توليفة المعتقدات والأديان التوحيدية: الدرزية -1
المعتقدات والأديان التوحيدية ليست باطنية أو ميتافيزيقية فحسب، بل لها أيضاً أيديولوجية وفلسفة ومفهوم مقاومة قائمة على التنشئة الاجتماعية. بمعنى آخر، أهميتها لا تقتصر على خصائصها الداخلية فحسب، بل تتعداها إلى الديالكتيك والعلم.

مركز الأخبار ـ في الحرب العالمية الأولى، قُسِّمت العديد من الأمم والجماعات الدينية، مثل الكرد والدروز والأرمن واليهود والسريان والروم والشركس والنصيريين (العلويين) والموارنة وغيرهم، بحدود مصطنعة، مما جعلهم بشكل عام الحلقة الأضعف في النظام، ومن بين المجتمعات التي عانت من هذه الانقسامات الدروز.
عند النظر إلى تاريخ المعتقدات، نجد أن المعتقدات والمذاهب المتعلقة بطبيعة المجتمعات البشرية ووجودها، والتي نشأت مع المجتمع الطبيعي، تُعد نموذجاً أو عالماً مصغراً، ففي العصور الأولى، لم تتطور المعتقدات بطريقة تمييزية، بل بطريقة شملت جميع قطاعات وفئات المجتمع ودمجتها. ومع نمو التنشئة الاجتماعية، توسعت المجتمعات وانتشرت، تبعاً للظروف الجغرافية ومستويات المعيشة، فظهرت اختلافات في المعتقدات.
ومع مرور الوقت، تغيرت هذه المعتقدات، ومع ذلك، تشكلت هياكل استطاعت أن توصل تأثير المعتقدات حتى يومنا هذا، وأكبر دليل على ذلك هو النهج المتساوي بين الرجال والنساء، وتأكيد دور المرأة كقائدة، على سبيل المثال، في الديانة الإيزيدية، تتولى المرأة دوراً قيادياً في الطقوس؛ وفي الديانتين الكاكائية واليارسانية، تتمتع المرأة بنفس حقوق الرجل، كما أن مكانتها في المجتمع مصانة بعناية، أما في الديانة العلوية، فيُعتبر التصرف خارج نطاق المساواة بين الرجل والمرأة عاراً اجتماعياً، وفي الديانة الدرزية، تُعتبر المساواة أيضاً أساساً للعلاقات بين الرجل والمرأة، ولا يقبل أي ضغط على المرأة بأي شكل من الأشكال.
لا تزال هناك العديد من أنظمة المعتقدات التي أوصلت هذا المفهوم إلى يومنا هذا، وعلى الرغم من أنها ظلت تحت تأثير الديانات التوحيدية التي تستبعد المرأة والمفاهيم التي منحت الحقوق الاجتماعية لدوائر معينة فقط، فإن هذه المعتقدات حافظت على جوهرها، علاوة على ذلك، فإن هذه المعتقدات ليست باطنية أو ميتافيزيقية فحسب، بل لها أيضاً أيديولوجية وفلسفة وشعور بالمقاومة قائم على أساس التنشئة الاجتماعية. بمعنى آخر، فهي مهمة ليس فقط من حيث الصفات الداخلية، ولكن أيضاً من حيث الجدلية والمعرفة والعلم.
ما يجعل الشرق الأوسط ، الشرق الأوسط هو استضافته أو كونه الموطن التاريخي لشعوب مقاومة وأديان وثقافات خلاقة، وللتعرف على شعوب هذه المنطقة، لا بد من الدراسات والقراءات التاريخية أولاً، فهناك مئات الآلاف من الأديان والثقافات والأمم التي نادراً ما تُسمع أسماؤها، أو عانت من المجازر والهزائم تحت ضغوط الفاشية في ذلك الوقت، ولفهم الشرق الأوسط بشكل أفضل، لا بد من النظر إلى ماضي وحاضر ومستقبل هذه الشعوب التي تعتبر كل منها موضوع بحث، في هذه المقالة، سنتناول أحد هذه الشعوب، وهم الدروز، يُقال إن تاريخ الدروز بدأوا في منطقة شبه جزيرة سيناء التي تمتد من مصر إلى جبال طوروس، وهم جماعة إثنية أو مذهب في سوريا، لا توجد حتى الآن معلومات واضحة ومؤكدة حول الأصل العرقي للدروز، فمعظم المعلومات المتوفرة مبنية على افتراضات وأساطير، وبالتالي لا تعتمد على مصادر موثوقة.
الدولة الفاطمية
الدروز هم طائفة تنتمي إلى المذهب الإسماعيلي الشيعي، ويتأثرون بنظام عقائدي يُعرف بالإمامة السابعة، يشير الدروز إلى أنهم يؤمنون بخمسة أنبياء؛ وتشير الدراسات العامة إلى أنهم يؤمنون بسبعة أئمة وسبعة أنبياء، ويستند أساس ونشأة معتقدهم إلى عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. لا يؤمن الدروز بالحاكم خليفةً فحسب، بل يؤمنون به أيضاً كتجسيد لظهور الله على وجه الأرض، ويُعتبرون حمزة بن علي، معاونه ومؤسس هذا النظام الديني نبياً أيضاً، ويُجلّون كليهما كشخصيتين مقدستين.
الدرزية نظام عقائدي مستقل ظهر في القرن الحادي عشر الميلادي من الفرع الإسماعيلي الشيعي، يُطلق الدروز على أنفسهم اسم "الموحدون" أو "أهل التوحيد" (أولئك الذين يؤمنون بإله واحد)، تأسست هذه الطائفة الدينية على يد الخليفة السادس للدولة الفاطمية أبو علي منصور الحاكم بأمر الله، ووزيره حمزة بن علي، ووفقاً للعديد من الروايات، فقد كتب المبادئ الأساسية للدرزية إمام يُدعى حمزة بن علي أحمد، ويُقال إن حمزة وُلد في مدينة زوزان في منطقة خراسان بإيران، وقضى السنوات العشرين الأولى من حياته هناك، وخلال قيام الخلافة الفاطمية في وقت كان فيه العلم يتطور، يُقال إنه انتقل إلى القاهرة، وبعد فترة، عمل مستشاراً في القصر الفاطمي، وبفضل هذا المنصب نال حرية نشر علمه وتعاليمه علانية، ثار على حمزة شخصية بارزة تُدعى محمد بن إسماعيل نشتكين الدرزي. حاول الدرزي، وهو عامل لدى الحاكم بأمر الله أن يُعلن نفسه إماماً. إلا أن الناس لم يقبلوا هذا الوضع، وفي انتفاضة شعبية حدثت عام 1020، قُتل الدرزي.
بعد قتل وإعدام نشتكين الدرزي وأنصاره، استمر حمزة بن علي في الترويج لعقيدته لمدة عامين آخرين، يُطلق على هذا المعتقد الذي طوره حمزة اسم "الدرزية" نسبةً إلى الدرزي الذي ثار عليه وطرده الناس، كما يعتبر ويؤمن الدروز برسائل الحكمة ككتاب مقدس، يركز هذا الكتاب تحديداً على الجوانب الأخلاقية والسياسية للمجتمع، ووفقاً للمذهب الدرزي، فإن الأخلاق الاجتماعية هي أساس جميع القوانين والمبادئ.
الدعوة الإلهية
تطورت العقيدة الدرزية على أساس الإيمان الإلهي للخليفة الفاطمي السادس أبو علي المنصور الحاكم بأمر الله، وهو يُعتبر في مذهب الدروز إلهاً، وأطلقوا على هذه الدعوة اسم "قضية التوحيد" أو "الدعوة الإلهية"، يقتصر اعتناق الدرزية على فترة توجيه هذه الدعوة. وبناءً على ذلك، فتح الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله باب الدعوة لاعتناق الدرزية يوم الخميس 30 مايو/أيار 1017، عند غروب الشمس؛ وأغلقه المؤذن بهاء الدين عام 1043. ولذلك، يُعتبر عام 1017 بداية التقويم الدرزي، ويستند مذهب الدرزية إلى مفهوم أن "المرء لا يصبح درزياً، بل يولد درزياً". وهذا يؤكد أيضاً الاعتقاد بأن المذهب الدرزي بدأ مع قيام الدولة الفاطمية في مصر.
متاهات الحدود... فرّق، قسّم، احكم
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأ رسم الحدود المصطنعة لولاية دمشق، المعروفة بـ "بلاد الشام" أو "المشرق"، في منطقة الشرق، وشملت هذه الحدود إدارات الانتداب التي أنشأتها بريطانيا وفرنسا لضمان مصالحهما الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وفي هذا السياق، أُعيد ترسيم حدود سوريا ولبنان وفلسطين، وفي هذه العملية، فُصلت وقُسمت شعوبٌ وجماعاتٌ دينية وعرقية عديدة، مثل الأكراد والدروز والأرمن واليهود والسريان واليونانيين والشركس والنصيريين (العلويين) والموارنة وغيرهم، بحدودٍ مُصطنعة، مما جعلهم بشكل عام الحلقة الأضعف في النظام.
الدروز إحدى الطوائف التي عانت من هذه الانقسامات، وبسبب الحدود المصطنعة انتشروا في جميع أنحاء الشرق الأوسط والمهجر، يُقدر عدد الدروز حول العالم اليوم بما يتراوح بين مليون ومليوني نسمة. يعيش ما بين 700 ألف و800 ألف منهم في مدينتي السويداء ودرعا (جبل الدرز) السوريتين، في المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية، ويعيش ما بين 250 ألف و300 ألف منهم في جبال الشوف بلبنان، وبين 30 ألف و40 ألفاً حول عمّان بالأردن، وبين 100 ألف و150 ألفاً في إسرائيل. أما البقية، فيعيشون في أنحاء الشرق الأوسط والمهجر، ولكن هذه الأرقام مجرد تقديرات، إذ لم يُحصَ الدروز بشكل خاص وفقاً لهويتهم.
غداً: توليفة المعتقدات والأديان التوحيدية: الدرزية ـ 2