المقاومة المهيبة: حركة خبز وورد

في القسم الأخير من سلسلة الملفات سوف نتحدث حول الإرث الذي خلفه نضال النساء، مثل "احتجاج خبز وورد"، و"احتجاج مغاسل الألبسة في بتروغراد"

 
 زينب آكول
أنقرة- ، وكذلك الروح الجديدة التي خلقتها ثورة الزراعة، والآمال التي أحيتها فعالية "الأوشحة البيضاء" في مواجهة مصاعب الحياة، والبطالة والفوضى المنتشرة في البلاد.
احتجاج عمال معامل النسيج في مدينة لورانس ـ ماساتشوستس، والذي بدأ بعد مرور 10 أشهر على حريق معمل تري أنجل، يعتبر حدثاً جديداً يضاف إلى الأحداث التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية والذي ترك بصمة واضحة في نضال النساء. ودخلن حركة الاحتجاج تحت شعار "خبز وورد" كصفحة من صفحات التاريخ وإحدى المقاومات المهيبة التي قادتها النساء.
دخلت حركة العاملات في مجال النسيج والحياكة التاريخ تحت شعار "خبز وورد"، وذلك بعد أن استجاب أصحاب العمل لمطالب المحتجات بتاريخ 12 آذار/مارس عام 1912. وأبرز ما ميز هذه الحركة الاحتجاجية هي المشاركة الواسعة للنساء العاملات الأمريكيات في الجبهات الأمامية للحركة الاحتجاجية.
في الأول من شهر كانون الثاني/يناير عام 1912 أصدرت ولاية ماساتشوستس الأمريكية قانوناً منع بموجبه على النساء والأطفال دون سن الـ 18 العمل لمدة تزيد عن 54 ساعة في الأسبوع. وكان الحد الأدنى لعدد ساعات العمل في معامل النسيج يبلغ 56 ساعة اسبوعاً. تدني الأجور وزيادة ساعات العمل كانت تعتبر ظروف عمل صعبة للعاملات في مجال النسيج والحياكة وكانت تعني لهم الكثير. إلا أن أصحاب العمل لم يستجيبوا لقانون تخفيض ساعات العمل وبدأوا بتنظيم حملات مناهضة. وتم تخفيض ساعات العمل لجميع العمال بما فيهم الرجال من 56 ساعة إلى 54 ساعة اسبوعياً، ولكن بالمقابل تم تخفيض أجورهم بنفس النسبة. إلا أن العمال الذين هم بحاجة إلى كل سنت لإدارة أمورهم المعيشية لم يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء تخفيض الأجور. وفي 12 كانون الثاني/يناير خرج نحو 10 آلاف من العاملات في معامل النسيج والحياكة في تظاهرة حاشدة في مدينة لورانس ماساتشوستس الأمريكية. ولورانس تعتبر مدينة عمالية ورائدة في مجال صناعة النسيج.
 
"اجتمعت نساء تنتمين إلى 25 قومية"
كان غالبية العمال من النساء والأطفال ممن تتجاوز أعمارهم 14 عاماً. التنوع العرقي للقاعدة العمالية، وكذلك العدد المتزايد للنساء سد الطريق أمام النقابات التقليدية الموجودة في المنطقة. ولكن ورغم كل الضغوطات فإن حركة الاحتجاج نجحت في جذب نساء من 25 قومية مختلفة. في الـ 29 من كانون الثاني/يناير، نظمت النساء أكبر تظاهرة احتجاجية وتوجهت الآلاف من النساء العاملات نحو مركز المدينة. وأثناء مرور التظاهرة من أمام المصانع والمعامل، حاولت بعض العصابات المأجورة فض التظاهرة وإجبار المحتجات على التراجع. وفي اليوم الذي حدث فيه التوتر أثناء التظاهرة، هاجمت قوات الشرطة على المحتجات ما أسفر عن مقتل امرأة عاملة من أصل إيطالي وتدعى آنا لو بيزو. وبعد حادثة القتل تم إعلان حالة الطوارئ في المدينة، وتم حظر جميع التظاهرات والمسيرات.
الناشطة النسوية أليزابيت غولي فلين، البالغة من العمر 21 عاماً، كانت من إحدى أكثر النساء نشاطاً في تلك الفترة. غولي نظمت اجتماعات خاصة مع النساء العاملات ومع أزواجهن. وتم تأمين جميع المستلزمات المادية لتمويل الحركة الاحتجاجية من خلال حملات التبرع والتعاون التي نظمت في سائر البلاد. 
تم إرسال مئات الآلاف من الأطفال النشطاء عبر مجموعات بواسطة القطار إلى الاشتراكيين في مختلف المدن حتى لا يحرموا من المشاركة في الاحتجاجات.
وعندما وصلت أول قافلة إلى نيويورك تم استقبالهم بمراسم مهيبة. فيما تولت لجنة نسائية مهمة تأمين مكان إقامة للأطفال لدى العوائل. بتاريخ 24 شباط/فبراير تعرضت المجموعة التي كانت تنتظر في محطة القطار لاستقبال المجموعة الثالثة من الأطفال الذين كانوا في طريقهم إلى مدينة فيلادلفيا، لهجوم من قوات الشرطة. وأقدم رجال الشرطة الذين كانوا يحاصرون المحطة على اعتقال 30 شخصاً كما وضعوا الأطفال والنساء في شاحنات عسكرية. وفي تلك الأثناء تعرضت امرأة حامل للضرب من قبل رجال الشرطة، وشكلت تلك الحادثة نقطة انعطاف في احتجاجات خبز وورد.
وخلال فترة قصيرة انتشرت الأخبار في جميع أنحاء البلاد، وازدادت الضغوط على أصحاب العمل. واضطر أكبر أصحاب العمل في المدينة للرضوخ لمطالب العمال، وبذلك انتهت حركة الاحتجاج التي شارك فيها 10 آلاف شخص.
 
احتجاجات عاملات المصابغ والملابس في بتروغراد
في الثامن من آذار/مارس عام 1917 اشعلت العاملات في معامل النسيج فتيل ثورة شباط. النساء العاملات اللواتي خرجن إلى الميادين استجابة لدعوات البلاشفة، كن رائدات الانتفاضة التي أطاحت بالقيصرية. في الأول من شهر أيار/مايو عام 1917، شاركت 5 آلاف عاملة في احتجاجات بتروغراد. وتركزت المطالب بشكل أساسي على تحديد يوم العمل بـ 8 ساعات وزيادة المعاشات. عمدت الدولة إلى حظر تظاهرات عاملات المغاسل، إلا أن العاملات لم يلتزمن بقرارات الدولة واستأنفن التظاهرات. وقررت النساء العاملات بالبدء بحملة لمناهضة الإمبريالية. الانقسام الأكبر بين النساء الاشتراكيات كان يتعلق بالموقف من الحرب العالمية الأولى. فعندما تفوح رائحة البارود، تطالب النساء الاشتراكيات اللواتي تناضلن تحت قيادة كلارا زتكين بتنظيم النشاطات المناهضة للحرب الإمبريالية. وفي برلين نظمت تظاهرة نسائية كبيرة مناهضة للحرب. وتم وقتها تنظيم مسيرة حماسية مناهضة للحرب. هذا النشاط المناهض للحرب الإمبريالية ساهم في توضيح معالم الانقسام العالمي.
في عام 1915 عقد كونفرانس النساء الاشتراكيات في مدينة بيرن بقيادة كلارا زتكين، وتمخض الكونفرانس عن إصدار مانفيستو يتضمن مناهضة وفضح نماذج الحرب الإمبريالية، وكذبة "الدفاع عن الوطن". في هذا الكونفرانس الذي عقد بقيادة كلارا زتكين، تم دعوة جميع النساء لمناهضة والتصدي لمواقف الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والنقابات التي تروج لفكرة "الدفاع عن الوطن"، كما تمت الدعوة إلى الانضمام إلى النضال من أجل الحقوق العالمية والسلام والمقاومة المشتركة.
 
الثورة الزراعية خلقت روحاً جديدة
تعتبر الثورة الزراعية في عام 1917 بمثابة بداية عصر جديد للحركة النسوية. الثورة الزراعية أغلقت الباب في وجه العصر القديم لنضال النساء من أجل الحرية، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام بداية عصر جديد. ومما حققته الحركة النسوية جراء هذه الثورة، هي المساواة الكاملة والمطلقة أمام القانون، إنهاء جميع أشكال الاضطهاد ضد النساء، إنهاء التمييز الثقافي، والتحسن المتسارع لأحوال النساء الاجتماعية والاقتصادية. ومن جهة أخرى تم إعادة تنظيم الحركة النسوية التي تستمد دعمها من الثورة الاشتراكية.
اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، الذي تأسس من خلال الثورة الزراعية، عمل على إنهاء وإلغاء جميع القوانين التي تنتهك حقوق النساء. وأنهى مظاهر اللامساواة بين الرجل والمرأة في القوانين. القرارات التي صدرت، كانت بمثابة القوانين التي تضمن استقلال النساء عن الرجال، وتضمن حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والجنسوية. ولأجل ضمان هذا الأمر صدرت العديد من نصوص القوانين والقرارات.  كما تم إصدار قوانين عمل من أجل حماية النساء، وتطوير شؤون النساء. كما تم إلغاء التفاوت في أجور العمل بين الرجال والنساء، وتم تطبيق مبدأ "الراتب المتساوي للعمل المتساوي". وتم إلغاء العديد من القوانين التي تحد من حقوق المرأة في المنزل، وقضايا الزواج والطلاق. كما تم دعم مساعي توسيع رياض الأطفال ودور الحضانة. كما منحت النساء حق الإجازة المدفوعة الأجر قبل وبعد الولادة. وبعد تأسيس الأممية الثانية، خطت الحركة النسوية في العالم أهم خطواتها، حيث عقدت في موسكو المؤتمر الأممي الثاني. واعتبر هذا المؤتمر بداية لإعادة التنظيم وتحقيق الوحدة الإيديولوجية في العالم.
خبز وورد
نسير نحو ضوء النهار
دخان المطابخ والمطاحن
يعلو صوتنا ويلمع فجأة
ويصل إلى الناس مثل النور
"خبز وورد! خبز وورد"
نحن نسير ونسير، من أجل الرجال أيضاً نسير
لأنهم لا يزالون أبنائنا
ونحن لا نزال أمهات لهم
العمل الشاق والكفاح الشاق
الكفاح منذ الولادة وحتى الممات
لا نريد له أن ينتهي هكذا
الخبز من أجل الحياة
كما نريد ورداً من أجل أرواحنا!
****
نسير كتفا إلى كتف
أصدقائنا الذين ماتوا بين صفوفنا
تصدح صرخاتهم الحزينة في كل أغانينا وهم يصرخون "خبز"
لأنهم عملوا مثل العبيد
نحن نعبر عن الفن والجمال والحب في أصواتهم
نحن اليوم نصرخ ونعبر عن آمالهم
نريد العمل والخبز
ولكننا نريد الورد أيضاً
***
نحن نسير من أجل أيام أفضل
نحن نساء نساعد الإنسان على النهوض
كفى عبودية، كفى للبطالة
الجميع يعمل، ويتقاسم ما تقدمه الحياة
سوف نعيد ونغني بصوت واحد أغنية الخبز والورد
ونعيد ونكرر
"خبز وورد! خبز وورد"