات الشعبية وكذلك العسكرية لم تقتصر على الرجال فقد كان للنساء مشاركة كبيرة، ولذلك أخذت ثورة روج آفا إطاراً مؤسساتياً تجلى بتأسيس وحدات حماية الشعب وتجاوز الأطر الجنسوية بتأسيس وحدات حماية المرأة في نيسان/أبريل 2013.
الانتهاكات والإقصاء أشعلا الثورة
الرئيسة المشتركة لمجلس عوائل الشهداء في مقاطعة كوباني لإقليم الفرات عائشة أفندي تحدثت بشكل مستفيض عن وضع الكرد في سوريا وبشكل خاص أهالي كوباني، إضافةً لحال المرأة قبل اندلاع ثورة روج آفا في 12 تموز/يوليو عام 2012 والأسباب التي دفعتهم للثورة.
وقالت عائشة أفندي الشاهدة والمشاركة في ثورة روج آفا والتي تعرضت للاعتقال أيضاً "تم تهميش الكرد خلال سنوات حكم النظام السوري، ففي المؤسسات الخدمية والتعليمية ومختلف منظمات المجتمع المدني كان يتم توظيف العرب بشكل أكبر من الكرد، ولم يكن يسمح للكرد بالعمل في المؤسسات الأمنية والسياسية، بل يأتي العاملون من خارج كوباني".
وأكدت أن "الأهالي عاشوا برعب دائم خاصة الكرد، فلم يملك أحد القدرة للتعبير عن رأيه، فالمخابرات السورية كتمت على أنفاس الشعب ففرعي أمن الدولة والأمن السياسي راقبا القضايا السياسية للمدنيين كالنشاط الحزبي، فكل شيء لا يصب بمصلحة الدولة كان يعتبر مساس بهيبتها وخيانة، وضع النظام لكل عائلة كردية وطنية عنصر أمن يراقبها"، واصفةً النظام السوري بـ "رأسمالي ودكتاتوري وعنصري"، مشيرةً إلى أنه زرع التفرقة بين الشعب السوري من خلال منع الكرد من تعلم لغتهم أو الولوج إلى الأجهزة الحساسة في الدولة "تعامل مع المواطنين بشكل قمعي متسلط".
وأضافت عائشة أفندي "في كوباني عملنا بشكل سري فنرتدي العباءات لكيلا يتعرف علينا أحد لكن رغم ذلك تعرضت عدد من الناشطات للاعتقال"، مستذكرة رجل المخابرات "حسين" الذي كان يسير بالطرقات ويخلع زي النساء للكشف عن اللواتي تعملن مع حركة التحرير الكردستانية، "أمثال حسين كثر فالكثير من المدنيين قضوا في سجون النظام بسبب المعلومات التي ينقلها عنهم سواء كانت صحيحة أم خاطئة، ولكن بالرغم من هذه الصعوبات استمرينا بعملنا على توعية الأهالي بشكل سري".
عائشة أفندي هي إحدى النساء اللواتي تم اعتقالهن وعن تجربتها قالت "كنت من بين المئات من المعتقلين/ت الكرد، واعتقلت لفترات متقطعة خلال 7 سنوات، من بينها بقيت عاماً كاملاً في سجن حلب وتعرضنا للانتهاكات والممارسات اللاإنسانية ومنهم من مات تحت التعذيب من بينهم أوصمان دادلي".
حال مدينة كوباني لم يكن بأفضل من حال أهلها فقد همشت لسنوات، تقول عائشة أفندي عن ذلك "من الناحية الخدمية كانت كوباني كحال الكثير من المناطق الكردية المهمشة محرومة من الخدمات الصحية والبيئية وغيرها، فكل ما عشناه دفعنا للاقتداء بفكر القائد عبد الله أوجلان وبدأنا التخطيط لإطلاق ثورتنا السلمية والديمقراطية لنطالب بالحرية والعدالة".
ثورة سلمية
وفي ختام حديثها قالت الرئيسة المشتركة لمجلس عوائل الشهداء في مقاطعة كوباني بإقليم الفرات عائشة أفندي "عند أتخاذنا لقرار إطلاق الثورة في 19 تموز عام 2012 وإخراج قوات النظام السوري من المنطقة بشكل كامل أكدنا أن ذلك سيكون بشكل سلمي دون سفك الدماء، وألا نعاملهم كما عاملونا لعقود، وأن تكون ثورتنا ثورة الإنسانية والديمقراطية، لقد كان شعوراً لا يوصف عندما تم احتجاز كافة عناصر وقوات النظام لكي يتم إخراجهم، نظرت إلى هؤلاء الذين كانوا كل يوم يخرجونني من منزلي بملابس النوم، الذين مارسوا الانتهاكات بحقنا في المعتقل. عندما دخلت المراكز التي تعرضت فيها للإهانة شعرت بالسعادة لأنني اليوم أصبحت مواطنة لي حقوقي وأشعر بالانتماء لهذه الأرض، وأننا أهالي كوباني سنتخذ القرارات المتعلقة بمدينتنا دون ضغوط وإهانات وظلم واستبداد نحن من سيجلس مكانهم لنتخذ القرار الأصح من أجل الشعب الكردي وجميع شعوب المنطقة. مرت 10 أعوام من الثورة اليوم نحن الكرد ليس فقط في شمال وشرق سوريا ولكن في العالم أجمع نرسم تاريخاً جديداً لنا ومن خلال ثورتنا عرفنا العالم على حقيقة المرأة الكردية ونضالها وكل ذلك بفضل دماء شهداءنا وشهيداتنا".