واقع المرأة السورية على مشارف العام جديد
تسببت الحرب السورية في تعميق المأساة والتهميش الذي طال غالبية عظمى من السوريين، وكان ضاغطاً بشكل خاص على الفئات الهشة كالنساء. وتشابهت معاناة النساء السوريات جراء الحرب في مختلف المناطق وافترقت وفقاً لاعتبارات خاصة بكل منطقة.
مقال: سارة عباس
أدت السنوات العشر الفائتة إلى انهيار وضع المرأة وتمكينها كانعكاس للانهيار الاجتماعي العام. وزاد الانهيار تعقيداً أن المرأة لم تلق الاهتمام الكافي في ظل هذه الحرب، لغياب المؤسسات الاجتماعية المعنية بشؤونها في المجتمع السوري.
أدت الحرب والهجرة اللاحقة لها إلى تردي الحالة المعيشية إلى مستويات خانقة وغياب عنصر الأمن والاستقرار لدى الشباب المتبقي بسبب الهجرة وتبعات الحرب المختلفة وهو ما انعكس على النساء في عدة نقاط وهي:
- ازدياد نسبة النساء المُعيلات في محاولة لتغطية العجز الحاصل في ميزانية الأسرة، فضلاً عن تعرض كثيرات منهن للتشرد ومواجهة البطالة بسبب أوضاع تلك الحرب التي كان لها آثارها الواضحة والكبيرة في الوضع الاقتصادي للمرأة عموماً، وحقوقها ووضعها التنموي خصوصاً.
- ارتفاع معدلات الطلاق وتفكك الأسر وجنوح الأطفال وتعاطي الحبوب المخدرة في المدارس والعمل في الدعارة.
- ازدياد في نسب الزواج المبكر بين الفتيات على حساب التحصيل العلمي وهو أمر ترافق مع زيادة نسب الفتيات المتسربات من الدراسة في تناقض مع أوضاع المرأة في طرطوس قبل الحرب، حيث اتجهت الفتيات لتحصيل مستويات من التعليم العالي بعيداً عن الزواج المبكر.
مجمل السلبيات المذكورة أعلاه سمحت للمرأة بالتقدم إلى الواجهة وتعويض غياب الدور الذكوري الضائع في متاهات الحرب والهجرة والتشتت، في نوع من الاستعادة لتجربة نساء المباني الألمانيات بعد الحرب العالمية الثانية.
فانطلقت مئات المبادرات والجمعيات والمنظمات وفرق العمل النسائية في مختلف المناطق السورية، في محاولة لملء الفراغ الناشئ عن هذه الأحداث أو الفراغ الذي كشفته هذه الأحداث والذي عجزت عن ملئه سلطات الأمر الواقع المتعددة على امتداد سورية.
وكان للمرأة دور جوهري ملحوظ في العمل المدني المتنامي بحكم أن المجتمع المدني ذات طبيعة أفقية مرنة تنسجم مع طبيعة النساء وروح المبادرة والحرية لديهن.
على عكس السلطات المركزية ذات البنى الهرمية والطابع الذكوري في ممارسة السلطة وفرضها على المجتمع من الأعلى.
يضاف إلى ذلك أن هذه التغييرات الاجتماعية والسياسية ترافقت مع حضور قوي لمسالة حقوق ودور المرأة في المجتمع وفي ممارسة السلطة، وعلى الأخص في إقليم شمال وشرق سوريا حيث سمحت البنية السياسية المرتكزة إلى مفهوم الأمة الديمقراطية بوضع دور وحقوق المرأة على المسار الصحيح، بعد عقود من الإقصاء والتهميش والعزل في الزوايا العاتمة للنظام السياسي والاجتماعي والثقافي.
وهكذا خطت المرأة في شمال وشرق سوريا خلال العقد الفائت على طريق تكريس دورها ما لم تحققه خلال مئة عام في مجمل الجغرافية السورية.
بل إن دور المرأة في مناطق شمال غرب سوريا وفي مناطق حكومة دمشق شهد تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الفائتة، حيث ألغت حكومة دمشق الاتحاد العام النسائي عام 2016 لصالح دعم تنظيم ديني نسائي كالقبيسيات ورفضت ترخيص اتحاد نسائي بديل تقدمت به عدة نساء ناشطات، فيما حذّر رئيس المجلس الإسلامي السوري، وصاحب النفوذ والمرجعية في شمال غرب سوريا الخاضع للاحتلال التركي من الدعوات النسوية ومن المنظمات الداعية إلى دور افضل للمرأة، معتبراً تلك الدعوات مؤامرة على "العادات والتقاليد"، تهدف إلى تخريب المجتمع وتدمير بنيته.
لكن هذا التوجه المنافي لممارسة المرأة دورها في شمال غرب سوريا وفي مناطق حكومة دمشق لم يمنع ناشطات كثيرات من التقدم في ميدان العمل الاجتماعي والثقافي حيث برزت جمعيات نسوية ومعاهد ومراكز تدريب في مجال التنمية البشرية ومدارس خاصة وملتقيات ثقافية تديرها وتمتلكها سيدات فاعلات.
كما برزت المرأة في مجال العمل التنموي من خلال المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والصناعات المنزلية التي تديرها ربات منزل تشاركن بشكل لافت في بازارات مخصصة للمشاريع المنزلية الصغيرة.
إن اختلاف واقع المرأة وحقوقها وتمكينها بين المناطق السورية يؤكد ضرورة التشبيك بين المنظمات المعنية بشؤون المرأة في المناطق الثلاث، خلال العام القادم، وضرورة إيجاد آلية تنسيق لتبادل الخبرات والتجارب من أجل خلق مساحة من التفاعل الإيجابي الهادف لدعم قضايا وحقوق النساء ومناهضة العنف ضد المرأة، وتعزيز قدرات النساء وتمكينهن، ودعم مشاركتهن بصنع القرار بعيداً عن التنافر والتجاذب السياسي.
هذا التنسيق وتبادل الخبرات لابد أن يكون أولوية خلال العام المقبل والا فإن التجارب القائمة في كل منطقة ستظل تدور في حلقة مفرغة وستهدر فرص ظهور دور وطني جامع للنساء على المستوى الاجتماعي والثقافي يكون بديلاً أو مكملاً للاجتماع السياسي السوري المرجو والمتوقف بسبب الحرب وقواها ومجرياتها الذكورية.