زواج القاصرات نموذجاً... مائدة حوارية في مصر حول الاتجار بالنساء

عقدت مؤسسة قضايا المرأة في مصر مائدة حوارية حول الاتجار بالنساء بين الأسرة والمجتمع متخذة من تزويج القاصرات نموذج واضح المعالم ومكتمل أركان الإجرامية للتعبير عن تلك القضية وتبعاتها المستقبلية.

أسماء فتحي

القاهرة ـ موجة من الاحتفاء باليوم العالمي لمناهضة الاتجار بالبشر تتجه نحو الحث الفعال على العمل وتوجيه الجهود نحو هذا الملف الشائك الذي يحتاج لتكاتف جميع المعنيين به سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي لمنع تزايد حدته وانتشاره.

بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة الاتجار بالبشر الذي يصادف 30 تموز/يوليو من كل عام، عقدت مؤسسة قضايا المرأة مائدة حوارية بحضور مجموعة من ممثلي الجمعيات والمؤسسات الأهلية وبعض المختصين في الملفات ذات الصلة والشخصيات العامة والإعلاميين لمناقشة ما وصلت إليه الجهود في ملف الاتجار.

وشملت المائدة الحوارية التي عقدت، أمس الأحد 31 تموز/يوليو، سرد الشق القانوني المتعلق بتنفيذ مواد الاتجار بالنساء، وأسباب عرقلتها في بعض الأحيان، فضلاً عن سرد مسبباته الاجتماعية وطرح مجموعة من المعالجات الجذرية، وتوضيح تبعاته على الأسرة والمجتمع، بالإضافة إلى الجانب الديني واستعراض أحكام الشرع في مثل هذه الممارسات.

وتأتي المائدة الحوارية التي أقامتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية، ضمن أنشطة مشروعهم المختص بمناهضة العنف ضد النساء بالشراكة مع سفارة النرويج.

تعتبر عضو مجلس الأمناء بمؤسسة قضايا المرأة المصرية سهام علي، أن زواج القاصرات نموذجاً معبراً عن أسوأ أوجه الاتجار بالنساء لما له من أبعاد اجتماعية غاية في الخطورة، وذات تأثير سلبي كبير على الفتيات والأسر الناشئة.

 

نساء تروين مواقفهن وتجاربهن مع الاتجار

من جانبها قالت الرائدة الاجتماعية في وزارة التضامن الاجتماعي كريستين عطية، إنها بحكم عملها كمتخصصة ندوات وطرق أبواب، التقت بحالة لطفلة تزوجت صغيرة ولكن المأذون تحايل عليهم ولم يسجل عقد الزواج، مضيفةً أنها أنجبت طفلاً وتمكنت من تسجيله بالقسيمة الغير موثقة، ولكن الزوج تعرض لأزمة فتم سجنه ولا تستطع التعرف على مكانه أو الوصول له، وعند تجديد بطاقتها اكتشفت أن زواجها منه غير مسجل وبدأت معاناتها التي لا حل لها حتى الآن.

وأوضحت رئيسة مؤسسة بكرة أحلى للتنمية لطيفة فتحي نعمان، أن الكثير من الفتيات خاصةً المنتميات لجنسيات أخرى تخضعن للابتزاز بمختلف صوره نتيجة المغالاة في طلبات الذكور المرتبطة بالزواج فلم يعد الأمر كما كان قديماً حيث البدايات البسيطة والتي يمكن تطويرها مع الوقت، مشيرةً إلى أنها سألت بعض الفتيات عن أسباب خضوعهن للإتجار الواضح وقبولهن للاستغلال الواقع عليهن ولمست في إجاباتهن اضطرارهن لذلك من أجل تدبير احتياجات زفافهن، معتبرةً أن المنقولات التي يتم شراؤها أحد صور التسليع والمتاجرة وسبب رئيسي في تأزم الكثيرين مادياً ووقوعهن فريسة الابتزاز.

 

 

وأشارت المحامية أميرة صبيح، إلى مسألة التكييف القانوني للإتجار في قضية تزويج القاصرات الناتج عن الفقر والتحايل بالوعود المالية المرتبطة بفترة ما قبل الزفاف تحتاج إلى مزيد من التوضيح، متسائلة حول وجود شق مرحلي مرتبط بـ "الشروع في الاتجار بالبشر" قانونياً والمترتب على تلك الوعود وما إن كان يمكنها وغيرها الدفع به أمام القضاء أم أن القانون قاصر على الاتجار ذاته.

وطالبت المحامية نعمة إبراهيم، بضرورة رفع معدل الوعي لتشمل النيابة والقضاء، مؤكدةً على غياب الفهم الكامل لملف الاتجار بالبشر من المعنيين أنفسهم بتطبيقه.

وأوضحت أن واحدة من أكبر الأزمات التي تواجه المهتمين بهذا الملف هو الارتباط وثيق الصلة بين قانون الأحوال الشخصية والطفل والاتجار بالبشر، مشيرةً إلى أن التعديلات القانونية التي يتم تنفيذها يجب أن تشمل جميع القوانين المتصلة للحد من الظواهر المرتبطة بثقافة المجتمع.

وأرجعت محامية المفوضية المصرية للحقوق والحريات نورهان حسن، أسباب الاتجار إلى بعدين أساسيين هما الاجتماعي والاقتصادي، مشيرةً إلى وجود قرى ومناطق لا يصل لها الدعم التوعوي وبعضهم يزوجون الأطفال لحمايتهم دون أي استغلال مادي لهم، وهنا يجب طرح البدائل التوعوية لمثل هذه الحالات لحمايتهم من ذويهم بالتبعات السلبية الكارثية للزواج المبكر، والبعض يلجأ لتزويج الفتيات لحاجتهم المالية وعدم قدرتهم على التربية وهو الأمر الذي يضع المجتمع المدني أمام مسؤولية طرح بدائل لتوفير دخل مادي للفتيات.

 

 

تاريخ طويل من عمل مؤسسة قضايا المرأة على ملف الاتجار بالنساء

قالت مديرة برنامج مناهضة العنف ضد النساء نورا محمد، لوكالتنا إن مؤسسة قضايا المرأة المصرية تعمل على ملف الاتجار منذ أكثر من 10 سنوات مضت إن لم يكن ذلك الملف واحد من أول أنشطة وأعمال المؤسسة على الاطلاق.

وأضافت أن بداية عمل المؤسسة على ذلك الملف كانت في شكله البسيط المتمثل في زواج الصفقة أو المتعة، ومعه تم التطرق لتبنى الدعاوى القضائية ومختلف التدخلات القانونية، وتطور الأمر وتم التوجه للعمل بشكل منظم على هذا الملف من خلال حملات التوعية والدعم النفسي والتأهيل الاجتماعي.

وأوضحت نورا محمد أنهم لفترة ليست بعيدة كانوا يعملون داخل مؤسسة قضايا المرأة على استقبال ضحايا الاستغلال الجنسي حتى توقف الأمر، مضيفةً أنهم يعملون على تقديم الدعم القانوني والاقتصادي لتمكين النساء من أجل حماية الفئات المعرضة للإتجار من الابتزاز والاستغلال الناتج عن عدم توفر دخل ثابت لهن وحاجتهن للأموال.

وأشارت إلى أن المؤسسة تعمل أيضاً على مستوى السياسات والوعي العام في حملات لم تكن مقتصرة على القاهرة بل استهدفت جانب ليس بالقليل من المحافظات، فضلاً عن عملها على القوانين مع عدد من البرلمانيين والجهات المعنية وغيرها من المجالات الأخرى ذات البعد الاجتماعي الحيوي.

 

 

أزمة الاتجار بالنساء تكمن في تقاربه مع العنف الأسري

وأوضحت نورا محمد، أن هناك تقارب كبير بين الاتجار بالنساء والعنف الممارس على المرأة بشكل عام، فمثلاً قضية زواج القاصرات تصنف أحياناً كعنف أسري، وفي مرات أخرى إذا توافرت بها أركان الجريمة وأصبح له مقابل مادي تصنف على أنها اتجار بالنساء.

وارجعت السبب في عدم اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المتاجرين بالنساء في الكثير من الأحيان إلى تقاربه مع العنف الأسري ودخوله في نطاق الأهل والأقارب، معتبرةً أن قضايا العنف الأسري بشكل عام لا يتم التبليغ عنها لنفس الأسباب، فالبعض قد تقعن في قبضة الاستغلال الجنسي وغيره من الزوج أو أحد أفراد الأسرة ولكن لا يمكنهن الإبلاغ.

وأما عن عدم تطبيق قانون الاتجار بالبشر على النحو المرغوب به فقد أكدت نورا محمد، على أن السبب في ذلك يرجع إلى عدم معرفة الكثيرين بتفاصيل القانون بما في ذلك القانونيين أنفسهم، كما أنه متداخل مع عدد من القوانين الأخرى ومنها الأحوال الشخصية على سبيل المثال، لافتةً إلى أن وكلاء النيابة والقضاء يعتمدون القانون الأسهل والأقرب لهم.