يريفان مدينةٌ أحيت الصوت الكردي

يتمتع الكرد في أرمينيا، ولا سيما في مدينة يريفان، بخصائص تميزهم عن الكرد في القوقاز وبقية مناطق كردستان، إذ يُعدّ حضورهم نموذجاً بارزاً في الحفاظ على اللغة والهوية الثقافية الأصيلة الكردية إضافة إلى توارث الفنون.

تاوار بنجويني

كردستان الحمراء، منطقةٌ كرديةٌ مُريبةٌ مُحيت من الخريطة بفعل الفاشية التركية ووحشية ستالين، هي جزءٌ مُنفصلٌ من كردستان الكبرى، تأسست في السابع من تموز/يوليو من عام 1923 على يد لينين والحزب الشيوعي السوفيتي الحاكم، حكمها أكراد أرمينيا لست سنوات وعاصمتها لاتشين، واللغة الرئيسية في المنطقة هي الكردية.

تتألف منطقة كردستان الحمراء من مناطق كيلبيجار، كاراباخ، جاجيك، قوباطلي، زانجيلان، بيتشيناس، أغابادير، لاتشين، ديجولان، ديليجان، كاراكيش، قوباطي، ومعظمها في غرب أذربيجان وشرق أرمينيا.

وفقًا لتعداد سوفيتي أُجري عام 1926 بلغ عدد السكان 51.426 نسمة بينهم 72.3% كرد أي بأجمالي 37.182 نسمة والبقية أذربيجانيون وأرمن، وكان قد خفض عدد السكان الكرد من 100% إلى 72% إحدى سياسات جمهورية أذربيجان للحد من التهديد الكبير الذي يشكله السكان الكرد على المجتمعات العرقية الأخرى، في عام 1930وبعد تولي ستالين السلطة أدت معاهدة ثلاثية بين الاتحاد السوفيتي وإيران وتركيا إلى تدمير المنطقة المستقلة ومحو اسم كردستان.

وفي عام 1929نشرت صحيفة "زاريا فاستوك" القوقازية تقريراً عن سياسة حلّ الكرد على يد الأذريين في كردستان الحمراء، والتي كانت دليلًا واضحاً على تدمير الكرد، كان جانب آخر من سياسة الاتحاد السوفيتي وجمهورية أذربيجان هو منع افتتاح المدارس الكردية، وعلى الرغم من الاستقلال لم تكن هناك مدرسة كردية في الجمهورية حتى عام 1931، وبعد تدمير كردستان الحمراء افتتحوا العديد من المدارس.

وتعرّض الكرد في المنطقة، ولا سيما في أذربيجان، للتهميش الممنهج والذي طال الهوية الثقافية واللغوية نتيجة لسياسات الإبادة والطمس التي مارستها الأنظمة الحاكمة آنذاك، ومن أبرز الشواهد على هذا التهميش، أن كتاب قواعد اللغة الكردية الذي ألّفه الباحث كاناتي كوردو (أو كوردوييف) عام 1957، لم يُنشر بلغته الأصلية، بل صدر باللغة الروسية، في دلالة واضحة على محاولات فرض لغة السلطة على الإنتاج الكردي المعرفي والثقافي.

ويتميز كرد أرمينيا ويريفان ببعض الخصائص التي تميزهم عن كرد القوقاز وجميع أنحاء كردستان الأخرى، في عشرينيات القرن الماضي، كتب الكرد بالأبجدية الأرمنية، وبعد عام 1927، طوروا الأبجدية اللاتينية، واستخدموها في الكتابة والقراءة، وافتُتحت أول مدرسة إيزيدية في أرمينيا عام 1925. ووفقًا للموسوعة السوفيتية الكبرى، كانت أرمينيا السوفيتية أكبر مركز للأدب الكردي، وفي عام 1925، افتُتحت أكثر من خمسين مدرسة للكرد في أرمينيا.

بعد مرور خمسة وعشرين عاماً على إصدار أول صحيفة كردية على يد عائلة بدرخاني، والتي نُشرت بين عامي 1923 و1929، وشهدت الساحة الثقافية الكردية في الاتحاد السوفيتي السابق انطلاقة نوعية في مجال الإعلام تمثلت بتأسيس أول إذاعة كردية في القوقاز والتي تعد أول محطة إذاعية كردية في تاريخ الشعب الكردي، وفي السياق ذاته أنتج أول فيلم كردي بعنوان "زاري" عام 1926 على يد المخرج هاموبيغ نزاروف في مدينة يريفان، بينما كتب عربي شمو أول رواية كردية بعنوان "الراعي الكردي" عام 1929 أيضاً في يريفان، لتشكل هذه الأعمال محطات مفصلية في تطور الأدب والفن الكردي الحديث.

أول صحيفة كردية كُتبت بالأبجدية اللاتينية كانت "ريا تازه"، التي نشرها عربي شمو في يريفان عام 1930، أما أول بث إذاعي كردي فكان القسم الكردي من إذاعة يريفان، الذي انطلق رسمياً عام 1957، وكانت أزنيفا رشيد المذيعة الكردية تُعتبر أول مذيعة كردية وتُلقب بأم الإذاعة الكردية.

وحافظت العديد من النساء الكرديات في أرمينيا على اللغة الكردية من خلال أغانيهن، مثل أسليكة قادر، وزادينا شاكر، وفاطمة عيسى، وسوسيكا سيمو، أول مغنية كردية في الاتحاد السوفيتي السابق.

وساهم كرد أرمينيا وخاصةً  في مدينة يريفان وقسمها الكردي، الذي بدأ بـ"أخبار يريفان - يريفان تتحدث" في ربط آلاف الكرد بثقافتهم في النصف الثاني من القرن العشرين، عندما كانت الهوية الكردية مُنكَرة ومُحظورة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولا يزال هذا القسم حتى يومنا هذا دليلاً قاطعاً على الهوية واللغة الكرديتين العريقتين في كردستان الكبرى والمنطقة.

والجدير بالذكر، مدينة يريفان هي عاصمة جمهورية أرمينيا وأكبر مدنها، وتعتبر من أقدم المدن المأهولة في العالم إذ يعود تأسيسها إلى عام 782 قبل الميلاد.