المرأة الأردنية نجاحات وتحديات (4)
عاش الإنسان على أرض الأردن منذ 1.5 مليون عام، وعلى الرغم من كون المنطقة من أقدم المناطق المأهولة حول العالم إلا أن الاكتشافات المتعلقة بالحضارات السابقة قليلة، وخاصة ما يتعلق بالمرأة
النساء في الثقافة الشعبية والتاريخ
مركز الأخبار ـ . ما وجد اليوم من تماثيل ونقوش وعُملات للنساء ليس إلا جزءاً بسيطاً من تاريخ المرأة. لكن البلاد تتمتع بتراث شعبي أصيل للمرأة دور كبير في الحفاظ عليه ونقله من جيل إلى جيل حتى وصلنا اليوم.
فن التطريز... إبداع مستمر بفضل النساء
تحافظ النساء الأردنيات على مظاهر مختلفة تربطهنَّ بتاريخهنَّ، الملابس وهي جزء مهم من تاريخ وثقافة وهوية أي شعب تأخذ أهمية كبيرة لدى الأردنيات اللواتي يتميزنَّ بالملابس ما بين منطقة وأخرى، لكن جميعها تعتمد على الصناعة اليدوية، رغم ما تحمله من تعب ومجهود كبير إلا أن النساء يحرصنَّ على صناعتها بأيديهنَّ، تلك النقوش والزخارف لها حكايات مرتبطة بعادات ومعتقدات وتاريخ.
تتميز ملابس الأردنيات بالتنوع الكبير رغم صغر مساحة البلاد تقريباً، ويعد التطريز فناً راقياً مستمراً حتى اليوم بفضل النساء، يسمى الثوب الأردني بالمدرقة، للنساء أثواب خاصة بهنَّ لها ألوان مختلفة زخارفها تمثل الهوية الأردنية فهي مرتبطة بشكل كبير بالأرض والتراث والتاريخ الأردني كأشكال طيوره ونباتاته وهضابه ووديانه.
للملابس دلالات متنوعة في الفرح تكون الملابس مختلفة عن تلك التي ترتديها النساء في الأتراح وفي العمل، فعدا اللون هناك تفاصيل كثيرة تختلف من مناسبة اجتماعية إلى مناسبة اجتماعية أخرى كما أن للوضع الاقتصادي لكل امرأة دور في اختلاف الملابس ولكل منطقة كذلك، ولا ننسى عمر المرأة، فالنساء المتقدمات في السن يضعنَّ على رؤوسهنَّ العصبة السوداء أما الشابات فيضعنَّ العصبة الحمراء، وتختلف العصبة من منطقة إلى منطقة ففي الكرك ومعان ترصع بقطع ذهبية، وفي مأدبا والشوبك لا تضعها المرأة إلا بعد الزواج أو الإنجاب. ملابس المرأة مزخرفة بألوان مختلفة تبعاً لكونها متزوجة أم عزباء.
قديماً قبل تعرض البلاد للأزمات الاقتصادية المتلاحقة كانت النساء الميسورات الحال يطرزنَّ ملابسهن بالخيوط الذهبية، أما الفقيرات فيستخدمنَّ الخيوط المصنوعة من القطن أو من الصوف، لكن ذلك لا يؤثر على جمال ودقة التطريز. النظام الطبقي والذي يظهر اليوم في شكل الملابس ليس جديداً على البلاد فالتماثيل الفخارية والطينية كشفت عن وجود النظام الطبقي عند الأنباط، فالملكات يرتدينَّ التيجان والاحجار الكريمة، ومن هنَّ في مستوى اجتماعي أقل يرتدينَّ الحلي الأقل قيمة.
الحفاظ على التراث طريقتهنَّ للعيش
للأردن أهمية تاريخية ويتمتع بالأمن يزوره السياح من كل حدب وصوب ويقصدون أماكن أثرية متعددة. في البلاد وجدت التماثيل والنقوش التي تصور العُزى، الإلهة التي عبدها العرب في شبه الجزيرة العربية، وكذلك وجدت نقوش أخرى للإلهة "فيرجو" أو العذراء التي يزين رأسها سمكتين، وتحمل شبكة صيد وحزمة قمح في إشارة للخصب والخيرات.
من الاكتشافات التي تجذب السياح وتؤكد على مكانة المرأة في العصور القديمة تمثال شبه كامل لإلهة الحب والجمال اليونانية "أفروديت" والذي عثر عليه في مدينة جرش عام 2018، كما تم اكتشاف سبعة من تسع عرائس للشِّعر (ميوزات أو آلهات الإلهام) وعرائس الشعر وهنَّ آلهات يونانية ملهمة للشعر والموسيقى. وكانت الميثولوجيا قد ذكرت تسعة عرائس للشعر وهن بنات زيوس ويترأسن الفنون والعلوم ويمنحن الإلهام فيها.
هذه الميزة استفادت منها النساء لإنجاح مشروعهنَّ فمع الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد وازدياد عدد اللاجئين السوريين في مناطق الشمال الأردني، عملت النساء في الأعمال التراثية كسبيل لإعالة أسرهنَّ ضمن مشروع اليونيسكو لبناء القدرات وذلك باستخدام مهاراتهنَّ. المشروع بدأ في عام 2014 وكانت البداية بيع هدايا تذكارية للسياح.
المشاركات في المشروع عملنَّ في النحت على الصخور. الجميل في هذا المشروع أنه يعود بنا إلى الحضارة النبطية حيث خلد القدماء المرأة بنحت التماثيل لها من خلال تصوير عملية الولادة فالنبطيون اعتبروا جسد المرأة كيان مقدس يعيد الخلق ويهب الحياة، وركزت تماثيلهم على أماكن الخصوبة كالثديين والأرداف. المكتشفات الأثرية التي تخص النساء في الأردن وعلى قلتها تنوعت بين امرأة تقوم بإرضاع طفلها وأخرى تنجب طفلاً ومثل ذلك تمثال اللات الذي يظهر على شكل امرأة مكشوفة الصدر.
النساء توسعنَّ في المشروع وبدأنَّ بتقديم الأطباق التقليدية، استطعنَّ النجاح مادياً وثقافياً بالحفاظ على ثقافة المنطقة من ملابس ومنحوتات وطعام وقمنَّ بجولات في عدة مناطق في البلاد.
وفي عام 2018 افتتحت مجموعة من أمهات أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في محافظة الكرك مشروع "تهديب الشماغ" أو الكوفية، ويهدف مشروعهنَّ إضافة لكونه يحافظ على هذا الإرث المعروف والمهم في البلاد إلى مساعدهنَّ مادياً، كما أنهنَّ تعلمنَّ حرفة تراثية مهمة.
تماثيل الإلهة في المتحف
يحوي متحف الآثار الأردني على تماثيل أنثوية منها تمثال لاريستا وهو يصور امرأة ترتدي إكليل نصف دائري يغطي مقدمة الرأس وجزء من الأذنين، الوجنة اليمنى أكبر قليلاً والرقبة طويله نسبياً ويلتف حولها عقد، صب النحات قدراً كبيراً من الاهتمام على الإكليل وتصفيف الشعر المميز، وعلى الحلي في العقد، وفي الجزء السفلي نقش APICTA ويقرأ لاريستا.
يحتوي المتحف كذلك على جذع "ارتيمس – ايفيسيا" وارتيمس عند الإغريق هي إحدى بنات زيوس وهي إلهة الخصب الأنثوي، وتعادل عند الرومان الإلهة ديانا. الرأس من أسفل الرقبة مفقودة واليدين من وسط الساعد والساقين كذلك. لم يبقى من التمثال إلا الجذع تقريباً.
ويحتوي كذلك على تمثال الإلهة تايكي يصور الإلهة وهي جالسة بهدوء ووقار على كرسي مرتفع. تايكي هي ابنة زيوس كبيرة الآلهة كان يعتقد أن لديها قدرة على تحديد حظوظ الأشخاص، فهي تنعم على البعض وتمحق البعض الأخر، واعتبرت رمز المدينة وحاميتها، تختلف صورها من مكان إلى آخر. التمثال ذو أهمية فنية وتاريخية ومن المرجح انه تم استيراده من أثينا أو من آسيا الصغرى منذ عهد بومباي 63 ق.م.
أغاني النساء
تُردد النساء الأهازيج الشعبية في الأعراس والثورات وطلباً لنزل المطر. تشكل الأغنية النسائية عنصراً أساسياً في الثقافة الشعبية وتؤدي عدة وظائف سياسية اجتماعية دينية وغيرها.
أغاني النساء في الأردن ليست بجديدة، الأردنيات يتوارثنها جيلاً بعد جيل، تُعبر أغانيهن أو أهازيجهنَّ عما يعتمل في دواخلهنَّ بشكل مفهوم للجميع.
النساء واظبنَّ على ترديد الأهازيج عند انقطاع الأمطار حيث يجتمعنَّ مع الأطفال، تقودهنَّ أكبر واحدة في السنَّ تركب دابةً وتنشد وتدعو لنزول المطر. النساء في الأغوار خاصة يتبعنَّ هذه العادة كون السكان هناك يعتمدون على الزراعة بشكل أساسي.
للنساء أهازيج خاصة بهنَّ يرددنها في الأعراس، تختلف بين منطقة وأخرى لها ايقاعات مختلفة وكلمات وطريقة أداء تميزها جماعية كانت أم فردية، ومنها ما يرافقه العزف على آلات محددة ومنها ما يكون ارتجالياً، يرافق بعضها الرقص وبعضها يكون بدون رقصات.
ولها أسماء تبعاً للمناطق المنتشرة فيها ففي البادية يطلق عليها اسم "الهجيني، الشروقي"، وفي الريف تسمى بـ "الدلعونا، زريف الطول، الجفرة وغيرها".
الفن في العصر الحديث
تعمل النساء في مختلف الفنون ففي الفن التشكيلي تعد الفنانة التشكيلية عفاف عرفات من أبرز المؤسسين لرابطة الفنانين التشكيليين ودائرة الثقافة والفنون التي تحولت فيما بعد إلى وزارة الثقافة، لكن صناعة الفن في المملكة متراجعة بشكل كبير. الأعمال التي لاقت شهرة هي الأعمال البدوية بشكل خاص، بعض الفنانين والفنانات لجأوا إلى الدراما العربية في سوريا ولبنان ومصر، لذلك لا يوجد اطلاع كافي من قبل الجمهور العربي على الحياة الاجتماعية في الأردن.
اشتهرت العديد من الفنانات في الدراما البدوية منهنَّ جولييت عواد التي قدمت أدواراً هامة في الدراما المشتركة، وصبا مبارك وصفاء سلطان اللتين ابدعتها في الدراما السورية والمشتركة. كما عرفت سناء المفلح بصوتها الرائع في المسلسلات المدبلجة والأفلام الكرتونية.
كما أن النساء ما يزلنَّ محافظات على الفلكلور الشعبي كالدبكة مثلاً فهن يعقدنَّ حلقاتها في المناسبات السعيدة على وقع الأغاني التراثية التي انتقلت عبر الرواية الشفهية، أما اللون الغنائي الأردني ورغم أصالته وتنوعه بين بدوي وريفي وبحري وشعبي إلا أنه لا يلقى الاهتمام من قبل المؤسسات المعنية بالفن في المملكة على ذلك لا نجد أسماء ذات ثقل على الساحة الفنية.