الاحتلال التركي واستهداف النساء في المناطق المحتلة شمال وشرق سوريا

منذ تدخل تركيا بالأزمة السورية، تتعرض النساء في شمال وشرق سوريا بشكل يومي لأشكال عديدة من الانتهاكات بشكل علني وممنهج

مركز الأخبار ـ .
تَعتبرُ المؤسسات المدنية في مناطق الإدارة الذاتية أن تركيا تستهدف الشعوب من خلال شخص المرأة، حيث أن الدولة التركية تخشى من تعاظم قوة النساء بعد تحقيقهنَّ العديد من الانجازات وإصرارهنَّ على المواصلة في طريق النضال.
وقد شاركت المرأة في مناطق شمال وشرق سوريا في الثورة التي انطلقت شرارتها في 19 تموز/يوليو 2012، وأسست لإدارة ديمقراطية فيها وكانت من الطليعيات، هؤلاء النساء أصبحنَّ مثالاً يحتذى به عالمياً.
 
الهجمات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا  
احتلت تركيا والفصائل المرتزقة التابعة لها عدة مناطق في شمال وشرق سوريا في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019 حيث شنت تركيا عملية عسكرية باسم نبع السلام على المناطق الآمنة واحتلت سري كانيه/رأس العين، كري سبي/تل أبيض. 
الشهيدة هفرين خلف الأمين العام لحزب سوريا المستقبل لم تكن المرأة الوحيدة التي استهدفتها تركيا والفصائل المرتزقة التي تعمل لحسابها في المناطق المحتلة في شمال وشرق سوريا.
فضمن العملية العسكرية التي شنتها تركيا ومرتزقتها استهدف أحد الفصائل الإرهابية الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف في 12 تشرين الأول/أكتوبر، على الطريق الدولي الذي يربط حلب بمدينة القامشلي المعروف بـ m4 وتم التمثيل بجثمانها. كما تم التمثيل بجثمان المقاتلة من وحدات حماية المرأة أمارا ريناس في كوباني بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر في نفس العام.
وفي 23 حزيران/يونيو 2020 استهدفت طائرة مسيرة تابعة لجيش الاحتلال التركي أحد منازل المدنيين في قرية حلنج الواقعة جنوب شرق مدينة كوباني في شمال وشرق سوريا مما أسفر عن استشهاد ثلاث ناشطات نسويات مدنيات هنَّ عضوة منسقية مؤتمر ستار في إقليم الفرات زهرة بركل وعضوة مؤتمر ستار هبون ملا خليل إضافة لصاحبة المنزل أمينة ويسي. 
في تشرين الأول/أكتوبر 2019 استشهدت الأم عقيدة والتي يعرفها الكُرد بـ "يادي عقيدة" جراء القصف التركي الذي استهدف المدنيين المشاركين في القافلة المتوجهة صوب سري كانيه/رأس العين.
 
انتهاكات بحق النساء في عفرين المحتلة
خلال العملية العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال التركي والمرتزقة على عفرين بداية العام 2018 تم توثيق استشهاد 56 امرأة إضافة لجرح 104 نساء أخريات. 
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يوثق التمثيل بجثمان المقاتلة بارين كوباني التي استشهدت في الأول من شباط/فبراير 2018 خلال دفاعها عن المدينة، وقد استشهدت معها ثلاث من رفيقاتها في قرية "قرنة"، التمثيل بجثمانها لقي استنكاراً واسعاً وعلى إثر ذلك حاول مرتزقة ما يعرف بالجيش الحر التملص من المسؤولية ورغم المطالبة بمحاسبة الجناة إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوة لذلك.
لم تسلم العديد من النساء من الخطف، تقرير لوكالة هوار التي تغطي أخبار شمال وشرق سوريا كشف عن تعرض المئات من النساء للخطف، فقبل انقضاء العام الأول لاحتلال عفرين تعرضت أكثر من 145 امرأة للخطف والقتل والاغتصاب. 
منظمة حقوق الإنسان في عفرين والهلال الأحمر الكردي وثقا جرائم الاحتلال التركي بحق النساء خلال عامين وجاء فيه "تعرضت أكثر من 50 امرأة للقتل، أصيبت 210 نساء، وتعرضت 60 امرأة للاغتصاب، ثلاث حالات انتحار جراء القهر والتداعيات النفسية الناجمة عن الانتهاكات"، مع العلم أن هذا التقرير لم يشمل العسكريين. 
في نهاية أيار/مايو 2020 كُشف عن تعرض عشرات من النساء الكرديات لانتهاكات جسدية وجنسية في معتقلات مرتزقة فرقة الحمزات التابعة لتركيا في عفرين.
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا قالت في بيان لها عن الحادثة أن النساء تعرضنَّ لجميع أنواع المعاملة الغير أخلاقية ولانتهاكات من قبل الفصائل الموالية لتركيا كما وطالبت بمحاسبة المسؤولين عن هذه الحادثة.
في آب/أغسطس 2018 دعت منظمة العفو الدولية تركيا لوضع حد للانتهاكات الممارسة بحق أهالي عفرين ووصفتها بـ "الجسيمة"، وقالت في تقريرها أن الأهالي "يتحملون انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان، وتشمل الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري ومصادرة الممتلكات والنهب". 
 
تقرير أمريكي يكشف انتهاكات المرتزقة لعام 2020 
وثق تقرير أمريكي انتهاكات تركيا ومرتزقتها في عفرين خلال العام 2020 وتم نشره في كانون الثاني/يناير 2021.
ونشر موقع "المرأة المفقودة في عفرين Missing Afrin Women" تقريراً حول النساء المختطفات في عام 2020 وكانت الناشطة الأمريكية ميغان بوديت التي أشرفت على إعداد التقرير قد قامت بإطلاق المشروع تضامناً مع النساء العفرينيات اللواتي يعانينَّ منذ أكثر من ثلاثة أعوام.   
وجاء في التقرير أن "88 امرأة تعرضنَّ للاختطاف على أيدي الجماعات المرتزقة المدعومة من تركيا، بمعدل حادثة واحدة كل أربعة أيام، ولا تزال 51 امرأة مفقودة حتى الأول من كانون الثاني/يناير 2021 حيث تم الافراج عن 35 امرأة، مع أخبار تقول بأن امرأة قتلت، وتم إطلاق سراح 17 امرأة من أصل 35 امرأة بعد دفع فدية".
وأشار التقرير إلى أن أغلب حوادث الخطف كانت في (كانون الثاني/يناير، نيسان/أبريل، آب/أغسطس، تشرين الثاني/نوفمبر) إذ شهد كل شهر من هذه الأشهر اختطاف 11 امرأة.
الخطف شمل القاصرات أيضاً حيث اختطفت 6 قاصرات عام 2020 ولا تزال خمسة منهنَّ في عداد المفقودين بينما تم إطلاق سراح واحدة فقط.
وفند التقرير الانتهاكات التي تعرضت لها النساء فقال إن 14 حالة (15 بالمئة) من الحوادث تضمنت مزاعم مباشرة بالتعذيب، تم الافراج عن11 امرأة منهنَّ، بينما ثلاثة منهنَّ ما يزلنَّ مفقودات.
كما أن الانتهاكات شملت العنف الجنسي، فثلاثة من النساء تعرضنَّ لعنف جنسي، اثنين منهنَّ أجبرنَّ على الزواج وواحدة تعرضت للاغتصاب خلال الاحتجاز، تم الافراج عن واحدة منهنَّ. 
واستهدف المرتزقة العديد من النساء لكونهنَّ ينتمينَّ لطوائف مختلفة فالتقرير كشف أن خمس نساء إيزيديات وامرأتان علويتان تم اختطافهنَّ. 
 
جرائم حرب وانتهاك للمواثيق الدولية
الدولة التركية لم تحترم المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المدنيين خلال الحروب، وهي أحد أطراف اتفاقية جنيف التي صيغت عام 1949 على إثر الانتهاكات التي شهدتها الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945).
قالت منظمة العفو الدولية أنها جمعت أدلة تشير إلى ارتكاب تركيا والمرتزقة التي تعمل لصالحها انتهاكات لحقوق الإنسان "ارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب بما في ذلك القتل المتعمد والهجمات الغير قانونية والتي أدت لقتل وجرح المدنيين".
كما حمل الأمين العام لمنظمة العفو الدولية كومي نايدو تركيا مسؤولية الانتهاكات التي تقوم بها الجماعات المرتزقة "تركيا أطلقت العنان لهذه المجموعات المسلحة لارتكاب انتهاكات جدية في عفرين".
كشفت منظمة حقوق الإنسان في مقاطعة عفرين ضمن البيان الذي ألقته في 25 حزيران/يونيو 2020 أن 25 امرأة فقدت حياتها منذ بدء العدوان التركي على مناطق شمال وشرق سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019 كما أن عدد الجريحات وصل لـ 153 جريحة. 
شكل المرتزقة عصابات للخطف والابتزاز كما يؤكد الأهالي القاطنين في تلك المناطق، والفارين من الحرب تعرضوا للقتل برصاص الجندرمة التركية، المرصد السوري لحقوق الإنسان وفي تقرير له نشر في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2018 أكد أن 414 مدني قتل على الحدود بينهم 75 طفلاً والعشرات من النساء والشيوخ.
لا توجد أرقام دقيقة حول عدد حالات الاغتصاب والعنف الجنسي كون المسألة حساسة بالنسبة للمجتمع، حتى أن ضحايا هذه الانتهاكات يفضلنَّ الصمت وعدم الافصاح حتى لأسرهنَّ.
العديد من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان العالمية والمحلية أكدت تعرض النساء لانتهاكات جسيمة، كشفت كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لهما تعرض طفلة للقتل والاغتصاب في عفرين من قبل مجهولين بعد تردي أوضاع المدينة، وتم اغتصاب فتاة أخرى من قبل أحد المرتزقة بحجة لباسها المثير، وكذلك قامت مجموعة من المرتزقة باغتصاب ثلاث فتيات لا تتجاوز اعمارهنَّ 15 عاماً. 
بحسب مصادر محلية تورط قادة التنظيمات الإرهابية وضباط أتراك في عمليات الاغتصاب، من بين تلك الحوادث والتي أصبحت قضية رأي عام اغتصاب رئيس ما يسمى مكافحة المخدرات محمود سلو لعدة نساء بينهنَّ امرأة حامل مما أدى إلى اجهاض جنينها.  
تركيا وبمحاولة لذر الرماد في العيون قامت بفتح تحقيق بهذه الحوادث وغيرها بعد أن لقيت استنكاراً من الرأي العام، وقامت باعتقال عدد من مرتزقتها في عفرين لكن لم يتم محاسبة أي منهم بالرغم من ثبوت تورطهم بجرائم اغتصاب وسرقة.
وما تزال هذه الانتهاكات مستمرة حتى اليوم فراديو CRF السويسري وفي أحدث تقاريره أشار إلى الانتهاكات الممارسة ضد المرأة في المناطق المحتلة من قبل دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، ووصفها التقرير بجرائم حرب تستهدف النساء، وجاء فيه أن مئات النساء تعرضنَّ للقتل بشكل وحشي، فضلاً عن مئات جرائم الخطف والاغتصاب، كما تعرضنَّ لجريمة الإتجار بالبشر حيث أجبرنَّ على العمل في الدعارة، وتم تزويج النساء والفتيات بشكل قسري منذ بداية الهجمات على المنطقة. وقد استعان التقرير بشهادات نساء عاصرنَّ الاحتلال. 
 
تقرير مؤتمر ستار يوثق عامين من الانتهاكات   
في نهاية تموز/يوليو 2020 كشفت لجنة البحوث وإحصاءات مؤتمر ستار في شمال وشرق سوريا حصيلة الاعتداءات على النساء في المناطق المحتلة تحت عنوان "المرأة تحت الاحتلال التركي"، وشمل الملف التوثيقي للمؤتمر الحالات المبلغ عنها من اختطاف وقتل في عفرين من تاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2018 حتى حزيران/يونيو 2020 وفيه (في عام 2018 اختطفت 19 امرأة وقتلت 5 اخريات وتحررت امرأة واحدة، في عام 2019 اختطفت 50 امرأة وقتلت 4 أخريات وتحررت 17 امرأة، في عام 2020 اختطفت 30 امرأة وقتلت 5 أخريات وتحررت 13 امرأة).
وشمل الملف حالات الزواج القسري وتزويج القاصرات والتضييق على النساء حيث لا تقتصر انتهاكات تركيا على القتل والاختطاف بل إن النساء في المناطق المحتلة فقدنَّ معظم حقوقهنَّ التي تمتعنَّ بها منذ ثورة 19 تموز/يوليو 2012، انتشر زواج القاصرات والزواج بالإكراه وأعادت المرتزقة التي تعمل لصالح تركيا فرض ملابس معينة على النساء كما فقدنَّ حريتهنَّ في الخروج والعمل.\
 
مطالبات بمحاسبة تركيا 
تركيا هي جزء من عدة معاهدات دولية تخص حقوق الإنسان ومنها معاهدة جنيف التي تخص النزاعات المسلحة لكنها خرقت العديد من بنودها. وتعد تركيا مسؤولة عما آلت عليه الأوضاع في عفرين كونها المدبر الرئيسي للاحتلال وتعمل بشكل علني على دعم الجماعات المرتزقة في المدينة. 
تنص مواد اتفاقية جنيف (31ـ 14ـ 15ـ 16) على معاملة الأسرى بشكل إنساني، واحترام أشخاصهم وشرفهم، ولا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو أي نوع آخر، كما تفرض الاتفاقية حماية أسرى الحرب، وتخص النساء بوجوب التعامل معهنَّ باحترام لا يقل عن المعاملة التي يلقاها الرجال. 
على ذلك طالبت منظمة حقوق الإنسان في مقاطعة عفرين المجتمع الدولي بتنفيذ بنود اتفاقية وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل والفوري من المناطق المحتلة، إضافة لفرض حظر جوي لحماية المدنيين، وفتح ملف للتحقيق في اغتيال الناشطة زهرة بركل وهبون ملا خليل وأمينة ويسي اللواتي استشهدنَّ في كوباني، ووضع حد لانتهاكات تركيا.
مؤتمر ستار وفي كافة فروعه المنتشرة في شمال وشرق سوريا طالب بوقف انتهاكات الدولة التركية ومحاسبتها، وكذلك تطالب مختلف المنظمات النسوية والمدنية في المنطقة وبشكل دائم بمحاسبة تركيا وفتح تحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب السوري في المناطق المحتلة وخاصة النساء.  
لكن لا تلقى هذه الدعوات أذناً صاغية، فمع التقارير المتتالية التي تنشرها المنظمات الإنسانية والحوادث التي تحرك الرأي العام إلا أن الدول العظمى تغض الطرف عما يحدث في المناطق المحتلة شمال وشرق سوريا، ويكتفي النظام السوري بالتنديد دون أن يحرك ساكناً لوضع حد لانتهاكات تركيا أو التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية لتحرير المناطق المحتلة.