اسم قصتي هي جبال شنكال (2)

يعيش الإيزيديون والعرب والتركمان والكرد معاً في المناطق السكنية الواقعة بين شنكال وتلعفر. يعيش أولئك الذين فقدوا أقاربهم وأحبائهم في هذه الأرض في حداد وحزن لا ينتهي. لن تُمحى الفرمانات التي تعرضوا لها من ذاكرتهم ولن ينسوها أبداً وستظل المقابر الجماعية أمام أعينهم تحرق قلوبهم

روجبين دنيز
شنكال - ... حسب السجلات الرسمية توجد 81 مقبرة جماعية تراها أينما ذهبت، تحاصر هذه القبور كل وجود الإيزيديين وكيانهم.  
 
"عدنا إلى قرانا التي بدأت منها معاناتنا وآلامنا"
وقع اثنين من أبناء ليلى جلال في قبضة داعش ولم تتلقى أي معلومات عن أبنائها بعد يوم الفرمان. شعرت أنها بعيدة عن أطفالها عندما كانت في إقليم كردستان. لذا عادت إلى شنكال بعد تحريرها وتوجهت إلى قريتها حردان. على الرغم من أنها كانت سعيدة بالعودة إلى قريتها وأرضها، إلا أن آلامها كبيرة. ولكن حالتها النفسية أصبحت أفضل بسبب عودتها إلى موطنها. على الرغم من حزن وحداد الإيزيديين، إلا أنهم يتحدثون عن الارتباط بالأرض. 
"لا شيء يحل مكان منزل المرء وقريته. أنا راضية عن العيش في قريتي مع آلامي. في حردان، حُرمت كل امرأة من أطفالها، أو أصبح واحد أو أكثر من أطفالها في قبضة داعش. هنا نشعر بأننا قريبون من أطفالنا. كنا نفكر دائماً ونقول ربما في يوم من الأيام سيعودون إلى المنزل ولن يجدونا". من أجل أطفالنا عدنا إلى قرانا التي بدأت فيها آلامنا ومعاناتنا. قال لي كثير من الناس لا تعودي، لا يمكنك تحمل العيش هناك، توجد لديك ذكريات مع أطفالك في ذلك المنزل، كيف ستعيشين هناك" لكنني لم أستمع إليهم وعدت إلى قريتي. أريد أن أعيش مع ذكريات أطفالي. أليست الأشياء التي نعيشها صعبة؟ بالطبع هي صعبة جداً. أريد أن يعود جميع أطفالي وأولاد القرية. نحن الأمهات نصلي وندعي كل يوم، ونعيش على أمل لقاء أطفالنا".  
 
"رفات موتانا مازالت في المقابر الجماعية"
رغم مرور سبع سنوات على الفرمان، لا يزال هناك 80 مقبرة جماعية وعشرات المقابر في شنكال. تعتبر المقابر الجماعية على طريق حردان جروحاً دامية لأمهات القرية. فكل واحدة منهن تعيش وهي خائفة وتقول "ربما يكون طفلي فيها" ولكن في نفس الوقت يرغبن في التخلص من حالة التخمين وعدم اليقين.
عندما تتكلم ليلى جلال تعرف أنها تصبح وسيلة لمعرفة الأشياء والأحداث التي عاشتها. إنها تعلم جيداً أن كلماتها ستكون وسيلة لمعرفة أسوأ الممارسات العالمية التي حلت بهم، وستتذكرها البشرية.
"رفعنا أصواتنا في كل مكان، أردنا أن تُسمع أصواتنا، وأن تُفتح المقابر الجماعية الموجودة على طريق القرية ولكن لم يسمع أحد أصواتنا. نحن نسأل عن مصير أطفالنا، ماذا حدث لأطفالنا، هل هم جائعين أم عطشى، يمكنهم الاستحمام أم لا، هل هناك مكان ينامون فيه؟ نحن لا نعرف شيئاً عنهم. إذا ماتوا، ليكن لهم على الأقل قبور نلجأ إلى شواهدها ونذرف الدموع على ترابها ربما سنرتاح قليلاً حينها. لا نطلب شيئاً من أحد. مطلبنا الوحيد هو أن تُفتح هذه المقابر الجماعية. تشعل هذه المقابر الجماعية الموجودة في طريقنا النار في قلوبنا كلما مررنا من هناك. لا أستطيع أن أنظر إليها. وكبدي يحترق عندما أمر من هناك. هل تعلمون مدى صعوبة الأمر عندما تمر الأم أمام مقبرة جماعية وتفكر فيما إذا كانت عظام ورفات أطفالها أيضاً موجودة فيها؟". 
 
شقيقة ليلى جلال أيضاً في قبضة داعش
عندما تتحدث ليلى جلال عن الأحداث التي تعرضوا لها لا تتوقف عن الحديث أبداً ولا تقول "هذا يكفي". في بعض الأحيان تتوقف لتتذكر، ويبدو أنها تقول لنفسها "لا أريد أن أنسى أي شيء". ثم التفتت إلينا ونظرت للحظة وقالت؛ "هل تعلمون أنهم اختطفوا أختي أيضاً؟ أنا من ربيتها. كنت أماً وأختاً لها في نفس الوقت. عندما تم اختطافها حديثاً، كانت تتصل أحياناً بنا سراً، بعدها لم تعد تتصل أبداً. لا نعرف ماذا حدث لها".
تخرج الكلمات من فهما بألم وحزن شديدين. تتحرك يداها دائماً على ركبتيها وفي كل حركات جسدها تُظهر لنا مستقبلاً محطماً. كما لو أنها تخبرنا بحركاتها عن كل الآلام المخفية في ذاكرتها. وكأنها تمسك بأيدينا وتأخذ قلوبنا وأعيننا بجولة في الآفاق التي خلقت من الذكريات المؤلمة. هناك الكثير من الأشياء لتقولها لنا ولكن يبدو أن الكلمات والجمل ليست كافية. عندما تضع يديها على ركبتيها ونحن ننظر إليها نشهد تلك الكلمات.
"بعد الفرمان لم تعد ركبتي على ما يرام. فقد كنت أندب وأضرب ركبتي حتى أسودتا وأزرقتا. نحن النساء الإيزيديات والأمهات نخفف من آلامنا بضرب ركبنا. أنا لا أتوقف عن الحداد على المختطفين في الفرمان. أبكي وأحزن مع كل أم فقدت أطفالها وعائلتها وأعلن الحداد وأحزن على الجميع".
 
أُعيد أهالي القرى المجاورة الذين تحالفوا مع داعش إلى قراهم
قالت ليلى جلال؛ الفرمان الذي حدث قبل سبع سنوات دمر منزلنا ودمر حياتنا. عاد القرويون الذين انضموا إلى داعش إلى قراهم. نحن الآن جيران هؤلاء القرويين. هل يجوز هذا؟ هل كان هذا حقنا؟ كيف فعلوا بنا هذا؟ تم إحضارهم إلى قراهم تحت رعاية وحماية الحكومة العراقية في الوقت الذي لا تزال فيه رفات موتانا في المقابر الجماعية ولم تُدفن، لكن أعادوا أولئك الذين انضموا إلى داعش وأسكنوهم بالقرب منا وكأنهم لم يفعلوا شيئاً. إنهم موجودون على طريقنا، أتذكر الفرمان كلما مررت من هناك وأعلم أنهم إذا ما وجدوا فرصة أخرى سيقيمون فرماناً جديداً علينا". 
"الفرمانات جعلت جيراننا ينقلبون علينا. كانوا جيراننا ونعرفهم وهم كانوا يعرفون كيف سيهاجموننا. لم يكن للإيزيديين أي ذنب، لكنهم قتلونا وأخرجونا من أرضنا".
 
"تركيا تحلق بطائراتها فوق شنكال وتنشر الخوف"
تعتقد ليلى جلال أن تركيا تريد إتمام الفرمان الذي لم تنهيه داعش "بعد الفرمان تحاول تركيا مهاجمة شنكال كل يوم علناً. تقصف جبالنا بالطائرات. كما تحلق طائراتهم في سماء شنكال وتنشر الرعب والخوف في قلوبنا. لترفع تركيا يدها عنا. لقد خططت الدولة التركية لجميع الفرمانات التي حدثت. عندما هاجموا الموصل لم نكن نعلم أنهم سيهاجموننا أيضاً. لقد قلنا لأنفسنا إنها الحرب بين المسلمين، ولا علاقة لنا بها. لو علمنا أنهم سيهاجموننا ويشنون حرب واسعة علينا، لكنا جهزنا أنفسنا وذهبنا إلى الجبال. قاموا بأشياء لا يمكن لأحد تخيلها. باعوا الإيزيديات مقابل علبة سجائر، وأحرقوا الأطفال أمام أعين أمهاتهم. وتريد تركيا الآن إبادة الإيزيديين الذين نجوا من الفرمان".
 
"عرف الإيزيديون من هم أصدقائهم ومن أعدائهم"
"الإيزيدية تعني الإيمان. في الإيزيدية يؤمن الجميع ببعضهم البعض. نؤمن بالله ونعلم أن الله يحمينا. مع النقاء والإخلاص والوحدة والدعم يمكن للناس حماية الحياة والأحياء وحب الحياة والإبداع. هذه هي تعاليم الإيزيدية الصحيحة. أنت تزرع شجرة، تنظر إليها وتسقيها وتنظف أوراقها الجافة وتعتني بها. لقد أعطى الله حق الحياة لجميع الكائنات الحية ويريد من عباده الحفاظ على جميع الكائنات الحية وحمايتها. لا تعرف داعش ما هي الإيزيدية. ولا تعرف أي دين. لو كانوا يعرفون ما كانوا ليهاجموا هكذا. لقد عرفنا صديقنا من عدونا في هذا الفرمان. أعداء الإيزيديين كلهم دواعش ولديهم عقلية قذرة. أولئك الذين لا يحبون الحياة كلهم دواعش".
 
الصلاة اليومية
هناك صلوات يومية تكون في الصباح عندما تشرق الشمس وعند الظهيرة عند ارتفاع الشمس في السماء وقبل غروب الشمس، حيث يواجه المصلون الشمس ويرفعون أياديهم المفتوحة ومن ثم يسجدون. 
بدأت ليلى جلال صلاتها اليومية وقالت فيها "يا رب الشمس، أولادنا، احفظهم لنا، احمنا من الفرمانات. يا إله الشمس، اغفر لنا ذنوبنا، لا تتركنا وحدنا في هذا العالم ... ".
اقتربت منا بعد إنهاء الصلاة اليومية لتودعنا. احتضنتنا بحرارة ومشت معنا إلى الحديقة التي لا باب لها. نحن أيضاً سرنا على طريقنا ببطء لنفترق عنها وقرية حردان. لقد كان الابتعاد عنها وعن أمهات حردان ذوات العيون الباكية صعباً علينا. عندما مررنا بالمقبرة الجماعية التي ذكروها، تبادرت كلمات ليلى جلال إلى أذهاننا وعبرنا تلك الطرق بصمت. هناك 81 مقبرة جماعية في شنكال لم تُفتح بعد ويجب فتحها في أسرع وقت ممكن حتى يمكن إطفاء النار المشتعلة في قلوب الأمهات الإيزيديات!