واقع السوريات مهدد ومحفوف بالمخاطر... التشبيك النسوي والإعلامي ضروري
أكدت الإحاطة الإعلامية التي نظمها تحالف ندى، أن التشبيك النسوي والإعلامي أمر مهم لإيصال أصوات النساء في سوريا وفضح مختلف الانتهاكات والتجاوزات التي تستهدفهن.
مركز الأخبار ـ نظّم تحالف ندى النسوي إحاطة إعلامية تناولت فيها المتحدثات واقع السوريات اليوم والتهديدات الخطيرة التي تستهدفهن مع الحكومة المؤقتة والفكر الجهادي الذي يرفض وجود النساء في مختلف المجالات ويعمل على وضع عقبات أمامهن بل إقصائهن بشكل معلن، متناسي نضالاتهن ومقاومتهن على مدى 14عاماً من الأزمة.
حذرت المتحدثات من استمرار استهداف ما حققته النساء في سوريا والذي كان ثمنه باهضاً ومن أعمارهن. واعتبرت عضو مؤتمر ستار روكن أحمد، أنه بعد مرور 14 عاماً على الأزمة السورية وعقد عشرات المؤتمرات الدولية مثل جنيف، أستانة، وسوتشي، للتباحث في حل الأزمة السورية، والتي تسببت في التدخل الإقليمي والدولي في الأراضي السورية، يظل المشهد السياسي يراوح مكانه، خلال السنوات الخمس الأخيرة، ورغم الهجمات المتكررة من قبل الدولة التركية وانتهاكات مرتزقتها في مناطق التي احتلتها والاعتقالات التي مارسها النظام السوري، إلا أن الأزمة السياسية في سوريا عانت من جمود نسبي، مع استمرار تعنّت نظام الأسد الهارب وإقصاء بعض الأطراف في المفاوضات السابقة.
وقالت إن المفاوضات التي جرت في السابق لم تكن شاملة لجميع الأطراف، كما أن تعنت النظام السوري في المضي قدماً في الحلول السياسية، إلى جانب التغيرات الإقليمية والدولية، كان له دور كبير في تعقيد الوضع، ولا سيما في ظل الحرب الأخيرة في فلسطين ولبنان، التي تتوقع أن تكون مقدماً لسيناريو مشابه في سوريا بعد إقصاء حزب الله وإيران في المنطقة، وتوسيع المخطط لإقصائهم أيضاً في سوريا.
ولفتت إلى أن التصعيد الأخير لم يكن غير جزء من مخططات دولية وصفقات تهدف إلى خدمة أجندات القوى العظمى، بيد "هيئة تحرير الشام" التي كانت سابقًا تُعرف بجبهة النصرة ومدرجة على قوائم الإرهاب، معتبرة أن انسحاب إيران وروسيا من دعم النظام أدى إلى تغيير كامل في المشهد السوري، مما أسفر عن سقوط النظام في الـ 27 تشرين الثاني 2024، بدءاً من حلب ومدينة تلو الأخرى، وصولاً إلى درعا، حمص، حماة، ودمشق، حتى تم الإعلان عن سقوط الأسد في 8 كانون الأول.
وأضافت "كانت الأحداث تتسارع بشكل مربك جداً، مما غير موازين القوى على الأرض، فكان القرار بإسقاط النظام بشكل عسكري قراراً صادماً، خلق فرحة عارمة لدى السوريين الذين عانوا الويلات على يد النظام الاستبدادي الذي أوصل البلاد إلى التهلكة وأدى إلى خلق صراعات لا تنتهي، ولا سيما المشاهد اللا إنسانية التي شهدها سجن صيدنايا، والتي كانت تعبر عن كارثة إنسانية حقيقية، حيث ظهرت أشكال التعذيب الوحشية التي كانت تمارس على المعتقلين، كان هذا السجن يحتوي على مئات الآلاف من المعتقلين، ولم يخرج منه إلا ما يقارب 3000 شخص، وقد كانوا في حالة من فقدان العقل والذاكرة.
وقالت "كان هذا المشهد حديث الساعة لكل ذوي المعتقلين والمفقودين والرأي العام، لكن الأحداث المتسارعة على أرض الواقع لم تترك الفرصة لاكتمال فرحة الشعب السوري الذي ثار ونهض وانتفض لتحقيق حياة كريمة وتطلعاته نحو الحرية، فور وصول "هيئة تحرير الشام" إلى الحكم الانتقالي، الذي كان يفترض أن يكون مؤقتاً، بدأت بإقصاء المكونات والأطياف المختلفة والنساء، رغم التصريحات التي كان يصرح بها الجولاني أحمد الشرع، إلا أن الأعمال والقرارات التي تم اتخاذها كانت مخالفة لذلك، حيث أحاط نفسه بحاشية كلها مدرجة على قائمة الإرهاب، كما استبعد النساء من الوسط السياسي، وبدأت تخرج تصريحات بأن النساء غير مؤهلات للعمل السياسي والعسكري، واكتفى بتعيين عائشة الدبس ذات التوجهات التي لا تشجع العلمانية، لتتولى إدارة شؤون المرأة وفرض رؤية نمطية على النساء".
وأوضحت "هذه الصورة، وكذلك المسودة التي تم إعدادها لدستور سوريا والتي كانت تهدف لتشكيل دولة إسلامية، خلقت مخاوف جدية لدى النساء والمكونات والأطياف السورية، كما أن الانفلات الأمني والتعرض للمقدسات وتحجيب النساء في الفضاء العام والمجالات المختلفة، كل ذلك خلق ردود فعل عكسية تجاه طريقة إدارة الهيئة للأمور، بالإضافة إلى ذلك، ظهرت فيديوهات تعرض للطائفة العلوية ومقدساتها، وكذلك تم حرق شجرة الميلاد في حماة، مما أدى إلى خروج الآلاف من الرجال والنساء في مظاهرات عارمة للمطالبة بدولة علمانية تعددية لا مركزية ديمقراطية، وتمثيل عادل للنساء على كافة الأصعدة".
وتطرقت إلى تلميع صورة "هيئة تحرير الشام" من خلال فتح السجون التابعة للنظام، إلا أنها في الحقيقة خرجت نساء في إدلب وبمظاهرات منددة لسياسة الهيئة، تطالب بالإفراج عن معتقليهن الذين كانوا معارضين لسياسة الهيئة في سجون إدلب، ومع كل هذا الفراغ، ومع الأيام الأولى من إسقاط الأسد، ظهرت أطرافا إقليمية استغلت المشهد لتتوغل في الأراضي السورية من جانب إسرائيل وتركيا.
وأضافت "أما على الطرف الآخر من المشهد، فقد شهد واقع إقليم شمال وشرق سوريا تصعيداً من نوع آخر، ففي ظل هذه الأحداث والمجريات، استغلت الدولة التركية الفراغ الأمني والانشغال الإعلامي والأطراف بسقوط النظام السوري لتقوم بهجمات على المنطقة، وذلك تطبيقاً لأطماعها التوسعية، لطالما كان للدولة التركية دوراً في تعميق الأزمة في سوريا، ولا تزال تلعب الدور الأكبر في زعزعة الأمن والسلام في المنطقة، ففي الوقت نفسه، وبواسطة المجلس الوطني السوري، هاجمت مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، مثل تل رفعت ومخيمات الشهباء، التي كانت قد عانت من تهجير قسري، حيث بلغ عدد المهجرين نحو 300,000 منذ عام 2018 عقب احتلال الدولة التركية لعفرين".
وتحدثت عن معاناة الشعب العفريني المهجر إلى مناطق الشهباء من الحصار والبقاء في العراء لعدة أيام، وتعرض لهجمات بربرية ووحشية أدت إلى نزوح جماعي بلغ نحو 120,000 شخص إلى مختلف مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، كما أدى ذلك إلى وفاة عدة أطفال في الطريق نتيجة بقائهم في العراء والتعرض للبرد القارس "كانت هذه الهجرة نتيجة ممارسات الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الوطني السوري، التي ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين".
وقالت روكن أحمد أن سعي الدولة التركية الانتقامي والتوسعي كان جليًا في تصريحات رئيسها، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته، اللذان أكّدا مراراً أن هذه المناطق، من حلب حتى سوريا والعراق، هي جغرافيا تابعة لتركيا، ومع ذلك، شهدت المنطقة خيانة تمثلت في خروجها من تحت حكمه، حيث تم رفع العلم التركي في حلب وتداول الليرة التركية في دمشق، وهو ما يعد دليلاً واضحاً على ذلك.
وبينت أنه "لم تكتفِ الدولة التركية ومرتزقتها بذلك، بل هاجموا أيضاً منبج، التي كانت تدار من قبل مجلسها المدني وتحت مظلة الإدارة الذاتية الديمقراطية، وذلك بهدف ضرب الشعوب والمكونات ببعضها البعض وزرع الفتنة في المنطقة، كما ارتكب المجلس الوطني السوري هناك فظائع بحق النساء، ما أدى إلى استشهاد العديد من المدنيين والنساء، من بينهم ثلاث عضوات من تجمع نساء زنوبيا اللواتي استشهدن جراء الهجمات التركية على منبج، وامتدت الهجمات إلى سد تشرين وجسر قرقوزاق، حيث تجري هناك مقاومة تاريخية منذ نحو عشرين يوماً، في وقت تسعى فيه تركيا للهجوم على كوباني التي تحمل رمزية قوية بمقاومتها التاريخية ضد داعش، هي مدينة ذات أغلبية كردية، وتعتبر نموذجاً للمقاومة والصمود".
وأشارت إلى أن أنقرة لا تكتفي بالتصعيد العسكري، بل تسعى أيضاً لاستبعاد الإدارة الذاتية من أي مفاوضات، وتحاول ضرب التجربة الديمقراطية في المنطقة، كما أن العديد من الأشخاص الذين دعّموا وتضامنوا مع كوباني ضد داعش، لازالوا محكومين من قبل الدولة التركية حتى اليوم، ما يجب أن لا تغفل عنه الدول الإقليمية والدولية هو أن هذه الهجمات على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا قد أسهمت في تنشيط خلايا داعش في جنوب سوريا، مما يشكل تهديداً حقيقياً على المستوى العالمي.
وعن تأثير تلك التجاوزات على النساء، أكدت روكن أحمد أنها أثرت على قيادات نساء الثورة ودفعت بأسر النساء من قوات الأمن الداخلي في منبج، التي وصلت إلى حد قطع رؤوس عضوات من قوات حماية المرأة الذين كانوا يناضلون لحماية الشعب، بعد أن وقعوا في أيدي جيش الوطني السوري الذي ارتكب هذه الجرائم بهدف خلق حالة من الرهبة والفزع بين صفوف المقاتلات والمقاتلين، بهدف إحباط نضالهن وكسر إرادتهن، وكذلك استهداف الصحفيين الذين هم صوت الحقيقة، وذلك لمنع كشف جرائم دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها.
واعتبرت أن هذه الانتهاكات زادت النساء إصراراً، فخلال أربعة عشر عاماً من النضال، شهدت مقاومة غير مسبوقة على كافة الجبهات ضد جبهة النصرة، داعش، ودولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، ولم تزد النساء هذه الجرائم إلا إصراراً على المضي قدماً في النضال "على مدار هذه الأعوام، أنشأنا قاعدة فكرية تستند إلى تحرر المرأة وتنظيمها، بناءً على فلسفة "Jin Jiyan Azadî"، التي هي فلسفة حياة كاملة، كما نظمنا أنفسنا بريادة المرأة الكردية مع كافة المكونات النسائية في شمال وشرق سوريا، ونحن غير مستعدات للتراجع عن المكتسبات التي حققتها ثورة المرأة".
وعن التشبيك النسوي أكدت أنه يُعدّ من أهم الأدوات التي تُسهم في رسم ملامح سوريا جديدة التي تدعم حقوق المرأة وتعزز مكانتها في جميع المجالات، في بلد يعاني من سنوات طويلة من الحرب والنزاعات، ويمثل التشبيك النسوي جسراً للتواصل والتعاون بين النساء من مختلف المناطق والخلفيات، مما يعزز التضامن والعمل المشترك لتحقيق الأهداف النسوية المشتركة.
هذا النوع من التعاون لا يقتصر على التشبيك فقط، مشددة على ضرورة توحيد الجهود المحلية، وبناء شراكات إقليمية ودولية مع الحركات النسائية العالمية، مما يُضفي قوة إضافية للنضال النسوي في سوريا.
وتبرز أهمية التشبيك النسوي وفق روكن أحمد، في أنه يكمن في تمكين النساء من التعبير عن قضاياهن والدفاع عن حقوقهن بشكل موحد ومنظم، من خلال بناء شبكات متينة، كما يمكن النساء من تبادل الخبرات والمعرفة، وتطوير استراتيجيات مشتركة لمواجهة التحديات التي تعيق تحقيق المساواة والعدالة.
وبدورها اعتبرت الصحفية بصحيفة روناهي، بيرفان بهجت خليل، أن الإعلام له أهمية قصوى في إيصال صوت النساء وإبراز معاناتهن وفضح كل التجاوزات ضدهن للعالم، لافتة إلى أن الإعلام في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا ساهم بشكل كبير في فضح الانتهاكات التي قام بها الاحتلال التركي والفصائل المسلحة الموالية له.
وبينت أن توضيح الصورة الحقيقية خلق دعماً دولياً لمناطق إقليم شمال وشرق سوريا، محذرة من محاولات تركيا اليوم مجدداً فرض سمومها ومخططاتها عبر إقصاء الإدارة الذاتية من المشاورات بعد أن نشرت سموم التطرف والإرهاب.
وقالت إن أنقرة سعت منذ تدخلها في سوريا إلى فرض مخططات التقسيم والتفرقة واللعب على الهويات، وحاول الإعلام والاقلام الحرة التي لم تخشى آلة الترهيب والتخويف إيصال الصورة للعالم والتنبيه من ممارسات تركيا بفصائلها في تلك المنطقة، مشيرة إلى أن هيئة تحرير الشام كانت مصنفة على قائمة الإرهاب وهي مدعومة من أردوغان والكل يعرف تاريخها في إدلب خاصة.
وبينت أن مناطق الإدارة الذاتية قدمت العديد من التضحيات لنصرة قضيتهم وفضح الإجرام التركي، ولا يزال النضال مستمر "نحن لا نخاف أي تهديدات ونواصل الكفاح من أجل غد أفضل بحكم لا مركزي".
وعن التصريحات الأخيرة من الحكومة المؤقتة في دمشق بخصوص دور المرأة في المرحلة المقبلة قالت "تصريحات خطيرة ومخيفة، إلا تكفي صورة المرأة التي حملت السلاح لتحرير أرضها واقتحمت المجال العسكري وقاومت داعش وهزمته، أليست صورة كافية لهؤلاء؟".
وتحدثت عن نموذج الإدارة الذي نصف المرأة بنظام الرئاسة المشتركة والعقد الاجتماعي والمشاركة الفاعلة لها في كل المجالات، ما يفسر رؤيتها المهمة في بناء البلد الذي تريد تعيش ضمنه بحرية.
وتحدثت عن أهمية التشبيك الإعلامي أيضاً بين مختلف وسائل الإعلام لإيصال صوت النساء في سوريا وفضح الانتهاكات بحقهن، مؤكدة أن النساء تتأثرن ببعضهن "التجارب أكدت أن إشكالية تعانيها النساء في سوريا قد تتأثر بها أخريات في شمال أفريقيا، بما يعني أن القضايا مشتركة ومتشابكة، لذلك من المهم التشبيك النسوي والإعلامي".