وثائق استراتيجية جديدة تُرسم ملامح تحالف "ندى" في اليوم الأخير من مؤتمره
تحالف "ندى" يضع أسساً جديدة للنضال النسائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مستنداً إلى إرث نضالي طويل ورؤية استراتيجية واضحة.

رجاء حميد رشيد
السليمانية ـ استعرض تحالف "ندى" في اليوم الأخير من المؤتمر اعتماد الوثائق الاستراتيجية التي تشكل الأساس لعمله المستقبلي، ليؤكد التزام التحالف بتعزيز دور النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في اليوم الثالث والأخير من المؤتمر الأول لتحالف "ندى" استعرضت رئيسات ومنسقات التحالف الوثائق الاستراتيجية الأساسية، وشمل ذلك اعتماد وثيقة الكونفدرالية النسائية الديمقراطية العالمية كمرجعية رئيسية، واعتماد وثيقة الثورة النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا كمرجعية أساسية، إلى جانب المصادقة على الوثيقة الإطارية والنظام الداخلي للتحالف.
وأوضحت عضوة هيئة الرئاسة في تحالف "ندى" بشرى علي، أن اعتماد وثيقة الكونفدرالية النسائية الديمقراطية العالمية يعود لعام 2022، حين عقد المؤتمر النسائي العالمي الثاني في العاصمة الألمانية برلين "كنا جزءً من اللجنة التحضيرية التي عملت على تنظيم المؤتمر النسائي العالمي الثاني في العاصمة الألمانية برلين الذي يعد حدثاً عالمياً، وقد صادق المؤتمر على هذه الوثيقة لتكون مرجعية أساسية، لتمثل أساساً لتأسيس شبكة 'نساء تنسجن المستقبل'، وهي شبكة نسائية عالمية".
تحالف ندى... الركيزة الأساسية للمرأة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا
وأضافت "قدمنا مقترحاً بأن نكون الركيزة الأساسية لهذا المشروع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد تم قبوله، وبذلك تم التشبيك بيننا وبين شبكة 'نساء تنسجن المستقبل، ثم طرحنا هذا الموضوع على عضوات السكرتارية وناقشناه بشكل موسع، حيث رحبوا بالفكرة وقمنا بتنظيم تدريبات لتعريف العضوات بهذه الوثيقة بشكل أفضل، وكذلك للاطلاع على محتواها بشكل مفصل، حيث ستُعرض هذه الوثيقة على الحضور في مؤتمرنا لمناقشتها".
وأكدت بشرى علي أن وثيقة التحالف تسعى إلى تأطير عمل تحالف نسائي إقليمي انبثق عن المؤتمر النسائي الثاني في بيروت عام 2021، بهدف تحويل التحديات التي تواجه نساء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى فرص نضالية وإنجازات فعلية، حيث تنطلق الوثيقة من إيمان عميق بالإرث النضالي النسائي في المنطقة، وتؤكد على ضرورة بناء قوة نسائية رائدة ومؤثرة تساهم في التغيير المجتمعي والسياسي نحو الحرية والعدالة والأمان للنساء.
"يقوم التحالف على إنشاء إطار نسوي استراتيجي وشامل"
ونوهت إلى أن التحالف يرتكز على المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، ويتبنى عدة مواثيق دولية، أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واتفاقية إسطنبول، وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن، كما يستلهم التحالف رؤاه من الوثائق الفكرية النسوية المستمدة من تجارب نضالية نوعية في العالم، خاصة في إقليم شمال وشرق سوريا.
ولفتت إلى أن رؤية التحالف تقوم على إنشاء إطار نسوي استراتيجي وشامل، يعمل على تعزيز الديمقراطية، والمساواة الجندرية، والعدالة الاجتماعية، ويقف ضد الرجعية والأصوليات الدينية، كما يشدد على استقلاليته الفكرية والتنظيمية، وعلى حق كل مكون في التعبير عن خصوصيته ضمن احترام القيم والمبادئ المشتركة.
وتُحدد الوثيقة أهدافاً استراتيجية واضحة، من أبرزها بناء كتلة نسائية إقليمية فعالة، تمكين النساء من المشاركة في صنع القرار، تطوير خطاب نظري نسوي جديد، التنسيق بين مكونات التحالف، والتصدي للعنف والاحتلال والحروب، بالإضافة إلى حماية حقوق النساء والفتيات، والدفاع عن البيئة، وتعزيز آليات الدفاع الذاتي لدى النساء كوسيلة لحماية مكتسباتهن.
اساليب العمل التي تتبعها تحالف ندى
أما أساليب العمل، فتقوم على تفعيل اللجان التنظيمية، إنشاء هيئات محلية بحسب خصوصية كل بلد، تبادل الخبرات، وتعزيز التضامن والعمل المشترك داخلياً وإقليمياً ودولياً، كما تهدف إلى وضع خطط مناصرة وضغط جماهيري فاعلة، والاحتفاء بالرموز النسائية وتخليد شهيدات النضال، وبهذا، تشكل الوثيقة تصوراً طموحاً لتحالف نسوي جذري وشامل، يسعى لإحداث تغيير عميق وبنيوي في أوضاع النساء في المنطقة، عبر العمل الجماعي والتخطيط الاستراتيجي، والانخراط في الحراك المجتمعي الإقليمي والدولي.
خلاصة الوثيقة تمثل خلاصة عمل التحالف
من جانبها أكدت عضو هيئة الرئاسة في تحالف ندى نعمت كوكو محمد، أن المصادقة على الوثيقة الإطارية والنظام الداخلي للتحالف كانت خطوة هامة، مشيرةً إلى أن خلاصة هذه الوثيقة تمثل خلاصة عمل التحالف منذ المؤتمر التأسيسي على مدى الثلاث سنوات الماضية، حيث تم تحليل واقع العمل داخل التحالف من جوانب متعددة، مثل العضوية والعمل القاعدي، بالإضافة إلى التصدي للقضايا التي يجب التركيز عليها في الوقت الحالي.
وأوضحت أن الوثيقة أخذت في اعتبارها المتغيرات التي حدثت في المنطقة، بما في ذلك تراكم الأزمات في العديد من الدول والتغييرات التي طرأت على الخريطة الاجتماعية للنساء نتيجة الحروب والنزاعات في بعض الدول "كما تم أخذ استمرار قضية فلسطين والصراعات في عدة دول عربية في الحسبان، وبناءً على هذه التطورات، كانت قراءتنا للوثيقة قراءة متجددة، تأخذ بعين الاعتبار السياقات الجديدة والتطورات التي شهدتها المنطقة، وبالتالي، قررنا تطوير مناهج وأدوات العمل، بالإضافة إلى تبني اتجاهات جديدة في سبيل تبني قضايا استراتيجية تواكب هذه التغيرات".
"تقدم الوثيقة السبل الممكنة لتحويل القرن الحادي والعشرين إلى عصر المرأة"
وأضافت "تقدم الوثيقة السبل الممكنة لتحويل القرن الحادي والعشرين إلى عصر المرأة، من خلال تعزيز النضال النسائي عالمياً وتنظيمه ضمن إطار ديمقراطي شامل"، لافتةً إلى أن "النظام الرأسمالي الأبوي يعيش أزمة بنيوية حادة، وأن حرية المرأة تمثل نقطة الضعف الأكبر في هذا النظام، وبالتالي فإن تحريرها يمثل مفتاحاً لحل معظم القضايا الاجتماعية والبيئية والسياسية الراهنة، حيث أن المرأة كانت أول من عانى من العبودية والاستغلال، فجذور الاضطهاد النسائي تعود إلى آلاف السنين، حين بدأ التحول من المجتمعات الأمومية إلى المجتمعات الأبوية السلطوية".
وأكدت على أن القضية النسائية ليست فقط قضية حقوق فردية، بل هي قضية مجتمعية ترتبط بكل مناحي الحياة، وأن المرأة يمكنها أن تقود نضالاً عالمياً شاملاً يضم قضايا البيئة والديمقراطية والعدالة "لفتتا الانتباه إلى أن النظام الذكوري، بشكله العالمي والرأسمالي، يشنّ حرباً منهجية على النساء من خلال العنف والتهميش والاستغلال، ويتخذ من الدين والعلم والقومية أدوات لشرعنة هذه الحرب".
الوثيقة تدعو إلى بناء كونفدرالية نسائية ديمقراطية عالمية
ونوهت إلى أن الوثيقة تدعو إلى بناء كونفدرالية نسائية ديمقراطية عالمية قادرة على تنظيم النضال النسائي وتوحيده خارج إطار النظام القائم، وبناء بديل جذري يتجاوز الأدوات والمفاهيم التي يفرضها النظام الأبوي الرأسمالي، وأن تحرير المرأة هو شرط أساسي لتحرير المجتمع، والمرحلة الحالية تفرض على النساء قيادة هذا التحول التاريخي عبر تنظيم أنفسهن عالمياً، ومواجهة النظام الذكوري بأدوات جديدة تنبع من التضامن والعمل المشترك، وليس من داخل النظام المهيمن نفسه.
الإنجازات التي حققتها ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا
وطرحت منسقية مؤتمر ستار بإقليم شمال وشرق سوريا بيريفان خالد، وثيقة الثورة النسائية كمرجعية أساسية لتحالف ندى، مشيرة إلى أنه تم إعداد هذه الوثيقة واعتمادها من قبل اللجنة التحضيرية العامة، مشيرةً إلى أن ثورة المرأة التي انطلقت في روج آفا بإقليم شمال وشرق سوريا قبل 14 عاماً، حققت إنجازات عديدة، حيث لعبت النساء من كافة المكونات دورهن بقيادة المرأة الكردية.
وأشارت إلى أنه من بين أبرز المكتسبات التي حققنها صياغة قوانين خاصة تضمن حقوق المرأة، واعتماد دساتير تعترف بهذه الحقوق بالإضافة إلى تأسيس أحزاب سياسية نسائية "في الوقت الراهن يتم العمل على صياغة عقد اجتماعي خاص بالمرأة، يهدف إلى ضمان حقوقها ضمن الدستور السوري الجديد"، لافتةً إلى أن نظام الرئاسة المشتركة الذي تم اعتماده في إقليم شمال وشرق سوريا بكافة مؤسساتها وتنظيماتها، سواء الأحزاب السياسية أو التجمعات أو المنظمات النسائية، إلى جانب مؤسسات الإدارة الذاتية، يُعد مبدأً أساسياً في إدارة المنطقة، ويضمن للمرأة دوراً قيادياً فاعلاً في عملية صنع القرار.
التجربة التي اكتسبتها ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا
وأضافت "اعتمدنا في تحالف ندى على تجربة الثورة النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا كمرجعية لضمان حقوق المرأة في منطقة الشرق الأوسط"، مشيرةً إلى أن المنطقة شهدت ثورة نسائية فريدة من نوعها، جاءت كردّ على فشل الإيديولوجيات العالمية، سواء الرأسمالية أو الاشتراكية، في تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة هذه الثورة، التي بدأت فعلياً مع انسحاب النظام السوري من المنطقة عام 2012، والتي تمثلت في مشروع الأمة الديمقراطية، الذي يهدف إلى بناء مجتمع حرّ، بيئي، تعددي، قائم على المساواة وحرية المرأة.
وتابعت "المرأة في روج آفا كانت في طليعة هذا التحول، حيث شاركت بشكل فعّال في كافة المجالات السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، وأسست مؤسساتها الخاصة مثل المجالس النسائية، ووحدات الحماية، والمحاكم الخاصة بالمرأة، والأكاديميات، وأطلقت مشاريع اقتصادية تعاونية تدعم استقلالها، وقد تبنّت الثورة مبادئ أساسية تقوم على تحرير المرأة كشرط لتحرير المجتمع، ونبذ الذهنية الذكورية، وبناء نموذج ديمقراطي تشاركي، يقوم على المساواة بين الجنسين".
واختتمت حديثها بالقول بأن ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا حققت إنجازات ملموسة على الأرض، منها المشاركة السياسية المتساوية، والتحرر من العنف، والتمكين الاقتصادي، وتغيير نظرة المجتمع، وقد أظهرت هذه التجربة أن التنظيم الذاتي والنضال الجماعي قادران على تغيير الواقع، مما يجعلها نموذجاً ملهماً يمكن نقله إلى باقي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لبناء ثقافة نسوية حقيقية ومجتمع ديمقراطي عادل.