محرقة الهولوكوست... إبادة شعب على أساس التطهير العرقي
في 27 كانون الثاني/ يناير من كل عام يتم إحياء ذكرى محرقة "الهولوكوست" من قبل اليهود، التي راح ضحيتها الملايين من اليهود على أيدي النازيين الألمان وشركاؤهم
مركز الأخبارـ ، وارتكبت بحقهم عمليات قتل وإبادة على أساس التطهير العرقي.
تمت إبادة الشعب اليهودي بطريقة وحشية ممنهجة بقيادة أدولف هتلر في خضم الحرب العالمية الثانية ما بين (1939 ـ 1945)، وتعد هذه المحرقة من أكبر الإبادات الجماعية في تاريخ البشرية حيث قتل ما يقارب 6 ملايين شخص يهودي أوروبي، إضافة إلى حملة الاعتقالات التي شُنت بحقّ عدد من المعارضين السياسيين.
تم استهداف فئات أخرى من الناس بسبب ما يعتبره النازيين "الدونية العرقية" كـ الغجر من روما، وذوي الاحتياجات الخاصة وبعض قوميات البولنديين والروس، فضلاً عن مجموعات أخرى مضطهدة بسبب انتماءهم السياسي أو السلوكي أو المنهجي كالشيوعيين والاشتراكيين والمخالفين دينياً والمثليين جنسياً.
انتهت محرقة الهولوكوست بشكل رسمي في 15 آب/أغسطس 1945، ومنذ ذلك الحين يستذكر اليهود في شتات العالم هذا اليوم من كل عام كيوم حداد رسمي لهم. وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 تم في هذا اليوم إنزال الإعلام في جميع المؤسسات العامة، ودوي صافرات الإنذار في جميع مدن المستوطنات لدقائق صمت على أرواح ضحاياهم.
الجذور الأولى
نشر الطبيب الألماني ألفريد بلويتز كتاب بعنوان "الرخصة للقضاء على الأحياء الذين لا يستحقون الحياة" عام 1904، عقب أفكاره التي نشرها والتي تتمحور حول تحسين النسل البشري والتخلص من المعاناة الإنسانية عبر التغييرات الاجتماعية، كي يخلق للمجتمع حياة خالية من الأمراض والفقر والتحلي بذكاء وزيادة الإنتاجية.
وفي عام 1920، نشر الكاتب ورجل القانون كارل بايندنك بالتعاون مع الطبيب النفسي ألفريد هوج، كتاب حمل اسم "القتل الرحيم"، ومحتوى الكتاب يتضمن الخلاص من أصحاب العاهات والأمراض الذين لا يستطيعون تقديم أي منفعة للمجتمع بالقتل، لكنه لم يذكر أي إبادة بحق أي شعب أو عرق.
شكل عام 1933 تزايدَ أعداد اليهود بما يقارب نحو 9 مليون نسمة، وانتشارهم في الدول التي كانت ستحتلها ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، مما شكل خطر يهدد القومية الألمانية. وقد ساعدت الأفكار التي تم نشرها من خلال الكتابين المذكورين أعلاه، على العمل لتخفيض أعداد اليهود بالرجوع إلى القتل الرحيم، والتي راح ضحيتها 200 ألف شخص من الغجر، و200 ألف شخص من أصحاب الإعاقات الذهنية والجسدية.
وبعد أن صعد النازيون إلى الحكم في ألمانيا وقويت شوكتهم بداية نيسان/أبريل عام 1933، عملوا على مقاطعة الشركات والأعمال والمنتجات التجارية التي يملكها اليهود لمدة يوم واحد، رُفعت في هذا اليوم لافتات مكتوب عليها "لا تشتروا من اليهود" و"اليهود هم البلاء الذي ابتلينا به"، كما رُسمت نجمة سداسية الأضلاع سميت "نجمة داوود" ملونة باللون الأسود والأصفر على أبواب ونوافذ بيوت اليهود، وتعالت أصوات الشعارات المعادية لليهود في معظم شوارعهم.
اعتبر هذا الإضراب بمثابة النيل من اليهود والأطراف المعادية للألمان من الأجانب بما فيهم منتقدي النظام النازي لاسيما صحفيو الولايات المتحدة الأمريكية والإنكليز.
عانى الشعب اليهودي فترة طويلة من العنف والسلب والقتل والتحرش والنفي خارج البلاد، ففي مدينة كيل الألمانية تم قتل محام، إضافة للمجازر التي راح ضحيتها الكثير من النساء والأطفال والمعاقين.
كان لابد من وضع حدٍ أمام التوسع اليهودي، فبعد الانتهاء من المقاطعة بعدة أيام، اتخذ النازيون بحق اليهود عدة إجراءات منها طردهم من المؤسسات والدوائر الحكومية، صدرت بقرار رسمي من الدولة النازية والمعروفة حينها بـ حكومة الرايخ الثالث في 7 نيسان/أبريل 1933.
وشهد الوضع القانوني للمجتمع اليهودي انحطاطاً كبيراً، حيث أصدرت عدة قوانين عنصرية سميت بقوانين "نورمبرج للسلالات" في اجتماع الحزب الحاكم السنوي الذي أقيم في نورمبرج عام 1935، أعلن النازيون عن جملة من القوانين الجديدة والقائمة على عنصرية الفكر النازي، وتتضمن منع اليهود من الزواج من غير اليهودية وبالعكس، كما سحبت منهم الجنسية الألمانية، وحرمتهم من أبسط حقوقهم الشرعية والسياسية ومنها حقهم في التصويت الانتخابي. وفي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر عام 1938، مُنع أطفال اليهود من دخول المدارس الألمانية بشكل عام.
كانت البداية الفعلية للمحرقة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1938، التي سميت بـ "ليلة الزجاج المهشم" حين اجتاحت المظاهرات معظم مدن ألمانيا للتنكيل باليهود، تم فيها تحطيم محالهم التجارية وتخريبها وحرقها، قتل في هذه الليلة 100 يهودي واعتقل 30 ألف شخص.
ولم تسلم الأبنية والمحلات التجارية التي يملكها اليهود، فقد تم حرق 7 ألاف مبنى ما بين مصانع ومحلات تجارية و1574 معبد يهودي.
سعى النازيون إلى إيجاد حل والحد من تواجد اليهود وفي اجتماع حضره هينريك هيملر وعقد في منطقة وانسي جنوب غرب برلين في 20 كانون الثاني/يناير عام 1942، تمت مناقشة "الحل الأخير" المصطلح الذي أطلقه المشرف على عمليات المحرقة أدولف إيخمان، للتخلص من يهود أوروبا وتطبيق آلية إبادة يتم فيها إنهاءهم بشكل جماعي، وبنود الحل بررتها الفلسفة النازية على اعتبار أن اليهود هم أسفل البشرية وبأن العرق الأري النازي عرق صافٍ، ووحده من يحكم العالم ويديره.
من أبرز الصور لنفي الشعب اليهودي هو ما اقترحه رئيس قسم اليهود في وزارة العلاقات الخارجية في الحكومة النازية وهي فكرة نقل اليهود إلى جزيرة مدغشقر في حزيران/يونيو عام 1940، وتسليم السيطرة على الجزيرة من فرنسا إلى ألمانيا كجزء من شروط الاستسلام الفرنسية، لكن في عام 1942 تم التخلي عن المقترح ولم تكن الخطة قابلة للتنفيذ بسبب الحصار البحري البريطاني، وتم تأجيلها بعد أن خسر النازيون الألمان في معركة بريطانيا.
وسائل القمع والإبادة
تم إنشاء معتقلات ضمن خطة الحل النهائي للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وكان معتقل أوشفيتز من ضمنها، تمت إبادة 300 ألف يهودي من بولندا و69 ألف يهودي من فرنسا و60 ألف يهودي من هولندا و55 ألف يهودي من اليونان 46 ألف يهودي من مورافيا و25 ألف يهودي من بلجيكا.
وفي معتقل بلزاك تمت إبادة 434508 يهودي، وفي معتقل جيلمنو وصل العدد إلى 152 ألف يهودي، وكانت آخر التقديرات في معتقل ماجدانيك قد وصلت نحو 78 ألف يهودي، وفي معتقل سوبيبور لقي معظم الغجر حتفهم في هذا المعتقل وبلغ عدد الضحايا 250 ألف يهود من بولندا و31 ألف يهودي من تشيكوسلوفاكيا، بينما تمت إبادة 80 ألف يهودي في معتقل تريبلنكا على مدار عام.
تمت معاملة المعتقلين كحيوانات، بل واعتبروهم فئران في حقل التجارب، حيث تم رصف المعتقلين في نسق واحد وإطلاق طلقة واحدة لقتل أكثر من شخص لمعرفة أن الطلقة هل تقتل شخص أم أثنين أم أكثر، وتم إلقاء قنبلة وسطهم، فضلاً عن وضعهم في غرف مغلقة وضيقة وأطلاق غازات سامة ودخان السيارات عليهم، كانت الغاية من جميع هذه الوسائل التخلص من أكبر عدد ممكن من اليهود.
الذين لم يلقوا حتفهم تم إرسالهم إلى معسكرات الأعمال الشاقة ومعسكرات الإبادة التي تختلف عن المعسكرات المكثفة والجماعية. المعتقلون في هذه المعسكرات من النادر أن يعيشوا لأكثر من يوم واحد بعد وصولهم هناك.
ففي معتقل أوشفيتز أجريت عدّة اختبارات على المعتقلين كوضعهم في حاويات مغلقة ذات ضغط عالٍ، وإجراء تجارب التجميد حتى الموت، ومحاولة تغيير لون العين يتم فيها حقن قزحية العين بمواد سائلة، وعمليات أخرى منها نقل أو زرع الأعضاء في الجسم.
إنكار المحرقة
العديد من الكتاب المعادين لليهود حاولوا إنكار هذه المحرقة عبر نشر كتب لهم، وأولهم المحامي الأمريكي فرانسيس باركر يوكي الذي نشر كتاب "الحكم المطلق" عام 1962، وكلت إليه مهمة النظر في إعادة ملف المحرقة في محاكم نورمبرج، ولكن بسبب انتقاداته المستمرة وكتاباته المعادية لليهود تم طرده من مركزه. اتبع نهجه المؤرخ هاري أيلمر بارنيس في التشكيك بالهولوكوست.
تلاهم المؤرخ الأمريكي ويلس كارتو الذي أصدرت بحقه مذكرة اعتقال من قبل السلطات القضائية في سويسرا. لكن مما أثار الشكوك هو إنكار المؤرخ الفرنسي بول راسنييه الذي كان معتقلاً في السجون الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية للمحرقة، عبر الكتاب الذي نشره في الستينيات بعنوان "دراما اليهود الأوروبيين".
نشر المهندس الكهربائي إرثر بوتز كتاباً بعنوان "أكذوبة القرن العشرين" في السبعينيات ينكر فيه حدوث المحرقة، مبرراً غرض حدوث المحرقة وهو إنشاء دولة يهودية.
ونشر المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ كتاب "حرب هتلر" عام 1976، لكن بسبب كتابه الذي ينكر فيه حدوث المحرقة، حُكم عليه بالسجن 3 أعوام.
تعد محرقة الهولوكوست مثلاً في الاضطهاد والقتل المخطط والمنظم، الذي حاول النازيون عبرها طمس معالم وهوية شعب بأسره.