فجوة سحيقة ما بين تاريخ المرأة الإيرانية وواقعها

تظهر الأحداث الأخيرة التي تعيشها النساء في إيران وانتفاضتهن ضد النظام، الفجوة السحيقة ما بين تاريخ المرأة الإيرانية وواقعها، ومسيرتها المليئة بالتحديات.

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ رغم الدور الحيوي والمشهود للمرأة الإيرانية، فإننا مازلنا نلاحظ حضوراً باهتاً لها في كافة مراكز صنع القرار والمجالات الحياتية الأخرى، وارتفاع الصوت الذكوري الذي يحاول أن يخطف نجاحها لصالحه، فهي تعيش اليوم صراعاً مريراً مع السلطة لتحصيل حقوقها واحتلال موقعها الأساسي في مجتمع يتحكم فيه نظام ديني سلطوي أبوي. 

لم تكن المرأة الإيرانية بمعزل عن المؤامرة التي استهدفت نساء العالم، التي تمثلت بداية بالصراع بين المجتمع النيولوتي والسلطة الذكورية، فيما أكد الفيلسوف الكردي عبد الله أوجلان في مرافعته "مانفيستو الحضارة الديمقراطية" بمجلده الرابع أن "تقييم القضايا التي تعاني منها المرأة بالدرجة الأولى داخل المجتمع ضمن أبعادها التاريخية والاجتماعية يتحلى بالأهمية، فقضية المرأة تكمن في منبع كل القضايا، إذ نقل التاريخ أن الهرمية الذكورية الصارمة قد سيطرت وتمأسست على المرأة، حتى قبل العبور إلى المجتمع الطبقي والدولتي" الذي يؤكد أن منبع كافة القضايا داخل المجتمع هي قضية المرأة والتي بدونها لا يمكن حل هذه القضايا.

وهنالك أسباباً متعددة في عدم حصول المرأة على حقوقها من أهمها نظرة المجتمع الإيراني للمرأة والتي ترى في الرجل أساساً للمجتمع وللأسرة، وترى في المرأة كياناً تابعاً للرجل أقل منه في المقام والمكانة، وعليه يحق له السيطرة عليها وتسيير أمورها، بالإضافة إلى عدم إيمان التيار السياسي المهيمن على البلاد بالفجوة بين الجنسين وضرورة سدها وبالتالي فإنه كثيراً ما لا يشجع إشاعة فكرة مشاركة المرأة في العمل السياسي والولوج في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية الأخرى.

كما عمل النظام الذكوري على تشويه تاريخ المرأة وفكرها فكانت تنظر لنفسها على أنها أقل من الرجل وأضعف منه، وأن القيادة والريادة يجب أن تكون للرجل.

وعلى هذا الأساس، فإن قضية وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار بمجملها تعتبر من أهم التحديات التي تواجهها في إيران، وتهدف المرأة من خلال عملها في السياسة إلى تغيير القوانين المجحفة بحق النساء وكسر الاحتكار الذكوري لمراكز صنع القرار وما نتج عنه من قوانين لا تخدم إلا الرجال، لكن يبقى التقدم على هذا الصعيد بطيء وشبه معدوم.

فعلى مدى القرون الماضية، لم يكن الطريق إلى تحقيق المساواة والحصول على الحقوق الأساسية بالنسبة للإيرانيات سهلاً، فقد ناضلن وما زلن تناضلن للحصول على كافة حقوقهن وإنهاء عقود من القمع والتمييز.

استطاعت المرأة الإيرانية أن تشكل النقطة الفاصلة في العديد من الأحداث التي مرت بها البلاد، كان أهمها مشاركتها في الثورة الدستورية عام 1905، التي كانت بادرة تغيير اجتماعي ثقافي كبير في إيران. في تلك الفترة نشطت الحركات النسوية واستطاعت تغيير قوانين الأسرة ومنح الفتيات حق التعلم.

في عهد رضا شاه بهلوي كان للمرأة الحق في ارتداء الملابس التي ترتئيها دون قيود، وفيما بعد عام 1962، منحت النساء حق التصويت وكان بإمكانهن تولي مراكز صنع القرار، إلا أن وضعهن قد تغير بشكل جذري بعد الثورة الإسلامية عام 1979، وإعلان البلاد كجمهورية ذات طابع إسلامي، هذا العهد قضى على كافة أشكال التمدن وحرية النساء ودورهن في المجتمع الذي كان سائداً في النظام السابق.

 

فرض قوانين صارمة... النساء أولى الضحايا

التغيير الذي طرأ على الحياة السياسية في إيران شمل كافة الجوانب وكان ملحوظاً بصورة خاصة في حياة النساء، حيث تراجعت حقوقهن وتعشن الآن واقعاً من الاستبداد والقمع والتمييز المستمر، فالمجتمع الإيراني يعيش حالياً في نطاق منظومة مشددة من القوانين والأنظمة الاجتماعية المرتبطة بالدين والذهنية الذكورية، بحيث تحولت العادات والتقاليد والتعاليم الإسلامية التي تتبع مذهب الشيعة الاثنا عشرية إلى قوانين صارمة التطبيق، فقد عملت تلك القوانين على تعزيز النظام الأبوي في البلاد وهيمنة الرجل على المرأة، وإعطائه الحق بالتحكم في جميع تفاصيل حياتها وتقرير مصيرها وتحديد ما هو مناسب لها أو غير مناسب.

 انطلاقاً من طبيعة النظام المناهض للمرأة، تصدرت النساء الاحتجاجات التي انطلقت في السادس عشر من أيلول/سبتمبر 2022، إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني "جينا أميني"، على يد شرطة الأخلاق في إيران، بذريعة أنها لم ترتدي الحجاب الإلزامي "بشكل جيد".

هذه الاحتجاجات تعرضت للقمع واستخدم ضدها الغاز المسيل للدموع وحتى الرصاص الحي، واعتقل المئات من الناشطين والناشطات والمطالبات بالحرية، إضافة إلى فقدان العشرات لحياتهم، لكن كل ذلك لم يردع المحتجات وما زلن مستمرات في التظاهر والاحتجاج مطالبات بتغيير الواقع.

كما أنهن كن في صدارة احتجاجات الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019، التي خرجت رداً على تردي الوضع المعيشي والاقتصادي بدايةً ثم شمل سياسة النظام الخارجية والتي هي السبب لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية.

 

انقلاب على مفاهيم المرأة

الأوضاع الراهنة في إيران ليست إلا ثمرة للانقلاب على النظام النيولوتي الذي كان سائداً قبل آلاف السنين، والذي بنيت عليه الحضارات القديمة، وتضمن العدالة والمساواة، وكان يقوم على قيم المرأة ومكانة الأم في تطور الإنسان، وهو ما وحد الناس مع الطبيعة وجعلهم يخضعون لقوانينها، وبما أن الحياة مقدسة إذاً كل ما يخدم إدامة واستمرارية الحياة كان يعتبر شيئاً مقدساً لذلك كان يتم إضفاء صفة القدسية على من يهتم بالعلم، وفي مقدمته النساء. 

هذا الإرث كان دافعاً للنساء للتغير خاصةً في ظِل التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدتها البلاد، ليواجهن مختلف التحديات خلال تأديتهن دورهن الريادي إلى جانب الرجل في مجتمع لا يعترف بالمرأة كونها واحدة من المؤثرات في عملية التغيير.

في الوقت الذي تحاول فيه السلطات الإيرانية تقديم صور لإيرانيات تتمتعن بحقوقهن في التعليم والعمل وأنهن بلغن درجات متقدمة في التمكين الاقتصادي والسياسي للعالم، وأنهن تقلدن بعضاً من مراكز صنع القرار العليا، لكن الجدل ظل قائماً فيما يخص وضع المرأة وحقوقها فالإحصائيات والتقارير الحقوقية الدولية تكشف وبشكل مستمر عن واقعٍ بعيد كل البعد عن هذه الصورة التسويقية، والاحتجاجات التي اندلعت مؤخراً ضد الحجاب الإلزامي وانتهاك حقوق النساء والعنف ضدهن خير دليل على ذلك.

 

غداً: المرأة الإيرانية وإمبراطوريات ما قبل الميلاد