إبادة جماعية... مجزرة الأرمن أكبر جريمة ضد الإنسانية في التاريخ الحديث

ارتكبت الدولة العثمانية مجازر متفرقة بحق المكون الأرمني منذ منتصف عام 1914 وحتى عام 1915، وتعد مجزرة الأرمن من أفظع المجازر التي ارتكبت في القرن العشرين.

غدير عباس

مركز الأخبارـ في الـ 24 من نيسان/أبريل من كل عام، يحيي الأرمن والسريان والآشور، الذكرى السنوية للمجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحقهم، ففي نهاية الحرب العالمية الأولى عملت الدولة العثمانية على الانتقام من الأرمن إثر هزيمتها في الحرب بقتلهم وتهجيرهم من أرضهم وارتكبت بحقهم أبشع مجزرة عرفها التاريخ في القرن العشرين، والتي أبادت فيها مليون ونصف أرمني.

تعد مجزرة الأرمن واحدة من أكبر جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث بعد المحرقة النازية التي ارتكبها هتلر بحق اليهود "الهولوكست" في الحرب العالمية الثانية، وعرفت مجزرة الأرمن باسم المحرقة الأرمينية أو الجريمة الكبرى.

ويستذكر الأرمن في جميع أنحاء العالم المجزرة التي راح ضحيتها آلاف الأشخاص يوم 24نيسان/أبريل من كل عام، بزيارة النّصب التذكاريّة والآثار والأضرحة المقدّسة الّتي أُقيمت في ذكرى ضحايا الإبادة الجماعيّة، وإشعال الشموع تخليداً لذكرى وفاتهم. وهناك أكثر من 135 نصباً تذكارياً موزعة على 25 بلداً تخليداً لذكرى الإبادة الجماعية بحق الأرمن.

 

علاقة الأرمن والعثمانيين

لم تكن علاقة الأرمن بالعثمانيين على خير ما يرام رغم أن بلادهم كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وذلك نتيجة للممارسات الدولة العثمانية الفاشية، ففي أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر شكل الأرمن منظمات سياسية بهدف إنشاء حكم ذاتي، مما أثار شكوك الدولة العثمانية حول مدى ولاء الطائفة الأرمينية داخل حدودها، وكان المسيحيون الأرمن إحدى الجماعات العرقية في الإمبراطورية العثمانية.

وفي 17تشرين الأول/أكتوبر1859، استولى ثوار الأرمن على البنك الوطني في القسطنطينية، وهددوا بتفجيره وقتل أكثر من 100 رهينة إذ لم تمنحهم السلطات حكماً ذاتياً إقليمياً، فما كان من العثمانيون إلا أن ارتكبوا سلسلة من المجازر، ففي عام 1894 و1896 قتل أكثر من 80 ألف أرمني واحرقت نحو 2500 امرأة أرمينية في كاتدرائية أورفا، وعرفت في ذلك الوقت باسم "المجازر الحميدية"، وتعد من أبشع المجازر التي ارتكبت آنذاك.

وفي عام 1908 استولى فصيل أطلق عليه اسم "الأتراك الشباب" على السلطة في القسطنطينية "العاصمة العثمانية"، وأنشأوا جمعية سرية عرفت باسم "جمعية الاتحاد والترقي" وتحولت فيما بعد إلى حركة سياسية، بحجة أنشاء نظام دستوري ليبرالي علماني يضع جميع الأفراد على قدر المساواة، لكن قادة جمعية الاتحاد والترقي حولوا نشاط جمعيتهم بين عامي 1909 و1913 إلى أنشاء دولة عثمانية غير متعددة الأعراق، تختزل جميع الثقافات في ثقافة تركيا، لكن المناطق الكثيفة بسكان الأرمن في الاناضول كانت عائق أمام طموحاتهم.  

وخلال المظاهرات التي نظمها الأرمن للمطالبة بمنحهم حكم ذاتي في عام 1909 قتل العثمانيين، نحو20 ألف أرمني في مدينة أضنة.

 

عمليات ترحيل وتهجير قسري

في عام 1914 شاركت الإمبراطورية العثمانية في الحرب إلى جانب دول المحور "ألمانيا والنمسا والمجر" ضد قوى الوفاق "بريطانيا وفرنسا وروسيا وصربيا".

وارتبطت مجزرة الأرمن مع حقبة الحرب العالمية الأولى 1914 و1918 في الشرق الأدنى والقوقاز الروسي، ولم تكن الدولة العثمانية تثق بالأرمن بسبب نشاطهم السابق ضدها وتواصلهم مع الروس، فما كان منها إلا أن هجرتهم خارج مناطقهم في 24نيسان/أبريل عام 1915.

لكنها توسعت في عمليات الترحيل والتهجير القسري في بداية أيار/مايو 1915، حاول بعض الأرمن الزحف للتخييم في المناطق الصحراوية في الجنوب، وأنشأوا قوافل في عدة أقاليم أرمينية في شرق الأناضول، طرابزون، وبتليس، وفان، ومعمورة العزيز، ومنطقة ماراس، وجميع نواحي الإمبراطورية.

لكن الحكومة المركزية في القسطنطينية أطلقت أوامر بتنفيذ عمليات واسعة بإطلاق النار وترحيل المدنيين، وقتل وقتها غالبية رجال الأرمن والعديد من النساء والأطفال، وتعرض الأرمن المهجرين الذين كان أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن إلى هجمات وحشية من قبل ضباط الإقليم والعصابات، ليلقى الآلاف من الأرمن حتفهم قبل وصولهم إلى المخيمات.

واعتقلت السلطات العثمانية ما يقارب 600 شخص من مثقفي وقادة وكتاب ورجال الدين وأعيان المجتمع الأرمني في العاصمة العثمانية القسطنطينية "اسطنبول"، وعملت على ترحيلهم وإعدام 250 أرمني.

 

قتل 1,5مليون أرميني

أصدر الأرمن احصائيات حول أعداد ضحايا هذه المجزرة التي وصلت إلى ما يقارب 1,5 مليون أرميني قتلوا جراء السياسيات القمعية المنظمة قبل سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. لكن وبحسب موسوعة بريتانيكا فأن عدد الأرمنيين الذين ماتوا وذبحوا أثناء الترحيل يزيد عن 600,000 أرمني.

وهجرت الدولة العثمانية بين عامي 1915 ـ 1917 أكثر من مليون أرميني في ظل ظروف قاسية أدت إلى وفاة عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ.

 

الاعتراف بها كـ "إبادة جماعية"

اعترفت بوقوع الإبادة الجماعية كحدث تاريخي 20 دولة و42 ولاية أميركية وعدد من الأقاليم مثل إقليمي الباسك وكتالونيا في إسبانيا، وإقليم القرم المنضم إلى روسيا، وإقليم نيو ساوث ويلز وجنوب أستراليا، وكيبيك في كندا.

واعترفت بعض المنظمات الدولية والعالمية مثل البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا ومجلس الكنائس العالمي ومنظمة حقوق الإنسان.

وفي 24 نيسان/أبريل 2021، اعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن مجزرة الأرمن التي ارتكبت على يد الإمبراطورية العثمانية في عام 1915 كانت "إبادة جماعية"، وهو تصنيف تجنبه الرؤساء الأمريكيون لفترة طويلة خوفاً من الإضرار بالعلاقة الأمريكية التركية. كما صنفتها الأمم المتحدة كجريمة دولية في اتفاقية عام 1948، ونفذت في عام 1951.

واعتمدت العديد من البرلمانات قوانين وقرارات تعترف بـ "الإبادة الجماعية"، فاعترف 26 برلماناً بهذه الإبادة وهي الأرجنتين، النمسا، بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، بلغاريا، كندا، تشيلي، قبرص، فرنسا، اليونان، إيطاليا، لبنان، ليتوانيا، لوكسمبورغ، هولندا، باراغواي، بولندا، روسيا، سلوفاكيا، السويد، سويسرا، الولايات المتحدة، أوروغواي، الفاتيكان، فنزويلا.

ومثل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 5 شباط/فبراير 2019، تخصيص يوم 24نيسان/إبريل يوم وطني لإحياء ذكرى الإبادة الأرمينية وفاءً لوعده الانتخابي ضربة لتركيا ونظامها الرافض لأي محاولة تجريم لمجازره.

 

تركيا ترفض الاعتراف بالمجزرة كـ "إبادة"

ترفض تركيا وصف ما حدث للأرمن بـ "الإبادة" وتؤكد بأن هؤلاء القتلى سقطوا خلال حرب أهلية تزامنت مع ظروف الحرب والتهجير والمجاعة التي أدت إلى قتل ما بين 300 و500 ألف شخص فضلاً عن عدد مماثل من الأتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول.