توليفة المعتقدات والأديان التوحيدية: الدروز -٢

يتخذ الدروز موقفاً حاسماً للحفاظ على استقلاليتهم في سوريا ديمقراطية على غرار النموذج المتبع في إقليم شمال وشرق سوريا، كما أن موقف النساء اللواتي لفتن الأنظار بمظاهراتهن في عهد نظام البعث واضح حيال هذه القضية أيضاً.

مركز الأخبار ـ يواصل الدروز ولاءهم لجبلهم وبنيتهم الاجتماعية وثقافتهم ومعتقداتهم، ويقفون إلى جانب الكرد والنصيريين والعلويين، رافضين سوريا التي تحكمها أيديولوجية داعش، ويستمر كفاح ونضال المجتمع الديمقراطي، بوعي وحكمة ضد فلول داعش والتنظيمات المماثلة على جميع الجبهات.

 

أسرار المعتقدات

الدروز مجتمعٌ مُنغلق على نفسه، وإلى جانب هويتهم العرقية تبرز هويتهم الدينية، ويُعدّ كمال قادتهم الدينيين أمراً بالغ الأهمية في معتقداتهم، وهذا المستوى ليس بالمستوى الذي يُمكن للجميع بلوغه؛ إذ يتطلب تعليماً وتدريباً طويلاً وخبرة واسعة، في هذه الجوانب، يُشبه الدروز العقيدة الإيزيدية، حيث تُحفظ المعلومات المتعلقة بالإيمان والمعتقد بسرية تامة، وهم يعتمدون كلياً على فلسفة باطنية، وتتشابه نظرتهم للعالم وفلسفتهم في تقييم الحياة مع نظرة العلويين، ويتشابه الكثيرون منهم مع جميع الحركات الباطنية، وفي العقيدة الدرزية يعتبر كل من المعرفة، والعقل، والكلام، والنفس، والماضي والمستقبل منهجاً فلسفياً يُمثل الأنبياء الخمسة، ومن بين هذه الأشياء، يُعدّ العقل هو الأهم.

يسعى الدروز إلى العقل كأصل كل شيء، ويُعرّفون أنفسهم بأنهم "مسافرون على درب العقل"، بعد العقل، تأتي الكلمات والروح أو النفس والماضي والمستقبل، تقوم فلسفة الدروز على هذه الأسس الخمسة، يجب على الإنسان أن يُشغل عقله ويتحكم في نفسه ودوافعه، وهذا يُشبه مبدأ "القدرة على التحكم في يده ولسانه وظهره" الذي يُؤكد على أهمية السلوك الأخلاقي وضبط النفس في العقيدة العلوية، يرى الدروز أن العقل البشري والعقل الكوني متساويان، العقل ليس للتفكير فحسب، بل هو أيضاً أسلوب للتصرف قائم على المنهج الصحيح، ويُعتبر العمل والجهد تطبيقاً للمنهج وهذا أيضاً يعتبر نتيجة طبيعية للبحث والسعي الدائم للإنسان والمجتمع. العلم والمنهج هما مصدر القدرة والقوة والقيادة في العقيدة الدرزية، إضافة إلى ذلك، في العقيدة الدرزية ثمة معانٍ حددتها الأرض من خلال ألوان الجذور، فالأخضر يرمز للحكمة أو العقل والأحمر للمعرفة؛ والأصفر للنفس؛ والأزرق للكلمات؛ وهي ترمز إلى الدروس المستفادة من تجارب الحياة، كما أن الأبيض أيضاً يعني "أنا الحقيقة، أسير في طريق الحقيقة بمحبة"، كما يتبنى الدروز النجمة رمزاً لهم.

 

الحياة والموت

يحترم الدروز جميع الأديان والمعتقدات، ويعود سبب ذلك إلى إيمانهم بالتناسخ أو التقمص، فوفقاً لرأيهم، عندما يموت نبي، فإن روحه تعود للحياة في جسد آخر، وقد يكون حتى جسد شخص ينتمي إلى دين آخر، وهذا الاعتقاد هو أهم أسباب محبة الدروز لجميع الأديان، ووفقاً للنصوص المقدسة للدروز، فإن روح النبي الخامس يوحنا تجسدت على الأرض في جسد يسوع المسيح، وتم اعتبارها بمثابة الله، ولهذا السبب، لا يزورون قبور موتاهم، ووفقاً للدروز، فإن روح الشخص الذي أكمل تجسده لا تعود ولا تدخل جسد نبات أو حيوان، بل تدخل جسد إنسان مرة أخرى، لذلك فهم لا يقبلون فكرة تناسخ الأرواح بين جميع الكائنات الحية، بل يتبنون فقط فكرة تناسخ وانتقال الأرواح إلى البشر.

 

المرأة عند الدروز

وفقاً للمعتقد الدرزي، الرجال والنساء متساوون، وللمرأة الحق في المشاركة في جميع مناحي الحياة، وحقوق المرأة مصانة في المعتقد الدرزي، وتُعتبر المرأة خالقة الحياة ومصدر العمل الجاد، لا يُقبل أي زواج أو علاقة دون رضا المرأة، تعدد الزوجات ممنوع، في الإسلام يقول الله تعالى "يجوز للرجل أن يتزوج أربع نساء، ولكن عليه أن يعدل"، ويكمل الآية بقوله "وأنتم أيها الرجال لن تعدلوا"، وقد أثر هذا القول على الدروز، ولذلك، لا يُقبل تعدد الزوجات، بعد الطلاق، لا يمكن للزوجين العودة إلى بعضهما، لذلك، قبل الطلاق، يجب عليهما دراسة جميع التفاصيل بعناية واتخاذ قرار، بالنسبة للأرامل، تُنشأ مجالات حياة تُسمى "Betîl Metaq" "البيت المكسور"، ومع ذلك، ينظر المجتمع الدرزي عموماً بازدراء إلى النساء اللواتي يعشن في هذه البيوت، لا ترى النساء الدرزيات هذا الوضع جزءاً من الثقافة الدرزية، ويناضلن ضده، وقد نظمت الحركات النسائية نفسها في نضال مشترك ضد الأساليب التي تُقصي المرأة وتُقلل من شأنها، لم يُسجل في التاريخ أسماء نساءٍ برزن من الدروز، ومع ذلك، في المناطق التي يعيش فيها الدروز، وخاصةً في السويداء، توجد العديد من الأحجار المنقوشة عليها مقدسات نسائية، تُعتبر هذه المنحوتات مقدسة اليوم، لا تتردد النساء الدرزيات، ويتمتعن بطابع علماني، تؤمنّ النساء بأنه لا يمكن ربط الحياة والشعائر الدينية بالإسلام، يُقال للنساء الدرزيات "كُنّ مثل حميراء، زوجة محمد"، كانت حميراء امرأة حمراء الشعر وسافرة الرأس، لذلك، تُعتبر قدوة للنساء الدرزيات، إنهم لا يُحببن النساء المنقبات.

 

الدروز والمقاومة

أول طائفة قاومت الخلافة المصرية، ثم الدولة العثمانية، ثم الاحتلال الفرنسي، وأخيراً النظام البعثي هي الطائفة الدرزية، تحولت مناطق سكنهم إلى مراكز مقاومة، نادراً ما يرفعون رايتهم؛ فرفعها يعني وجوب استعداد الجميع للحرب، باختصار، يُعرف الدروز بأنهم طائفة محاربين، رفضوا ظلم العثمانيين، وأعلنوا استقلالاً ذاتياً غير رسمي خلال تلك الفترة، بين عامي ١٩٢١ و١٩٣٦، عندما كانت سوريا تخضع للانتداب الفرنسي، شكّل الدروز اتحاداً في جبل الدروز وأنشأوا كياناً مستقلاً، كانوا أول طائفة ترفض الانتداب الفرنسي وتقسيم سوريا، لطالما ثار الكرد والدروز والسوريون الوطنيون على الفرنسيين، ويحظى الدروز الذين قادوا الثورة العربية بالاحترام في سوريا، وتُحترم مقاومتهم البطولية للفرنسيين في جميع أنحاء سوريا، وقد نُصبت تماثيل لهؤلاء الأبطال في شوارع دمشق والسويداء، وأصبحت الأخيرة مدينة يقطنها الدروز بشكل رئيسي، وفي بعض المصادر، تُعرف السويداء بدولة الدروز أو دولة جبل الدروز، غالبية سكان تلك المنطقة من الدروز، مع وجود عدد قليل جداً من المسيحيين والمسلمين. ويعيش الدروز عموماً في مرتفعات الجولان والمناطق الجبلية المحيطة بها، وتُعد الجبال أقوى معاقلهم الدفاعية.

 

علاقات الدروز مع إسرائيل ونظام البعث

سعت إسرائيل في إطار سياسة تقسيم المنطقة إلى إقامة علاقات ودية مع الدروز، وقالت لهم "أنتم أقاربنا، لا تربطكم أي صلة بالعرب"، وتواصلت معهم واقتربت منهم، وظفت وعينت إسرائيل عدداً كبيراً من الدروز في مجالين عسكريين، وشكلت وحدة خاصة بهم، ولا يزال حوالي 130 ألف درزي يعيشون في محيط هضبة الجولان، إلا أن هؤلاء الدروز رفضوا الهوية التي منحتهم إياها إسرائيل، وعرّفوا أنفسهم بأنهم سوريون، بعد وصول نظام البعث إلى السلطة في سوريا، أبدى الدروز في البداية ريبة تجاههم، لكن بعد أن رأوا سياسة حافظ الأسد في القمع والتسلط على الشعوب والمعتقدات، أظهروا موقفاً أكثر وضوحاً وصرامة ورفضوا صراحةً الفكر البعثي، بعد وفاة حافظ الأسد، خلفه ابنه بشار الأسد، راقب الدروز بشار الأسد لفترة، لكن بعد أن رأوا أنه لا يفرق عن والده، ويمارس المزيد من القمع، أوضحوا موقفهم وقالوا "لدينا كيان مستقل في السويداء، اتركونا وشأننا" ونأوا بأنفسهم عن النظام، كما أظهر بشار الأسد نهجاً عدوانياً تجاه الدروز ومارس ضغوطاً مختلفة عليهم.

 

الحرب الأهلية السورية والدروز

اندلعت شرارة الحرب الأهلية السورية الأولى في درعا، مركز الانتفاضة، قُمعت الاحتجاجات الأولية بوحشية، لكنها سرعان ما انتشرت في جميع أنحاء البلاد وهزت أركان النظام، وفي تلك الفترة، حافظ الدروز على استقلاليتهم ولم يتخلوا عن طموحاتهم وأهدافهم في حياة مستقلة، خلال الحرب الأهلية، جُنّد العديد من الدروز قسراً في الجيش، ثم بدأت هجمات داعش، التي قُتل فيها مئات الدروز من الجنوب، ووقعت مجازر جماعية، ونتيجةً لذلك، شكّل الدروز وحدات حماية جوهرية خاصة بهم لمواجهة داعش ورفضوا أيضاً سياسات إيران الشيعية، ففي عام ٢٠٢٣، ثار الدروز على النظام وطالبوا مجدداً بالحكم الذاتي، لكن النظام رفض هذا المطلب كعادته، ثم أعلن الدروز حكماً ذاتياً غير رسمي، وعندما سقط نظام الأسد، تابع الدروز ومثلما فعلوا في تغييرات الأنظمة السابقة، العملية بحذر. تابعوا ما تفعله بقايا داعش وهيئة تحرير الشام وغيرهم. لكنهم سرعان ما أدركوا أن هذه الجماعات لن تجلب الديمقراطية إلى سوريا ولن تمنح الشعوب والطوائف حقوقهم، فاتخذوا موقفاً واضحاً ضدهم.

 

الوجود الجديد لداعش في سوريا وموقف الدروز

إن الجماعات المسلحة التي غزت سوريا بسياسات الاحتلال والاستغلال، والمصالح الخاصة لدول مثل تركيا، قد جرّت المنطقة إلى أزمة وفوضى أعمق، لقد خلّفت ثلاثة عشر عاماً من الحرب سوريا وراءها، كما خلقت هذه العملية مشهداً جديداً للشعب السوري. إن الشعوب والطوائف الدينية والتكوينات الثقافية التي كانت في البداية غير منظمة وغير محمية، اكتسبت خبرة في حماية وجودها ومواصلته مع مرور الوقت، واتخذت خطوات نحو التنظيم. في هذا الإطار، ينبغي أن نقيم الدروز أيضاً. صحيحٌ أن الدروز قد لا يمتلكون بعد هيكلاً تنظيمياً متكاملاً، ومع ذلك، وبفضل تجاربهم التاريخية وشجاعتهم التي اكتسبوها من النموذج الديمقراطي والبيئي وتحرير المرأة الذي ارساه الكرد في إقليم شمال وشرق سوريا، فإنهم يُبدون موقفاً أكثر حزماً وقوة.

ورغم أن الدروز عقدوا أحياناً بعض الاجتماعات والاتفاقات المحدودة مع هيئة تحرير الشام، إلا أن الهيئة وبسبب ذهنيتها التي تستمدها من داعش واصلت نهجها الإبادي، وبعد العلويين، نفذت هذه المرة سياسة إبادة جماعية ممنهجة ضد الدروز، وتم تجاهل جهود الدروز من أجل مستقبل سوريا، وأصرت على سياسات الاحتلال والاغتصاب والنهب، ووفقاً لبعض المصادر المحلية، وصل عدد ضحايا المجازر المرتكبة ضد العلويين إلى 50 ألفاً، في الآونة الأخيرة، شُنّت هجمات على الدروز في مناطق ريف دمشق، مثل درعا والأشرفية وصحنايا والسويداء، وقُتل أكثر من 50 درزياً. ومع ذلك، صدّ المقاتلون الدروز هجمات فلول داعش، أو عصابات هيئة تحرير الشام، وأظهروا مقاومة منقطعة النظير.

 

بناء سوريا ديمقراطية

يتخذ الدروز اليوم موقفاً حاسماً للحفاظ على استقلاليتهم في سوريا ديمقراطية على غرار نموذج إقليم شمال وشرق سوريا، وموقف النساء اللواتي لفتن الأنظار بمظاهراتهن في عهد نظام البعث واضح حيال هذه القضية أيضاً، وتشغل النساء الدرزيات بشكل متزايد مناصب في المجالس العسكرية والإدارات المحلية، ما يُسهم في جعل سوريا دولة ديمقراطية رائدة في الشرق الأوسط، يواصل الدروز ولائهم وتمسكهم بجبالهم وبنيتهم الاجتماعية وثقافتهم ومعتقداتهم. وبهذا الموقف، يقفون إلى جانب الكرد والنصيريين والعلويين، رافضين صراحةً أن سوريا تُحكم بالشريعة والفكر الجهادي. ولهذا، لا مبالغة إن قلنا إن "ربيع الشعوب قد بدأ للتو في سوريا"، ومن منطق مشترك، يستمر نضال المجتمع الديمقراطي ضد فلول داعش والتنظيمات المماثلة على جميع الجبهات. لذا، فإن دعم شعوب المنطقة أهم من أي وقت مضى.