جرائم الشرف... ثقافة ذكورية تختزل الشرف في جسد المرأة
لا تزال العادات والتقاليد الموروثة في ثقافة المجتمعات التي تختزل شرف الأسرة في جسد المرأة ترسخ ظاهرة قتل النساء بداعي حماية شرف العائلة
مركز الأخبار ـ .
القصاص العائلي... مصيرها القتل لأنها امرأة
كثيرة هي جرائم القتل التي ترتكب من أحد أفراد العائلة الذكور بحق امرأة بدعوى "قضية شرف"، ويُقدمُ الجاني على القتل لأسباب في الغالب تكون ظنّية تتعلق بشكوك حول ارتكاب "الزوجة، الأبنة، أو الأخت" فعلاً مخلّاً بالسلوك الاجتماعي كإقامة علاقة غير شرعية، أو عدم اتباع قواعد العائلة من ملابس، أو التحدث مع رجل ليس من دائرة محارمها، ويزعم مرتكبو هذه الجرائم "غسل العار" من أجل الحفاظ على شرف العائلة وسمعتها، فمن منظورهم تلك الأفعال المخلة مرتبطة بمصطلح "العيب" الذي يستهدف النساء دون الرجال، والذي يتحدد بوضع المرأة في الأسرة.
المجتمع الشرقي ذو ذهنية ذكورية يختزل شرف العائلة في جسد المرأة، التي إذا أبدت أي سلوكيات خارجة عن الأعراف والتقاليد التي نظمها المجتمع بذهنية الرجل فأنها تتعرض بشكل مباشر للعقوبة والتي تكون غالباً القتل على يد أحد أقاربها. العنف بحق النساء سواء العنف النفسي أو اللفظي أو الجسدي، والذي يصل في كثير من الأحيان إلى حد القتل، مبني بالأساس على الذهنية الذكورية التي ترى بأن السلطة والسيطرة الكاملة للرجال، وحسب قولهم قتل المرأة التي لطخت سمعة وشرف عائلتها يرفع الرأس وينهي وصمة العار.
جريمة الشرف... موروث مبرر بالأحقية الشرعية
لا تنحصر جرائم القتل بحجة الشرف على دين واحد أو قومية واحدة في العالم، بل تعود بمجملها إلى منظومة غير عادلة تجاه النساء، مبنية على بسط نفوذ الرجل، وتعزيز الدونية للمرأة وتهميش دورها، وتأتي في الغالب من موروث مجتمعي تقليدي قبلي مرتبط بثقافة ذكورية تختلط فيها العوامل المسببة، ويبررها مرتكبوها بالأحقية الشرعية.
ويشار إلى أن جرائم الشرف القائمة على مبدأ "غسل العار" التي تطال النساء من قبل أولياء الأمور الذكور تزداد في مناطق تواجد القبائل العشائرية التي تبقى محافظة على موروثها التقليدي القبلي.
وتأتي جرائم الشرف تحت مسميات عدة حسب ثقافة كل مجتمع ففي الهند تموت أكثر من 5000 امرأة تحت اسم "جرائم المهر"، وفي أمريكا الجنوبية تقتل أكثر من 2000 امرأة تحت اسم "جرائم العاطفة".
دواعي جرائم الشرف
جريمة الشرف مجرد صيغة يتم إضفاؤها على الجرائم التي ترتكب بحق النساء، لمنع إدانة المجرم وتكمن الخطورة في تبريره قانونياً واجتماعياً، بل ويصل به الأمر إلى النصر والتفاخر بجريمته لشرفه المزعوم.
تقتل ملايين النساء حول العالم ظلماً وقهراً لإرضاء ذكورية الرجال وسلطتهم، يمارس الرجال الوصاية على أجساد النساء لممارستهن حقاً من حقوقهن الطبيعية فيما لا يحكم المجتمع على الرجل الذي يرتكب نفس الفعل.
ناهيك عن كثير من جرائم الشرف التي ترتكب لشبهات دون قرائن، وتحمل طابعاً ديماغوغياً متعصب يتماشى مع النزعات الدينية والعائلية نابعة من أحقاد دفينة وبطولات وهمية.
كثير من الجرائم التي ارتكبت تحت مسمى الشرف أثبت فيها الأطباء الشرعيون أن الضحية لم تمارسن أي علاقة جنسية، كما ويصل بالبعض اتهام النساء بالحمل خارج إطار الزواج.
في حالات الاعتداء على النساء من قبل الآباء والأشقاء وهو ما يسمى بـ "زنا المحارم" يتم اتهام الضحية بعلاقات جنسية غير شرعية وعلى ذلك يتم قتلهن من قبل مغتصبيهن لحماية شرف العائلة.
لماذا الشرف حق يمتلكه الرجال دون النساء؟
استمرار ظاهرة تعنيف النساء وقتلهن تكمن في تفسير مفهوم الشرف سواء على وجه العموم أو الخصوص بما فيها النظرة الدونية للمرأة، إلى جانب الفكر الرجعي والتفسير التشريعي، يتمثل في ثقافة "الأخذ بالثأر".
من منظور المجتمع الشرقي الشرف مرتبط بجسد المرأة والذي هو مصدر العار، فإذا اعتدى عليها رجل أو اغتصبها تكون المرأة قد لطخت شرف العائلة بغض النظر عن سلوكيات الرجال وما يرتكبونه، وأصبح "الشرف" ثقافة مفروضة على مجتمع ذو عادات وتقاليد لا يمكن تجاهلها، بل وغدت تتوارث عبر أجيال.
مفهوم الشرف لا يطبق على الرجال بقدر تطبيقه على النساء، فالمجتمع ينزل أشد العقوبات على المرأة فيما لا يحاسب الرجل، فعقوبته لا تتجاوز العتاب وعقوبتها تبدأ بالعنف اللفظي وتنتهي بالقتل.
القانون يبرأ الرجل ويدين المرأة
ما زالت الأحكام القانونية مفصلة لخدمة الرجال بمعزل عن معايير العدالة والكرامة الإنسانية، وتأتي مخففة وغير رادعة، مما يساعد القاتل على الإفلات من العقوبة، ولا تلاحقه وصمه العار، والغريب في هذا الأمر أن المرأة لا تستفيد من الحكم المخفف إذا قتلت زوجها حين تضبطه متلبساً أو عند اتباعه سلوكيات مخله أو عند ارتكابه الخيانة الزوجية.
ولايزال وضع المرأة في خطر كبير بالرغم من المواثيق والاتفاقيات الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة "سيداو" التي تكفل العديد من الحقوق وعلى رأسها الحق في الحياة والكرامة الإنسانية والمساواة كمبادئ أساسية للحرية والعدل والسلام، فغياب العدالة وحكم القانون حين يقدم العذر المخفف للجاني ولا يضع عقوبات رادعة وصارمة تجعل قضية قتل النساء أمراً عابراً وليس كارثة إنسانية تهدد البشرية، إضافة إلى الفتاوى الدينية التي تزيد من معاناة النساء.
لا شرف بـ "ارتكاب الجريمة"
في معظم الحالات التي تقتل فيها المرأة يكون الشرف هو ذريعة القاتل، لكي يتهرب من العقوبة القانونية، وأصبح الشرف قناعاً يخفي السبب الحقيقي الذي يدفعه إلى ارتكاب الجريمة، فحالات القتل وانتشارها ازدادت في انحاء العالم وتنوعت أساليبها، وما زالت هناك مبررات للجناة وأفعالهم رغم أن "جرائم الشرف" بلا شرف، لأنه في ارتكاب الجاني للجريمة حينها تكون الحقيقة أن لا شرف بـ "الجريمة".
مما يزيد في ترسيخ هذه الظاهرة هو غياب الوعي وانعدام الضوابط القانونية التي تجرم القاتل، وتشرع قتل المرأة دون النظر إلى سلوكيات الطرف الثاني "القاتل".
الصمت جريمة... حوادث حية
لا يخفى دور وسائل الإعلام والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي في الكشف باستمرار عن حوادث تكشف مرارة الواقع الذي تعيشه المرأة في ظل الذهنية الموجودة وقانون جامد لا يستطيع حمايتها، لأن الصمت على تلك الجرائم يساهم في استفحال ظاهرة قضايا الشرف.
فقد علقت ملامح الشابة الفلسطينية "إسراء الغريب" بأذهان الكثيرين بسبب ملابسات وفاتها، والتي بدورها تحولت إلى قضية رأي عام، بعد أن اجتاح هاشتاغ "كلنا إسراء غريب" مواقع التواصل الاجتماعي، جمعيات نسوية وناشطات وحقوقيات اعتبرنها ضحية جريمة شرف ارتكبتها عائلتها بتحريض من الأقرباء، وهذا ما صادق عليه النائب الفلسطيني العام، أكرم الخطيب، وأمر بإحالة القضية إلى المحكمة.
وقد توفيت إسراء غريب في 22 آب/أغسطس 2019 وكان عمرها 21 عاماً تعرضت للضرب والتعذيب وهو ما أدى إلى قصور حاد في الجهاز التنفسي بحسب ما أظهرت التحقيقات.
قصة العراقية "ملاك الزبيدي" كانت إحدى هذه الجرائم وكانت ايضاً موضوع تداول إعلامي واسع وسط غضب شعبي صاخب، ربما لأن الجريمة لم تكن قتلاً فحسب، فعندما أضرمت النار في جسدها كان القاتل ينظر اليها وهي تحترق دون أن يحرك ساكناً.
وأشعلت ملاك الزبيدي النار في نفسها بعد تعرضها للتعنيف المستمر من قبل زوجها وعائلته وتوفيت في المستشفى في 18 نيسان/أبريل 2020 بعد معاناة استمرت لأسبوع.
29 تشرين الأول/أكتوبر يوم عالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف
تتم مواجهة ظاهرة قتل النساء بالتركيز على توعية المجتمع وإرشاده، سواء من خلال تنظيم حملات إعلامية، أو من خلال العمل على وضع برامج توعوية بغرض التأثير على المفاهيم والعادات والتقاليد القائمة على مبدأ التمييز بين الجنسين وتعزيز دونية المرأة وكذلك البحث عن حلول للمشكلات الاجتماعية كالعمل على تحسين سوية التعليم والشروط المعيشية في المجتمعات التي تترسخ فيها مثل هذه الظواهر.
ومنح المرأة كل أنواع الحماية التي تجعل منها ذات مستقلة، إضافة إلى توسيع مجالات عملها، وتعزيز حضورها في الوسط الخارجي عملاً وتعاملاً.
كما أن الضغط والتأثير على التشريعات القانونية التي تخفف عقوبة الجاني من شأنها أن تحد من انتشار هذه الظاهرة، والعمل على تفعيل النصوص والمواثيق الدولية التي تعزز من مكانة المرأة وتضمن حقوقها. إلى جانب إيجاد الآليات الضرورية اللازمة لحماية النساء من جرائم القتل، وإيقاف هذا الارتفاع الكبير من نسب العنف التي ترتكب بحقهن.
وفي عام 2009 أعلنت منظمات حقوقية يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، يوماً عالمياً للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف على خلفية تبرئة رجل سوري يدعى "فايز العزو" قتل شقيقته زهرة ذات الـ 16 عاماً وهي نائمة، واعتبرت الجريمة دفاعاً عن الشرف مما أثار الرأي العام، ورداً على هذا الحكم أطلق مرصد نساء سورية هذا اليوم.
ومرصد نساء سورية هو موقع الكتروني تم تفعيله في الخامس من كانون الثاني/يناير 2005 بمبادرة من الصحفي بسام القاضي، ومن أوائل الحملات التي أطلقها المركز كانت حملة "لا لقتل النساء... لا لجرائم الشرف".
حملات التوعية تعدل قانون العقوبات
ساهمت حملات التوعية ومناهضة جرائم الشرف في العالم، على المستوي العالمي والعربي، بتغيير القوانين التي تعطي أعذاراً مخففة للجرائم المرتكبة بداعي الشرف، فقد قامت كلاً من مناطق شمال وشرق سوريا والباكستان وتونس وتركيا بإلغاء أية أعذار قانونية تحمي الجناة، ولحقت بهم سوريا في عام 2020.
ولكن في العديد من الدول لايزال الجناة يستفيدون من دعم القانون لهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر كما في أفغانستان وإيران والسعودية واليمن والصومال والسودان ومصر والأردن وفلسطين ولبنان.
واستطاعت حملة مجتمعية في الأردن التوصل لتعديل المادة 340 التي تحمي الجناة بهذا العذر، وتم تعديل المادة التي كانت تمكن الجناة من الخلاص بشكل كامل في بندها الأول، وتمنح أحكاماً مخففة في بندها الثاني، ولا يستفيد من البندين سوى الرجل، وأُلغي احتمال أن يحصل القاتل على إعفاء كامل من العقوبة، ومنح الحق بالتخفيف من العقوبة للنساء أيضاً في حال ارتكبن الجريمة نفسها للأسباب نفسها.
إحصائيات غير واضحة
لا توجد إحصائيات رسمية واضحة حول جرائم الشرف في بلدان الشرق الأوسط وبلدان العالم، كما أنه لا يجري توثيق عدد كبير من ضحايا هذه الجرائم، لكنها تكون أكثر انتشاراً في البلدان التي تحكمها الشرائع الدينية، والتي تمثل بنسبة 72% من الحالات في جميع أنحاء العالم حسب احصائيات عام 2019.
كما أشارت تقارير لجنة الأمم المتحدة عام 2019، إلى أن جرائم قتل النساء بدواعي الشرف تقع في مصر والهند وإسرائيل وإيطاليا وباكستان والمغرب والسويد وتركيا والعراق وإيران وأفغانستان.
الجرائم التي تطال النساء بذريعة الشرف تسلب منهن الكرامة والعدالة الإنسانية، إلى جانب ذلك أنها تقضي على المجتمع بأكمله إن لم يتم إيقاف الجاني بقانون صارم ورادع.