توجيهات القائد أوجلان تسلط الضوء على أسباب اختلاف الأدوار البيولوجية
سلطت توجيهات القائد عبد الله أوجلان الضوء على الأسباب التي أدت إلى اختلاف الأدوار البيولوجية بين الذكور والإناث والتي لم تقتصر على البعد البيولوجي بل شملت الجوانب الثقافية والاجتماعية أيضاً.

مركز الأخبار ـ نشرت صحيفة "سرخبون" جميع وثائق المؤتمر الثاني عشر لحركة التحرر الكردستانية والتوجيهات التي أرسلها القائد عبد الله أوجلان، الذي يُعرف بفلسفته Jin Jiyan Azadî، إلى المؤتمر من إمرالي، حيث طرح رؤى استراتيجية تعيد تعريف دور الحركة في النضال الكردي ضمن السياقات الإقليمية والدولية المتغيرة، ودور المرأة في مختلف الجوانب.
يُعتبر تطور الذكورية والأنثوية أحد أكثر الجوانب تعقيداً في مسيرة التطور البيولوجي والاجتماعي، فمنذ نشأة الحياة على الأرض، بدأت الكائنات الحية بتكاثر بسيط قائم على الانقسام الخلوي، لينتج عنه ظهور أنظمة أكثر تعقيداً مثل التكاثر الجنسي، الذي أدى إلى اختلاف الأدوار البيولوجية بين الذكور والإناث. ومع مرور الزمن، لم تبقَ هذه الفوارق محصورة في البُعد البيولوجي فحسب، بل امتدت لتشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية، مما أضاف لطبائع الذكورة والأنوثة معاني جديدة تتجاوز الوظائف الحيوية.
في هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز توجيهات القائد عبد الله أوجلان التي أرسلها إلى المؤتمر الثاني عشر لحركة التحرر الكردستانية وهي "الطبيعة المجتمعية وقضاياها" التي ركزت على مفهوم الأنوثة والذكورة، وألا نضع هذين الأمرين في مواجهة بعضهما البعض لأن ذلك سينتج عنه تمييز وهكذا تبدأ إشكالية المجتمع.
الطبيعة المجتمعية وقضاياها
من هنا تدخل المرأة على الخط، والأمر اللافت للانتباه هو كيفية تطور الذكورية والأنثوية، إن هذا الأمر أيضاً يعكر الفكر طبعاً، وأنا لم أدقق في ذلك كثيراً ولكن ما نعلمه أن الكائنات بدأت بأحادية الخلية ثم بالانشطار المتكافئ والخلية الواحدة تصبح خليتين أي أنه شكل من التكاثر، ولكن في هذا الأمر ليس هناك شيء من الذكورية والأنثوية، وهذا الوضع يستمر لملايين السنين، وما تأكد لدينا أن التكاثر بين الذكر والأنثى يعود إلى ثلاثمائة مليون عام ويمكنكم التدقيق في ذلك بشكل أكثر، هذا ما أتذكره بشكل تقريبي ونحن لسنا بحاجة إلى التعبير العلمي عن ذلك، فنحن نتحدث بشكل فلسفي، فلماذا تحقق هذا التطور على شكل أنثى وذكر؟ إننا نتحدث عن ديالكتيك الطبيعة وهو المسؤول عن هذا الأمر، فكل شيء يتضمن ثنائية، فكيف تولدت المادة من الطاقة وكيف اختلفت الجزئيات، نعم هناك جزيئات ضمن الذرة الواحدة، فإن لم تكن هناك جزيئات لن تكون هناك ذرة وكيف تتحول المادة إلى طاقة. أي أن الأشياء التي نراها على أنها نجوم هي طاقات تتحول إلى المادة والصيغة التي وضعها أينشتاين E= MC2 هي صيغة تحول الطاقة إلى المادة وأهمية هذه الصيغة تظهر من خلال جعل الموضوع مفهوماً وحادثة الذكورية والأنثوية هي امتداد لهذا الأمر وهي ليست أمراً متناقضاً مع التطور الكوني، بل هو امتداد لها وهو الانتقال من مرحلة أحادية الشيء ينتقل بالتدريج إلى مرحلة الثنائية وبالتالي إلى مرحلة التوحد بين شيئين مختلفين، أي أنه يجري الانفصال إلى كائنين مختلفين الذكر والأنثى نتيجةً للانقسام الثنائي وكذلك التوحد بين الكائنين، أي الانتقال من الأحادية إلى الثنائية ومن ثم توحد الثنائية في الأحادية مرة أخرى وهكذا تتولد أنثوية معقدة ككائن حي، إن هذا الأمر يحدث قبل 300 مليون سنة تقريباً سواءً في عالم النباتات أو عالم الحيوانات، إن بعض الحيوانات تكون أنثى أو ذكراً ارتباطاً بالحرارة، أي أن التحول بين الذكر والأنثى ليس أمراً صلباً بل هو أمر متحول، أي أنها حقيقة ديالكتيكية، أنتم تعلمون بموضوع LBGT حيث أنه موضوع لنقاش كبير جداً، أي أنه أنثى وذكر في الوقت نفسه، أي أن لديه خصوصية الذكورية والأنثوية في الوقت نفسه، هناك أشخاص كثر على هذه الشاكلة، بل أن بعضهم يتحول إلى رجل أو إلى امرأة حسب الرغبة، كما أن العمليات الجراحية التي تجري كثيراً والنقطة المهمة هنا أنه ليس هناك حد فاصل حاسم بين الذكورة والأنوثة. بالطبع أن الجانب الفلسفي والسيسولوجي أمر مختلف جداً، كما أن لهذا الوضع بعد أخلاقي أيضاً وهذا ما نرى انعكاساته على المجتمع ويمكن تجاوز هذا الأمر بالفكر الديالكتيكي.
الفصل بين الذكورة والأنوثة
من هنا أريد أن أدخل إلى دور المرأة، فالفصل بين الذكورة والأنوثة ليس أمراً معجزة، بل هو من متطلبات ديالكتيك الطبيعة والأنثوية لا تعني التفوق كما أن الذكورية ليست أمراً مقدساً ولا يجب استنتاج نتيجة خاصة بكل ذلك وهي ليست حدثاً طارئاً بل هي من متطلبات ديالكتيك الطبيعة، وهذا ما حدث ويحدث ولكن نحن نسمي ذلك اختلافاً، فإذا لم يكن هناك اختلاف لن تكون هناك حياة ومعنى الحياة يعني الاختلاف، فكيف يمكن لشخص واحد أن يكون ذكورياً وأنثوياً في الوقت نفسه، وهذا واضح من عدد إمكانيات تلك الحياة، فكيف يمكن أن يبقى المخنث أنثى وذكراً في الوقت نفسه، فالأخلاق التقليدية ترفض هكذا أشخاص أما بالنسبة لي فهي مشكلة فمن خلال العملية الجراحية يمكن أن يتطور الجانب الذكوري وكذلك الجانب الأنثوي وكلا الجانبين ذو قيمة، فإذا كانت الطبيعة قد قسمتك إلى اثنين فهذا يوفر لك إمكانية الحرية ويجب أن ترى ذلك كنوع من الاختلاف وهناك معنى لهذا الاختلاف فمثلما هناك مفهوم للأنوثة هناك مفهوم للذكورية أيضاً، وهذا أمر قائم وموجود في المجتمعية والأمر الأهم ألا نضع هذين الأمرين في مواجهة بعضهما البعض، أما إذا وضعناهما في مواجهة بعضهما البعض، فهنا تبدأ المشكلة وهكذا تبدأ إشكالية المجتمع، بعضهم يقولون أن الذكر هو الأعلى والآخر يقول أن الأنثى هي الأعلى، مثل هذه الأمور تشكل إشكاليات في الطبيعة المجتمعية.
نمط التفكير الأنثوي والذكري
قد يكون هناك تفوق أنثوي أحياناً، وسأذكر ذلك، أما الآخر فقد ظهر كطرح مضاد وقال بأن المتفوق هو الذكر، وبالنتيجة كونت فلسفةٌ رهيبة وتحولت إلى إشكالية كبيرة. الإشكالية المجتمعية فيما بعد الحضارة تبدأ بالدولة كما ذكرت سابقاً أما الآن يبدو ظاهراً أنه لم يبدأ مع الدولة بل يمتد إلى ما قبل ذلك بكثير، فقد حدث ذلك قبل 30 ألف عام وفي النتيجة الذكر لا يتماثل مع المرأة حيث البنية متفوقة جداً وتتطور شخصية المرأة مقارنةً بالرجل بشكل كبير جداً، أي نمطٌ مختلف من الشخصية. لو لاحظنا أن هناك فرقٌ بسيطٌ جداً بين موروثات المرأة وموروثات الرجل (الكروموسومات) إنهٌ فرقٌ صغيرٌ جداً، وبالنتيجة أن الفكر هي خصوصيةٌ للبشر، كما أن الفكر لا يفرق بين المرأة والرجل، أي أن خصوصية الفكر تتجاوز هذه الفروقات كثيراً، إن القول بأن هناك مجالٌ سياسيٌ ذكري ومجالٌ سياسي للمرأة، أمرٌ عابثٌ تماماً وغير صحيح، بل يمكننا القول أن المجال السياسي هو مجالٌ شائع للجميع وكذلك المجال الاقتصادي والفنون وحتى الديانات وتفريق كل ذلك بين الرجل والمرأة أمرٌ غير مقبول ولكن لا نستطيع أن نسمي ذلك بحقيقةٍ موجودةٍ والإشكالية الكبرى هي أن نقول أن هذا تفكير أنثوي وهذا تفكير ذكوري، بل هو حتى ليس بإشكالية، إنه إشكاليةٌ إذا قلنا ذلك، بل هو يعني إنكار للفكر الديالكتيكي، بل إذا قلنا أن الفامينية نمط تفكيرٍ أنثوي وبالمقابل هناك نمط تفكيرٍ ذكري فكلاهما يصبحان ساحةً للرجعية والتصلب، بينما في الحقيقة ليس هناك تصلب في الطبيعة، والديالكتيك الطبيعي ينعكس على المجتمع والديالكتيك الموجود في المجتمع يجعل الحياة ممكنة ويفتح المجال لحيوات مختلفة ومتنوعة ويعبّر عن حياةٍ مختلفة فالاختلاف يضفي غنى على الحياة، بينما الثنائية المتقابلة الجامدة تعني الهوة، حيث يتم التضارب في هذه الهوة ومنها الجرائم العائلية، ففي تلك الجريمة هناك نظرة جمود مفهوم المرأة، فالمرأة هي امرأة بشكل مطلق والرجل هو رجل بشكل مطلق، أما إذا كان هناك انجراف نحو الفكر الديالكتيكي هنا يحدث التصادم وأحدهما يخون الآخر مطلقاً ويقوم بضرب الطرف الآخر والآخر يقوم بضربه وهنا يكمن منبع الإشكالية، وكما شرحت، فإن هذا يعني إشكاليةٌ مذهلة وتعني الكثير ويجب تجاوز هذا الوضع. أنا أؤمن بأنني استطعت شرح هذه الإشكالية بشكلٍ كافٍ تحت هذا العنوان. فيما يتعلق بالدولة نحن تحدثنا عن الفصل بين القرية والمدينة وأردنا إسناد ذلك إلى الفصل الطبقي، ولكن هذا لا يكفي. نعم هناك إشكالية بسبب هذا الفصل الطبقي وهي إشكالية الدولة والكومون وسأتطرق إلى هذه الناحية. إن تحول هذا الأمر إلى حقيقة في أساسه ينبع من اشتباك الفكر الذكوري والفكر الأنثوي في المجتمع، فعندما يتعاند الفكر الذكوري في مواجهة الفكر الأنثوي، يتعامى تماماً وأعتقد أنه الحقيقة الأساسية، ونحن نرى ذلك في المرأة أولاً كما في عصر ألوهية المرأة وهذا يتوضح من خلال الأبحاث الأثرية إلى درجةٍ ما ويظهر من خلال تشخيص الإلهة في الثلاثين ألف عام الأخيرة، حيث تدل أنها كانت الواقع السائد في ذلك العصر، فقد جرى التأكد أن هذا الواقع ساد من أوروبا الآسيوية إلى أوروبا الغربية ومن الشرق الأوسط إلى أفريقيا، حسناً فماذا تعني هذه الألوهية؟ بالطبع إن ما استنتجناه هو ما ذكرناه سابقاً، لأن المرأة هي التي تولّد كائن يمنح الوجود ولا داعي للنقاش في هذا الأمر مرةً أخرى، فالميلاد يتحقق لدى المرأة، وكنوع بشري فإن الميلاد لدى المرأة مختلفٌ جداً ويجب فهم هذه الحقيقة، فكل الأبحاث تدل على هذا الواقع، التكاثر عند النبات أمر سهلٌ جداً، فالخلية الأولى التي تنشطر تتحقق بسهولة، أما الميلاد لدى الحيوانات كما ترون الوليد يقف على أرجله خلال أربع وعشرين ساعة وهذا موجود لدى كل الحيوانات، بعضها يحتاج إلى مزيد من الوقت والبعض الآخر يحتاج إلى وقت قصير ولكنه ميلاد سهل ونشوء سهل وخلال ستة أشهر يتمكن الحيوان من البقاء والاستمرار في حياته، بينما النوع البشري فهو وضعٌ غريبٌ جداً، حيث الولادة صعبة وكأن ذلك لا يكفي يحتاج المولود إلى خمس أو ست سنوات للدعم والمساندة ولا يستطيع العيش بمفرده، أي أن القدرة على العيش بمفرده هي أربع وعشرون ساعة لدى الحيوان بينما هي 7 سنوات لدى بني البشر. فما الذي يحتاجه خلال هذه الفترة هو البحث عن المجتمعية من حوله، لأن الرجل لا يعرف ماذا هو ولا علاقة للمولود بالرجل وهذه الظاهرة غير موجودة، فكيف يتقابل الرجل والمرأة لأول مرة؟ الغريزة الجنسوية موجودة لدى الإنسان ولدى الحيوان تسمى الغريزة الجنسوية مثلها مثل غريزة الجوع، من الغرائز الأساسية والغرائز هي الوعي وتشير إلى الحيوية، فإذا لم يكن هناك شعور بالجوع، لن يكون هناك شعور بالشبع وبناءً عليه لن تكون هناك حياة وإذا لم تكن هناك غريزة جنسوية لن يكون هناك تكاثر وعندما لا يكون هناك تكاثر لن تكون هناك حياة، نحن نفهم هذا الأمر، فمن هو الأب؟ في الحقيقة في البداية لم يكن هناك أب، بل كيف تأسست الجنسوية وكيف تأسست ليس هناك علم بهذا الصدد، بل ما هناك هي غريزةٌ فقط.
تحول الثقافة إلى حضارة
الثقافة هي وعيٌ برزت لدى النوع البشري وهذا يبدأ من المرأة؛ لأن المرأة هي التي تلد المولود، وفيما بعد وفي الديانات التوحيدية يتم خلق حواء من ضلع آدم ويتم ذكر هذه الجزئية في الميثولوجيا السومرية بإسهاب، واليهود ذكروا ذلك في التوراة كما يمر ذكر ذلك في القرآن. المرأة التي تلد ملزمةٌ بتنشئة المولود وبتغذيته وحتى تستطيع تغذيته تضطر إلى القطف والجمع وهذا يحتاج إلى جهد وكدح كبيرين، وبذلك نحن نتحدث عن مليون أو مليونين من السنوات وهذا يبدأ في وادي الريف الأفريقي ثم يمتد إلى الشرق الأوسط ويُعاش ذلك بشكل كثيف ويؤدي إلى تكون الثقافة في أودية طوروس وزاغروس، أي أن الإنسان يصبح إنساناً في هذه المنطقة ويصبح الرجل رجلاً والمرأة امرأة، لنشرح ذلك قليلاً. يعني أن المرأة ستقوم بتنشئة المولود لأنها تعلم أن هذا الوليد ولد منها، فمثلما المرأة تعلم بما ولدت من ذكر أو أنثى والمولودون منها يعرفون بعضهم البعض، فإن المرأة الأم تعرف بعض أخواتها وبعض إخوتها وهؤلاء يصبحون أخوال وخالات الأطفال ويعرفون بعضهم البعض، إن هذه هي بداية ثقافة وهذه الثقافة تضم سبعة أو عشرة أشخاص أو خمسة عشر شخصاً ولكن هذا العدد لا يتجاوز العشرين، هؤلاء يشكلون كلاناً فيما بينهم، فالكلان هي الصيغة الأولى التاريخية للمجتمع والثقافة هي ثقافة الكلان التي تتمحور حول المرأة الأم وهذا يلقي بتأثيره على الحنجرة ليتم النطق من خلالها، ما يدفع إلى تطور اللغة بما يقارب ألف سنة، أي أن التطور في التخاطب في اللغة يعود إلى ما قبل ألف سنة، حيث يتم الانتقال من لغة الإشارة إلى لغة الصوت ومن الفكر الأسطوري إلى الفكر الرمزي، أي أن هذه الحقيقة أيضاً تظهر فيما نسميه بجغرافية الهلال الخصيب، حيث يتحقق انفجار ثقافي وتتحول هذه الثقافة إلى حضارة ثم تنشأ القرية والمدينة وتظهر الدولة فيما بعد التي تمثل الطبقية، الأمر المهم هو أن الطبيعة المجتمعية تنشأ على محور المرأة، الطبيعة المجتمعية التي تتشكل حول المرأة تمتد إلى المجتمع السومري، بل إذا ذكرنا ذلك كتاريخ، أن هذه الثقافة هي الوضع المهيمن إلى ما قبل ألفي عام، حيث كان مفهوم الأم الإلهة هي الثقافة المهيمنة.
الإلهة إنانا
إن الهياكل الأثرية التي ظهرت كلها تظهر في مخلفات المعابد التي يتم اكتشافها مثلما يرد ذكرها في الملاحم الميثولوجية مثل جلجامش وبابل وأنوما إيليش بشكل تفصيلي، وبناءً عليه فإن النتيجة التي نستنبطها هي أن هناك ثقافةٌ تتخذ من المرأة محوراً لها، مثلما تعبّر عن إشكالية التعاند الأنثوي والذكوري حيث وضعت الأسس لهذا التمايز بشكل قوي جداً، كما أن كل الآثار والبقايا الأثرية تدل على أن تدجين الحيوانات والنباتات قد بدأت من هنا، وكل هذه المكتشفات لم تكن موجودة في عهد ماركس، كما أن الأبحاث المتعلقة بالسومرية لم تكن قد حدثت بعد ولهذا السبب فنحن لا نستطيع لومه لأنه ابتدأ علمه بالطبقية، بينما الإشكالية تبدأ ليس من الطبقية، بل تبدأ من مجتمعية المرأة وحسب علمنا فإن هذه الإشكالية تسفر عن الحضارة، فبنتيجته تظهر الحضارة والإشكالية المجتمعية معاً، أي أن هذه الإشكالية تسفر عن ميلاد المدينة، والمرأة تطبع هذا التطور بطابعها أيضاً، فأوروك هي المدينة الأولى وهي الدولة الأولى وهي الطبقة الأولى وفي الحقيقة فإن ملحمة جلجامش تدل على رأس الخيط في كل ذلك. ونظراً لأنها معركة كبيرة تحولت إلى ملحمة وهي أولى الملاحم التي كتبتها البشرية، مثلما هناك مئات من الأوليات ضمن هذه الأولية، فهكذا ولدت الطبقية وهكذا ولدت الدولة وهكذا تولدت الإلهات كل تلك هي بدايات مذهلة، وهنا فإن الإلهة المؤسسة لمدينة أوروك هي إنانا (نينا) وأعتقد أن كلمة نينا مشتقة من إنانا وبناءً عليه فإن ألوهية المرأة تعبّر عن ذلك السمو وتعبّر عن دين الإلهة الأنثى، فقد وصلت القدسية إلى تلك الدرجة التي يرتجف أمامها شخص مثل جلجامش، كما هناك حفل جنسوي في احتفالات البركة، حيث يقوم كتاب الميثولوجيا بالتعبير عن تلك الزيجات المقدسة على انها احتفالات مذهلة، حيث يتم قتل ذلك الرجل القوي في اليوم التالي من الزيجة المقدسة، وهذا موجود في كثير من الثقافات، وآخر ما تحقق هو ما جرى لدى الآزدكيين حيث يتم التضحية بجميع الشباب الذين يجري اعتقالهم، يتم تطبيق هذه الثقافة إلى عام 1500 سنة، فلدى الآزدكيين يتم قتل الباكرات بعد سنة ثم يأكلون كبدها، إنه تقليد رهيب لدى الآزدكيين، فحتى عندما قام الإسبان بغزوها كانوا لا زالوا يقدمون آلاف الشباب كقرابين وفي المعابد وهذا كان يجري في أماكن أخرى وهذا الوضع ينشأ من ديانة الآلهة الأنثى، فالإلهة الأنثى تقوم بقتل الشخص الذي يحقق معها الزيجة المقدسة، أما التفسير السيسيولوجي لهذا الوضع هو أن الآلهة الأنثى لا تريد ترك مكانها للإله الذكر، هذا ما أستطيع أن أشرحه بكل وضوح وهذا طرحي وهو من متطلبات الزواج المقدس كما يكتبه الكتاب، وهي أن المرأة لا تريد ترك مكانتها للإله الذكر ومهما يكون الرجل حبيبها مثل ديموزي الذي هو حبيب إنانا ولكنها تقوم بقتله وتقوم بدفنه، تلك هي القاعدة. لماذا؟ لأن المرأة تدرك ما سيحل بها لو تركت مقامها لإله ذكر، علماً بأننا نرى هذه الحقيقة واقعةً في ملحمة بابل، فبينما كانت إنانا قوةً مطلقة في مجمع أوروك في الألفية الرابعة وتقوم بإجراء الزواج المقدس بكل بهاء ويحاول جلجامش بكل عظمته أن يتنصل من هذا الوضع ويبحث عن الخلود وهذا هو الجانب المتعلق بذلك فأنا أحتار إذا كان شخص عاجز مثلي قد استطاع إثبات هذا الواقع لماذا لم يتمكن رجال العلم من إثبات هذه الحقيقة، إنه أمر محير. نعم هذا هو معنى البحث عن الخلود لدى جلجامش، فالرجل يريد إنقاذ نفسه لأن مجمع أوروك يتبع للإلهة الأنثى وهناك قطيع من الرهبان الذكور وعندما نقول الإلهة الأنثى، فذلك يعني أن هناك امرأة حاكمة وهناك رجالٌ مرتبطون بها داخل المعبد وهي تنتقي ما تشاء من بينهم وتجري الزواج المقدس معه وفي اليوم التالي تقوم بقتله، ونظراً لأن جلجامش يعرف بأنه سيُقتل يهرب ويقول بأن لا تقوم باختياره وهناك مخطط الهروب الأول وهناك مخطط الهروب الثاني، بينما يتم اعتقاله في كل مرة ويعيدونه إلى المعبد وعلى ما أعتقد أن هناك حقيقةٌ بارزة قد حدثت ويتم العفو عنه وهنا لا أعلم كيف حدث ذلك العفو لأنني لم أدقق في هذا الأمر، فالعفو عنه أمر مذهل وهذا ما يؤدي إلى تكوين ملحمة جلجامش، أي أن الفرق في جلجامش أنه يخرج من كونه رجلاً محكوماً عليه بالقتل وبعد أن يتخلص من كونه رجلاً مقتولاً تحدث هذه الملحمة ويتم حفرها على الحجارة وكتابتها على ألواح القراميد فهي تشكل بداية العصر الذكوري الذي يمتد إلى يومنا هذا، كل ذلك يحدث في الألف الرابع قبل الميلاد وتُعاش إلى الألف الثانية بعد الميلاد، حيث تنتقل الهيمنة إلى الحكم البابلي إلى الرجل تدريجياً وهذه المرة يصبح الرجل هو الأسمى والمرأة تحجز في المعابد. حيث يقوم جلجامش بإرسال إحدى العاهرات إلى أنكيدو (علماً أن هناك احتمال كبير بأن أنكيدو هو النموذج الكردي الذي يحيا في الجبال) إنها أسطورة ملحمية وفيها ثقافة الاستيلاء على الرجل من خلال عاهرة فماذا يفعلون؟ فهم يبكون ويولولون وهناك معبدهم وكما تعلمون أن النساء المختارات جيداً موجودات في المعبد وفي مجمع أوروك هناك امرأة ولديها معبدها ويمكن تسمية وصف ذلك بما يسمى بيت الدعارة في يومنا، وهناك التحول من المعبد إلى بيت دعارة، وهناك ما يسمى بالراهب الديني، وهذا يعتمد على الرجل أي أنها مجتمعية الاعتماد على الرجل، وهذا لا زال قائماً أليس كذلك؟ إنه أمر بارز جداً هناك تسربات إلى صفوفنا أيضاً وأرادوا تمزيق صفوف PKK أرسلوا هكذا نساء إلى صفوفنا بشكل خاص، إنه أمر صاعق لقد عشنا هذه الأمور حتى أنا أيضاً ربما عشت هذه الأوضاع؛ لأنها حقيقةٌ موجودة والآن هذا أمر منتشر أيضاً، فهناك من تسلط على التنظيم إلى درجة أنه يحاول لمّ التنظيم حوله وتحت نفوذه، لا شك أن لهذا التوجه أساس تاريخي تم بذر بذرتها في هذه الأرض، فقد جلبوا أنكيدو من جبال زاغروس ويقال أنه رجل قوي وباهر وله من القوة بما لدى جلجامش على الأقل، حتى أن جلجامش لا يستطيع العيش من دونه، مثلما هناك الرجل القوي الذي يحمي المدينة وهناك مديح كبير جداً وعندما يموت يعدّ جلجامش نفسه ميتاً، وهو يقول (كيف متُّ وكيف حلّت بي هذه الكارثة) إن ما يتم سرده هي أسطورة مأساوية أما جوهرها فهو أن المرأة استطاعت السيطرة على رجل الجبل وحولته إلى مستخدمٍ في المعبد ليذهب جلجامش إلى الملكية، أي أنه الإله والملك في الوقت نفسه، ولديه جيش من الرجال مثلما يحولون الكرد إلى جنود لدى الحكام ويستخدمون المرأة بشكل كبير في هذا الأمر، ومن خلال بيت للمرأة ويأخذونها إلى ذلك الجبلي ويجعلونه يتوحد مع العاهرة الموجودة في المعبد ويتعرض الرجل للانهيار خلال يومين أو ثلاثة ويتشتت ويقول إنه لن يذهب إلى الجبل مرةً أخرى؛ لأنه يعتاد على الدعارة ومن ذلك اليوم إلى يومنا الراهن يتم وضع أسس هذه المؤسسات التي تخرج المجتمع من مساره وتحول المرأة إلى داعرة وتضع الرجل في أكثر الأوضاع سوءاً، هذا هو جوهر ملحمة جلجامش، لماذا أسرد هذا الأمر فنحن تحدثنا عن الإشكالية وقلنا المرأة والإشكالية حيث يمكن تدقيق هذه الحقيقة تحت هذا العنوان، هل يمكننا إنكار هذا الواقع، إن تأثير هذا لا زال معاشاً بكثافة، فكيف تحول الرجل إلى ذكورية، لقد تحدثت عن ذلك وكيف تحولت الإلهة الأنثى إلى دين الرجل، أحاول شرح هذا الأمر.
في ملحمة جلجامش نرى أن الكردي البدائي أنكيدو ينتهي بشكل مذهل، أنا أذكر هذا الأمر بشكل عام وتقليدي ومن يرغب يمكن أن يتعمق في التفاصيل ولكن الجوهر هو ما ذكرته والمهم بالنسبة لي هو المجتمعية المعتمدة على المرأة والرجل المعتمد على هذا الوضع والتصادم الذي يحدث مع المرأة وبين المرأة الآلهة والرجل الإله، وهذا ما يرد ذكره في التوراة وفي الإنجيل على شكل الرهبان والراهبات، أما في الإسلام فهي مؤسسة الحرم النسائي (الجواري) التي وصلت إلى الذروة لدى العثمانيين ووصلت إلى الذروة في عهد معاوية ووصلت إلى الذروة لدى المسيحيين واليهود وجذور ما نسميه العائلة موجود في التوراة، افتحوا التوراة واقرؤوها وانظروا إلى كيف يتم حجز المرأة في البيت.
استيلاء الرجل على مقتنيات المرأة
إن أسس حجز المرأة في المنزل في عهد زرادشت واليهود يأخذون هذا التوجه من زرادشت في بابل وهكذا يتم إلقاء أسس العائلة بشكل مذهل، الزواج والانغلاق داخل البيت، أي أن الزواج يجلب معه الانغلاق حيث تؤخذ العروس ويحتفل بها ليجري حبسها في البيت.
المرأة تحصد وتجمع النباتات بينما الرجل يتصيد، أي أنه يقتل الكائنات، فالحرب هي قتل الأحياء وقتل الحيوانات جريمة، بينما المرأة التي تجمع بذور النباتات وتسعى إلى تكوين المجتمعية، فهو حدث آخر تماماً، بينما قيامها بقتل الرجل لتعزيز مكانتها ونفسها فهو أمر مختلف جداً وسأفسر ذلك أكثر، أحدهما تحول إلى مجتمع إبادات في الوقت الراهن، والآخر لا زال يعمل من أجل الحفاظ على المجتمع، بناءً عليه فإن الثقافة التي تسعى للحفاظ على المجتمع تعتمد على السيسيولوجية التي تكونت حول محور المرأة. بينما المجتمع الذي يجعل من الحرب أساساً له ويعتمد على الغنائم هو المجتمع الذكوري على الأغلب وكل ما يسعى إليه هو الاستيلاء على فائض القيمة. إن ماركس يربط ذلك بالطبقية بينما ليس من داعٍ لذلك، فلو توفرت إمكانية لأي فائضٍ كأن تتجمع تلك القيم كالنباتات لدى المرأة أو فائضٍ من الغذاء، نجد أن الرجل بدأ بالطمع فيه، فهو يقوم بالصيد من جانب ومن الجانب الآخر يطمع فيما جمعته المرأة من أغذية ليستولي عليها وبذلك يستولي على الغذاء والمرأة معاً وهكذا تبدأ القصة، أي أنه يضرب عصفورين بحجرٍ واحد.
نعم إن المرأة طورت المجتمع وأنشأت البيت وتقوم بتغذية أطفالها، حيث هناك كلان تابعٌ للمرأة وهناك مجتمعٌ حول المرأة، إلى أن وصلت المرأة إلى درجة الإله واستطاعت إدارة شؤون المجتمع على مدى ثلاثين ألف عام، بينما الرجل الصياد أسس بعض المجموعات التابعة له، واستطاع لمّ شمل مجموعةٍ في نادي يسمى بأخوة الرجل، حيث يتألف ذلك النادي من عدة خلان، أي أنها مجموعة صيادين تقوم بقتل الحيوانات أولاً ثم يقيمون حفلاتهم، ثم يرون أن المرأة تزرع القمح والشعير والعدس وبذلك تؤسس لما نسميه بالحضارة النيوليتية وتنشئ القرى والبيوت؛ لأنها تقوم بتغذية أطفالها وتحميهم ولديها من الإخوة والأخوات وهن خالات الأطفال، ولديهن أطفالهن أيضاً وهذا يشكل كلاناً وهذا الكلان هو الذي ينتج والذي يخترع. إنانا تقول لأنكي لقد سرقت المئات من (ما) التابعة لي. إن ذلك يعني أنه كان لدي مئات المخترعات والفنون والمؤسسات وأنا التي اخترعت كل ذلك، بينما أنت الآن تقوم بالاستيلاء على كل ذلك وتقول إنني خلقت كل ذلك كذباً ورياءً، هذا ما تقوله لأنكي في الملحمة، تقول إنني خلقت كل شيء وأنت تستولي عليها. وأنا الذي أطرح هذا التحليل لأول مرة وقد شاع هذا المفهوم وبات الجميع مقتنعاً بهذا الواقع وبصريح العبارة، أنا ذكرت ذلك بنمطٍ خاص بي، ثم قمت بتطوير هذا التحليل وهكذا قمت بتحليل ملحمة جلجامش كلها. وفيما يتعلق بالإشكالية فإن الرجل يعتمد على نادي الصيادين هذا ويقوم بالاعتداء على المجتمعية المتعلقة بالمرأة وهكذا تبدأ الإشكالية. هل هذا صحيح، خذ المقتطفات نرى أن هذا قد لقى رواجاً كبيراً في كل مكان وأورفا في المقدمة، حيث يتم قتل الرجل القوي وحادثة زواج كل يوم، إنه أمر غريب ولا أريد التحدث عن ذكرياتي ولكن إحداها تخطر في بالي ولا زالت في ذاكرتي، ونحن كإخوة وأخوات كان لدينا حمار نحمّله الأحمال والنباتات ولا زلت أتذكر ذلك الحقل حيث حدث سوء تفاهم حسب ما أتذكر، وقمت بضرب أختي (عينة) فنطقت بكلمات "إن قدرتك لا تطال سواي"، هذه الكلمات علقت في ذاكرتي فقد كنت أنا الأقوى وربما امتدت إليها يدي لأنها لم تقم بالعمل بشكل صحيح وكافي. الأمر الغريب أن أختي عينة لم تشعر بالحاجة إلى زيارتي، بينما أختي فاطمة فلا زالت على قيد الحياة ولكنها لا تبالي بكل ذلك فهي ملتزمة بدينها، فهل لديها تفكير؟ لقد عاشت كامرأة نصف مجنونة، أمر غريبٌ جداً فربما تكون لديها حياة أليمة أيضاً ولكنها لم تفكر بي كأخ مطلقاً ولم تتشكل لديها محبة عميقة، فهل سيكون الأمر متعلقاً بذلك الضرب عليها وربما هي بدأت تفكر في هذا الأمر، سأبحث عن هذه الحقيقة يوماً ما، الوضع هو كالآتي وهو الوضع الذي نراه شائعاً، فعندما يتضايق الرجل يقوم بقتل المرأة وفي يومنا ليس هناك فرق كبير بين القرية والمدينة ولا يمكن الفصل بين أورفا واسطنبول، ربما هكذا حوادث تحدث في اسطنبول أكثر، إنها قضية مذهلة إشكالية الأسرة وأعتقد أن ذلك نابعٌ من الزيجات ومن أشكال تلك الزيجات وباتت الأسرة المقدسة خيالاً، فليس هناك من أسرة مقدسة حيث يتم حجز المرأة لتتعرض لعبودية مذهلة ولا تستطيع التحمل ثم تنفجر وتنشطر بينما الرجل يقوم بضربها، الصحف والجرائد مليئةٌ بهكذا أخبار بينما لا تقوم المرأة بالضرب أو ممارسة العنف حتى بنسبة واحد بالألف، بينما الرجل يمارس الضرب بنسبة 999 بالألف وهل يمكن إنكار ذلك. لا حاجة لممارسة الرياء في هذا الموضوع، فبالنتيجة هذه الإشكالية تنبع من هنا ولا تتولد من الطبقية بل تتولد من العلاقة بين الرجل والمرأة، فهل هذه مشكلة؟ نعم إنها مشكلة بل هي مشكلة أساسية، فها قد بحثنا عن رأس الخيط في ملحمة جلجامش وبحثنا عن جذور هذه الإشكالية لدى المجتمع السومري، وهذا ما وصل إلى ذروة فيما بعد من خلال بناء الدولة والمدينة والطبقية والفصل بينها. هذا الأمر موجود في التوراة وهناك أمثلة كثيرة وردت في القرآن، حتى أن تغطية كوبكلي تبة ربما تكون من صنع الرجل وكفكرة يمكن أن تكون هذه لعبة من ألاعيب هيمنة الرجل ولكن لا أستطيع الفصل أو الحسم في هذا الموضوع ولا أريد أن أعطي تفسيراً أو تعليقاً على هذا الموضوع، فما جرى في كوبكلي تبة هي ثقافة شائعة حيث هناك آثار مماثلة لها بما يقارب مائتي موقع بين الفرات ودجلة، هناك تلة قره خان حيث فيها دلالة على تفوق عضو ذكري يتوضح بشكل بارز وهناك هياكل مماثلة حيث تنتقل هذه الهياكل الذكرية لتصل إلى الهند وإلى مصر، أي أن هناك عبور إلى عصر التفوق الذكوري ولكن هذا التفوق يتحقق بعد ثلاثين ألف سنة من نشوء المجتمعية على محور المرأة، حيث هناك غزارة في الإنتاج ففي ميزوبوتاميا العليا هناك غنى في الخيرات وفي الإنتاج فحتى لو أشرت بيدك ستحصل على النبات والغنى، هكذا كان محيط قره جه داغ حيث نشأت ثقافة زراعة القمح والشعير وتم تدجين الغنم والماعز حيث أن وجود هكذا منطقة غنية بالأمطار نادرة في البقاع الأخرى من الأرض، ففي هذه المنطقة هناك تناسق مذهل بين المطر والتراب وهكذا يحصل انفجار في إنتاج النبات والحيوان، البشر يأتون من أفريقيا ويقطنون في هذه المنطقة حيث الغنى من حيث النبات والحيوان، والصيادون يحظون بكثير من الصيد، وكذلك الذين يقطفون ويجمعون كلهم يلتمّ شملهم في تلك المنطقة، أحدهما يأخذ من المرأة محوراً والآخر من الرجل، فما هي النتيجة؟ يحدث الاشتباك؛ فالرجل صياد ولديه السلاح المصنوع من حجر الصوان بين يديه وهذا النوع من السلاح لا زال موجوداً في محيط كوبكلي تبة والتجارة بهكذا حجر لا زال موجوداً، إنها تجارة مربحة وحجر الصوان في حقيقته هو سلاح لأنه حاد كالسكين وهو موجود في يد الرجل ويستطيع ذبح كل شيء بذلك السلاح، المرأة تخسر في مواجهة هذا التفوق فالرجل لديه مجموعة في نادي صغير يتألف من خمسة إلى عشرة أشخاص من الخلان وفي أيديهم سكاكينهم القاطعة ويقتلون حيث ما يتوجهون (حتى أنا أحب خالي وهو غالي علي جداً بينما لا أتذكر كثيراً عماتي، كما أنني أتذكر خالاتي جيداً بناءً على الانتماء الأمومي)، ففي الانتماء الأمومي أخ الأم كخال الأولاد مؤثر في الكلان مما يعني أن هناك الاحتفاظ بخصوصية الانتماء الأمومي، وفي هذه الثورة المضادة يتعرض المجتمع ذو الانتماء الأمومي إلى ضربةٍ كبيرة ويتم الاستيلاء على القيم التي اخترعتها الأم مثلما يسخرون الأم وأولادها في أعمالها الشاقة، بينما المرأة تقوم بقتل الرجل في الزواج المقدس مثلما يتم قتل جلجامش في ملحمته حيث تمتد جذور هذه التقاليد إلى ذلك العصر، إنها عملية تقديس رهيبة، فحتى لو كان ذلك الرجل حبيب تلك المرأة يتم قتله. لماذا؟ لأنها تدرك بما سيحل بها وحتى لا تتعرض لتلك الكارثة تقوم بقتله حتى لو كان حبيبها، كي لا تتعرض لتلك المعاناة، هذا هو جوهر الموضوع وهذه هي المادية التاريخية، وهذه هي الفكرة المفيدة التي نستطيع أخذها من الماركسية، فالجدلية المادية هكذا تشرح الأمر وبذلك تنتهي هيمنة المرأة على المجتمع مع المجتمع السومري، فالمجتمع السومري يعني العبور إلى مجتمع هيمنة الرجل، ما يعني أن هذا العبور ينتهي باستعباد المرأة وعندما يكتمل هذا العبور يتم كتابة ملحمة بابل وملحمة أنوما إيليش اقرؤوها وسترونها صاعقة، العبرانيون هم الذين حولوا مضامين تلك الملاحم إلى دين، فالمجتمع العبراني أخذ التوراة من ملحمة أنوما إليش وقد وردت هذه الملحمة في التوراة، ففي التوراة يتم ذكر كيفية التحول الذي حدث لدى القبيلة العبرية، فالتحول الذي جرى كان مادياً ومعنياً واسم هذا التحول بما معناه هو التوراة، ثم يلد الإنجيل من التوراة ثم يلد القرآن وليس من أحد ينكر هذا الأمر، والنتيجة هو الحجز ضمن البيت وهناك احتمال كبير أن زرادشت قد أسهم في ذلك، فالرجل يقدس الأعضاء الجنسية، أي أنه يعيش أنا المركزية فهو يضع عضوه الذكري مكان الإله وهذه التقاليد لا زالت موجودة في الهند، ولكن قبل ذلك المرأة هي الإلهة وهذا هو الأمر المهم، فهو يصل إلى درجة أن يقول لست أنا فقط بل عضوي الذكري هو الإله أيضاً وعليكم أن تعبدوه، علماً بأن هذا موجود في الكتاب ويجري سرده في التوراة بشكل مكشوف وما يهمنا هو التعريف بهذه الوقائع، فالتعريف بها وتفسيرها أمر مهم لأن هذا يحول الحدث إلى دين، وهذه الأمور لا زالت موجودة وسنتطرق إلى الأوبئة الحديثة لدى الغرب في يومنا هذا والمرحلة التالية ستكون التملك، علماً بأن الحجز ضمن المنزل يعبّر عن إيديولوجية خطيرة ويتسبب في مشكلة كبيرة، وكما ذكرت فإن الإشكالية تبدأ من هنا لدى المجتمع، كيف يتحول ذلك إلى إشكالية في المجتمع، فإن هذا يخلق الطبقية ويخلق الدولة والرجل هو الذي يفعل كل ذلك، حيث يقوم الرجل بثورة أرستقراطية وبثورة برجوازية ولكن كل ذلك يدور حول محور عبودية المرأة وتنشأ الدولة وعندما تصل الأمور إلى مستوى الدولة فليست هناك قوة قادرة على التحكم بالرجل لأنه بذلك يعبر عن قوةٍ لا حدود لها والدولة مطبوعةٌ بطابع الرجل.
المرأة هي من خلقت الاقتصاد
نحن قمنا بإلقاء أسس تحرر المرأة فكيف يتطور هذا الأمر وأنا بالنسبة لي ونظراً لاحترامي الكبير للمرأة، أرى أنه يبدأ التحرر من الفكر أولاً، هذا ما قلته وابتدأت به وقلت عليكن أن تعشن كما تردن إذا توفرت لديكن القدرة على ذلك بالطبع. يقولون: "تخلوا عن المرأة وليحارب الرجال بعضهم البعض ولتكن المرأة حبيبة" وأنتم قوموا بما هو مطلوب منكم إذا كنتم قادرين، وأنا لا أضع حدوداً أمامكم ولكنني لست مسؤولاً عما سيحدث لكم، أليس كذلك؟ كل ما أستطيع القيام به هو فتح نافذة الحرية أمامكن ولكن ما نراه أن هناك ارتباطٌ بجهات مختلفة، فإذا ذهبت إلى أي رجلٍ وناقشته في موضوع الزواج ستجد أنه يحمل غريزة التملك، أي أننا بعيدون عن تحقيق المساواة بمسافة كبيرة، أي أنها تتلقى ضربتها من جانب وإذا افترقت فكيف ستعيش بمفردها؟ المرأة التي صنعت الاقتصاد باتت الآن محتاجة إلى النان (خبز) أي أنها بحاجةٍ إلى الرجل أليس كذلك؟ إنها قناعةٌ صادمة عندما لا يعمل الرجل تبقى المرأة جائعة، بينما المرأة هي التي خلقت الاقتصاد، فالأكونومومي هي كلمةٌ أصلها هيليني مما تعني (شؤون البيت) معنى هذه الكلمة هي اقتصاد البيت أي علم تدبير شؤون البيت الاقتصادية، هذا من عمل المرأة، ففي العصور الأخيرة وصلت علاقة المرأة بالاقتصاد إلى مرتبة الصفر، فهل هناك أي شأن اقتصادي بيد المرأة؟ كلا، إن الشؤون الاقتصادية كلها بشركاتها هي تحت هيمنة الرجل، عندما أقول هذا الكلام الكل يتعجب. جان جاك روسو يشد الانتباه إلى هذا الجانب، إنه أمر غريب، كما هناك آدم سميث إنهم يحتارون، فدخول الاقتصاد تحت هيمنة الرجل يعود إلى الغرب وقد حدث ذلك بشكل مذهل، قبل ذلك وفي العصور الوسطى وفي العصور القديمة كانت هناك بعض جوانب الاقتصاد تحت هيمنة المرأة ولكن مع الرأسمالية تم القضاء على تلك الإمكانية تماماً، حيث الهيمنة أصبحت للشركات، فالنقد والرأسمال باتا من احتكار الرجل ولم تبق للمرأة أية سلطة ولا أية ثقة في الاقتصاد، بل تم ربط الاقتصاد بالرجل تماماً. النقد وتقنياته ومراكزه وعلومه كلها أصبحت بيد الرجل، حسناً فماذا حل بالمرأة؟ وأنا أسمي حال المرأة هذه بـ (البلبل المغرد في قفص) أو (زينة الرجل في البيت)، أما جسد المرأة فهو ليس موضوعاً للتملك فقط، بل لم يبق هناك جانب منها لا يستخدم في خدمة الرأسمالية، ابتداءً من الشعر وصولاً إلى الساق ووصولاً إلى الروح والصوت وكل ما يتعلق بالمرأة بات موضوعاً للتملك، هل يستخدم جسد المرأة في الدعايات التجارية؟ إنه أمرٌ مريع، عليكن أن تمتلكن أجسادكن، فالجسد الذي يراقبه الرجل بجميع الجوانب ويتحكم به كيف سيكون جسدكن، فهو يقوم بوضع الحدود لكيفية استخدام هذا الجسد وهو الذي يضع حدودكِ وهو الذي يحدد الساعة وإذا لم يمنحكِ النقود ستبقين جائعة وأنا لا أريد إضفاء المزيد من السواد على هذه اللوحة. كل هذه الأمور أصبح واقعاً، مثلاً ماذا قلتُ أنا، قلتُ أن الاشتراكية تمر عبر حرية المرأة والنقطة التي حيرتني هي أن بعضهم بما فيهم ماركس يبيع ملابسه للعيش مع زوجته وهو الذي ألف أكبر كتاب بحق الرأسمالية وينتقدها ولكنه لا يستطيع العيش وكما لا يستطيع إعاشة زوجته وأولاده، فيقوم ببيع ملابسه ويقول "أكتب هذا الكتاب ليحقق لي دخلاً وبذلك أنقذ الزواج"، والآن إذا كان مؤسس علم الاجتماع يقول هذا الكلام، فماذا سيحل بنا، هل هكذا تكون الماركسية، مع الأسف هذا ما جرى ونحن عبدناها ونظرنا إلى ماركس على أنه رسول أو نبي، بينما الآن نحاول تجاوزه. الوضع كارثي، فالمرأة في الأصل باتت منتهية.
"مجتمعية المرأة وإشكاليتها"
لينين وماو وستالين لا يستطيعون العيش خوفاً من المرأة وهناك الجهد الكبير الذي بذله لينين وأنا لا اتهمه وكذلك ستالين يجعل من المرأة ملكيةً ويحجزها ضمن البيت، فحتى لو لم يقتلها فإنه قد وضع المرأة في وضعٍ أشنع، هذا ما أريد أن أقوله. الأمر الذي تصرفت فيه ببعض العقلانية هو أنني قتلت الرجل وكانت هذه الميول موجودةً لدي وقد تطرقت إلى ذلك آنفاً، فعلى الأقل هناك التجارب التي مررت بها بنفسي، فرفيقي وأغلى الرفاق طلبوا مني قتلها ولكنني تصرفت بالبال والحذر واليقظة وتصارعت معها على مدى عشر سنوات ولكنني كنت حذراً، لنقل دعك منها، فماذا ستفعل وماذا سيحدث، لقد ذكرت كل شيء، وعندما هربت كان ذلك تحررٌ مذهلٌ بالنسبة إلي، هذا هو نمطي الذي جعلني صامداً وباقياً، بينما الجميع كانوا يرون ما فعلته معيباً ويقولون "لقد هربت زوجة الرجل" ويقولون "إذا هربت زوجة الرجل فإما أن يقتلها أو أن يحزن عليها"، بينما أنا رأيت في ذلك تحرراً.
إن ما فعلته هو عكس ما يفعله الرجال تماماً، فقد وجدت أن تحرري بدأ بانتهاء هذه العلاقة وعندما أقول ذلك يسخر الجميع مني بينما أنا أقولها بكل صراحة "لقد تحررت" وفي الحقيقة فإنني أنقذت نفسي من تلك التقاليد وهذا يعني أنني أنقذت نفسي من إشكالية المرأة، فأنا إذا قتلت المرأة ماذا سيحدث لي، أكون قد قضيت على حياة ولا يمكن للمجرم أن يكون اشتراكياً، قد يفعلها ستالين أما أنا فلا أستطيع، لأنني أرى في ذلك خطأ جسيماً، وهكذا فإن الكادرات غير المتزوجات أمثالكن يشكلن مشكلةً كبيرة بالنسبة لي، حسناً ما هي الفائدة في ذلك؟ فنحن على الأقل استطعنا توفير إمكانيةً للتفكير الحر على مستوى الشخصية وحسب قناعتي فإن إمكانية التفكير الحر أمرٌ مهمٌ جداً وهي الخصوصية الأهم التي تجعل من الإنسان إنساناً ويمكن رؤية آثار هذا التفكير لدى سقراط، فالفكر الحر لديه مرتبطٌ بالزواج، أما بالنسبة إلي فهو الذي يمنحني الصمود والبقاء، فمن الواضح جداً أن هذا يمنحكن الصمود أيضاً، فإذا تم ضياع التفكير الحر لديكن، فستنتهين من دون شك، بناءً عليه فهذا هو مخرجنا الجديد أي الاشتراكية أي الهوية الكردية الجديدة والحرية الكردية يمكن أن تتطور على هذا الأساس، أي أنه نقدٌ للحضارة وكذلك نقدٌ للحداثة ونقدٌ لعبودية المرأة، هذا يدل على تطورٍ عظيم لدينا وهناك تخطي لوضعنا على المستوى الفردي على الأقل، وهناك تقدم على المستوى الجماعي أيضاً وأعتقد أن هذا الأمر هو أكبر مساهمةٍ من جانبنا في الاشتراكية، وهذا ما قلته من حيث الإجمال وبمثابة المدخل إلى كتاب بعنوان "مجتمعية المرأة وإشكاليتها".