المرأة الإيرانية... أدوار متفاوتة في عصر الخلافات الإسلامية

لم تشارك النساء في عصر الخلافات الإسلامية التي مرت على إيران؛ رسمياً في شؤون مجتمعهن وكان تواجدهن على الساحة الاجتماعية قليل جداً، على الرغم من أنه كان يحق لهن العمل في مختلف المجالات حتى السياسية منها.

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ تباينت حقوق النساء مع الفتح الإسلامي بين عهد وآخر، ففي العهد الأموي منحت بعض الحقوق، إلا أنها لعبت دوراً بارزاً خلال العهد العباسي الذي اتسم بنفوذ النساء، لكن لم يذكر التاريخ الإيراني أو المؤرخين الذين درسوا تاريخ البلاد وأوضاع النساء وجوهاً نسائية في إيران بعد الإسلام وحتى القرن التاسع عشر، إلا ما ندر.

 

المرأة في العصر الأموي

منح الإسلام المرأة الإيرانية التي كانت أكثر من تأثر بالفتح الإسلامي وقوانينه في عهد الخلافة الأموية التي ساد فيها حكم القرآن والسنة حيث الحقوق والملكية والحضور الاجتماعي والواجبات، ذات الحقوق التي منحها بشكل عام للنساء في كافة المناطق التي تم فتحها والتوسع فيها.

لعبت نساء الخلفاء الأمويين في إيران أدواراً متفاوتة في المجال السياسي، لم يكن هناك منع للاختلاط بين الجنسين حيث امتازت النساء بالجرأة في مقابلة الرجال والتحدث معهم في الثقافة والأدب والفن، بل كان الأدب والنقد والتمييز بينهما مادة لحديثهم، وكان لهن التأثير الأكبر في التشجيع على العلوم والآداب التي ظهرت في تلك الفترة.

ومن الناحية الاقتصادية أعفيت النساء غير المسلمات من دفع الجزية، في حال ملكت امرأة أرض خراج فإنها لا تدفع سوى ثمن الخراج "الضرائب".

أما في الحياة الاجتماعية فقد عززت العادات والتقاليد مفاهيماً عديدة منها ربط الشرف بالمرأة، انتقاص حقها في الميراث بدعوى أنها غير مجبرة على العمل وغيرها الكثير، كما أن الإسلام قيد الطلاق والزواج في البلاد.

تعرضت العديد من النساء للسبي ومنهن بنات آخر أكاسرة الساسانيين يزدجرد الثالث "شهربانو شاه، كيهان بانو، شاهيناز بانو"، فقد قضى علي بن أبي طالب (599ـ661)، بأن تتزوج الأميرات الثلاث من مسلمين، فتزوجت الأميرة شهربانو ويعني اسمها "ملكة النساء" والملقبة بـ "سلافة" من الحسين بن علي بن أبي طالب (626ـ680)، وأنجبت ابنها علّي السجاد الملقب بـ "زين العابدين"، إلا أنها توفيت أثناء النفاس في عام 658م، ودفنت في ضريح "بيبي شهربانو" الواقع في مدينة طهران.

بينما شقيقتها كيهان بانو تزوجت من محمد بن أبي بكر الصديق (631ـ658) وأنجبت القاسم بن محمد بن أبي بكر، فيما تزوجت الأميرة شاهيناز بانو من عبد الله بن عمر بن الخطاب (610ـ693) وأنجبت سالم بن عبد الله بن عمر.

لم يذكر معظم المؤرخين الذين تطرقوا إلى الفتح الإسلامي لبلاد فارس ومصير عائلة الساسانيين شيئاً عن زواج الحسين بن علي من الأميرة الفارسية شهربانو شاه، ومن المشككين برواية زواجهم عالم الدين محمد بن سعد البغدادي (784ـ854) والأديب الفارسي محمد بن قتيبة الدينوري، وعالم الدين والمفكر والكاتب الشيعي الإيراني مرتضي المطهري والمؤرخ والعالم في اللغة والأدب جعفر شهيدي.

كما لم يكن يسمح مطلقاً لأبناء الجواري أن يصبحوا خلفاءً، وعلى ذلك لم يتمكن من الوصول إلى الحكم سوى أبناء النساء الحرائر.

فرضت الدولة الأموية الملابس التي تغطي كافة الجسد على المسلمات والنساء من الديانات الأخرى كالمسيحيين واليهود، وبالرغم من ذلك كان باستطاعة النساء مجالسة الرجال وإلقاء الشعر في المآدب.

لم تملك البدويات التحرر الاجتماعي الذي وصلت إليه قريناتهن في القصور، ولم تتح لهن الفرصة للتعبير عن حياتهن وأنفسهن تعبيراً مباشراً، كانت أعراف البادية وتقاليدها أكثر صرامة وإحكاماً على المرأة وتحركاتها، وفرضاً للضوابط الاجتماعية والقيم الأخلاقية التي جعلتها تدور في فلك تعاليم الأسرة والقبيلة.

 

الخلافة العباسية... عصر الجواري والإماء

اتسم العصر العباسي الأول (750 ـ847) بالدور الذي لعبته النساء الإيرانيات، فمنحن حق العمل في مختلف المجالات من أبرزها المجال السياسي.

استطاعت العديد من الجواري في قصور خلفاء البيت العباسي تسلق السلم الاجتماعي بعد عتقهن، منهن من أصبح ابنائهن خلفاءً، ومنحن صلاحيات لم تكن معهودة من قبل، منهن الجارية الفارسية "مراجل" أم الخليفة عبد الله المأمون (786 ـ 833)، التي توفيت بعد أيام من ولادتها لابنها متأثرة بحمى النفاس.

الجاريات لم يكنَّ مجرد أجساد تباع وتشترى، فعلى اختلاف ثقافاتهن كن رافداً من روافد تعدد الثقافات والأعراق التي اتسمت بها الدولة العباسية، أما في الحياة العامة فقد عملن في المهن التي تخص النساء مثل مزينات وقابلات، وكذلك في الغزل والخياطة، والحجامة للنساء. بينما اللواتي امتلكن ثقافة أكبر عملن في الخط والكتابة وأغلب هؤلاء كن من الجواري.

لم يتم التشجيع على تعدد الزوجات في ذلك الوقت، النساء اللواتي فقدن أزواجهن وتزوجن مرة ثانية كن تتعرضن للنبذ من المجتمع على عكس الرجل بالإضافة إلى السخرية من أبنائهن.

كان للنساء أثر بارز في ميداني الشعر والنثر، ما يدل على انخراط المرأة في النشاط الفكري، وتجاوبها من الناحية الثقافية، سواء أكان ذلك على مستوى النساء الحرائر أم الإماء، متحديات الصورة النمطية العامة التي ترسخت في أذهان المجتمعات. برعت طائفة من النساء في قول الشعر من خلال موضوعات مختلفة، منهن دنانير التي لقبت بـ "البرمكية" جارية الشاعر العباسي محمد بن كناسة، كانت مغنية وشاعرة ذات ثقافة عالية.

اعتبرت دنانير من أوائل الفنانات في عصرها، تتلمذت على يد إبراهيم الموصلي (742ـ804) وابنه اسحاق وابن جامع، حتى أصبحت من المغنيات الذائعات الصيت، وقد ألفت كتاباً في الأغاني باسم "مجرد الأغاني"، اشتهر الكتاب كثيراً حتى أخذ به العديد من أعلام الموسيقى والغناء واعتبر مرجعاً لهم، إلا أن النظرة الدونية العامة للمرأة لم تتغير، حيث نشاهد أعظم شعراء الفرس كـ أبو القاسم الفردوسي وسعدي الشيرازي يزدرون بشخصية المرأة في قصائدهم وأشعارهم، لتبقى المرأة في إيران كما سائر الشعوب موضوعاً للتغزل حيث بلغ هذا الشعر ذروته في ديوان حافظ الشيرازي.

كما ذيع أن بعض النساء شاركن في الحروب، منهن الشاعرة الفارعة الشيبانية وهي ليلى بنت طريف بن الصلت التغلبية الشيبانية، تنحدر من قبيلة الفوارس من الجزيرة الفراتية، وهي شقيقة الوليد بن طريف الشيباني، التي ارتدت عدة الحرب وشنت هجوماً على جيش يزيد بن مزيد بعدما علمت بمقتل شقيقها، وقد توفيت عام 815م.

عرفت الدولة العباسية الثانية (847 ـ 1055) بتعاظم دور النساء بشكل كبير وخاصة في المجال السياسي. كان لهن صلاحيات واسعة في إصدار القرارات السياسية. بينما النساء اللواتي عشن في البادية لم يحصلن على ذات الحقوق فرغم كل الحقوق التي امتلكتها نساء المدينة لم تحظى هؤلاء إلا بقدر قليل منها. فيما تراجع دور كافة النساء في العصر العباسي الثالث (1055 ـ 1092)؛ جراء فقدان الخلفاء لسلطاتهم، فشاع الزواج السياسي حيث تزوجت الأميرة سكينة بنت بهاء الدولة أبو نصر فيروز بن عضد الدولة البويهي حاكم الدولة البويهية في إيران والعراق من الخليفة العباسي القادر بالله.

 

غداً: حق التعليم أولى مطالب الحركة النسوية الإيرانية