لبنان... كفاح حتى النهاية لتحقيق المساواة

تواجه اللبنانيات العديد من التحديات وتتأثرن بجميع أزمات البلاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وليس من المبالغة القول إنهن الأكثر تأثراً، فهن تتعرضن لعنف مضاعف الأول كونهن مواطنات والثاني لأنهن نساء.

مركز الأخبار ـ يقال إن اللبنانيات يتمتعن بحقوق مساوية للرجل، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هناك دائماً حرب خفية تمارس ضد النساء، لكن اللواتي تناضلن تصبح معاناتهن أخف، وهذا ما يحدث سواء في تونس أو لبنان، البلدين اللذين يعدان الأفضل مقارنة بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال الحقوق والحريات بشكل عام وحقوق النساء بشكل خاص.        

 

النساء أول من تحسس قضية العدالة الاجتماعية

في لبنان كانت النساء تجتمعن في الكنائس أيام الأحد، وهذا ما أسس لعلاقات مميزة بينهن، فبدأن نشاطات عفوية من قبيل مساعدة الفقراء والمرضى، من خلال تقديم الألبسة والكتب، وبذلك أصبح لهذا التجمع طابع اجتماعي وليس ديني فقط، ولا بد من الإشارة إلى أن هذا التكافل المجتمعي تم بطريقة عفوية، وتطور حتى أن النساء في عدد من الأبرشيات والكنائس ابتكرن فكرة جمع مبلغ من المال، تدفع فيه النساء اشتراكات على حسب قدراتهن، ويتم منحه لأسرة تعاني ضائقة أو ما شابه، ثم أصبحت معالم النشاط الاجتماعي تتوضح أكثر، وأصبح المفهوم الاجتماعي من حيث مستوى عيش الناس يتبلور، فالنساء أول من تحسس قضية العدالة الاجتماعية، وتوسع مفهوم النشاطات الاجتماعية التي قادتها النساء، فرفعن من شأن قراهن وبلداتهن وانتقل أسلوب العمل هذا إلى المدن الكبرى. 

 

النهضة النسائية

في باحة مدرسة زهرة الإحسان ببيروت ينتصب أول تمثال تم نحته لامرأة في لبنان، امرأة بادرت لتأسيس جمعية نسوية، وميتم، ومشفى كل ذلك من مالها الخاص، هي املي سرسق (1861 ـ 1922)، والتي تمردت على القوانين العثمانية التي جعلت المرأة أسيرة منزلها، لتؤسس أيضاً جمعية البنفسجة ذات الدور الكبير في تبلور فكرة النهضة النسائية في لبنان.

العديد من الجمعيات النسائية يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن التاسع عشر، من بينها جمعية سيدات المحبة، وزهرة الإحسان، كلاهما تأسستا عام 1857 (مع العلم أنها مختلفة عن المدرسة آنفة الذكر)، إضافةً إلى جمعية إيواء العجزة 1874، وجمعية مأوى العجزة المارونية التي أسست عام 1880. وتعد مجلة "الحسناء"، التي نشرت في العام 1909 منبراً لقضايا المرأة ووسيلة لتأريخ النشاط النسوي.   

ولم يتوقف دور الجمعيات على المطالبة بحقوق المرأة بل إنها ناقشت قضايا مهمة كالاحتلال، وثقافة المرأة، وتبنت العديد من المشاريع الخدمية والإنسانية، لكنها بقيت منقسمة طائفياً فـ "جمعية التضامن النسائي" التي تأسست عام 1947 تضم الجمعيات المسيحية، و"الاتحاد النسائي اللبناني"، الذي تم تأسيسه عام 1929 يضم الجمعيات المسلمة، لكن في العام 1952 تم توحيد جهودها واندمجت تحت اسم المجلس النسائي اللبناني، ولأن الطائفية متجذرة قام المجلس النسائي بمحاكاة النظام السياسي من خلال التناوب في قيادته بين المسيحيات والمسلمات.

 

نشاط مجتمعي بصبغة نسائية

أصبحت الحركة النسوية في لبنان جزء لا يتجزأ من الحركة المجتمعية نحو تطوير البلاد، فجمعية النهضة النسائية التي تأسست في عام 1924 شجعت الصناعات الوطنية، وخلال الحرب العالمية الثانية نشطت في العمل الإنساني، وأنشأت المستوصفات في القرى، وساعدت العائلات الفقيرة وتلك التي تأثرت بالحرب، حتى أنها اصبحت موضع ثقة عند السلطات، وعند تأسيس الصليب الأحمر اللبناني سلمته المستوصفات، وانطلقت بنشاطها النسائي، وأسست مدارس في القرى النائية واتخذت دورها في التوعية، ووسعت الجمعية أعمالها فأصبحت شريكاً للدولة في "لجنة مصلحة الانعاش الاجتماعي والنهضة النسائية".

وكذلك يعود فضل إنشاء مركز مكافحة الجريمة وإصلاح وضع السجون للاتحاد النسائي الذي ألف لجنة تطالب المسؤولين بضرورة اصلاح السجون لتنبثق عنها في عام 1956 "هيئة مكافحة الجريمة وتحسين السجون". كذلك عملت جمعية انهاض الصناعات اللبنانية التي تأسست في عام 1937 على بعث الحرف الشعبية.   

وبرز الدور النسائي في النكبة الفلسطينية أيضاً، وعن تلك الفترة تقول اميلي فارس ابراهيم في كتابها الحركة النسائية اللبنانية "لا أذكر أن أية هيئة نسائية ذات شأن سواء أكان ذلك في المؤتمرات التي كانت تعقدها أو في الاتصالات التي كانت تجريها مع الهيئات والشخصيات الدولية أو منتدبة لمؤتمرات خارجية أهملت أو اسقطت من الحساب قضية اللاجئين الفلسطينيين".  

واهتمت نازك العابد المناضلة السورية التي نشطت في لبنان بعد انتقالها إليها عام 1920، بالعديد من القضايا ومنها البغاء فأسست جمعية "مكافحة البغاء اللبنانية" وهي الآفة التي جلبها الانتداب الفرنسي إلى البلاد، وكثفت نشاطها من أجل تحرير المرأة وزيادة مستوى ثقافتها، فأنشأت جمعية المرأة العاملة التي دعت إلى التحرر الاقتصادي باعتباره وسيلة للتحرير السياسي، وطالبت بمنح العاملات إجازات مرضية وإجازة الأمومة والأجر المتساوي.

وفي عام 1957 أسست ميتماً لتربية بنات شهداء لبنان، كما أسست لجنة إخوان الثقافة التي تهتم بتثقيف الأم اللبنانية في مجالات الحياة كافة، لتصبح رئيسة لها في عام 1959، وأقيم أول احتفال بعيد الأم في لبنان بهذه المناسبة.

من الشخصيات النسائية البارزة في لبنان نظيرة زين الدّين (1908 ـ 1976) صاحبة كتابي "السفور والحجاب"، وكتابها الذي ردت فيه على انتقاد كتابها وأسمته "الفتاة والشيوخ"، وبطريقة نقدية ناقشت فيهما مسائل الحرية والدين والعقل.

شكلت حرب ١٩٦٧ بين إسرائيل والدول العربية منعطفاً مهماً في الحركة النسوية حيث نشأت مدارس فكرية جديدة في الأحزاب السياسية وأصبحت المنظمات النسائية كأذرع للأحزاب القومية واليسارية، أي أنها لم تمتلك أجندة خاصةً بها بل تمت السيطرة على عملها، مثلاً وضعت قواعد عامة لدى الحزب الاشتراكي ومنها أن انتصار الاشتراكية كفيل بانتصار القضية النسوية، كما أثرت الطائفية على العمل الاشتراكي، مما أدى إلى فشل جيل اليسار هذا في ترجمة أفكاره العلمانية على أرض الواقع.

لكن فيما بعد تشكلت جمعيات يسارية مستقلة واستفادت من الخطاب النسوي العالمي في عملها لكن لم يخرج خطاب هذه الحركات من سردية ربط القومية والنسوية، ليأتي اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975، كصخرة كبيرة أمام تطور عملها فأصبح جل همها تدارك المأساة الإنسانية والانخراط في العمل الإغاثي.

 

رسولات سلام

لا يمكن الحديث عن النساء في الحروب إلا كضحايا فالمرأة لا تقرر الحرب ولا تميل إلى المشاركة فيها، عدا بعض الحالات.

أدت الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت 15 عاماً (1975 ـ 1990) إلى نتائج كارثية، حيث اختفى أكثر من 4 آلاف شخص، وقتل أكثر من 14 ألف آخرين، وتحملت المرأة التأثيرات المؤلمة، واتخذت أدواراً مهمة في العائلة والمجتمع وحتى المجال العام، وشاركت في المسيرات والإضرابات العامة، وفي الأعمال الإنسانية، كما أنها كانت جزءاً فاعلاً في مساعي المصالحة، ولكن تم استبعادها من محادثات السلام وجهود إعادة الإعمار.    

ومن الشخصيات النسائية التي برزت في الحرب الأهلية إيمان خليفة التي حصلت على جائزة نوبل البديلة للسلام "the Right Livelihood Award" بعد اقتراحها تنظيم مسيرة سلمية احتجاجاً على الانتهاكات، لتخرج بذلك مسيرات منددة بالحرب في عدة عواصم غربية، وكذلك تم توزيع "وثيقة السلم الأهلي"، في بيروت.

كما لعبت نعمت كنعان التي كانت رئيسة جهاز الخدمات في مصلحة الإنعاش الاجتماعي دوراً مهماً ضد الانقسامات الأهلية، وعملت على إيصال رواتب الموظفين غير مكترثة بالفلتان الأمني، وقالت في إحدى مقابلاتها "لم أستطع يوماً تحمُّل سماع أي شيء سيء يُحكى من طرف ضد الآخر". ولم تقف الكاتبات والأديبات مكتوفات الأيدي بل عبرن عن رفضهن للحرب من خلال توثيق تجاربهن اليومية التي تحولت لقصص ومنها رواية يوميات هر لإميلي نصر الله، وبريد بيروت لحنان الشيخ، وطابق 99 لجنى الحسن، وحياة قصيرة وصلاة من أجل العائلة لرينيه الحايك وغيرها الكثير.

 

النساء تحت مقصلة القوانين الطائفية

يعتبر مؤتمر بكين الذي عقد في عام 1995 فرصة لاستعادة اللبنانيات نشاطهن بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وتم تسليط الضوء على قضايا جديدة بالنسبة للبنانيات كالتمييز الإيجابي والمواطنة الكاملة والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

ومن الإنجازات الهامة التي حققتها الحركة النسوية إلغاء المادة 562 المتعلقة بجرائم الشرف في العام 2011، والمادة 522 التي تنص على تبرئة المغتصب في حال تزوج من الضحية، كذلك تم سن قانون العنف الأسري في العام 2014 رغم عيوبه، وما يزال النضال مستمراً من أجل تغيير قانون الجنسية والأحوال الشخصية.

كما أن التهميش السياسي ما يزال مستمراً فلبنان يقع في المرتبة 18 بين الدول العربية من ناحية عدد النساء في المجالس النيابية، وفق أرقام الاتحاد البرلماني الدولي، ولا يوجد نظام كوتا نسائية، ولا تفرض القوانين حصة نسائية على لوائح المرشحين في القانون الانتخابي، ليأتي التمويل ويعقد أي محاولة انتخابية لامرأة، خاصةً أن النساء غير مستقلات اقتصادياً في ظل نظام التوريث الذي ما يزال يفرق بين الجنسين، إضافةً لتهميش المرأة من قبل الأحزاب السياسية.  

منذ العام 1953 منحت المرأة حقها في التصويت والترشح إلا أن انخفاض نسبة مشاركة النساء في الحياة السياسية اللبنانية يمثل واقعاً تاريخياً نظراً لحجم العوائق التي ما زالت تحيط بانخراط المرأة في العمل السياسي، وانعدام الإرادة لدى السلطة السياسية في البلاد من أجل إزالتها، فمنذ ذلك الوقت وحتى عام 1992 لم تدخل إلا امرأة واحدة المجلس النيابي وهي ميرنا البستاني خلفاً لوالدها الذي توفي.

من بين 128 مقعداً وهو عدد مقاعد مجلس النواب حصلت 3 نساء فقط على مكان لهن في الدورة الأولى بعد الحرب الأهلية، ولم يزد العدد في انتخابات عام 2000، لكنه ارتفع إلى 6 خلال انتخابات العام 2005، ليعود للانخفاض في العام 2009 إلى 4 من أصل 13 مرشحة فقط، وفي انتخابات 2022 فازت 8 نساء فقط من أصل 115 مرشحة.

أما من ناحية القانون اللبناني فإنه لم ينص صراحةً على دين للدولة لكن النساء يقعن تحت مقصلة القوانين الطائفية، فلكل مذهب محاكمه وقضاته، فكم من شيعية في المحاكم تناضل لتحصل على حضانة طفلها وكم من مسيحية تجاهد لتحصل على الطلاق.  

للأسف لا يمكن الحديث عن لبنان دون التطرق إلى الطائفية، فالنظام الطائفي متجذر في البلاد ويعود للاحتلال العثماني، تحت مسمى "احترام خصوصية الطوائف"، وكأن الاحتلال أراد إبقاء الجمر مشتعلاً في البلاد، فصك الانتداب لسوريا ولبنان نص في مادته السادسة على أن النظام القضائي الذي تنشئه الدولة المنتدبة "يضمن للأهالي، على اختلاف مللهم، احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية" هذه العبارة حرفياً انتقلت إلى الدستور اللبناني فالمادة التاسعة منه تنص على أن "الدولة تضمن للبنانيين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية".

المرأة هي الحلقة الأضعف في قوانين الأحوال الشخصية، والمحاكم الدينية مسؤولة عن البت في أمور الزواج فلدى المسلمين من المعقول أن تتزوج الفتاة وهي في المهد، ويتم التحايل على القانون بعقد زواج لدى شيخ، ثم تثبيته في المحكمة بعد أن تبلغ الفتاة السن القانونية، وبذلك لا يوجد أي معنى لسن قانون يمنع زواج القاصرات طالما قوانين الأحوال الشخصية خاضعة للسلطة الدينية.

وكذلك في البلاد 15 قانون منفصل للأحوال الشخصية، كلها تقيد حق المرأة في الطلاق، حتى وإن توفرت الأسباب الموجبة لذلك، هناك أربع طرق فقط لتحصل المرأة على هذا الحق فلدى السنة والشيعة عليها وضع العصمة في يدها أو صدور أمر قضائي بذلك، هذا الأمر يفيد الدرزيات أيضاً، وتستفيد نساء السنة من الخلع لكن عليهن التنازل عن كامل حقوقهن، أما لدى الشيعة فعليها الاستعانة بمرجع ديني، فيما لا يمكن للمسيحيات الحصول على الطلاق إن لم يبلغ العنف حد الشروع بالقتل، فالزواج في المسيحية رباط مدى الحياة، وهذا التشريع يربط الرجال أيضاً بزيجات لا يريدونها ولا يمكنهم الطلاق إلا إذا غيروا دينهم.   

لدى المسلمين يستطيع الزوج تطليق زوجته غيابياً وإعادتها إلى ذمته غيابياً أيضاً، أما في حال تجرأت امرأة ورفعت قضية طلاق فإنها تعاني من المماطلة، وطول أمد المحاكمات وخسارة حقوقها المادية، فمتوسط فترة الدعاوى في لبنان تصل إلى أكثر من 8 أشهر، أما إذا أقدم الرجال على الطلاق فإنه لا يستغرق أكثر من10 أيام، والأمر أسوأ بالنسبة للمسيحيات فالبت بالدعوى يصل إلى عامين.  

أما قوانين الحضانة فهي مما يضحك ويبكي فالتمييز هنا بين النساء أنفسهن وكأن المرأة الشيعية تختلف عن المسيحية أو السنية أو الدرزية، لدى السنة يحق لها حضانة أطفالها حتى يبلغوا الـ 12 عاماً للذكر والأنثى، وتفقدها إذا تزوجت، ولدى الشيعة سنتان للذكر و7 للأنثى، وتفقدها إن كانت من غير دين، ولدى الدروز حضانة الذكر 12 عاماً والأنثى 14 عاماً، وتفقد حضانة طفلها إذا تزوجت.   

وللإعلام الدور الأبرز في تكريس الصور النمطية للمرأة وتسليعها مما يساهم في التشجيع على التمييز بين الجنسين، كما أن الأزمة الاقتصادية تصعد من وتيرة العنف الممارس بحقهن فخلال عام 2023 قتلت حوالي 14 امرأة على يد أزواجهن أو أحد أقاربهن.

الثورة أنثى

في 17 تشرين الأول/أكتوبر2019، تجاوزت التحركات الشعبية الضخمة طبيعة النظام اللبناني الطائفي، لأنه لم يعد من الممكن للبناني أن يصل إلى حقوقه بالمواطنة، إنما بالانتماء إلى طائفة معينة أو الحزب الممثل لها. الحراك الذي عرفته البلاد لم يأتي فجأة بل كانت هناك تحركات يمكن وصفها برد فعل على كل أزمة، والممارسة التمييزية بين الجنسين أثارت غضب النساء خاصةً أن توقيع البلاد اتفاقية سيداو عام 1997 لم يمنحهن الحقوق التي سعين من أجلها بعد التحفظ على المادة 9 وعدة فقرات من المادة 16 جميعها تتعلق بقوانين الأحوال الشخصية. لتشهد البلاد احتجاجات نسائية مطالبة بمنح الجنسية ورفع سن الحضانة وإنهاء العنف.

في العام 2019 أوجدن لأنفسهن مكاناً في الحراك لدعم حقوقهن فجددن مطالبهن التي سعين من أجلها منذ عام 2000 عندما نزلن إلى الشوارع مطالبات بمنح أطفالهن جنسيتهن، كما أنهن أثرن العديد من القضايا منها العنف الاقتصادي خاصةً أن معدل البطالة ارتفع إلى 29 بالمئة أي نحو ثلث القوى العاملة عاطلة عن العمل ونسبة النساء أكبر من الرجال حيث أنها وصلت لـ 32.7 مقارنة بمعدلها للرجال الذي بلغ 28 بالمئة. ولا تحمي القوانين العاملات بأي شكل.

يمكن القول إن ثورة 2019 فشلت لكن لا يمكن أبداً القول إن الحراك النسوي فشل لأنه يسعى إلى حقوق مدنية بعيدة عن مفاهيم عفا عليها الزمن، ومن أجل ذلك تستمر المؤسسات النسوية بنشاطها لإلغاء أي مظهر طائفي يمس حقوق النساء، وأي محاولة لتسويق خطاب لا يشبه المجتمع اللبناني الذي تحاول بعض المؤسسات نشره، ويتم التأكيد دوماً على أن حل الأزمات المتعلقة بحقوقهن جزء من حل أزمة البلاد فهن الضحية الواضحة للقوانين الطائفية التي أخذت البلاد إلى حافة الهاوية.

 

حرب مفتوحة تُضيق الخناق على النساء

في وقت كثفت فيه النساء نشاطاتهن من أجل تمكينهن من حقوقهن اندلعت الحرب في قطاع غزة المعروفة بـ 7 أكتوبر، وهذه المناوشات والضربات المتفرقة بين حزب الله من قواعده في الجنوب والقوات الإسرائيلية منذ ذلك التاريخ فجرت الوضع، لتقوم القوات الإسرائيلية في 23 أيلول/سبتمبر 2024 بتوسيع نطاق الحرب على لبنان، حتى وصلت صواريخها العاصمة بيروت، مما تسبب بمقتل ما يقارب الـ 3 آلاف مدنياً، أما المصابين فزادوا عن الـ 13 ألف، والعدد الأكبر منهم نساء وأطفال، فيما قدر عدد النازحين بمليون و400 نازح.

الحرب التي لم تكن بالحسبان غيرت حياة آلاف اللبنانيات وخاصة في الجنوب اللواتي فقدن منازلهن وأراضيهن، وأضرت بالنازحات السوريات اللواتي تقدر أعدادهن بالآلاف، حتى أن الأمم المتحدة قالت إن الوضع الإنساني في لبنان وصل مستويات تجاوزت شدة حرب عام 2006.

ولا شك أن هذه الحرب أثقلت على النساء وأضافت إلى معاناتهن معاناة، وقد رفعت نسبة الولادات المبكرة ووفيات الأجنة بسبب الضغوط النفسية والجسدية، وحرمتهن من حقهن في الخصوصية بمراكز النزوح في المدارس وعلى الشواطئ، إلا أنها أثبتت مرة أخرى على القوة التي تمتلكها المرأة في المواجهة، فهن صامدات في رحلة تنقلهن لأكثر من مرة بحثاً عن الأمان خلال الأشهر الأخيرة، كما أثبتت الشابات وطالبات الجامعات على الأخلاق الإنسانية التي تتمتعن بها من خلال المشاركة بجمعيات الإغاثة من أجل مساعدة النازحين ضمن البلاد بتقديم وجبات الطعام والأغطية.

التضامن أيضاً لم يقتصر على الداخل اللبناني إذا أن ناشطات حقوقيات مغربيات وجهن رسالة إلى الأمم المتحدة، لتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيات واللبنانيات على حد سواء، وكذلك العديد من الجمعيات النسائية منها التونسية والموريتانية والإماراتية وكذلك نساء الأردن والعديد من التنظيمات النسائية.

حتى نشر هذا الملف الحرب ما زالت مفتوحة وكل الاحتمالات مطروحة، فهل ستنجح الأمم المتحدة في ضبط الوضع وإجبار السلطات الإسرائيلية وحزب الله على إيقاف عجلة الموت في لبنان وغزة، أم أن الدور الباهت لها لن يتغير، وستستمر الحرب التي تحصد حياة النساء والأطفال وأمانهم.

هناك حقيقة أخرى وهي أن الوضع الصعب بعد توقف القتال لن يكون أفضل فالبنية التحتية على وشك الانهيار والاقتصاد منهار قبل سنوات بسبب السياسة غير المسؤولة والتي ثار عليها الشعب منذ سنوات لكن الوقت ليس للثورة اليوم بل للبناء، ومن غير النساء قادر على البدء في كل مرة من تحت الركام، وإعادة بث الحياة في المجتمعات.