يلدز جيا... مقاتلة كوباني التي ترعرعت مع الثورة والمقاومة
النجوم تبدو أجمل في الجبال، فكل ارتفاع يقودك إلى النجوم، وكل إنسان له نجمه الخاص، وهذا النجم كان ثميناً وقيماً بالنسبة ليلدز جيا، وقد أصبح هدف نضالها وكفاحها.

سارا أفران
مركز الأخبار ـ يلدز جيا، ابنة عائلة وطنية من كوباني التي كانت شاهدة على مقاومتها وانتصاراتها، لقي والدها حتفه بإحدى المجازر التي ارتكبها داعش بحق أهالي كوباني، تعمقت بفكر وفلسفة القائد أوجلان التي رأت فيها قارب النجاة لأفكارها ومعتقداتها.
نشأت دلفين محمد الملقبة بـ يلدز جيا، بين 5 أخوات و3 إخوة، لقى والدها في 25 حزيران/يونيو 2015 حتفه بإحدى المجازر التي ارتكبها داعش إثر الهجوم الذي شنه على كوباني، وكانت أمنية والدها أن تنضم بناته إلى صفوف مقاتلي الثورة، وكانت تلك الرغبة في قلب دلفين محمد أيضاً تكبر.
الابتسامة المشرقة لم تفارق ثغرها
كانت دلفين محمد، تحمل اخضرار الحياة في عينيها، وابتسامتها المشرقة على وجهها، وكغيرها من أطفال كردستان، شعرت بآلام الأمهات، كما كانت شاهدة على وحشية داعش، فكل امرأة وطفل وكل مسن ومحارب أصبح نجماً في مسيرة النضال من أجل النصر؛ لقد كانوا يتحولوا في قلب دلفين محمد إلى مشاعر الانتقام خاصة مع انطلاق مقاومة كوباني، كان هناك شيء قد استقر في قلبها، وهو "مهما حدث، فإن النصر سيكون للشعب الكردي والشعوب المضطهدة"، لأنه حيث يوجد الأمل والإيمان والروح الوطنية لا يمكن لأي قوة أن تهزم تلك الشعوب.
كبرت مع الثورة والمقاومة
وبتحية القائد أوجلان، أصبحت كوباني قلب كردستان، ومقاومتها منارة ثورة روج آفا، وقد كبرت دلفين محمد مع الثورة والمقاومة، كما أنها كانت فضولية، والمجتمع الذي نشأت فيه مجتمعاً وطنياً، ومتأثر بالذهنية الاقطاعية، وكان يتم تقييم الأطفال والنساء وفقاً لمعايير التمييز الجنسي في المجتمع، وكانت دلفين محمد ثابتة في مواجهة الحياة العادية، وكامرأة كردية، لم تقبل أبداً الخضوع، كانت دلفين محمد محبوبة لتواضعها وحماسها وذكائها وشجاعتها وجرأتها. على الرغم من صغر سنها، أظهرت وجهات نظرها الكاملة في السياسة والفن.
ومن أجل أن تترك بصمتها في مسيرة النضال وثورة روج آفا، انضمت إلى المقاومة في عام 2021، فهناك طرق يسير فيها المرء لوحده، لكن هناك طرق عليك أن تعطي شيئاً من نفسك في كل خطوة، وما ضحيت به، سوف تراه في تفتح زهرة أو تفتح أزهار شجرة في الربيع أو شروق الشمس.
أحبت الحرية بقدر ما تحب وطنها
يلدز جيا، مثل عاشق للحياة، أرادت التعرف على الحياة التي يعيشها المناضلون والمقاتلون من أجل الحرية عن كثب، فأصبحت الحياة قيّمة بالنسبة لها، وأرادت أن تثري روح الرفاقية التي عرفتها أكثر، فالمعايير التي عرفتها في هذه الحياة، كانت مبادئ رفاقية القائد أوجلان، لقد أرادت معرفة المزيد عن أفكاره، ولأنها كانت تجد إجابات لجميع أسئلتها في كتبه، أرادت أن تعرف كيفية خوض معركة مهمة وقيمة، وكيف ستنجح في حياتها وحربها؟ ولكي تصبح مقاتلة ناجحة، تعمقت في تدريب نفسها في المجال العسكري، واستخدمت العديد من أنواع الأسلحة بطريقة احترافية، وأحبت سلاحها بقدر حبها لوطنها، وأدركت أن المرأة إذا لم تكن قادرة على حماية نفسها فلن تخرج من تحت سلطة الرجل أبداً.
"في كل درس تعرفت على شخصيتي أكثر"
جزء من مذكرات يلدز جيا، قالت فيه "في الدروس الأيديولوجية، في كل درس استخلصت تجربة، في كل درس حصلت على إجابات لأسئلتي، في كل درس تعرفت على شخصيتي أكثر، في كل درس تعلمت حقيقة العدو وحقيقة القائد أوجلان، عرفت نفسي جيداً في درس حقيقة العدو والحرب الخاصة، وعلى الرغم من أنها لم تكن كافية، لكنها صقلت شخصيتي، كما أن الضعف يأتي من الجهل، فإذا لم يتغلب الإنسان على نفسه، ولم يعرف نفسه، ولم يطور نفسه، يصبح أساس كل نقاط الضعف، لماذا لا أستطيع قيادة نساء العالم، وخاصة المضطهدات والمستعبدات؟ نعم الإنسان الذي يريد ذلك يستطيع أن يحقق هدفه وغايته، ويستطيع أن يعد نفسه، ويصحح ويحسن نفسه، ويطورها وينظمها".
وجاء فيها أيضاً "لقد عمل النظام والرأسمالية على نشر مفهوم أن الحب لا يمكن تجربته إلا بين المرأة والرجل، ولكن الحب هو مبدأ أساسي من المشاعر الإنسانية، لا يوجد عشق مثل عشق الشخص الذي يقع في حب فكر وفلسفة القائد أوجلان، في البداية، عندما انضممت لم أكن أعرف شيئاً بالفعل حتى تحليل المجتمع التي كنت أعيش فيه، ولكن شيئاً فشيئاً وحتى اليوم أصبح عشقي عشقاً للإنسانية والتاريخ والمعايير والأرض والمرأة والحياة، وكل هذا يحدث معي على مستوى الحب، وفي الواقع، عندما يقع الشخص في حب فكر وفلسفة القائد أوجلان، لا يرى أي شيء آخر أمام عينيه، مهما كان الإنسان جاهلاً وصغيراً فإنه لا يتخلى عن حب قائده".
حب القائد أوجلان كان يتدفق بقلمها
يلدز جيا، مثل قوس القزح منحت الحياة لوناً، ومواقفها الصادقة جعل وجوه رفاقها تشرق دائماً، كانت امرأة تحمل في داخلها طهارة الآلهة، حملت حب المئات من رفاقها في قلبها، كانت رائدة في كل رقصات الحرية، كان بإمكانك رؤيتها على قمم جبل أكري.
كان لديها حس فني، فمع مرور الوقت أصبحت ممثلة تحيي التاريخ، وفي كل رحلاتها أصبحت مفتاحاً يسلط الضوء على حقائق التاريخ، إلى جانب كونها رسامة ترسم كل آلام شعبها وأحلامه على أوراق بيضاء.
كانت يلدز جيا نشيطة في الحياة وفي كل الأعمال، لقد احتضنت هذه الحياة الثمينة بيديها، كانت عاشقة للطبيعة التي تعاملت معها بحب وصبر، وهذا ما جعل كل مكان تتواجد فيه يلدز جيا يزدهر، فالعلاقة بين المرأة والحياة، وبين المرأة والطبيعة نمت وازدهرت في شخصيتها.
"أراد القائد دائماً أن يقودنا إلى النصر"
جزء آخر من مذكرات يلدز جيا، ذكرت فيها "القائد أوجلان والشهداء هم حقيقة الحياة الحرة، لذلك، بدون معرفة هذه الحقيقة، لا يمكن للمرء أن يعرف حقيقة الحياة أيضاً، ولكي يتحرر الإنسان من العبودية ويعيش حراً، لا بد من اختيار طريق النضال والمقاومة، فقد قال القائد أوجلان "إذا لم تتم دراسة مرحلة ما بشكل جيد، فإن الشخصية لا يتم صقلها وتحليلها بشكل جيد"، ولأن الإنسان عندما لا يعرف تاريخه وثقافته وأصله، أو لا يعرف أنه يعيش في الحياة، فإنه لا يعرف نفسه وهو شخصية ميتة، والشخص الذي انغمس في النهج النضالي وفي فكر القائد أوجلان؛ هو شخص ناجح وحر، لقد أراد دائماً أن نسعى نحو النصر والنجاح وليس نحو الموت".
شكلت مسيرتها جسراً يحقق النجاح والنصر للشعوب
بعد أن تعمقت يلدز جيا في إيديولوجية وفكر القائد أوجلان وطريق النضال، أرادت أن تعزز نفسها من الناحية العسكرية، لذلك درست هندسة الألغام وأساليب القتال، وأصبحت خبيرة فيها خلال فترة قصيرة بسبب ذكائها ومستوى وعيها العالي، وقررت الالتحاق بصفوف النضال والمقاومة.
وبعد سقوط النظام السوري على يد هيئة تحرير الشام ومرتزقته، امتدت هجمات الاحتلال التركي إلى الشهباء وتل رفعت ومنبج، شهدت يلدز جيا الهجمات عن قرب، حيث هاجم الاحتلال التركي جسر قرقوزاق وسد تشرين بتكتيكات وأساليب غير أخلاقية ومؤامرات مختلفة، وكغيرها من رفاقها، التحقت بمقاومة السد بقلبها المؤمن بحرية الشعب، مدركةً أنها هناك لا تحمي سد تشرين فحسب.
وبقيادة مقاتلي وحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية وبإصرار كبير وتقنيات حديثة، تجري مقاومة كبيرة على سد تشرين، ربما لا يمتلك المقاتلون تكتيكات كبيرة، لكن لديهم وطن عظيم في قلوبهم وبجانبهم شعب مشرف للغاية، حيث شاركت يلدز جيا أيضاً في العديد من العمليات، وفي هذه اللحظات المهمة للشعب الكردي وشعوب المنطقة، ومن أجل حريتهم، أصبحت نجماً ينير جسر قرقوزاق وسد تسرين، فقد استشهدت في 30 كانون الأول/ديسمبر 2024 على جسر قرقوزاق جراء قصف للاحتلال التركي ومرتزقته.