تونسيات ضد تأنيث الفقر... محتجات تطالبن بالعدالة والمساواة
في ظل الأزمات المتفاقمة تتصدر النساء في تونس الصفوف الأمامية للنضال من أجل العدالة والمساواة، ومع تزايد نسب الفقر تتجدد الدعوات لحماية حقوق النساء ووقف السياسات التي تؤدي إلى تفقيرهن، خاصة في ظل العمل الهش وغياب الضمانات الصحية والاجتماعية.

تونس ـ بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الفقر، نظمت ناشطات تونسيات، وقفة احتجاجية أمام قصر الحكومة بالقصبة، للتنديد باستمرار تفقير النساء والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والجندرية، في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتهميش الفئات النسائية في سوق العمل والخدمات الأساسية.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في تونس بلغت 16.6%، بينما يقدر البنك الدولي أن نحو 28.99 % من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وسط توقعات بارتفاع هذه النسبة إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
ومنذ الثورة شهدت الطبقة المتوسطة انحداراً نحو الفقر نتيجة عدم الاستقرار السياسي وتعدد الحكومات، ما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة رغم وعود السلطة الحالية بتحسين الوضع وتسديد القروض المتراكمة منذ عام 2011.
في هذا السياق، نظمت الجمعية "التونسية للنساء الديمقراطيات" بالتعاون مع المسيرة العالمية للمرأة ـ تنسيقية تونس، وقفة احتجاجية رمزية أمام قصر الحكومة بالقصبة أمس الجمعة 17 تشرين الأول/أكتوبر، تزامناً مع اليوم العالمي لمناهضة الفقر، ورفعت المشاركات شعارات تطالب بالعدالة البيئية والجندرية، مؤكدات أن معركة الحقوق مستمرة ولا تراجع عن المكاسب التي حققتها النساء.
الناشطات المشاركات في الوقفة شددن على أن العدالة حق إنساني لا ينبغي أن يبقى مجرد شعار، بل يجب أن يتحقق فعلياً عبر سياسات تضمن المساواة وتكافؤ الفرص، كما عبّرن عن تضامنهن مع أهالي ولاية قابس، الذين يعانون من التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي الذي استقر بالجهة منذ أكثر من نصف قرن، وأصبح مصدراً للأمراض السرطانية.
وأكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني، على أن الوقفة الرمزية جاءت للتنديد بتأنيث الفقر واستمرار حرمان النساء من الأدوية الحيوية، إضافة إلى مشاكل النقل والتشغيل الهش الذي تعاني منه العاملات، خاصة الفلاحات، مذكرة بحادثة وفاة الشابة سمر التي كانت تبلغ من العمر 22 عاماً، إثر تعطل المصعد في المصنع الذي تعمل به، معتبرة أن غياب إجراءات السلامة المهنية يمثل تقصيراً يجب أن تتحمل الدولة مسؤوليته.
ودعت إلى مراجعة ميزانية الدولة التي تم الإعلان عنها مؤخراً، مشددةً على ضرورة تخصيص موارد كافية لقطاعات الصحة والتعليم والنقل والثقافة، باعتبارها ركائز أساسية لرفع الوعي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وسلطت الضوء على الأزمة البيئية الخانقة التي تعاني منها ولاية قابس، حيث أصبح التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي مصدراً للاختناق البشري واستهدافاً مباشراً للبيئة والطبيعة، بعد أن دمر الأخضر واليابس وتسبب في تفشي الأمراض، داعية إلى تدخل عاجل من الدولة لوقف هذا التخبط البيئي والصحي، وإنقاذ السكان من المخاطر المحدقة، مؤكدة دعمها الكامل للحراك الاجتماعي في قابس.
من جانبها طالبت عضوة الجمعية آسيا بلحسن، بتمكين النساء من استغلال الأراضي الدولية لإقامة مشاريع تنموية، معتبرةً أن النساء هن من تعمّرن الأرض وتعملن فيها ويجب أن يُمنحن هذا الحق، داعيةً إلى دعم الفلاحات والكادحات في معركتهن ضد الفقر والجوع.
من جهتها اعتبرت المختصة في علم الاجتماع فتحية السعيدي أن الوقفة تمثل دعماً لمعركة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مشيرةً إلى أن ارتفاع نسب الفقر وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية دليل على الحاجة الملحة لإصلاحات شاملة تأخذ بعين الاعتبار العدالة الجندرية والمساواة بين الجهات.
ونددت بالمعالجة الأمنية للاحتجاجات الشعبية السلمية في قابس، مؤكدةً أن استخدام الغاز المسيل للدموع يزيد من تأجيج الأوضاع الاجتماعية، خاصة في ظل غياب الأدوية الضرورية لعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان، حيث بات الحصول عليها يتطلب اللجوء إلى القضاء، ما يعرض حياة الآلاف للخطر.
وأوضحت الصحفية منية كواش أن النساء في تونس هن الأكثر فقراً رغم تفوقهن في التحصيل العلمي، مشيرةً إلى أنهن تقبلن المعاناة على حساب صحتهن دون أن تتمتعن بحقوقهن كاملة، منتقدةً استمرار تهميش النساء في القطاع الفلاحي والمصانع، حيث تتعرضن للتحرش والتنكيل، وتخشين المطالبة بحقوقهن خوفاً من فقدان مصدر رزقهن الوحيد.