الآلهات في سورية... رمز البركة والتقديس(4) الإلهة بيليت شريكة نظام آلهة بلاد ما بين النهرين العُليا

في الجهات الأربعة لجغرافية الشرق الأوسط المتقاطعة في بلاد ما بين النهرين العُليا (ديار مضر) وعلى مر آلاف السنين أثرت ثقافة الإلهة الأم على كافة الحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة وأشعرتهم بوجودها

.
مع بداية انحسار النظام الأمومي وظهور الثقافة الأبوية وعلى الرغم من فقدانها قوتها كشريك للآلهة في المعابد التي بنتها دول المدن الأولى إلا أنها ما تزال إلهة. فقد حافظت على وجودوها كإلهة البركة والمستقبل في نظام عقيدة الإله بيل داخل دول المدن.
فهل كنتم تعلمون أن معالم وآثار "أم الآلهة" التي كانت تعرف بالإلهة بيليت الباقية حتى الآن تعود على وجه الخصوص إلى الثقافة السامية لدول المدن التي بنيت في مناطق الخابور والفرات؟.   
لا يزال هناك العديد من الأماكن والمعابد وتماثيل الإلهة القديمة المعروفة باسمها في شمال وشرق سوريا وبعض المدن والتلال التاريخية نذكر منها:
تلتان بالقرب من مدينة الحسكة وهما تل براك وتل بيدر
تل زيدان القريب من مدينة الرقة
بالقرب من ناحية الصالحية في مدينة دير الزور دوراـ اوروبوس.
بالإضافة إلى ذلك لا يزال هناك معبد للإله بيليت موجود بالقرب من مدينة بالميرا (تدمر) في سوريا.
ينسب المؤرخون الذين يقومون بتحليل هذه المدينة السامية القديمة والآثار التي تم العثور عليها في هذه التلال إلى عقيدة ثلاثة آلهة وبينوا أن بيليت هي واحدة من هذه الآلهة.
على سبيل المثال كشفت وأثبتت الحفريات الأثرية وأعمال التنقيب قبل الحرب الأهلية في سوريا في معبد الإلهة باليت في مدينة تل بيدر التي بنيت على طريق القوافل التجارية عن تقليد التضحية بالحمام للإله بيليت.
ويعتقد أيضاً أن التي تم العثور عليها من بين آثار تل براك العائدة لعقيدة ثلاثة آلهة وهي تحمل في قبضة يدها حزمة من سنابل القمح هي الإلهة بيليت.
يعتقد أيضاً أنه في القرن الثاني عشر قبل الميلاد كان يوجد في مدينة دوراـ أوروبوس القديمة القريبة من ناحية الصالحية في مدينة دير الزور على ضفاف نهر الفرات معبد منفصل للإلهة ضمن نظام ثلاثة آلهة. في يومنا الراهن لا تزال أجزاء كثيرة من هذه المدينة القديمة قائمة ويعتبر هذا المعبد أقدم كنيسة معروفة فيها.
تم تخريب وتدمير آثار معبد الإلهة بيليت والعديد من الآثار القديمة لهذه المدينة أثناء احتلالها من قبل مرتزقة داعش ما بين أعوام 2014ـ 2019.
المدينة الأخرى التي يوجد فيها معبد للإلهة بيليت هي مدينة بالميرا. تم تدمير وتهريب الآثار التي تخص نظام ثلاثة آلهة مثل دوراـ أوروبوس من قبل مرتزقة داعش.
يوجد القليل من المعلومات عن الإلهة باليت التي ولدت على أراضي بلاد ما بين النهرين العُليا من الناحية الثقافية. حيث كان حظ هذه الإلهة عاثراً وتعيساً للغاية.
بخصوص أسباب ذلك تمت الإشارة بحسب تحليلات المؤرخين وعلماء الآثار إلى "وجودها وبقائها ضمن الثقافة السامية حيث الثقافة الأمومية ضعيفة جداً وتندرج تحت سلطة الآلهة الذكور".  
أيضاً هناك سبب آخر ألا وهو تعرض سوريا التي كانت مكاناً للتجمع من جهة ومنطقة للعبور من جهة أخرى للحروب والغزوات منذ القدم وحتى اليوم.
يعتقد أن الإلهة بيليت تنحدر من الجذور الأكادية السامية وتساوت وتماثلت مع إلهة بلاد ما بين النهرين عشتار. ولكنها لم تلقى شهرة واسعة ولم يذع صيتها مثل عشتار وإنانا.
تمثل الإلهة بيليت البركة، وفي بعض الأدلة الأخرى تم تصويرها على أنها زوجة الإله مردوخ الذي أسس وأنشأ النظام الأبوي في بلاد ما بين النهرين. وقد استمرت عقيدة الإلهة بيليت في إثبات وجودها بأشكال مختلفة في الثقافة السامية حتى ظهور الأديان التوحيدية.
اليوم وفي خضم الحرب الأهلية في سوريا تستمد النساء في شمال وشرق سوريا اللواتي يمثلن الشعب ويبعثن الأمل من خلال ثقافة المقاومة أسسهن من جذور الإلهة بيليت وتقاليد الآلهة التي سبقتها والتي أتت من بعدها. مثل شجرة تنمو من جذورها.