النساء الصحفيات صوت كل النساء الأفغانيات

تحصد الحرب والنزاعات القائمة في أفغانستان أرواح عشرات الأشخاص يومياً، والنساء هن الأكثر عرضة للعنف والحرب وخاصة النساء الصحفيات

سميرة صلواتي
مركز الأخبار ـ . إن ذهنية الرجل المهيمن والسلطوي تخاف باستمرار من قوة المرأة، ومن أجل وضع حد لقوتها تحاول هذه الذهنية القضاء على النساء الفاعلات والناشطات والرائدات في المجتمع بكل الطرق والأساليب، إنهن يُقتلن بأساليب وحشية.
أفغانستان هي إحدى الدول التي لا تتمتع فيها النساء بالأمان على أرضهن، ولا سيما الصحفيات اللواتي يكافحن باستمرار لكشف وإظهار الحقائق في الجرائم المرتكبة في هذا البلد، فمع الأسف تستهدف التفجيرات المستمرة حياة الصحفيات وتضعهن في مواجهة مخاطر جسيمة كل يوم. إن التهديدات ومخاطر الحرب والانفجارات تهدف إلى استسلام النساء وقمع أصواتهن وقوتهن الفاعلة. ومع ذلك توجد نساء نشيطات وشجاعات مستعدات للتضحية بحياتهن، ويكافحن لتحقيق أهدافهن وإيصال صوت المرأة الأفغانية والمجتمع إلى العالم بأسره، ويحاولن تغطية الأحداث وكشف الحقائق. ربما يكون هناك عدد من الصحفيات اللواتي تم استهدافهن وقُتلن في هذا البلد حتى الآن، حتى أن بعضهن هربن وهاجرن خارج البلاد، لكن لا يزال هناك نساء لا يرغبن في التخلي عن أرضهن ووطنهن وإفساح المجال للقتلة بأي شكل من الأشكال.
في هذا التقرير، حاولنا بصفتنا وكالة أنباء المرأة أن نتحدث عن وضع الصحفيات مع صحفيتين من أفغانستان هما سمسمة سيرت ووحيدة فايزي. وناقشنا مع هاتين الصحفيتين وضع الصحفيات وكيف تؤثر الأحداث الجارية على الصحفيين واستهداف النساء أكثر من بين جميع شرائح المجتمع.
 
لا يوجد أمان على حياة الصحفيين الأفغان
تحدثت صحفية صوت أمريكا في أفغانستان سمسمة سيرت عن وضع ومحنة الصحفيين الأفغان وقالت إن الكثير منهم فروا وهاجروا إلى خارج البلاد، "بشكل عام، وضع الصحافة في أفغانستان صعب للغاية. حيث يتسبب تصاعد العنف والإرهاب الذي يستهدف الصحفيين والإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني في قدر كبير من الخوف. وقد أدى هذا الخوف إلى التنحي والاستقالة ومغادرة البلاد أكثر من أي وقت مضى. كما يتم إرسال معظم الصحفيين إلى المركز من المدن المحيطة، مما يجعل من الصعب على الصحفيين الحصول على معلومات من البلد بأكمله ويقلل من مستوى سماع أنباء الأحداث الحاصلة. والصحفيون لا يخشون على أنفسهم فحسب بل أيضاً يخافون على وضع أسرهم. لقد يأس الكثير منهم وتخلوا عن وظائفهم بسبب الوضع الحالي، حتى أن عدداً منهم غادر البلاد".
وتابعت "يتعرض الصحفيون للتهديدات بسبب أدائهم لواجبهم في نشر المعلومات. ومع ارتفاع مستوى الفساد والصراع يتعرض الصحفيون الذين يؤدون عملهم ويقومون بواجبهم في خضم تلك الأزمة إلى تهديدات أكثر. أفغانستان هي إحدى دول الفساد في العالم. فيها تنتهك حقوق الإنسان لكل من النساء والأطفال والرجال ويُقتل الناس دون سبب. تتعامل المؤسسات الحكومية مع كل شيء خارج نطاق ولايتها ولا تقوم بواجبها. كما تنشط وتعمل الجماعات الإرهابية مثل طالبان وداعش والقاعدة في هذا البلد. كثيراً ما يتعرض الصحفيون الأفغان للتهديد عندما يحاولون الإبلاغ والكشف عن عمليات قتل الجماعات الإرهابية والفساد وانتهاكات القانون من قبل الحكومة".
بين عامي 2001 و2020 قُتل 95 صحفياً 16 منهم من الصحفيات. فمن بين 8134 صحفياً وإعلامياً، هناك 1377 امرأة.
 
لا يمكن للصحفي القيام بالعمل الذي تقوم به الصحفية
أشارت سمسمة سيرت إلى أنه في بلد مثل أفغانستان من حيث حقوق الإنسان والتمييز العنصري القائم على الجنس، تهتم الصحفيات بقضايا حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وانتهاك حقوق النساء والأطفال وجرائم الجماعات الإرهابية وتعد التقارير عنها، "أعتقد أن الصحفي لا يمكنه فعل ذلك". وأوضحت أنه في أفغانستان على سبيل المثال، "تمكنت معظم الصحفيات من الإبلاغ وإعداد تقارير عن موضوع قضية اختبار العذرية الذي يعد انتهاكاً واضحاً لحقوق المرأة. هناك أيضاً صحفيات يتابعن قضية ضمان حقوق المرأة وحقوق الإنسان في عملية التفاوض مع طالبان والعديد من القضايا الأخرى التي لم يتم تناولها هنا. من ناحية أخرى وبسبب العادات والتقاليد وعدم المساواة بين الجنسين في المجتمع الأفغاني، يتم التعامل مع الصحفيات بشكل مختلف ومحاولة القضاء عليهن".
وقالت إن عمل المرأة وخاصة الصحفيات، أدى إلى الاهتمام والاعتراف بالصراعات المختلفة لا سيما في مجالات قضايا حقوق الإنسان. فكلما كانت المرأة أقوى وأكثر حرية، كلما اقترب المجتمع من الحرية وفقدت الجماعات التقليدية من المتطرفين الطائفيين دورها. فالنساء الصحفيات لا تتعرضن للتهديد كالرجال من قبل الجماعات الإرهابية فقط، حيث يشكل المتطرفون الطائفيون والمحافظون الذين يرون أن الرجال قوامون على النساء أيضاً تهديداً للصحفيات ويستهدفون النساء في نفس الوقت.
 
تركت العديد من الصحفيات وظائفهن بسبب التهديدات 
ورداً على سؤال هدف الإرهابيين من قتل الصحفيات، قالت سمسمة سيرت "رسالتهم واضحة وهي خلق الخوف والوحشية. يطلبون من النساء البقاء في منازلهن. ويقولون لهن إذا ما واصلتن العمل الذي تقمن به سيكون الموت مصيركن. ولأن النساء الصحفيات يمثلن صوت جميع النساء في أفغانستان، فإن استهدافهن له تأثير كبير على النساء. ففي الأشهر الستة الأخيرة من عام 2020 استقالت 300 صحفية من وظيفتهن بسبب التهديدات الأمنية. كما غادرت الكثير منهن البلاد. يعد انعدام الأمان على حياة الصحفيين وعدم ملاحقة قضايا القتل والعنف ضد الصحفيين وعدم معاقبة المجرمين أحد الأسباب الرئيسية لهذا الوضع. كما يعد تحالف أمريكا مع طالبان دون ضمان حقوق النساء والصحفيات سبب آخر".
وفي نهاية حديثها قالت سمسمة سيرت التي رأينا فيها تجسداً لمشاعر الأمل واليأس معاً "في الحقيقة لا أعرف ما هي الرسالة التي يجب أن أوجهها، لكن كما قلت مرات عديدة من قبل يجب أن نبقى في بلدنا ولا نهاجر على الرغم من جميع الظروف. يجب أن نستمر في عملنا ونصبح صوت النساء والرجال والأطفال الذين تُنتهك حقوقهم ويتعرضون للتعذيب ولا يُسمع صوتهم ولا يأتي أحد لنجدتهم. في السنوات القليلة الماضية، كانت تعاني الصحفيات من الصراعات وتتعرضن للتهديدات والمضايقات وتقييد العلاقات والتحرش، ولكن الآن يتعرضن للقتل. لذلك لا أعرف حقاً ما هي الرسالة التي يجب علي أن أوجهها، لا يسعني إلا أن أقول رجاءً كونوا أقوياء".
كما وصفت رئيسة اللجنة الأفغانية لحماية الصحفيين وحيدة فايزي أوضاع الصحفيين وخاصة الإناث كالتالي "وضع الصحفيين في أفغانستان ليس جيد، فبسبب الوضع الصعب في هذا البلد هاجر العديد من الصحفيين خارج البلاد وتراجعت آمالهم الوظيفية ويأسوا من العمل. ووفقاً للإحصائيات الحالية، استقالت 300 صحفية منذ شهر آذار، وأعتقد أن هذا العدد قد زاد أكثر من ذلك الحين إلى الآن. كما استقال ألف من الصحفيين الذكور في غضون الأشهر الستة الأولى من العام. وبالطبع أثرت عمليات القتل المخطط لها على عمل الصحفيين الآخرين أيضاً. من بين 1377 صحفية و6757 صحفي قُتل 100 صحفي في التفجيرات والقصف من بينهم 12 صحفية".
وعن استهداف الصحفيين قالت "لماذا يتم استهداف الصحفيين على هذا النحو في التفجيرات، إنه موضوع مدرج للنقاش هذا العام، يخاف الجميع مما سيحدث للصحفيين بعد تغيير النظام. ومن أجل عدم كشف الوضع الحالي والتغييرات التي تحدث للعلن يخلقون الخوف والوحشية بالتفجيرات المستمرة واستهداف الصحفيين. وبهذه الطريقة يريدون التأثير على الصحفيين حتى لا تظهر المعلومات وتخرج للعلن".
 
تخلق المرأة القوية الخوف في قلب السلطات
وأوضحت أنه "لطالما خشيت السلطات من قوة المرأة، لذا فهي تستخدم العنف ضدها أكثر من بين جميع شرائح المجتمع. لم تكن هناك حرية كاملة للمرأة، كانت تهمش دائماً. لم تعد أفغانستان كما كانت قبل عشرين عاماً، فقد استطاعت المرأة الكفاح والحصول على بعض الحقوق وإيصال صوتها والمطالبة بحقوقها. تريد السلطات إسكات صوت المرأة مرة أخرى وكسر إرادتها، فهي لا تسمح لها بالوقوف على قدميها لتصبح ذات إرادة، وهي تخشاها بشدة، لأن المرأة لديها القوة والقدرة على التغيير".
قالت وحيدة فايزي في ختام حديثها "من المؤكد أن ترك الوظيفة وإفساح المجال يعيدنا إلى السنوات القليلة الماضية وهذه ليست نتيجة جيدة للنساء وخاصة للصحفيين. لقد عانينا الكثير في أفغانستان وضحينا بالكثير للوصول إلى هذه المرحلة، لذلك علينا الصمود والكفاح، وإيصال أصواتنا من خلال وسائل الإعلام إلى جميع أنحاء العالم حتى نتمكن من تغيير الوضع الحالي في أفغانستان ونشهد وضعاً أفضل في بلدنا. الاستسلام لا يليق بأحد وخاصة النساء، ولا أحد يقبل الاستسلام، ولكي نتمكن من إحداث التغيير الذي نريده يتوجب علينا المقاومة والنضال، وهذه العملية بالتأكيد يجب أن تقودها النساء".