تونسيات تحافظن على المأكولات التي تتوارثها الأجيال على مر التاريخ

تحافظ الحرفيات التونسيات خاصة بالجهات الداخلية للبلاد، على التراث الغذائي من الاندثار رغم الصعوبات التي تواجهنها.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ يزخر التراث الغذائي التونسي بالعديد من المأكولات التي تعلمتها النساء عن الأمهات والجدات وحافظن عليها بمرور الأجيال حتى يتم الاستفادة منها كمصدر رزق للمرأة وعائلتها، ولكن يبدو أن هذه المأكولات في طريقها إلى الاندثار بسبب الصعوبات والعراقيل التي ترافق عملية إعدادها.

شاركت حرفيات من جهات مختلفة بمعرض للصناعات التقليدية، أقيم أمس الخميس 22 شباط/فبراير، بقاعة الأخبار بالعاصمة التونسية وقدمن العديد من الأكلات التقليدية لزوار المعرض.

 

"البسيسة والنواصر" حضارة تونسية عريقة

تحول الحرفية نورهان الكتوسي المنتجات الفلاحية البيولوجية إلى 312 مادة غذائية مختلفة بولاية نابل، ولفتت إلى أن الحرفيات التونسيات لهن دور في المحافظة على التراث الغذائي.

وأشارت إلى أنها خريجة جامعة في اختصاص العلوم الغذائية وكانت تعتقد بعد تخرجها أنها سوف تلتحق بمصنع لتحويل المواد الغذائية أو أي شركة أو إدارة ولكن في ظل تفاقم البطالة في تونس، فكرت في العودة إلى الأرضي الزراعية لزراعة الخضار والتوابل التي اختصت بها الجهة منذ عقود.

وأضافت "من حفزني على ذلك مشاركتي بجمعية "النماء" بالمعمورة حيث قمن كمجموعة من النساء بإنشاء "بيت المونة" ويساعدنا نساء من ذوات الاحتياجات الخاصة"، لافتةً إلى أن والدها منحها الأرض وشجعها على العمل وابتكار بعض الأجهزة لعملية التحويل وخصصت جزءاً من منزلها لتحويل هذه المنتجات.

وبالرغم من أنها تعمل أحياناً لمدة 18 ساعة يومياً، إلا أن حبها لما تقوم به وحرصها على تقديم منتجات ذات جودة عالية جعلها تواصل عملها وتمكنت من تصدير المنتجات إلى بلدان أخرى، بحسب ما أكدته.

وحول الصعوبات التي تواجهها، أوضحت نورهان الكتوسي أن عملها يتطلب كمية وافرة من المياه التي باتت نادرة بسبب الجفاف، فضلاً عن ارتفاع كلفة اليد العاملة وتخصيص جزء كبير من يومها في التحويل بمفردها.

وذكرت أنها تقوم بعملية التحويل وفقاً للمواسم حيث تقوم بتحويل القمح والشعير والبقول إلى مواد غذائية مختلفة منها "البسيسة والشوربة والنواصر والحلالم"، وابتكرت شوربة جاهزة تحتوي على جميع المكونات الغذائية السليمة وتقوم أيضاً بتحويل التوابل باختلاف أنواعها والفلفل والطماطم وتقوم بتقطير النباتات العطرية.

وتعدّ "البسيسة" من أقدم المأكولات التونسية تتوارثها الأجيال على مر التاريخ، ويكثر استعمالها خلال شهر رمضان، ويذكر أن جيوش حنبعل استعملتها كمؤونة أساسية أثناء الحرب، وتعتبر النواصر من بين المعجنات التي تميز المطبخ التونسي منذ مئات السنين والتي ارتبطت بالحضارة التونسية العريقة.

 

تونسية تكشف عن التحديات التي تواجه الحرفيات

من جانبها تقول فاطمة بوعلي وهي حرفية من مدينة باجة، إن مصاريف استئجار جناح للعرض بقاعة الأخبار ومصاريف التنقل واستئجار منزل بالعاصمة يثقل كاهل الحرفيات لذلك لا يمكنهن المشاركة في مثل هذه المعارض، لذلك يجب أن تضع الحكومة سعراً رمزياً للمشاركة، مشيرةً إلى أن ضعف إقبال الحرفيين والحرفيات لا يشجع على مواصلة العرض.  

وأضافت أن عملية تحويل المنتجات الزراعية إلى مواد غذائية ليس سهلاً بالطريقة اليدوية، كما أنه مكلف بالنسبة لها في ظل ارتفاع أسعار القمح والشعير والبقوليات أيضاً وكافة المواد الغذائية، مبينةً أنها تعلمت هذه الحرفة من والدتها التي ساهمت بتوفير دخل لها تساعد به عائلتها في ظل غلاء المعيشة.

 

 

العقلية الذكورية لا تقبل بالمرأة الناجحة في الزراعة

بدورها ذكرت الحرفية سماح جبري أنها تبيع منتجات غذائية مختلفة وتقوم بإنتاج ما تحوله إلى مواد غذائية، وفي ظل صعوبات الترويج وعدم القدرة على تغطية المصاريف، تحاول التمسك بهذه الحرفة لأنها ورثتها عن والدتها ولا تريدها أن تندثر.

ورغم مخاوف سماح جبري من اندثار هذه الحرف بسبب عدم إقبال الشابات عليها، فإن ذكرى بن صالح شابة من مدينة الكاف أصرت على العودة من إيطاليا إلى مسقط رأسها والاستفادة من أرض الأجداد في إنتاج الخضار خاصة الطماطم وتحويلها إلى صلصات جاهزة للطبخ دون عناء، وتجفيف بعضها وتحويل الفلفل إلى أنواع كثيرة من التوابل.

وعن الصعوبات التي تواجهها، قالت إنها وجدت صعوبات في التمويل وترتبط بالعقليات بين فلاح قديم وفلاح جديد وخاصة العقلية الذكورية والبيئة المحافظة التي لا تقبل بالمرأة الناجحة في الزراعة، مشيرةً إلى أنه لا يوجد تشجيع من قبل الحكومة للفئة الشابة التي تحرص على إنشاء مشاريع في ظل ما يشهده العالم من تغيرات مناخية وتوجه نحو الاقتصاد الأخضر.