ختان الإناث عُرف اجتماعي ينتهك حقوق المرأة (2)

لا يعود الختان بأي فوائد صحية أو نفسية على الأنثى المختونة بل أنه يتسبب لها بعاهة دائمة تحملها معها طيلة حياتها

سناء العلي 
مركز الأخبار ـ ، تتذكرها مثلما تتذكر المغتصبة الصدمة الأولى، تختلف الآراء الدينية وتقف السياسة من أجل مصالحها حاجزاً دون إيجاد حل جذري ينهي معاناة ملايين النساء، والقليل من القوانين الهشة لا تحاسب الجاني.
 
آلام الختان لا تنتهي عند التئام الجروح 
من الناحية النفسية تؤكد المختونات وناشطات ضد الختان أن الآثار النفسية للختان تشبه تلك التي يتركها الاغتصاب على الضحية المغتصبة، فتلقي بظلالها على الفتاة منذ اللحظة الأولى لختانها فهي تفقد الثقة بمن حولها بعد استدراجها لإجراء العملية ثم تفقد ثقتها بنفسها ومحبتها للحياة، ويلازمها شعور دائم بالنقص والعار بأنها أنثى مشوهة أو نصف رجل.
تحمل الأنثى المختونة ألم التجربة حتى آخر لحظات حياتها تقول كثيرات منهن إن منظر الشفرة ما يزال ماثلاً أمام أعينهن كأنه اليوم رغم مرور السنوات. 
تتعرض الفتيات المختونات في البداية للصدمة فلا تدرك الفتاة ما الذي حدث بالضبط ويكون الألم الجسدي مستبداً على تفكيرها ولا تجد تفسيراً لما حدث خاصة أن معظم المختونات بعمر الطفولة.  
وبعض المختونات يتحدثن دائماً عن الواقعة بذات الزخم حتى بعد مرور سنوات عليها، ومنهن من تفضل الصمت وترفض مناقشة الحادثة لكن في كلتا الحالتين تحاول المرأة المختونة تفسير ما حدث معها لإيجاد أجوبة مقنعة.
تشعر المختونات بالقلق الدائم والعجز والشك بكل من حولهن بعد أن فقدن ثقتهن بهم ويفقدن ثقتهن بأنفسهن، ويشعرن بالخوف والاكتئاب الدائمين، وتقلب المزاج بين الهدوء والغضب المفاجئ.   
هذا النوع من الجروح "الختان"، صعب الالتئام، تعاني منه الفتاة مدة طويلة فبعد عملية الختان والتئام الجرح تعاني المختونة من مشاكل بولية تشمل احتباس البول والشعور بالألم والتهابات بولية وتناسلية وتقرحات وخراجات. وفي حال عدم معالجة هذه الالتهابات تتفاقم المشكلة وتؤدي إلى الفشل الكلوي وتسمم الدم والموت.
وعند الزواج يؤدي استئصال وتلف الانسجة المحيطة بالأعضاء التناسلية إلى نقص الرغبة لدى المرأة والشعور بالألم الشديد، ما يتسبب بمشاكل زوجية تؤدي إلى الانفصال، وتأكيداً على ذلك قالت لجنة الصحة في مجلس النواب المصري أن أكثر من 70 بالمئة من حالات الطلاق هي بسبب الختان، وذات النسبة في السودان. 
وعام 2015 وصل عدد حالات الطلاق في مصر إلى 12500 حالة، وفي عام 2016 بلغ عدد الدعاوى المرفوعة للمحاكم 4000 دعوى رفعتها زوجات عانين من سوء معاملة أزواجهن بسبب الختان.  
وتضطر كثير من النساء المختونات إلى إجراء عملية قيصرية بعد تعسر الولادة ويعانين من نزف شديد بعدها.
 
الدين لا يحسم الجدل حول الختان
اختلف علماء الدين المسلمين حول جواز الختان للفتيات من عدمه فقال علماء الأزهر أنه مكروه ويعتمد على هذا الرأي أيضاً علماء الدين في بلاد الشام والعراق، وحتى السعودية التي تتخذ من القرآن والسنة دستوراً لها لا تقوم بعمليات الختان.  
وأكد علماء الدين الذين أفتوا بتحريم الختان على أن هذا الفعل مشين واعتداء على كرامة وحقوق المرأة، وقال الأطباء يجب أن تكون عمليات الختان لضرورة طبية وعدم ربطها بطهارة المرأة لأن هذه المزاعم لا صحة لها.
فيما اعتمد الرأي الآخر والمناقض للرأي الأول على عدة أحاديث نبوية لكن أكثرها يختص بختان الذكور ولا علاقة له بالفتيات، كما اختلفت المذاهب السُنية الأربعة بجواز الختان أو تحريمه فمنهم من أوجبه ومنهم من قال إنه مكرمة للمرأة وغير ملزم، أما الدين المسيحي فيُحرم الختان للذكور والإناث على حد سواء ويعده جريمة وخطيئة. 
وفي الدين اليهودي يحرص اليهود على ختان الذكور في اليوم الثامن لولادتهم لكن ختان الفتيات مُحرم إلا أنه كان عادة مارسها اليهود قديماً في مصر قبل ظهور النبي موسى، وحالياً لا يجرم القانون الإسرائيلي ختان الفتيات وهناك حالات ختان منتشرة بين بدويات النقب وطائفة الفلاشا "يهود أثيوبيا". 
 
قوانين وعقوبات 
بدأ تجريم الختان في مصر عام 2008، وكانت العقوبة ثلاثة أشهر وتصل إلى سنتين ومن الممكن الاستعاضة عنها بدفع كفالة، لكن في عام 2016 أجري تعديل على قانون العقوبات وجاء فيه تشديد العقوبة على من يقوم بالختان وسجنه مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تتجاوز السبع سنوات، والسجن المشدد في حال تعرضت الفتاة لعاهة مستديمة أو فقدت حياتها.
وتعاقب موريتانيا مرتكبي الختان بالسجن ثلاث سنوات ودفع غرامة والعمل على زيادة الوعي بمخاطر الختان.
وفي عام 1946 سُن الاستعمار البريطاني في السودان قانون يجرم الختان، وفي عام 1973 سُنت مادة في القانون السوداني تمنعه بشكل كامل، لكنه تعرض لانتكاسه عام 1991 حين ألغي القانون وأصبح الختان قانونياً، ولم يختلف الوضع قبل المنع وبعده فكانت عمليات الختان تجري على كل حال.     
ولا فرق بين الدول التي تجيز الختان في أفريقيا وبين الدول التي تملك قوانين تجرمه لأن المجتمع غير مستعد لتقبله وتصطدم القوانين بجدار صلب متمثل بفكرة أن الختان يحافظ على شرف وطهارة الفتاة وواجب ديني وعادة لا يمكن التخلي عنها. 
والختان غير موجود في أوروبا لكن المهاجرين يحملونه معهم لذلك جرت الكثير من العمليات هناك، ورغم أنها لم تسن قانون خاص ضد الختان إلا أن فرنسا عاقبت من يمارسون جريمة الختان وبذلك أصبحت أول بلد أوروبي يقاضي مرتكبي الختان. 
وتجرمه بريطانيا منذ عام 1985، وشددت عقوبته عام 2003 لمنع الأهل من إجراء عمليات الختان لبناتهم خارج البلاد، وفي أمريكا تم حظر الختان منذ عام1996، ويُعاقب الطبيب الذي يجري العملية بالسجن مدى الحياة. 
ويجرم القانون في إيرلندا ختان الإناث منذ عام 2012، وتقع العقوبة على مرتكبيه حتى وأن لجأوا إلى إجراء العملية خارج البلاد.
 
مساعي دولية 
جرمت الأمم المتحدة الختان، وعدته انتهاكاً صارخاً لحقوق النساء والفتيات، وعلى ذلك حددت يوماً دولياً لمناهضته في السادس من شباط/فبراير من كل عام، ويهدف إلى توعيه المجتمعات بمخاطره على حياة الفتاة الجسدية والنفسية، والسعي للوصول إلى مجتمعات خالية من الختان، واستقت الفكرة من سيدة نيجيريا الأولى ستيلا أوباسانجو التي طرحتها عام 2005، في مؤتمر اللجنة الأفريقية الدولية المعنية بالممارسات التقليدية المؤثرة بشكل سلبي على صحة المرأة والطفل، ثم تبنتها الأمم المتحدة التي قالت أن ظاهرة الختان من الممكن أن تنتهي في جيل واحد. 
في عام 1993 خصصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، ميزانية قدرت بنحو مئة ألف دولار لجهود مكافحة ختان الإناث، لكن المبلغ لم يكن كافياً فأطلقت شبكة "المساواة الآن"، وهي شبكة دولية تأسست عام 1992، تهدف حماية وتعزيز حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم، حملة لزيادة التمويل حتى وصلت ميزانية اليونيسيف لمكافحة الختان 91 مليون دولار.
وأصدرت الأمم المتحدة أول قرار غير ملزم يخص الختان في 20 كانون الأول/ديسمبر 2012، تزامن مع بدأ تحرك فصائل تابعة للتيار الإسلامي في عدة دول منذ بدأ الحراك العربي ربيع 2011.
ويدعو القرار الذي حظي بتأييد 110 دول من بينها خمسين دولة إفريقية (من أصل 58 دولة)، إلى اتخاذ جميع الإجراءات وسن قوانين لحظر الختان وتطبيقها على أرض الواقع، وحماية النساء والفتيات، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية للمختونات.  
وبمناسبة اليوم العالمي لعدم التسامح مع الختان أعلنت منظمة اليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للإسكان في عام 2017، عن خطة للتخلص من الظاهرة بحلول عام 2030.
 
حملات للقضاء على الختان
تشن الحكومات الأفريقية حملات توعية لمكافحة الختان وتشارك فيها الحركات النسوية والناشطات على نطاق واسع، وفي السودان ساعدت الحملات على خفض نسبة الختان من 37 بالمئة إلى 31.5 بالمئة عام 2015، واصبحت العادة منبوذة بين الشرائح المثقفة، لكن البلاد ما تزال مستقرة في المركز الثامن عالمياً بحسب تقرير اليونيسيف للعام 2018. 
وفي مصر استهدفت الحملات المساجد والشوارع والمحاكم وساهم ذلك في انخفاض النسبة بين الفتيات اللواتي تبلغ أعمارهن (15ـ17عاماً)، من 74.4 بالمئة عام 2008 إلى 61 بالمئة عام 2015.
وفي 20 حزيران/يونيو 2019 انطلق المؤتمر الإقليمي حول القضاء على القاصرات وختان الإناث، بتنظيم من المجلس القومي للمرأة في مصر بالتعاون مع وزارة الخارجية والمجلس القومي للطفولة والأمومة، والاتحاد الإفريقي بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة وهيئة بلان إنترناشيونال التي تعتبر من أكبر منظمات تنمية الأطفال في العالم.
وتزامناً مع اليوم العالمي لعدم التسامح مع الختان أطلقت اللجنة الوطنية المصرية حملة "هاشتاغ" أحميها من الختان، عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.  
وفي إقليم بونتلاند في الصومال تمارس الجمعيات النسائية ضغوطاً على سلطة الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي من أجل سن قانون يحظر ختان الإناث المنتشر في البلاد، وتقول شبكة مودوغ لتنمية المرأة أن الختان لا يمنع حدوث حالات اغتصاب بل أن زيادة الختان مرتبطة بزيادة حوادث الاغتصاب، وادعاء الأهل بأن ختان الفتاة يُصّعب عملية الاغتصاب غير صحيح، فيما تطالب منظمات أخرى في البلاد إصدار فتوى دينية تحرم الختان بشكل كامل لما للدين من سلطة على المجتمع، وتستهدف حملات التوعية النساء والرجال على حد سواء. 
وتسعى الحركات النسوية والجمعيات والناشطات في أفريقيا وفي العالم لوقف انتهاكات حقوق المرأة، وتعد إحدى أهم انجازات الحركات النسوية المصرية سن قانون يجرم الختان في البلاد عام 2008 وتنص المادة 242 على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه في المادتين 241،242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان الإناث". وبعد عام من ذلك ونتيجة لنضال النسويات أصدر وزير الصحة وقتها قرار حمل الرقم 271 يحظر فيه ممارسة الأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين في الحقل الطبي إجراء الختان للإناث.  
وجاء في بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب اتخاذ خطوات لإيلاء عناية أكبر لحقوق المرأة من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز والعنف الممارس ضدها، وإدانة جميع العراقيل التي تحد من نموها الجسدي والنفسي.
ولكن تصطدم القوانين بتقاليد المجتمع التي يكون لها الغلبة في النهاية لكن الأمل يبقى موجوداً بإمكانية التخلص من ختان الإناث الذي أصبح أكثر من ظاهرة، ولا يقل عن كونه جريمة تموت فيها كل عام 10 إلى 30 بالمئة من فتيات السودان، وذلك عبر توعية المرأة بشكل أساسي بحقوقها، وعمل المؤسسات الدينية على تصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة حول الختان كما يفعل الأزهر حالياً، وإطلاق حملات واسعة لمناهضة الختان ومشاركة الأطباء في حملات التوعية بمخاطره على جسد ونفس المرأة. 
 
بيانات حديثة... مليونا فتاة عرضة للخطر بحلول 2030
قالت منظمة الأمم المتحدة أنه قد تتعرض مليونا فتاة إضافية للخطر بحلول 2030، وهناك اتجاه ينذر بأن الخطر آخذ في الظهور. حيث خضعت حوالي 1 من كل 4 فتيات ونساء لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، أي 52 مليوناً في جميع أنحاء العالم، وقد تعرضن لهذه الممارسة على أيدي العاملين الصحيين. 
من بين 31 دولة لديها بيانات متاحة عن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، هناك 15 دولة تكافح بالفعل مع الصراع وتزايد الفقر وعدم المساواة، مما يخلق أزمة داخل أزمة بالنسبة للفتيات الأكثر ضعفا وتهميشا في العالم.
وفي بعض البلدان، لا يزال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية منتشرا تقريبا، حيث يتم ختان نحو 90 في المائة من الفتيات في جيبوتي، غينيا، مالي والصومال. وفي حوالي نصف البلدان، يتم ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بشكل متزايد في أعمار صغيرة جداً.