عيد النوروز والمرأة... تماهي لا ينتهي

يعود الاحتفال بعيد النوروز إلى آلاف السنين. وتختلف أسباب الاحتفال بالنوروز لعدة روايات مأخوذة من القصص الشعبية بحسب الثقافات المختلفة. وتتفق جميع الروايات على أنه عيدٌ الربيع، والبدء بدورة الحياة الجديدة بعد زوال فصل الشتاء.

مقال بقلم الكاتبة سارا عباس

وفقا للأسطورة الكردية فإن احتفالات النوروز هي استعادة لحدث غابر يقبع في أعماق التاريخ شهد انتصار الثائر كاوا الحداد على الطاغية ازدهاك الذي اعتاد على قتل الأطفال وامتصاص نسغ الحياة كسائر الطغاة.

قتل الطاغية أطفال كاوا ولم يبق له سوى طفلة فخرج لحماية عائلته أو ما تبقى منها وانتصر وأشعل علامة النصر على جدران القلعة وخرج الشعب للاحتفال بالحرية والخلاص.

تبدء احتفالات النوروز بشعلة النوروز أو شعلة الحرية التي تتحلق حولها الموسيقا الفلكلورية وحلقات النساء بثيابهن الفلكلورية وحضورهن المتمايل بين الألوان الزاهية والالحان الضاربة في القدم.

يمثل النوروز بشكل من الأشكال عيداً للمرأة بما تمثله من خصب وربيع وتجدد وائتلاف للعائلة وتبدو النساء الكرديات خلال احتفالات النوروز ربيعا آخر، حين يرتدين الأثواب الملونة والمزركشة المستمدة من الطبيعة وزهورها وتضعن الأقراط الذهبية مع حزام ذهبي يتوسط الخصر ويضيف رونقاً على الفستان الطويل ذي الأكمام الضيقة.

قبل النوروز بأيام تزدحم الاسواق بالنساء الساعيات لشراء أقمشة الثياب الفلكلورية الشعبية، استعدادا لـ "اليوم الجديد" وكأنه عرس جماعي للحياة والعائلة والطبيعة وللمرأة ذاتها التي تتماهى مع الطبيعة الخضراء الجبلية في المناطق التي يتوزع فيها الكرد في العراق وتركيا وإيران وسوريا، يمنح سحر الألوان البراقة الزاهية على الزي التقليدي للمرأة تماهياً مع شعلة النوروز ومع الموسيقا الفلكلورية ومع انبعاث الربيع وهذا التماهي هو جوهر المشهد وعصارته.

كلاهما النوروز والمرأة يرتبطان ارتباطاً عميقا بمعاني الولادة والخصب وهذا الارتباط يقود أيضاً إلى الطبيعة الأم وإلى الأرض لذا فإن الخروج الجماعي للعائلات إلى الطبيعة في يوم النوروز هو استجابة لنداء الولادة والانبعاث الغامض والساطع جداً.

حضرت احتفالات النوروز عدة مرات في منطقة الشهباء شمالي حلب وفي حي الشيخ مقصود في مدينة حلب وشاركت في رقصة "الجوبي" التقليدية ووقعت تحت سطوة الموسيقا الكردية الفلكلورية واخذني التيار الجارف لآلاف العائلات وهي تندفع إلى أقرب برية لتفترش الأرض وتعانق الشمس والأرض الأم وتقبض على "اليوم الجديد" وفي كل مرة كنت أخرج من تلك الاحتفالات وكأنها حلم قديم لم يحدث فعلاً.