في الثورة الكوبية... روح النساء الطليعيات (2)

واجهت النساء الكوبيات جملة من العراقيل والصعوبات حتى تمكنّ من اتخاذ قرار تأسيس لواء النساء المستقل. وقد تأكد صوابية قرارهن عندما رأين النصر الذي حققته وحداتهن النسائية

تأسيس لواء ماريانا غراجاليس للنساء

 
مركز الأخبار - .
مرت خمسة أعوام وخمسة أيام وخمس ساعات مليئة بالانتصارات. كانت إذاعة ريبلا تذيع على الدوام دعوات لانضمام الشباب إلى صفوف الثورة الكوبية. وبفضل نشرات الإذاعة كان العالم يتلقى المعلومات عن الأوضاع في كوبا، شهدت العديد من أنحاء العالم اعتصامات ونشاطات مؤيدة لجيش الانتفاضة الكوبية، وكانت الانتفاضة قد انطلقت. في الثاني من شهر شباط/فبراير دخلت وحدات تشي وكاميلو سينفويغو إلى هافانا. العاصمة الكوبية وقعت تحت سيطرة جيش الانتفاضة، لم تستطع أية قوة الحد من تقدم الجيش، ولم تطلق رصاصة واحدة خلال دخول المدينة والتقدم فيها، وفي التاسع من شهر كانون الثاني/يناير 1959 أعلن فيدل كاستروا خلال كلمة انتصار جيش الانتفاضة في كوبا.
كانت مكانة النساء قوية جداً خلال الثورة الكوبية، وقدمن تضحيات كبيرة، ولكن مع الأسف لا يتم التطرق إليهن أو ذكر أسمائهن بما فيه الكفاية، لا في تاريخ كوبا ولا في التاريخ العام، الأشخاص الذين يدرسون ويبحثون في تاريخ كوبا لا يهتمون كثيراً بنساء كوبا الثوريات. ورغم أن التاريخ الذي يسطره النظام الذكوري لا يعترف بالروح الفدائية التي أبدتها النساء، ولكن تبقى الحقيقة أن النساء قدمن تضحيات وأبدين تفانياً كبيرا، كما أن النساء من مختلف أنحاء العالم لا زلن أوفياء لهذه التضحيات. نظراً لقلة المصادر والمعلومات، فإننا لن نتمكن من الوصول إلى جميع المعلومات المتعلقة بتلك النساء وتدوينها ونشرها، ومع ذلك فإن بإمكاننا مشاركتكم بعض الأسماء التي تَرِدُ في العديد من الوثائق والمصادر.
 
نضال متواصل على مدى 24 ساعة والهجوم على قاعدة مونوكادا
بعد الاحتلال الثاني لنظام باتيستا، حاول الثوار الكوبيين عدة مرات البدء بالكفاح المسلح، إحدى تلك المحاولات جرت في 26 تموز/يوليو عام 1953، حيث كان الشباب الأرثوذكس بقيادة فيدل كاسترو يستعدون للهجوم على قاعدة مونوكادا، وشارك في الهجوم 120 شاب، وكان من بينهم العديد من الفتيات من أمثال هايدي سانتاماريا، وميلبا هيرنانديز، واستمرت تحضيرات الهجوم قرابة شهر كامل. 
الثورية الشابة ميلبا هيرنانديز تصف التحضيرات المتواصلة على مدى شهر، بالنضال المتواصل على مدى 24 ساعة في اليوم. وبناء على كل تلك الجهود المتواصلة كان يفترض على الجميع أداء مهامهم الموكلة إليهم بحذر ودقة، ولم يكن يسمح بالتأخر دقيقة واحدة عن الاجتماع.
 
"آخر وجبة طعام لأبطال كوبا"
بموجب الخطة التي وضعت للهجوم كان يجب على الشباب ارتداء أزياء جيش باتيستا، للدخول إلى قاعدة مونوكادا. تمكنت ميلبا هيرنانديز من إقناع أحد العرفاء في الجيش لتأمين 100 بزة عسكرية. وبعد استلامها للبزات العسكرية كان على ميلبا حمايتها حتى إيصالها إلى رفاقها، لذلك قامت بإخفائها في إحدى المنازل. وكان هناك ضابط رفيع المستوى يسكن في نفس المنزل. وبتلك الإمكانيات الضئيلة وظروف السرية كانوا يعملون أيضاً على تأمين الطعام للثوار. وبعد الثورة سميت وجبة الطعام تلك بـ "الوجبة الأخيرة لأبطال كوبا".
كانت تلك المرأتين من ضمن الكوادر الطليعية لدى فيدل كاسترو، ولكن فيدل كاسترو كان يعارض مشاركة المرأة في المعارك والمواجهات. إلا إنهن أصرين على المشاركة في اقتحام قاعدة مونوكادا، إلا أن فيدل كاسترو لم يقتنع بمشاركتهن في المعركة، ولكنه قبل أن تشاركن ضمن الفريق الطبي.
في الفترة بين عامي 1940 و1960، لم يكن القادة يسمحون بمشاركة النساء تحت إمرتهم في المواجهات والمعارك العسكرية. إلا أن النساء الثوريات في الثورة الكوبية تمكنّ عبر الإصرار والعناد من تغيير هذه الذهنية مع مرور الوقت، وتمكنّ من المشاركة في جميع الأعمال. 
 
تشكيل لواء النساء
بعد أن خرجت النساء إلى جبال سييرا مايسترا، تمكنّ من إزالة العديد من العوائق التي كانت تواجههن. في السنوات الأولى كانوا يستخدمون النساء فقط في أعمال إعداد الخبز، وكذلك كان الأمر بالنسبة للثوار الكوبيين، حيث كانوا يعاملون النساء اللواتي خرجن إلى الجبال بنفس الطريقة. إلى أن قررت النساء تشكيل أول لواء عسكري خاص بالنساء، وقد لاقين الكثير من الصعوبات والمعوقات لأجل ذلك. وقد تأكد صوابية قرارهن عندما رأين النصر الذي حققته وحداتهن النسائية. بعد إنهاء التدريب العسكري في جبال سييرا مايسترا وضعت سيليا سانشيز أسس أول وحدة عسكرية نسائية باسم لواء ماريانا غراجاليس. وكان لواء النساء العسكري يتشكل من 13 مقاتلة فقط. 
 
وضعت السلاح في سلة بائعة الورود
أصرت كل من هايدي سانتاماريا وميلبا هيرنانديز على المشاركة في عملية مونوكادا، لذلك بدأن بالبحث عن طريقة لتأمين السلاح لهن. وحتى تتمكن ميلبا هيرنانديز من المشاركة في العملية العسكرية، كانت قد أخفت السلاح الذي حصلت عليه في سلة إحدى بائعات الورود.  
أما هايدي سانتاماريا فقد وضعت السلاح الذي ستشارك به في عملية اقتحام مونوكادا في حقيبة السفر، وكانت تحمل نفس الحقيبة عندما كانت تستقل القطار بصفة طالبة جامعة، في تلك الأثناء حاول أحد جنود الجيش مساعدتها في حمل حقيبة السفر، فيستغرب من ثقل الحقيبة ويقول لها "هل تحملين سلاحاً في الحقيبة لتكون بهذا الثقل"، فتجيبه هايدي "أنا أحمل معي جميع كتبي المدرسية. وأنا ذاهبة إلى سانتياغو لتقديم الامتحانات، ومن هناك أرغب بالمشاركة في الكرنفال، ما رأيك أن تشاركني وتأتي معي، لنذهب سوية؟"، عندما رأى كل من صديق هايدي ريناتو، وشقيقها آبيل، هايدي برفقة الجندي في المحطة، اعتقدوا أنها تعرضت للاعتقال.
 
القانون العائلي
رغم كل الحديث الدائر عن انتصارات الثورات، إلا أن النساء لطالما عانين الكثير وعلى مختلف الأصعدة. ففي بداية الثورة الكوبية لم يكن الرجال يسمحون للنساء بالمشاركة في جبهات القتال. ورغم كل تلك المعاناة والعراقيل إلا أن النساء كن على الدوام يرغبن بالمشاركة في كافة الميادين الاجتماعية. وتمكنت النساء من المشاركة الفعالة في مختلف الميادين مثل التربية والتعليم، والصحة، والقضاء والدبلوماسية، وفي كثير من الميادين الأخرى التي كانت سابقاً حكراً على الرجال، وأحدثن تغييرات مهمة في هذا المجال. كما سعين من أجل إحداث تغيير في ميادين العمل التي كانت حكراً على الرجال. فكان يجب على الرجال أيضاً المشاركة في الأعمال المنزلية التي تشغل النساء مثل تربية الأولاد ورعايتهم وإعداد الطعام يجب ألا تبقى من مسؤوليات النساء فقط، بل يجب على الرجل أيضاً تحمل جزء من هذه الأعمال والتشارك في إدارة شؤون المنزل. ولأجل إدخال مفهوم ومبدأ المساواة الجنسية قمن بإعداد "قانون العائلة". وحاولن من خلال إقرار هذا القانون تمكين المرأة من المشاركة في ميادين الإنتاج والسياسية. وبعد الثورة شاركت النساء بحماسة كبيرة في مختلف الميادين الاجتماعية، وفي هذا المجال يواصل اتحاد النساء الكوبيات نضاله بعضوية حوالي 70 ألف امرأة.
في الوقت الراهن فإن نسبة 81.9% من معلمي المدارس والجامعات والمعاهد هم من النساء. فيما تبلغ نسبة النساء بين الأطباء 60.2% وبين الكوادر الطبية نسبة 78.5%، كما أن أكثر من 70% من سلك القضاء والمحاكم هم من النساء، فيما تبلغ نسبة النساء بين المهندسين 31% وبين العاملين التقنيين نسبة 36.7%. وتبلغ نسبة النساء في الإدارة 64% فيما تبلغ نسبتهن في الحزب الشيوعي الكوبي 41.7%. قبل الثورة كانت نسبة الطالبات تبلغ 56%، فيما تبلغ الآن 99%، وتبلغ نسبة مشاركة المرأة في العمل 60%.
تسعى النساء إلى تعريف الثورة الكوبية كثورة للمرأة، وتعزيز نضال المرأة.
 
غداً: الثورية ميلبا هيرنانديز التي تعرف بين الشعب الكوبي باسم "بطلة الثورة الكوبية"